تتخذ إجراءات التحكيم أهمية عملية كبيرة وقد تؤثر في مآل التحكيم ، ومن ثم كان من مصلحة الطرفين أن يضمنا اتفاق التحكيم أسس النظام الاجرائي للتحكيم ولا سيما إذا كان التحكيم حراً ، أما في التحكيم المؤسسي ، فإن النظـام الإجرائي للمؤسسة المشرفة على التحكيم ينطبق باعتبـاره جـزءاً مـن اتفـاق الطرفين على إخضاع تحكيمهما لنظام تلك المؤسسة . وإذا خلا اتفاق التحكيم من أية قواعد إجرائية كان لهيئة التحكيم أن تقرر تلك القواعد غير ملتزمة في ذلـك بأي نظام إجرائي ينص عليه أي قانون إجرائي وطني ، ولا يحد من سلطتها في ذلك إلا وجوب احترام الأحكام الإجرائية الآمرة في قانون مكان التحكيم واحترام الضمانات الأساسية للتقاضي كمبدأ بين الخصوم ومبدأ المساواة فيما بينهم . ولا شك أن اتفاق الطرفين على بعض القواعد الإجرائية الأساسية في اتفاق التحكــم يجنبها كثيراً من الصعوبات : فقد يجيز القانون الاجرائي لدولة مكـان التحكــم بعض طرق الإثبات غير المعروفة أو المألوفة لأحد الطرفين مثل نظام الكـشـف أي إلزام أحد الطرفين بالكشف عن جميع مستنداته للطرف الآخـر وقـد تبلـغ الآلاف . وكذلك فإن من المصلحة أن ينظم الطرفان كيفية سماع الشهود . ذلـك أن القوانين تختلف فيما بينهما بشأن أحكام الشهادة إذ يكتفى بعضها بالشهادة عن طريق الإفادات الكتابية ، بينما يحتم بعضها الآخـر حـضور الشهود وإبـداء شهادتهم شفوياً دون الاستعانة بمستندات كتابية ما هو شأن القـوانين العربيـة . وكذلك توجب بعض القوانين أن يكون توجيه الأسئلة إليهم بشكل مباشر .
وتعد إجراءات التحكيم بمثابة العمود الفقرى الذي يقيم نظام التحكيم ، وهي السياج الذي يضمن شرعيته ، فباتخاذ الإجراءات خلال مدة التحكيم يمكـن وضع التحكيم موضع التطبيق للوصول إلى حكم التحكيم . ولإجراءات التحكــم أهمية كبيرة في إنجاح نظام التحكيم أو انهياره وهي مسألة في منتهـى الدقـة ، فعلى قدر المساحة الكبيرة من الحرية المتاحة للأطراف أو المحكمين في شـأن إجراءات التحكيم ، على قدر السهولة البالغة التي يمكن أن ينهار بهـا التحكــم للخطأ في الإجراءات . ويكون المحك في نجاح التحكيم هو ألا تصبح الحريـة الكبيرة هي ذاتها عامل انهيار التحكيم .
وتبدأ إجراءات التحكيم اعتباراً من التاريخ الذي يتسلم فيه المدعى عليـه طلب التحكيم من طالب التحكيم . ويتحفظ بعض الفقه على هذا المبدأ بأن تحديد هذه البداية يتعين أن يكون مشروطاً بأن تكون هيئة التحكيم قد تكونت قانوناً . وبالتالي فإن الهيئة إن لم تكن قد تكونت - عند هذا الرأى – فـإن ميعـاد بـدء التحكيم لا يسرى إلا بعد هذا التكوين .
وهذا الرأى الأخير هو أكثر ملاءمة وأكثر اتفاقاً، مع الاعتبارات العملية، خاصة عندما يكون ميعاد التحكيم قصيراً نسبياً، لذلك فإن نص المادة 1456 من قانون المرافعات الفرنسي أكثر توفيقاً عندما نصت على احتـسـاب بـدء مـعـاد التحكيم من تاريخ آخر قبول من المحكمين لمهمتهم، إذ بهذه القبول تصبح الهيئة جاهزة قانوناً للسير في إجراءات التحكيم .
