كما تقدم جرت العادة في التحكيم أن يدعو المحكم بعد قبوله مهمته أطراف النزاع للمثول أمامه في جلسة تمهيدية، للاتفاق على بعض الإجراءات الخاصة بالتحكيم، وبشكل خاص تقديم المحتكم لصحيفة (لائحة) دعواه، وتقديم المحتكم ضده للائحته الجوابية، والبينات الأولية المعزّزة لادعاءات كل منهم. وفي القانونين الإماراتي والكويتي ) يجب على المحكم القيام خلال ثلاثين يوماً على الأكثر من قبوله التحكيم، بإخطار الخصوم بتاريخ أول جلسة تحدد لنظر النزاع وبمكان انعقادها ، وذلك دون التقيد بالقواعد المقررة في القانون للإعلان، ويحدد لهم موعداً لتقديم مستنداتهم ومذكراتهم وأوجه دفاعهم. كما أن القانون السعودي تضمن نصاً مماثلاً، بالنص في المادة (10) من اللائحة التنفيذية، على أن من واجب هيئة التحكيم تحديد ميعاد الجلسة التي ينظر فيها النزاع خلال مدة لا تتجاوز خمسة أيام من تاريخ إخطارها اعتماد وثيقة التحكيم، من قبل الجهة القضائية المختصة أصلاً بنظر النزاع ، لو لم يكن هناك اتفاق على التحكيم.
ولا يوجد مقابل لهذا النص في القوانين الأخرى، ونرى أنه لا لزوم له حتى في قوانين الإمارات والسعودية والكويت، وكان يمكن ترك ذلك لاتفاق الأطراف مع بعضهم أو مع المحكم حسب الأحوال، أو تركه للمحكم لاتخاذ الإجراء الذي يراه مناسباً، في حال عدم اتفاق الأطراف على مثل هذا الإجراء.
والواجب المفروض على المحكم هنا إخطار الخصوم بالتاريخ المحدد لعقد أول جلسة تحكيم ومكانها. وقد يحدد هذا الموعد خلال فترة الثلاثين يوماً في القانون الإماراتي أو الكويتي، أو الخمسة أيام في القانون السعودي، أو في أي وقت آخر بعدها. ومثال ذلك، أن يقرر المحكم قبوله لمهمته كتابة في 1/1، ويخطر الأطراف في 1/2، بعقد جلسة التحكيم في 1/4 ، أو بعقدها في 2/20. المهم في هذا الشأن أن يتم الإخطار خلال فترة الثلاثين يوماً أو الخمسة أيام حسب القانون المطبق. وتسري هذه الفترة في القانون الإماراتي والكويتي، من يوم إعلان المحكم لقبول مهمته كتابة على النحو المشار إليه، أو من يوم اعتماد وثيقة التحكيم في القانون السعودي. وحسب المبادئ العامة في التحكيم، إذا كان ذلك اليوم أو اليوم الأخير من المدة عطلة رسمية، تمتد المدة بمقدار العطلة. وكما نرى، فإن النص في هذه القوانين، ليس من النظام العام، مما يعني جواز الاتفاق على مخالفته. ومثال ذلك، الاتفاق على تحديد الجلسة الأولى خلال خمسة عشر يوما التالية لتقديم المحتكم ضده لائحته الجوابية لائحة الدفاع، على أن يترك للمحكم تحديد تاريخ هذه الجلسة. ومثل هذا الاتفاق، يجب أن يشمل أطراف النزاع من جهة والمحكم من جهة أخرى، ما دام أن المدة مفروضة كواجب على المحكم، بمعزل عن الأطراف. وبالتالي، يجوز للمحكم، بل يجب عليه مراعاة هذه المدة، حتى لو اتفق الأطراف مع بعضهم البعض على غير ذلك.
وفي حال إهمال المحكم لواجبه، بأن انقضت مدة الثلاثين يوماً في القانون الإماراتي والكويتي دون قيامه بإخطارهم بموعد الجلسة الأولى، فإننا نرى حق الأطراف بتنبيهه خطياً للقيام بذلك. فإذا استمر بعدم دعوة الأطراف لحضور الجلسة، يمكن عندئذ عزله قياساً على المادة (3/207) من القانون الإماراتي، التي تقضي بعزل المحكم، إذا ثبت أنه أهمل قصداً العمل بمقتضى اتفاق التحكيم. ونرى تطبيق هذا الحكم في القانون السعودي أيضاً، أي جواز عزل المحكم الذي يهمل تنفيذ واجب قانوني عليه، بالرغم من تنبيهه لذلك.
وتبدو أهمية عقد جلسة التحكيم الأولى في القانون الإماراتي، أن هذا القانون أوجب في المادة (208) على المحكم، أن يصدر حكمه خلال ستة أشهر من عقد تلك الجلسة، ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك، وإلا جاز لأي من الأطراف رفع النزاع إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، أو المضي فيه أمامها إذا كان مرفوعاً من قبل، حسب المادة (1/210) من القانون المذكور ) . وإذا أصدر المحكم حكمه خارج هذه المدة، فإن الحكم يكون عرضة للبطلان استناداً للمادة ، وهو ما سنبحثه فيما بعد .
ويستدل من النص في قوانين الإمارات والسعودية والكويت، أنه يتوجب على المحكم عقد ولو جلسة تحكيم واحدة. وبعد ذلك ليس بالضرورة عقد أي جلسة تحكيم أخرى إذا رأى المحكم أنه لا لزوم لذلك. أما القوانين العربية الأخرى، فلا تتضمن حكماً مماثلاً كما سبق بيانه مما يعني، كما نرى أنه لا يشترط في هذه القوانين عقد أي جلسة تحكيم ، إذ يمكن للمحكم، كما نرى، الحكم في القضية استناداً لما تم تقديمه له من مستندات بالمراسلة بينه وبين أطراف النزاع ، ما لم يطلب الطرفان عقد جلسة مرافعة، وفي هذه الحالة، يجب على المحكم عقدها ، تطبيقاً للمبدأ العام من أنه يتوجب على المحكم إتباع أي إجراء يتفق عليه طرفا الخصومة.