الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / لغة التحكيم / الكتب / التحكيم في القوانين العربية / لغة التحكيم

  • الاسم

    د. أحمد ابو الوفاء
  • تاريخ النشر

  • اسم دار النشر

    منشأة المعارف بالأسكندرية
  • عدد الصفحات

    216
  • رقم الصفحة

    336

التفاصيل طباعة نسخ

لغة التحكيم

المسألة الأولى : اللغة العربية ( السعودية ) 

يقصد بلغة التحكيم اللغة التي تستخدم في إجراءات التحكيم من لوائح ومذكرات وسماع شهود وخبراء. وعادة ما تكون هذه اللغة، العربية ما دام أن التحكيم في دولة عربية، وبافتراض أن أساس العلاقة العقد مثلاً، والمراسلات بشأنها باللغة العربية، وأن القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع هو قانون الدول العربية التي يجري التحكيم على أراضيها. وقد نص على ذلك القانون السعودي صراحة ، بالقول في المادة (25) من اللائحة التنفيذية، أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية التي تستعمل أمام هيئة التحكيم، سواء في المناقشات أو المكاتبات، ولا يجوز للهيئة أو أطراف النزاع وغيرهم التكلم بغير اللغة العربية، وعلى الأجنبي الذي لا يستطيع التكلم بالعربية، اصطحاب مترجم موثوق به يوقع معه في محضر الجلسة على الأقوال التي نقلها. 

ويبدو أن هذا الحكم في القانون السعودي من النظام العام، لا يجوز الاتفاق على خلافه. وأبعد من ذلك، يمكن القول أن التحكيم الذي يجري في السعودية بغير اللغة العربية يعتبر باطلا . إلا أننا نرى قصر ذلك على التحكيم الداخلي البحت وعدم تطبيقه على التحكيم الدولي الذي يكون مكان التحكيم فيه السعودية، ونرى ترك هذه المسألة لاتفاق الأطراف ولهيئة التحكيم، حسب ما هو مبين سابقاً .

المسألة الثانية : اللغة في القوانين الأخرى

أما القانون الإماراتي، فقد نص على أن يكون حكم التحكيم باللغة العربية، ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك، وهو ذات الحكم في القانون الكويتي. وحسب القواعد العامة، فإن مثل هذا الاتفاق قد يكون صريحاً أو ضمنياً. ومثال الاتفاق الضمني أن يقدم المحتكم لائحة دعواه ومستنداته للمحكم باللغة الانجليزية دون اعتراض من الطرف الآخر، الذي يقدم بدوره لائحته الجوابية ومستنداتها باللغة الانجليزية أيضاً، مما يعني أن لغة التحكيم هي الانجليزية. ونرى تفسير النص في القانونين تفسيراً واسعاً ، بحيث يشمل كافة إجراءات التحكيم، أي جواز الاتفاق على لغة غير العربية في هذه الإجراءات. فجواز إصدار الحكم، وهو محور التحكيم، بغير اللغة العربية، يعني ضمناً جواز الاتفاق على السير بكافة أو بعض إجراءات التحكيم بغير اللغة العربية. وعمومية النص تعني جواز الاتفاق على لغة غير العربية، سواء كان التحكيم وطنياً بحتاً ، أو دولياً.

وأغلب القوانين العربية لا تنص على لغة التحكيم. ونرى بالنسبة لهذه المسألة، أن النص في قوانين المرافعات على وجوب إتباع اللغة العربية في إجراءات التقاضي، ليس من النظام العام إذا تعلق الأمر بإجراءات التحكيم، حتى لو كان التحكيم داخلياً أو وطنياً بحتاً، ما دام لا يوجد نص خاص بذلك. إذ أصبحت بعض اللغات الأجنبية، دارجة في الدول العربية، بالنسبة لكثير من العقود والمراسلات بشأنها، وخاصة عقود الإنشاءات والنفط ومشتقاته والتنقيب عن الثروات الأخرى في الدول العربية. وغالباً ما تحيل هذه العقود في تسوية المنازعات للتحكيم، مع النص على أن لغة التحكيم هي اللغة الأجنبية المحرر بها العقد، والنص في الوقت ذاته على أن مكان التحكيم، هو الدولة العربية التي سينفذ فيها العقد. والإصرار على إجراء التحكيم باللغة العربية، تطبيقاً للقواعد العامة في إجراءات التقاضي أمام المحاكم، قد يؤدي إلى هروب التحكيمات من الدولة العربية لدولة أجنبية تجيز إجراء التحكيم بغير لغتها. كما أن التوجه الحديث في التحكيم في مختلف الدول، بما فيها الدول العربية، يجيز إجراء التحكيم داخل الدولة بغير اللغة العربية، حتى لو كان التحكيم داخلياً وليس دولياً .

