الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / مكان التحكيم / الكتب / الحماية الدولية لأحكام التحكيم الاجنبية / أهمية مقر التحكيم

  • الاسم

    د. هشام إسماعيل
  • تاريخ النشر

    2012-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    1141
  • رقم الصفحة

    665

التفاصيل طباعة نسخ

  

أهمية مقر التحكيم

   ولذلك يُعد هذا المكان حلقة الوصل التى تربط التحكيم بالنظام القانوني للدولة التي سيسرى قانونها على الجوانب المختلفة لدعوى التحكيم ، ومن ثم فإنه عند إختيار الأطراف لهذا المقر، فإنهم بالتالي يوافقون ضمناً علي سريان قانون دولة هذا المقر التي تجرى على إقليمها إجراءات التحكيم، علي دعواهم رغم عدم وجود إرتباط بين الأطراف أو موضوع النزاع بدولة هذا المقر، إذ قد تنعقد الجلسات والمداولات في مكان آخر خلافه ، وبالتالي تشترط المحاكم  الوطنية في بعض الدول ضرورة توافر ماهو أكثر من مجرد الصلة العابرة بدولة ما لكي تصبح مقراً للتحكيم .

  وفى هذا السياق، أكد اللورد Kerr قاضي محكمة الإستئناف الإنجليزية في قضية "Naviera Amazonica Peruana S.A. v. Compania Internacional de Seguros de Peru ، على:" التمييز بين المركزية القانونية للتحكيم من ناحية، والموقع الجغرافي المناسب أو الملائم لعقد جلسات التحكيم، من ناحية أخرى“.

  ومن هنا تتمثل الفكرة العامة فى مُعاملات التجارة الدولية عند إختيار مكان التحكيم، في أن الأطراف عادةً ما يقومون بالإتفاق على تسوية نزاعهم في مكان مُحايد، لا تربطه بهم أو بتراعهم، علاقةً وثيقة، وتطبيق قوانين هذا المكان على نزاعهم، وتعد نيويورك ولندن وباريس وبرن وجنيف وزيوريخ وهامبورج وبروكسل، من أكثر الأماكن إختياراً وتفضيلاً لتطبيق هذه الفكرة، باعتبار أن هذه المدن قد صارت بمثابة مراكز عالمية للتحكيم، إذ تسمح الأهمية الخاصة لهذه الأماكن الحيادية، للأطراف بالتخلص من إمكانية الطعن بالبطلان على حكم تحكيم دولى .

   ويتوقف تعيين ذلك المكان على إمكانية إحالة النزاع إلى التحكيم، بمعنى قابليته للتحكيم وفقاً للقانون المحلى، وتحديد أنواع النزاعات التي يُحتمل أن تنشأ في إطار إتفاق الأطراف، وتقدير كيفية الفصل فيها في مختلف أماكن التقاضي المحتملة، والحدود الزمنية لبدء التحكيم.

   ويلعب مقر التحكيم دوراً هاماً في إتفاقية نيويورك، حيث يُحدد القانون الذي يُنظم التحكيم، المحكمة المختصة بالتدخل بالمساعدة في إجراءات التحكيم، وكذلك مراجعة حكم التحكيم عن طريق دعوى البطلان كما يُحدد قانون هذا المقر مسألة القابلية للتحكيم وإطار النظام العام في دولة المقر ، وتُعد القضايا المتفرقة التي تتدخل فيها المحاكم الوطنية الكائنة بمقر التحكيم في عملية التحكيم من خلال إبطال أحكام التحكيم نتيجةً لتعارضها مع قانونها الداخلي .. بمثابة تأكيد على أهمية العناية باختيار هذا المقر. 

 

   ففي قضية Titan Corp. v. Alcatel CIT SA قضت محكمة إستئناف Svea السويدية بعدم إختصاصها بنظر دعوي طعن بالبطلان مُقامة علي حكم تحكيم علي أساس أنه لا يوجد أى إرتباط فعلي بين التحكيم والسويد، هذا على الرغم من أن العقد المبرم بين الأطراف المعنية كان ينص علي أن يتم التحكيم طبقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية، وأن إستكهولم هي مقر التحكيم، كما إعتبر كل من الأطراف (شركة فرنسية وشركتين أمريكيتين) والمحكم الواحد أن قانون التحكيم السويدي هو القانون الواجب التطبيق على الدعوي، وقررت المحكمة أنه : "لابد من وجود صلة بين النزاع والقضاء السويدى كشرط جوهري لكي تختص المحكمة السويدية بنظر النزاع ، ولكي تتوفر هذه الصلة يجب بطبيعة الحال أن يرتبط النزاع أو أطراف النزاع بصلة - ولو كانت ثانوية مع السويد

  ولذلك، فإنه ينبغى على أطراف التحكيم توخى الحرص عند إختيار مقر التحكيم، مع الأخذ في الإعتبار عند إتخاذ القرار بإختيار هذا المقر ، حياديته، وتمتعه بنظام قانونى متقدم، وتوافر متخصصين قانونيين مدربين على مستوى عال وكذلك إستقلال القضاء وحصانته في هذا المقر، وكفاءته ومعرفته بالموضوعات التى يُثيرها التحكيم الدولى فى الممارسة العملية، وإلمامه بالقواعد الدولية والتشريعات الوطنية المطبقة في هذا الشأن.

   والتساؤل الذى يُثارهنا، عما إذا كان . من الحكمة الحصول على قانون مُلائم أو مكان مُلائم في مفاوضات عقود التجارة الدولية، إلا أن الإجابة على هذا التساؤل تقتضى القول بأن مناط إختيار قانون معين للتطبيق على النزاع من الناحيتين الإجرائية والموضوعية، أو أيهما، إنما يتصل بإرادة الأطراف وإختيارهم، فهي المحدد الرئيسي لهذا الإختيار، أو يتعلق بتقدير المحكمين، في حالة عدم الإتفاق. 

   وعلى أى الأحوال، فإن النظرة الموضوعية تحتم التقرير بأن المكان الجيد الذي يؤيد نظام التحكيم لا يُقدم إلا قانوناً جيداً ومُلائماً لإعتبارات التحكيم التجارى الدولى، إرتباطاً بتوافر عوامل الثقافة القانونية والخبرات السابقة المتراكمة، ومقومات التطور الحضارى، بما يُرشح للقول بملائمة مثل هذا المكان.

   وهذه الأهمية المعترف بها لمقر التحكيم، تدفعنا بالتالى إلى تركيز البحث حول أثرها على كافة الأسس التي تضمنتها المادة الخامسة (۱) (هـ) من إتفاقية نيويورك، ومن ثم إنعكاساتها على الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، وبحث أوجه الخلاف التي أثيرت بصددها.