لا يختلف المبدأ المستقر عليه في التحكيم التقليدي بخصوه التحكيم عن ذلك المبدأ المسلم به، في شأن مقر التحكيم، حيث يترك له الحرية الكاملة في اختيار اللغة التي ينعقد بها التحكيم وإلا قامت الهيئة 4 تشكيلها باختيار هذه اللغة. وفي ذلك تنص المادة 34 من قانون التحكم المصري على أنه:
«(۱) يجرى التحكيم باللغة العربية ما لم يتفق الطرفا تحدد هيئة التحكيم لغة أو لغات أخرى. ويسرى حكم الاتفاق أو القرار على لغة البيانات والمذكرات المكتوبة وعلى المرافعات الشفهية وكذلك كل قرار تتخذه هذه الهيئة أو رسالة توجهها أو حكم تصدره ما لم ينص اتفاق الطرفين أو قرار هيئة التحكيم على غير ذلك.
(۲) ولهيئة التحكيم أن تقرر أن يرفق كل أو بعض الوثائق المكتوبة التي تقدم في الدعوى ترجمة إلى اللغة أو تلفات المستعملة في التحكيم. وفي حالة تعدد هذه اللغات يجوز قصر الترجمة على بعضها».
وربما أقام النص في فقرته الأولى قرينة قوامها أن الأصل هو جريان التحكيم باللغة العربية، بيد أن هذه القرينة لا يعمل بها في حالتين:
الحالة الأولى: اتفاق الأطراف على لغة أو لغات أخرى، حيث يعتبر هذا رد ملزما للجميع وتتعطل بمقتضاه كل القرائن التي يمكن أن تتقرر في هذا، وهو ما يعني أن الإرادة الأطراف الكلمة الأولى فيما يتطق بلغة التحكيم ومن ثم يمكنهم اختيار أي لغة لتكون لغة الدعوی.
- الحالة الثانية: تحديد هيئة التحكيم لغة أو لغات أخرى، فالأصل ألا يتعطل بإرادة الأطراف فقط، وإنما برغبة هيئة التحكيم أيضا التي يكون في ضوء الظروف والملابسات - أن تقرر استخدام لغة أو لغات أخرى غير اللغة العربية كاللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الأسبانية... إلخ. وإذا كان الهيئة التحكيم أن تعطل الأصل السابق، فإن قرارها باستخدام لغة أخرى يجب أن يستند إلى «معیار موضوعی. وقد يكون هذا المعيار هو لفة العقد والمستندات المتبادلة بين الطرفين بشأنه أو بشان النزاع، أو لغة الدولة التي اتفق الطرفان على اختيارها كمكان للتحكيم، أو لغة الدولة التي انعقد فيها العقد محل النزاع وجرى تنفيذه أو كان يجب تنفيذه فيها»، وقد يكون هذا المعيار هو لغة اتفاق التحكيم ذاته، خاصة إذا كان متمثلا في مشارطة تحكيم تم إبرامها بعد حدوث النزاع أو اللغة المشتركة للمتعاقدين أو اللغة التي يجيد المتعاقدان تحدثها إذا كانا مختلفي اللغة.
والقاسم المشترك بين الحالتين هو جواز اتفاق الأطراف تحديد هيئة التحكيم للغة أو لغتين أو ثلاث لانعقاد التحكيم، وهنا تتساوی ده اللغات من حيث الأهمية، حيث تعتبر كل منها بمثابة لغة من اللغات التي يصي بها التحكيم. وفي غير هاتين الحالتين ينعقد التحكيم باللغة العربية، علی اعتبار أنه الأصل الذي يجري في الفروض التالية:
- اتفاق الأطراف صراحة على استخدام اللغة العربية على أنها لغة التحكيم"
- سكوت الأطراف عن بين لغة التحكيم مع عدم تحديد هيئة التحكيم للغة أخری"
-سكوت الأطراف عن بيان اللغة مع رغبة هيئة التحكيم الصريحة في الفصل في النزاع طبقا للغة العربية.
