اجراءات خصومة التحكيم / بدء اجراءات التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم الالكتروني الدولي في منازعات التجارة الدولية / تحديد تاريخ رفع الدعوى
لتحديد تاريخ بداية إجراءات التحكيم أهمية كبيرة، حيث يعتد بهذا التاريخ لحساب الكثير من المدد اللازمة لإنجاز إجراء محدد داخل عملية التحكيم. ومن أهم المدد التي يبدأ احتسابها من هذا التاريخ المدة اللازمة للفصل في الدعوى بأكملها، إذ يتعين على هيئة التحكيم وفقاً لأحكام القانون المصري أن تصدر الحكم خلال اثني عشر شهراً من تاريخ بدء إجراءات التحكيم .
وإذا كان تحديد التاريخ الذي تبدأ به إجراءات التحكيم يكتسب هذه الدرجة من الأهمية، فإنه يتعين تحديده على وجه الدقة. ومن المنطقي أن يبدأ احتساب هذا التاريخ من الوقت الذي يتحقق فيه علم الطرفين أن نزاعاً ما قد نشأ بينهما. ولا يتحقق هذا العلم بمجرد توجيه المدعي لطلب التحكيم، وإنما يجب إعلان هذا الطلب للمدعي عليه حتى يتوافر لديه العلم اليقيني بنشأة النزاع. وقد كان هذا هو المذهب المعتمد لدى القانون النموذجي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، حين قضت مادته الحادية والعشرون بأن "تبدأ إجراءات التحكيم في نزاع ما في اليوم الذي يتسلم فيه المدعي عليه طلباً بإحالة ذلك النزاع إلى التحكيم، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك". وقد جاءت المادة ٢٧ من قانون التحكيم المصري نقلاً شبه حرفي عن هذا النص؛ حيث ذهبت إلى أن "تبدأ إجراءات التحكيم من اليوم الذي يتسلم فيه المدعي عليه طلب التحكيم من المدعي، ما لم يتفق الطرفان على موعد آخر".
ويشهد الواقع مع ذلك شذوذ بعض هيئات التحكيم المؤسسي عن هذا المبدا، ومن ذلك ما تقرر في نظام التحكيم التابع لغرفة التجارة الدولية بباريس بأن يعد، في جميع الأحوال، تاريخ تسلم السكرتارية لطلب التحكيم هو تاريخ رفع دعوى التحكيم .
وبالنسبة لتحديد تاريخ رفع دعوى التحكيم الإلكتروني نجد أن تنظيم محكمة الفضاء قد اتفق في ذلك مع نظام التحكيم لغرفة التجارة الدولية بباريس، وقرر بالمادة ٢/٥ أن تاريخ تقديم طلب التحكيم هو ذاته تاريخ رفع الدعوى" ، وقد سبق أن أشرنا إلى أن طلب التحكيم يتم تقديمه لسكرتارية محكمة الفضاء بطريقة إلكترونية، عن طريق الدخول إلى موقع المحكمة لتحرير الطلب وإرساله إلى السكرتارية واستقبال هذه الأخيرة له. وإذا كان النص قد اعتد كمثيله من غرفة التجارة الدولية بلحظة تقديم الطلب معياراً لتحديد تاريخ رفع التحكيم الإلكتروني، فإنه يستهدف للنقد نفسه الذي سبق توجيهه لمثيله من غرفة التجارة.
في حين نجد أن جمعية التحكيم الأمريكية قد انتهجت نهجاً آخر لا يتأسس على الاعتداد بأي لحظة من اللحظات السابقة لتحديد تاريخ رفع دعوى التحكيم الإلكتروني، حيث تعد خصومة التحكيم الإلكتروني قد بدأت من تاريخ إنشاء الموقع الإلكتروني للدعوى، والمذكور في الإميل الذي يتم إرساله للأطراف للتأكيد على إنشاء هذا الموقع .
ويتضح من النص أن التنظيم التكميلي للجمعية قد اعتد بتاريخ إنشاء الموقع الإلكتروني للدعوى على شبكة الإنترنت بوصفه تاريخ بداية خصومة التحكيم. وعلى ذلك يبدو ملائماً ومناسباً إذا تم إرسال طلب التحكيم الإلكتروني إلى المدعي عليه في نفس يوم إنشاء موقع الدعوى. وربما يبدو حرص النص مشدداً على تحقيق هذه الغاية بتقريره أن التاريخ الذي يعتد به لاعتبار أن موقع الدعوى قد أنشئ هو التاريخ "المذكور في الإميل الذي يتم إرساله للأطراف للتأكيد على إنشاء هذا الموقع"، إذ ربما يتم إنشاء الموقع من الناحية الفعلية في يوم ما ثم يتأخر إعلام الأطراف بإنشائه إلى يوم آخر؛ ولذا قرر النص أن التاريخ الذي يعتد به لإنشاء الموقع ليس هو التاريخ الفعلي الذي أنشئ فيه الموقع، وإنما التاريخ المذكور في الإميل المرسل للأطراف لتأكيد إنشاء هذا الموقع.
وقد اعتبرت أحكام الإجراءات التكميلية لجمعية التحكيم الأمريكية أن تاريخ استقبال أي مستند على موقع الدعوى الأساس في تحديد تاريخ تسلم هذا المستند، ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك، مع إقرار المحكم لهذا الاتفاق، حيث يعتد بهذا التاريخ لحساب المدة الزمنية المتعلقة بإجراء محدد.