وقد كان القضاء المصري سباقاً في إقرار ذلك منذ وقت طويل حيث أنه ذهب إلى تعزيز مبدأ حرية الأطراف فى اختيار مكان التحكيم من خلال العديد من الأحكام على أساس أن رضا أطراف العملية التحكيمية هو أساس التحكيم.
وسياق التشريع المصري يتوافق مع نص م ۲۰ من القانون النموذجي حيث نصت على أنه "1- للطرفين حرية الاتفاق على مكان التحكيم، فإن لم يتفقا على ذلك تولت هيئة التحكيم تعيين هذا المكان ، على أن تؤخذ في الاعتبار ظروف القضية بما في ذلك راحة الطرفين
2- استثناء من أحكام الفقرة 1 من هذه المادة، يجوز لهيئة التحكيم أن تجتمع في أي مكان تراه مناسبا للمداولة بين أعضائها ولسماع أقوال الشهود أو الخبراء أو طرفي النزاع أو لمعاينة البضائع أو غيرها من الممتلكات أو لفحص المستندات، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك."
وهذا النص نجده موافقا للمادة ١٦ وخصوصا الفقرتين الثانية والثالثة حيث نجدها تتفق مع القواعد التي وضعتها لحنة القانون التجاري الدولي التابعة للأمم المتحدة .
فقد نصت م١٦ على أنه "١- إذا لم يتفق الطرفان على مكان إجراء التحكيم، تتولى الهيئة تحديد هذا المكان مع مراعاة ظروف التحكيم.
2- لهيئة التحكيم تعين محل إجراء التحكيم داخل الدولة التي اتفق عليها الطرفان، ولها سماع شهود وعقد اجتماعات المداولة بين أعضائها في أي مكان تراه مناسبا مع مراعاة ظروف التحكيم.
3- لهيئة التحكيم أن تجتمع في أي مكان تراه مناسبا لمعاينة بضائع أو أموال أخرى لفحص المستندات، ويجب إخطار الطرفين بوقت كاف قبل ميعاد هذه المعاينات أو الفحوص ليتمكنا من الحضور وقت إجرائها.
4- يصدر قرار التحكيم في مكان إجراء التحكيم.
وفي حالة عدم وجود اتفاق فقد خول النص الهيئة باختيار المكان المناسب، مراعية في اختيارها ظروف الدعوى وملائمة المكان لأطرافها حيث نصت المادة ۲۸ تحكيم مصري على ذلك بقولها " .. فإذا لم يوجد اتفاق عينت هيئة التحكيم مكان التحكيم مع مراعاة ظروف الدعوى وملائمة المكان لأطرافها ولا يخل ذلك بسلطة هيئة التحكيم في أن تجتمع في أي مكان تراه مناسبا للقيام بإجراء من إجراءات التحكيم كسماع أطراف النزاع أو الشهود أو الخبراء أو الإطلاع على مستندات أو معاينة بضاعة أو أموال أو إجراء مداولة بين أعضائها أو غير ذلك.". وهذا هو ذات السياق الذي اشرنا إليه من خلال نص م ۲۰ من القانون النموذجي وكذا م١٦ من القواعد.
وقد نصت م۱۸ من لائحة اتحاد المصارف العربية على مكان التحكيم حيث نصت على أن تحدد هيئة التحكيم مكان التحكيم آخذه بعين الاعتبار مختلف ظروف القضية ما لم يكن قد اتفق الأطراف على تحديد هذا المكان" فواضعوا اللائحة قد اسندوا مهمة اختيار المكان لهيئة التحكيم ما لم يتفق أطراف العملية على غير ذلك.
وحددت لائحة البنك المركزي المصري مكان التحكيم من خلال نصها على ذلك في م 9 من القرار بقولها تعقد جلسات التحكيم السريع بشكل مكثف متتابع في الأماكن التي تحددها أمانة التوفيق والتحكيم في الديون المتعثرة بالبنك المركزي،ما لم يتفق الطرفان أو تقرر هيئة التحكيم الانعقاد في مكان آخر..." فمن خلال هذا النص نجد أن الجهة المخولة باختيار مكان التحكيم هي الأمانة العامة للتوفيق والتحكيم بالبنك المركزي، وقد وضع النص استثناء لاختيار الأمانة، يتجلى ذلك الاستثناء من خلال السماح لهيئة التحكيم باختيار مكان مناسب، مغاير للمكان الذي اختارته أمانة التوفيق والتحكيم.