وأصبح من الثابت في ظل قانون التحكــم المـصـرى رقـم ٢٧ لـسنة ١٩٩٤، أن لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكمين وعلى كيفيـة ووقـت اختيارهم سواء تعلق الأمر بشرط تحكيم أو مشارطة تحكيم . ومن ثم فإن الاتفاق الذي من تعيين أسماء المحكمين يعد صحيحاً . وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على ا أنه لا محل لاستبعاد القانون الأجنبي الواجب التطبيق إذا كان هذا القانون يقر صحة شرط التحكيم رغم خلوه من تعيين أسماء المحكمين بدعوى مخالفته للنظام العام في مصر . وفي الواقع أن اتفاقية نيويورك لعـام ١٩٥٨م تمثل نوعاً من النظام العام الدولي السائد بحكم انضمام غالبية أعضاء الجماعـة الدولية لقواعدها الموضوعية الموحدة ، ومن ثم فإنه يمكن الاستناد إلـى نـص المادة الثانية من هذه الاتفاقية – والتي صارت جزءاً لا يتجزأ من النظام القانوني المصري- التي لم تشر إلى ضرورة أن يتضمن اتفاق التحكيم لأسماء المحكمين. فالقاعدة الواردة في هذه المادة تحكم كافة اتفاقيات التحكيم الدولية الخاصة بمـا تضمنه من قواعد موضوعية موحدة يطبقها القاضي المصرى . إذا طرح عليـه الأمر كما يحدث تماما أمام القاضي الفرنسي أو القضاء الأجنبي لأى دولة مـن الدول التي انضمت إلى اتفاقية نيويورك .
إذا تم التعبير عنها بوضوح فيما يتعلق بتشكيل هيئة التحكيم وذلك عندما تختص المحكمة بنظر عقبة تواجه اختيار المحكمين وإلا كان حكم التحكيم باطلاً لصدوره من محكمة تحكيم مشكلة خلافاً لما تم الاتفاق عليه ، على أنه إذا تم الاتفاق علـى تشكيل هيئـة التحكيم وأراد أحد الخصوم أن يعزل المحكم الذي سبق وأن اختـاره بمبــادرة فردية من جانبه في هذه المرحلة تظهر حقيقة طبيعة عملية اختيار المحكم . حيث نجد أن الاتجاه السائد في القانون المقارن يرفض السماح بعزل المحكم إلا باتفاق مشترك من الطرفين الطرفين. . وقد أخذ بهذا الحكم القانون المصرى في المادة (٢) منه حيث تنص على أنه : " إذا تعذر على المحكم أداء مهمته ولم يتفق الطرفان على عزله ، جاز للمحكمة .... الأمر بإنهاء مهمته بناء على طلب من الطرفين " . وكذلك قانون التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم 46 بتـاريخ 1403/7/12 هـ الذي ينص في مادته (۱۱) على أنـه : " لا يجـوز عـزل المحكم إلا بتراض الخصوم.
وكذلك نص قانون التحكيم القطري رقم 13 لسنة 1990 في المادة رقم (١٩٤) الفقرة الثانية على أنه : " لا يجـوز عـزل المحكمين إلا بتراضـى الخصوم جميعاً أو بحكم من المحكمة ولا يجوز ردهم عن الحكـم إلا لأسباب تحدث أو تظهر بعد إبرام وثيقة التحكيم ويطلب الرد بالإجراءات ولذات الأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر بسببها غير صالح للحكم.