وقد تبدو حاجة الطرفين في بعض الأحوال ملحة لتقديم أصول بعض المستندات المحررة بلغتها الأصلية، والتي لا تعتبر في ذات الوقت هي لغة التحكيم، فهنا وللتوفيق بين المحافظة على هذا الأصل والاحتفاظ بحجيته الكاملة في الإثبات من ناحية وبين وجوب استخدام لغة التحكيم في جميع إجراءاته من ناحية أخرى، أوجب نص المادة ۲/۲۹ ضرورة أن يرفق بهذه المستندات ترجمة إلى اللغة أو اللغات المستعملة في التحكيم، حيث تتمتع الهيئة بسلطة الأمر بتقديم ترجمة واحدة بإحدى هذه اللغات أو تقديم ترجمات بعدد اللغات المستخدمة في التحكيم.
وأصل تنظيم محكمة الفضاء الاستمرار في سياسته الموسعة لاختصاصات هيئة التحكيم الإلكتروني على حساب الإرادة المشتركة للمتعاقدين فقرر في مادته الثانية عشر أن «تتولى هيئة التحكيم تحديد لغة أو لغات دعوى التحكيم مع الأخذ في الاعتبار شروط التعاقد بما في ذلك لفة العقد». وقد جاء هذا النص مطابقا في مذهبه لنص المادة ۱۳ من تنظير نفس المحكمة عندما عهد مباشرة لهيئة التحكيم بمهمة تحديد مقر التحكيم الإلكترونی، إذ يعهد لذات الهيئة مرة أخرى بمهمة جديدة، قوامها تحديد اللغة أو اللغات التي ستتولى الهيئة الاستعانة بها للفصل في النزاع التحكيمی.
وأقل ما يوصف به هذا النص أنه جاء - كسابقه - غير موفق في صياغته، فالأولى أن يتم تحديد لغة التحكيم Langue de l'arbitrage بواسطة الأفراد أولاً مع الاحتفاظ بهيئة التحكيم كسلطة احتياطية تتولى تحديد هذه اللغة في حالة سكوت اتفاق التحكيم عن تحديدها. يضاف إلى ذلك أن النص يصطدم بأحد المبادئ الأساسية للتحكيم حين يتجاهل بل ويتجاوز إرادة الأطراف بطريقة غير مبررة وغير مفهومة - وعلى الأخص في مجال التحكيم الإلكتروني - مقررة قيام هيئة التحكيم باختيار لغة التحكيم بأسلوب مباشر دون مراعاة لإرادة الأطراف، وإنما كل ما وجهه من إرشادات للهيئة يتمثل في المراعاة شروط التعاقد بما في ذلك لغة العقد». . .
ومرة أخرى نعود إلى اعتماد رأينا السابق الذي أبديناه في خصوص التوفيق بين سلطة هيئة التحكيم في تحديد مقر التحكيم الإلكتروني وفقا للمادة ۱۳ وبين الاختيار المسبق لهذا المقر من قبل الأطراف، لنؤكد أنه إذا اتفق الأطراف على اختيار لغة - أو لغات - التحكيم الإلكتروني لتعين على الهيئة الالتزام بهذا الاختيار، حيث يصعب أن تقوم بتعديله أو الانتقاص منه، على أن تحتفظ هذه الأخيرة دائما بدورها الاحتياطي لتحديد لغة التحكيم في حالة عدم تطرق شرط أو مشارطة التحكيم الإلكتروني لهذه المسألة.
وبهذه المثابة، وفي جميع الأحوال يتضح أن التحكيم الإلكتروني لن يجري بلغة إلكترونية، فالحاسب الآلى يتم التعامل معه باللغات المتعارف عليها، ومن ثم يخضع اختيار هذه اللغة إما لإرادة الأطراف أو لتقرير المحكم وفقا للأحكام السابقة.