حرصت القوانين الوطنية المقارنة والاتفاقيات والأنظمة الدولية على تنظيم بيان الدعوى وبيـان مذكرة الدفاع مراعياً في ذلك ضمان حسن سير خصومة التحكيم من جهة واحترام المبادئ الأساسية الموجهة لخصومة التحكيم . وبمقتضى هذه النصوص فقد ألزمت المدعي أن يرسل خلال الميعاد المتفق عليه بـين الطرفين أو الذي تعينه هيئة التحكيم إلى المدعى عليه وإلى كل واحد من المحكمين بياناً مكتوباً بدعواه يشتمل على اسمه وعنوانه واسم المدعى عليه وعنوانه وشرح لوقائع الدعوى وتحديد للمسائل محل النزاع وطلباتـه وكل أمر آخر يوجب اتفاق الطرفين ذكره في هذا البيان (الفقرة الأولى). ويرسل المدعى عليه خلال الميعـاد المتفق عليه بين الطرفين أو الذي تعينه هيئة التحكيم إلى المدعي وكل واحد من المحكمين مذكرة مكتوبـة بدفاعه ردا على ما جاء ببيان الدعوى وله أن يضمن هذه المذكرة أية طلبات عارضـة متصلة بموضـوع النزاع أو أن يتمسك بحق ناشئ عنه بقصد الدفع بالمقاصة، وله ذلك ولو في مرحلة لاحقة من الإجراءات إذا رأت هيئة التحكيم أن الظروف تبرر التأخير (الفقرة الثانية).
ويستفاد من نص المادة أن المشرع أوجب أن يكون بيان الدعوى المقدم من المدعي مكتوبـاً كـذلك يكون دفاع المدعى عليه ردا على هذا البيان بمذكرة مكتوبة. كما يتضح من هذه النصوص أن بيان الدعوى يجب أن يتضمن نوعين من البيانات، بيانات تتعلق بطرفي الدعوى تشمل اسم كل منهما وعنوانـه، وبيانـات تتعلق بموضوع الدعوى وتشمل وقائع الدعوى والمسائل المتنازع عليها وطلبات المدعي وكذلك فـإن بيـان الدعوى يجب أن يوجه إلى المدعى عليه أو المدعى عليهم عند التعدد وإلى كل واحد من المحكمين. وفي المقابل يمكن المدعى عليه من استخدام حقه في الدفاع ويقدم مذكرة تتضمن ما لديه من ردود على ما جاء في بيان الدعوى، وعرضه لكافة أوجه دفاعه وما قد يعني له من طلبات عارضة متصلة بموضوع النـزاع، ولا يسقط حقه إذا قدم رده خاليا من ذلك، فله إبداء هذه الطلبات في وقت لاحق، إذا قدرت الهيئة وجود ظـروف تبرر التأخير في إعلان طلباته أو التمسك بحق ناشئ كالدفع بالمقاصة. وفيما يتعلق بموعد تقديم بيان الدعوى ومذكرة الدفاع فهو متروك لاتفاق الطرفين أو تعينه هيئة التحكيم. وتظهر أهمية بيان موضوع النـزاع فـي طلب التحكيم من حيث أنه يجب على المحكمين التحقق من ولايتهم بالنزاع المطروح عليه ومن أن هذا النزاع هو ذات النزاع المتفق عليه في شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم ومن أنه لا توجد أسباب تجعلهم يرفضون التحكيم في هذا النزاع بالذات كأسباب الرد أو عدم الصلاحية للحكم، فضلاً على واجبهم في التحقق من صفات الخصوم وأهليتهم للتحكيم، وذلك حتى لا يسير المحكمون في إجراءات تحكيم باطلة تنتهي بإبطال حكم التحكيم .
