اجراءات خصومة التحكيم / الالتزام بالمبادئ التي تحكم سير القضية امام القضاء المدني / الكتب / عقد المحكم بين تشريعات التحكيم وتطويع القواعد العامة في القانون المدني / التزامات المحكم
ويقصد بنزاهة المحكم هو أن يكون تقديره للمسائل المتعلقة بموضوع النزاع مبنية على أسس موضوعية منزها عن الأهداف والأغراض الشخصية التي ترتبط بمصالحه الخاصة، ومن ثم عدم استغلال سلطته التحقيق هذه المصالح، وأن يسعى فقط لتحقيق العدالة بين طرفي الخصومة، ولا ريب أن التزام المحكم بالنزاهة والحياد والاستقلال، يترتب عليه التزامه ببقية الالتزامات الأخرى، فحياد المحكم هو الذي يملي عليه المحافظة على أسرار كل طرف، وعدم البوح بها إلى الطرف الآخر.
ومضمون التزام المحكم بالحياد والاستقلال والنزاهة يتمثل في عدم اتصاله بأطراف النزاع لطلب أن يكون محكمة. وعدم الاتصال بأحدهم بعد اختياره محكما وأن يتناول معه أحد تفصيلات ومسائل القضية المعروضة عليه ، ويجب على المحكم عدم قبول الهدايا أو أية عطايا أو مزايا من أي طرف، كما ينبغي عليه أن يتأكد من قدرته، ويتمثل الجزاء المترتب على عدم حياد المحكم في أنه يمكن المطالبة برده إذا قامت ظروف جدية تثير الشكوك حول حياده أو استقلاله أو نزاهته، كما أن المحكم يكون مسئولا عن إخفاء هذه الظروف، ويكون لأي من طريق التحكيم الحق في المطالبة بإبطال حكم التحكيم إذا اكتشف وبين هذه الظروف المؤثرة في حياده واستقلاله.
وتجدر الإشارة إلى وجوب التمسك بعدم الحيدة أو عدم الاستقلال، فشرط الحيدة أو الاستقلال لا يتعلق بالنظام العام، إنما يتعلق بمصلحة الخصوم، ومن ثم يتعين عليهم التمسك بعدم حياد أو عدم استقلال المحكم، ولا يجوز لهم المطالبة بإبطال حكم المحكم، وفي حكم المحكمة استئناف القاهرة، قد أشارت فيه إلى أن القواعد المتعلقة بحيدة المحكم أو استقلاله تتعلق بالنظام العام، ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها، لأنهما من الضمانات الأساسية لمباشرةالعمل القضائي أيا كان مصدرهله ومن جانبي لا أرى ما قضت به محكمة استئناف القاهرة فيما يخص تعلق شرطي الحيدة والاستقلال بالنظام العام، بل يجب على أي من طرفي التحكيم التمسك بعدم وجودهما في المحكم، طالما وجدت الظروف التي تؤثر في حيدته أو استقلاله، ولا ينبغي بأي حال أن يبقى الأمر معلقا حتى إصدار الحكم، فإذا وجد أحد الأطراف أنه يكون في صالحه، فلا يثير مشكلة عدم الحيدة أو عدم الاستقلال، وإذا وجد في المقابل أن الحكم ليس في صالحه، فيثير هذه المشكلة ويطالب بإبطال حكم التحكيم، ومن ثم نجعل الحكم رهينة تمسك أو عدم تمسك أي من طرفي التحكيم بشرطي الحيدة أو الاستقلال، ولذلك يتعين التمسك بهما إذا وجد ما يثير الشكوك حول المحكم، وإلا سقط هذا الحق، ويعتبر الطرف متنازل عنه، كما في حالة علمه بالأسباب التي تمكن أحد طرفي التحكيم بالدخول عليه أو الحوار معه أو القيام له أو البشاشة ، وقد أكد قانون التحكيم المصري هذا الأمر، وأقر بضرورة أن يعامل المحكم طرفا التحكيم بالمساواة، وأن يهيئ الكل منهما فرص متكافئة وكاملة لعرض دعواه . .. فلا ينبغي أن تفتح هيئة التحكيم صدرها لأحد الطرفين لشرح دعواه، وتحرم الطرف الآخر من ذلك، أو تسمح لأحدهما بتوكيل محام ولا تسمح للأخر بذلك، كما أنه يجب على المحكم أن يكفل لكل طرف أن يعرض وجهة نظره، وتبادل المذكرات وأن تعقد الجلسات في مواعيد مناسبة للطرفين، وأن يسمح لهما بالاطلاع على الوثائق وفحصها وتقديم الأدلة والاستعانة بأهل الخبرة لبيان حقهم. .