ويعتبر من أهم الإجراءات التي يبدأ بها التحكيم هـي تشكيل هيئـة التحكيم التي تتولى بحث النزاع ومحاولة حله في أقرب فرصة ممكنـة وبشكل سريع وهو ما يميز التحكيم ، ويخضع اختيار المحكمين لاتفاق أطراف النـزاع سواء من حيث كيفية اختيارهم أو من حيث وقت اختيارهم وفقا للمـادة (۱/۱۷) على أنه يجب أن لا يحيد هذا الاتفاق عن أصول اختيار هيئة التحكيم وما يجـب أن يتوافر في شخص المحكم ، فإن لم يتفق أطراف التحكيم على ذلك فيجب اتباع ما نصت عليه المادة (١٧) . وفي هذا الشأن تلزم التفرقة بين أمرين:
الأول : إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد فإن المحكمة المشار إليها في المادة (9) من قانون التحكيم المصري ( وهي المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع ) تتولى اختيار هذا المحكم بناء على طلب الطرفين.
الثاني : وإذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين فعلى كل طرف مـن أطراف النزاع أن يختار محكماً عنه ، ثم على المحكمان أن يختارا المحكم الثالث . وعلى الطرف الذي يختار محكماً عنه أولا أن يرسل إلى الطرف الآخر معلماً . إياه ذلك ويكلفه باختيار محكم عنه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسلمه لهـذا التكليف . ويندر أن يتم تشكيل هيئة التحكيم قبل بدء التحكيم لأن هـذا يقتضى تسمية المحكمين في اتفاق التحكيم الذي يعقد قبل إثارة النزاع ، وهو أمر شديد الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً ، فليس هناك ما يضمن وجـود المحكمـين المختارين أو بقائهم على قيد الحياة عند إثارة النزاع . وقد عانى نظام التحكــم في مصر معاناة شديدة بسبب اقتضاء الفقرة الثالثة من المادة ٥٠٢ الملغاة مـن قانون المرافعات ، تعيين أشخاص المحكمين في الاتفاق على التحكيم أو في اتفاق مستقل ، لمحاولة الكثيرين عرقلة التحكيم الذي اتفقوا عليه وسيلة لحل منازعاتهم بحجة عدم تسمية المحكمين في اتفاقهم ، مما حدا بمحكمة النقض عن عدم تعلق هذا الحكم بالنظام العام في القانون الدولي الخاص .
وبالنظر للمادة (١٧) من قانون التحكيم المصري في فقرتها الأولى نجد أنه توجد حالتان يجوز فيهما للمحكمة المختصة اختيار المحكم وهما:
الأولى : حالة ما إذا لم يستجيب أحد من طرفي النزاع خلال ثلاثين يومـاً للطلب الذي يرسله له الطرف الآخر والذي يطالبه فيه باختيار محكماً عنه .
الثانية : حالة ما إذا لم يتمكن المحكمان المعينان من اختيـار المحكـم الثـالـث وتناسى المشرع فرضاً.
أما بالنسبة لموقف المشرع القطري في هذا الصدد ، فقد سبقت الإشارة إلى أنه يجوز للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع تعيين المحكمين في الحالات الآتية – وذلك بناء على طلب الخصوم :-
1- إذا وقع النزاع ولم يكن الخصوم قد اتفقوا على المحكمين.
2- إذا امتنع أحد المحكمين المتفق عليهم أو أكثر عن العمل.
3- إذا اعتزل أحد المحكمين المتفق عليهم أو أكثر عمل التحكيم .
4- إذا عزل أحد المحكمين المتفق عليهم أو أكثر من عمله.
إذا قام مانع أفقد أحد المحكمين أو أكثر من مباشرته لعمله .
وذلك دون الاعتداد بإرادة الخصوم .
6- كما يجوز للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع تعيين محكمين جدد في حالة إخفاق المحكمين الأصليين في الحكم خلال مدة ثلاثة أشـهر مـن قبولهم التحكيم وذلك دون الاعتداد بإرادة الخصوم لما للمحكمـة مـن سلطة تقديرية في هذا الصدد.