،ومتى جاز للأطراف الاتفاق على لغة التحكيم، فإن من حقهم الاتفاق على أكثر من لغة حسب طبيعة النزاع وظروفه. فقد تكون بعض المراسلات بين الأطراف باللغة العربية وأخرى بالانجليزية، وثالثة بالفرنسية. فيتفق الأطراف على أن تقدم الوثائق للمحكم بلغتها الأصلية. أو يكون التحكيم باللغة العربية، ويستمع المحكم لشاهد انجليزي لا يجيد اللغة العربية، ولا يمانع الأطراف من الاستماع له ومناقشته واستجوابه، وتدوين كل ذلك بلغة الشاهد الأصلية أي الانجليزية .

وإذا لم يتفق الأطراف على لغة أو لغات التحكيم، تتولى ذلك هيئة التحكيم. وقد جرت العادة أن تكون اللغة في هذه الحالة هي لغة العقد المتضمن لاتفاق التحكيم . وإذا كان للعقد أكثر من لغة يطبق المحكم إحداهما أو كلاهما حسبما يراه مناسباً. بل نرى أنه لا يجوز للمحكم تقرير لغة غير لغة العقد إذا اعترض أحد الأطراف على ذلك، إلا لأسباب مبررة قوية. كأن يكون العقد مكوناً من عدد قليل من المواد باللغة العربية، في حين أن كافة المراسلات السابقة واللاحقة عليه، وهي كثيرة باللغة الانجليزية. ومع ذلك، يمكننا أن نقرر هنا أنه إذا اعترض الطرفان كلاهما على قرار المحكم باعتماد لغة معينة، فيجب على المحكم استبعادها وتطبيق لغة أخرى غير معترض عليها من الطرفين تمشياً مع حرية الإرادة في التحكيم.

،وإذا تقررت لغة أو لغات معينة في إجراءات التحكيم، فيجب السير في التحكيم من بدايته وحتى نهايته بما في ذلك حكم التحكيم، بتلك اللغة أو اللغات، ولا يجوز الانحراف عنها للغة أخرى، إلا باتفاق الأطراف أو لأسباب مبررة قوية، وإلا كان الحكم عرضة للطعن به إما بسبب مخالفة المحكم للاتفاق، أو مخالفته للإجراءات كما سنرى لاحقاً. وانطلاقاً من المبدأ ذاته فإن أي مستند يقدم بغير لغة التحكيم، لا يجوز قبوله والاستناد إليه في الحكم، إلا بعد تقديم ترجمة له ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك، وإلا كان الحكم أيضاً عرضة للطعن أما إذا لم يكن للمستند أثر في الحكم، بمعنى أن الحكم صدر بمعزل عن ذلك المستند، فلا يتأثر الحكم نتيجة ذلك، أي لا يكون الطعن به لهذا السبب مقبولاً .

وليس هناك ما يمنع المحكم، حسب سلطته التقديرية، من الطلب من أطراف النزاع أو أحدهم تقديم ترجمة لبعض المستندات بلغة التحكيم، بالرغم من اتفاقهم على تقديمها بلغتها الأصلية وبداهة فإنه لا يمتنع على الأطراف أو أحدهم من تقديم ترجمة لتلك المستندات حتى دون طلب من المحكم. وفي جميع الأحوال، يجوز أن تكون الترجمة رسمية من قبل مترجم محلف ، أو عرفية حسبما يراه المحكم مناسباً، خلافاً للقواعد العامة في الإجراءات المتبعة أمام المحاكم في قوانين بعض الدول . وإذا كان هناك خلاف بين الأطراف على الترجمة، فإن المبادئ العامة في إجراءات التقاضي، تقتضي إحالة المستند المختلف على ترجمته إلى خبير ترجمة.

وحسب القواعد العامة في الإجراءات، يجب على خبير الترجمة أن يحلف اليمين أمام المحاكم، وهو إجراء شكلي ضروري لصحة الإجراءات. ولا نرى ضرورة لتطبيق هذه القاعدة على الخبير أمام المحكم، الذي له صلاحية تحليف الخبير اليمين أو عدم تحليفه حسبما يراه المحكم مناسباً. ويستند هذا الرأي، إلى أن المحكمين يصدرون حكمهم غير مقيدين بإجراءات المرافعات أمام المحاكم، إلا ما نص عليه القانون من أحكام خاصة بالتحكيم. وفي القوانين العربية محل البحث، لا يوجد نص يوجب على الخبير حلف اليمين قبل أداء مهمته أمام المحكم. 

حتى لو كانت المستندات مقدمة بغير لغة العقد، فليس بالضرورة ترجمتها كلها، وإنما يكفي ترجمة المستندات التي لها أثر في الحكم. ولو كان هناك مستند له مثل هذا الأثر، لا يشترط ترجمته كاملاً ، بل يكفي تقديم ترجمة البند أو البنود التي لها صلة بموضوع النزاع وكل ذلك، يترك تقديره للمحكم.