وما عدا ذلك، فإنه يجوز للخصوم الاتفاق على إجراءات معينة يسير عليها المحكم، وهو ما نصت عليه صراحة بعض القوانين العربية . ولا يوجد لهذا النص مقابل في قوانين أخرى. ولكن يعتبر هذا المبدأ أيضاً من المبادئ والأعراف التحكيمية التي تطبق على التحكيم، دون حاجة للنص عليها. وقد يكون اتفاق الأطراف على إتباع إجراء معين مباشرة، كالقول مثلاً بأن مكان التحكيم هو دبي، ولغة التحكيم هي العربية. وقد يكون بصورة غير مباشرة وبشكل خاص في التحكيم المؤسسي. فحيث يتفق الأطراف على تسوية النزاع وفق قواعد مركز دبي للتحكيم الدولي مثلاً ، فعندئذ تعتبر هذه القواعد جزءاً من من اتفاقهم، وبالتالي تطبق على التحكيم، بما فيها من قواعد خاصة بالإجراءات وعلى المحكم التقيد بذلك. وجرى العمل في التحكيم أن تدعو هيئة التحكيم الأطراف لجلسة تمهيدية في محاولة لاتفاق الجميع على الإجراءات، أو يتم التوصل لهذا الاتفاق عن طريق المراسلات بين الهيئة والأطراف.
ومن صور اتفاق الأطراف على الإجراءات، اتفاقهم على تطبيق قانون دولة (أجنبية) على إجراءات التحكيم، غير قانون الدولة التي يجري التحكيم على أراضيها. ومثال ذلك اتفاق الأطراف في تحكيم يجري في الإمارات على تطبيق قواعد التحكيم الإجرائية في القانون القطري، ومثل هذا الاتفاق الجائز نظرياً، يصطدم تطبيقه بصعوبات شتى في الواقع العملي وفق ما بيناه سابقاً. وللتذكير، نسوق هنا مثالاً واحداً على ذلك. فالقانون الإماراتي لا يجيز استئناف حكم التحكيم النهائي بخلاف القانون القطري . وعلى ذلك، لـو صـدر حكم التحكيم في مثالنا المذكور في الإمارات، فهل يجوز للمحكوم عليه استئنافه استناداً للقانون القطري، وهو القانون الواجب التطبيق على الإجراءات؟! أم لا يجوز له ذلك استناداً للقانون الإماراتي، وهو قانون مكان التحكيم؟ وإذا كان ذلك جائزاً، فهل تقدم دعـوى الاستئناف لمحاكم الإمارات، أم لمحاكم قطر وأغلب الظن بأن الحكم لن يكون قابلاً للاستئناف في الدولتين. فلا محاكم استئناف الإمارات ستقبل الدعوى، لأن قانونها لا يجيز استئناف الحكم الصادر على أراضيها ، ولا محاكم قطر ستقبل بذلك، لأن الحكم لم يصدر داخل أراضيها، وبالتالي فإنه بالنسبة لقطر، حكم أجنبي تطبق عليه أحكام الاعتراف والتنفيذ المتعلقة بالأحكام الأجنبية.
ويمكن القول في فرض كهذا ، أنه يطبق قانونان على إجراءات التحكيم: القانون الإجرائي القطري باعتباره قانون الإرادة ولكن فيما لا يخالف القواعد الإجرائية الأساسية في قانون الإمارات والقانون الإجرائي الإماراتي باعتباره قانون مكان التحكيم، ولكن في حدود القواعد الإجرائية الأساسية التي لا يجوز للأطراف ولا لهيئة التحكيم مخالفتها.
ومتى اتفق الأطراف على إجراءات معينة، يتوجب على المحكم إتباعها وعدم مخالفتها سواء كان التحكيم بالقانون أو بالصلح. فما ذكرناه سابقاً من أن المحكم بالصلح معفى من تطبيق القانون، لا يقصد به جواز مخالفة المحكم لاتفاق التحكيم المتضمن لإجراءاته، بل هو ملزم بهذا الاتفاق، ولا يجوز له الخروج عليه ) ، وإلا شكل ذلك سبباً صحيحاً للطعن بالحكم حسب ما ينص عليه القانون. وفي جميع الأحوال، للأطراف تعديل قواعد الإجراءات المتفق عليها بالإضافة أو الحذف أو غير ذلك، وفق ما يرونه مناسباً، ويتوجب على هيئة التحكيم، بوجه عام، التقيد بقواعد الإجراءات الجديدة.