ويعتبر المحكم قد أخل بالتزامه باحترام حق الدفاع إذا أفسح المجال لأحد الطرفين في الدفاع عن حقه دون الطرف الآخر، أو أنه يستجيب لطلب طرف لسماع شهادة أشخاص معينين دون الاستجابة لطلب الطرف الأخر لسماع شهوده . .
ويجب على هيئة التحكيم لضمان التزامها باحترام حق الدفاع، أن تعقد جلسات مرافعة لتمكين كل من الطرفين من شرح موضوع له دون إفشاء أسرار الخصوم لما هو موجود من ثقة متبادلة بينه وبينهم، خاصة وأن هذه الثقة هي الأساس الذي اعتمد عليه في اختيار هيئة التحكيم.
وإذا طالعنا نصوص قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية المصري نجد أنه لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء بواقعة أو بمعلومات أن يفشيها وينشرها ، فإذا كان المحامي يلتزم بعدم إفشاء أسرار موكله، وأن الطبيب يلتزم بعدم إفشاء أسرار مريضه، فإن نفس الاعتبارات التي تم الاستناد إليها لمنع هؤلاء من إنشاء الأسرار، هي نفسها التي يجب أن تلزم المحكم بهذا الالتزام.
ومن جانبها، أكدت محكمة استئناف باريس على مبدأ السرية ، وقضت بالتعويض على من أفشى الأسرار في وسائل الإعلام، وكان يتعين عليه الحفاظ عليها .
ويجب التنويه إلى أنه إذا كان التحكيم مؤسسيا ، أي يتم عن طريق مركز أو مؤسسة تحكيم، فإن اللوائح المعمول بها في هذه المراكز أو المؤسسات تضع تنظيما للميعاد الذي يجب أن يصدر خلاله الحكم، ويعتبرذلك تفويضا من طرفي التحكيم لهذه المراكز أو المؤسسات، خاصة وأن القواعد القانونية الواردة في قانون التحكيم المصري أو غيره، ليست آمرة، بل تكون مكملة ومقررة، ويمكن للاطراف الاتفاق على ما يخالفها ، سواء بتحديد موعد إصدار الحكم ، كما في حالة التحكيم الحر، أو تفويض المركز أو المؤسسة في ذلك في حالة التحكيم المؤسسي.
ولا يفوتني الإشارة إلى أن قانون التحكيم المصري قد أشار في الفقرة الثانية من المادة (46) إلى الآثار المترتبة على عدم إصدار حكم التحكيم في الموعد المحدد ، حيث يمكن لأي من طريق التحكيم أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون أن يصدر أمرا بتحديد ميعاد إضافي لإصدار الحكم، أو أن يأمر بإنهاء إجراءات التحكيم، ويكون لأي من طريق التحكيم عندئذ أن يرفع دعواه أمام المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس معنى التزام المحكم بأن يصدر الحكم في الموعد المحدد ، هو أن يخرج عن حدود النطاق الموضوعي الاتفاق التحكيم، حيث يجب أن يلتزم المحكم بأن يكون إصدار حكمه في الميعاد، وأن يكون في حدود النطاق الموضوعي لاتفاق التحكيم، خاصة وأن هذا الحكم هو فقط الذي سيحوز الحجية، أما إذا صدر مجاوزة هذا النطاق ، فإنه يكون باطلا ويمكن لأي من طرف التحكيم أن يطعن في الحكم إذا تجاوز حدود النطاق الموضوعي المتفق عليه.