ومن خلال استقراء نص المادة السابقة، فقد أجازت للمدعي أن يرفع مع بيان الدعوى وكذلك المدعی عليه أن يرفق مع مذكرة دفاعه صور من الوثائق التي يستند إليها لدعم موقفهم في خصومة التحكيم. كما لأي من الطرفين أن يكتفي فقط بالإشارة إلى كل أو بعض الوثائق و أدلة الإثبات التي ينوي تقديمها دون أن يكون قدمها بالفعل .
ويثور تساؤل حول الجزاء المترتب على عدم تقديم المدعي بيان الدعوى أو عدم تقديم المدعى عليه مذكرة الدفاع. فقد عالجت هذه المسألة وحددت الجزاء المناسب لكل حالة، ويظهر ذلك مما نصت عليه المادة (34) تحكيم عماني والمادة (34) تحكيم سعودي والمادة (25) تحكيم بحريني وقطري. فقد عالجت، حالة عدم تقديم المدعي بيان الدعوى، فإذا لم يقدم المدعي بیان دعواه في الميعاد المتفق عليه أو الذي حددته الهيئة يجب أن تأمر بإنهاء إجراءات التحكيم. إلا أنه يجب الإعمال هذا الجزاء توافر أمرين، الأول هو عدم وجود عذر مقبول أو ما يبرر عدم تقديم المدعي لبيان دعواه، أما إذا قدم المدعي عذرا تقبله الهيئة يبرر عدم تقديم بیان دعواه كان على الهيئة أن تأمر بإنهاء الإجراءات. أما الثاني هو عدم وجود اتفاق بين الأطراف لی منع هيئة التحكيم من إنهاء الإجراءات لعدم تقديم المدعي بيان الدعوى .
كما عالجت أيضا، حالة عدم تقديم المدعى عليه مذكره بدفاعه، فإذا لم يقدم المدعى عليه مذكرة بدفاعه في الميعاد المتفق عليه أو الذي حددته الهيئة، فإنه يجب على هيئة التحكيم الاستمرار في إجراءات التحكيم كجزاء لعدم تقديم المدعى عليه مذكرة بدفاعه. وعلى كل حال، فإنه عدم تقديم المدعى عليه لمذكرة دفاعه لا يعتبر ذلك إقراراً منه بدعوى المدعي ويترتب عليه إعفاء المدعي من إثبات الوقائع المنشئة لحقه وأن تقضي هيئة التحكيم للمدعي بطلباته. بل يجب على هيئة التحكيم أن تلتزم بتحقيق الدعوى وتظهر الحقيقة في حدود ما لديها من وثائق ومستندات وبناء عليه تصدر حكمها سواء كان لصالح المدعي أو لصالح المدعي عليه . ويلاحظ أن توقيع جزاء الاستمرار في إجراءات التحكيم عند عدم تقديم المدعى عليه مذكرة بدفاعه، موقوفا على عدم اتفاق الأطراف على توقيعه، فقد يتفقا الطرفان أنه عندما يتأخر المدعى عليه أو يتقاعس عن تقديم دفاعه منحه ميعاد آخر لتقديم دفاعه أو يتفقا على أن تقوم هيئة التحكيم بوقف الخصومة
إن الحل الذي ذكرته المواد السابقة كان سديد ومنطقي، حيث أنه إذا لم يتوافر لدى المحكمين والمدعى عليه بيان الدعوى فإنه لن يتسني لهيئة التحكيم التحقق من ولايتها بالنزاع ومن توافر الشروط التي تضمن صحة حكم التحكيم، كما لن يتسنى للمدعى عليه إبداء دفاعه وطلباته في خصومة التحكيم. أما إذا لم يتقدم المدعى عليه بمذكرة دفاعه ردا على بيان الدعوى، فإن ذلك لا يسلب هيئة التحكيم ولايتها بالنزاع حيث استمدت هذه الولاية من التحكيم ذاته، فإذا استطاعت الهيئة تحقيق عناصر الدعوى والوصول إلى وجه الحقيقة فيها جاز لها إصدار حكم التحكيم بشرط مراعاتها للمبادئ الأساسية..