الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / مراعاة القواعد الاجرائية المتعلقة بالنظام العام / الكتب / الخصومة في التحكيم / مكونات الخصومة - الإجراء القضائي أو الإجراء التحكيمي

  • الاسم

    سامي حسين ناصر المعموري
  • تاريخ النشر

    2022-01-01
  • اسم دار النشر

    المؤسسة الحديثة للكتاب
  • عدد الصفحات

    328
  • رقم الصفحة

    35

التفاصيل طباعة نسخ

تحتل نظرية لإجراء القضائي ، والتحكيمي أهمية لأنها تهدف إلى تأصيل مفهوم الإجراء وتمييزه عن غيره .

  يشكل الإجراء القضائي، وكذلك الإجراء الـ تحكيمي، جزءا من القانون الإجرائي الذي يتولى تنظيم النشاط القضائي، أي أنه ينظم نشاطاً إلى إزالة الجحود للحق المدعى به محققا بذلك غاية القانون الموضوعي عن طريق الكشف عن عنصر الإلزام بقاعدة موضوعية من خلال الحكم الذي يصدر معبراً عن الحقيقة الواقعية ومطابقته لها قدر الإمكان، ونتيجة لذلك تبرز حالة الوحدة بين القانونين، إذ يعملان من اجل غاية واحدة يترتب عليها تحقيق الاستقرار في العلاقات الاجتماعية  ، وبالتالي يسود الأمن الاجتماعي.

 

لقد تعددت تعريفات الإجراء القضائي، فمنهم من عرفه بأنه كل مسلك ايجابي من جانب الخصوم أو من جانب المحكمة في رفع الدعوى إلى القضاء، أو المرافعة، أو في تحقيقها، أو الحكم فيها وقد يكون قولياً أو فعلياً .

 

كما عرفه البعض بأنه: (العمل القانوني الذي يرتب عليه القانون مباشرة أثراً إجرائياً ويكون جزءاً من الدعوى المدنية ).

 

ونرى أن التعريف الأخير، رغم التحفظ على اشتراطه مباشرة الأثر ، هو الأقرب إلى مفهوم الإجراء القضائي، لأن التعريف الأول لا يعطي إلا نصف

المفهوم، كون بعض المسالك السلبية التي يقوم بها الخصم، هي بمثابة إجراء يرتب عليه القانون أثرا كما في حالة الأنكار، أو حالة السكوت المنصوص عليها في المادة (۳۹) (أولا) من قانون الإثبات الذي عده المشرع إقراراً بصحة السند المعروض على الخصم .ونحن نميل إلى تعريف الإجراء الـ تحكيمي أنه: (العمل القانوني الذي يترتب عليه أثراً إجرائياً ويكون جزءاً من الدعوى التحكيمية)، ولكي يأخذ الإجراء هذه الصفة لابد من توافر الشروط الآتية:

 

أولاً: أن يترتب عليه أثر قانوني، فأن بعض الأعمال التي تحصل في الدعوى لا تعد إجراء قضائيا، أو إجراء تحكيمياً، كما في حالة دراسة أوراق الدعوى من القاضي المختص، أو من هيئة التحكيم، أو طلب صورة من أوراق يتقدم به أحد الخصوم.

 

ثانياً: أن يكون الإجراء جزءاً من إجراءات الخصومة، يؤديه احد طرفيها أو المحكمة، أو هيئة التحكيم، وعليه لا يعد إجراء قضائياً، ولا اجراء تحكيمياً، ما يؤديه الشخص من أعمال لا علاقة لها بالخصومة كما في حالة الاتفاق مع محامي للتوكل في موضوع معين، وفي أثناء سير الخصومة، كما لا تعد الإجراءات التي قام بها الخصم قبل انعقاد الخصومة - كما في توجيه الإنذارات للخصم الآخر - إجراءات قضائية ولا ترتب أثراً إلا بعد إبرازها للمحكمة المختصة، أو إلى هيئة التحكيم.

 

 ثالثاً: أن ترتب أثراً إجرائياً يؤثر في الخصومة سواء أكانت بدايتها أم في سيرها أم في تعديلها أم في انتهائها، أم ما يعتريها من عوارض، فعلى سبيل المثال الصلح الحاصل بين الخصوم خارج المحكمة، أو خارج هيئة التحكيم،

ونحن نتفق مع جزء من الرأي المذكور ، إذ أن انتهاء الخصومة في حال التنازل عن الحق هو أثر مباشر لأثر موضوعي هو زوال الحق وانتهاؤه ، لكن التنازل عن الحق هو إجراء قضائي رتب أثراً ولو بصورة غير مباشرة ، أما التنازل عن الدعوى فهو أما  أن يكون التنازل عن الحق المدعى به ، أو التنازل عن الاستمرار بالخصومة (إبطال عريضة الدعوى ) وفي كلتا الحالتين يعد ذلك إجراءً قضائياً ، أو إجراءً تحكيمياً ، من إجراءات الخصومة يرتب أثراً هو انتهاء الخصومة ، إذ أن حق الدعوى ، لا يجوز التنازل عنه .

یری جانب من الفقه الفرنسي أن الإجراء القضائي هو تصرف قانوني وبالتالي تطبيق قواعد التصرف القانوني المعروفة في القانون المدني على العمل الإجرائي القضائي والاعتداد بعيوب الإرادة وصحة السبب في ذلك)، ويعترف القانون المدني بسلطان الإرادة لمعرفة هذا الأثر. وعمد جانب من الفقه، إلى وضع نظرية للتصرف القانوني جعلوها تسري على الأعمال الإجرائية القضائية التي لها هذه الصفة .

 

وقد بذل جهد لتمييز التصرف القانوني من العمل القانوني بمعناه الضيق إلا أنهم لم يتمكنوا من وضع معيار دقيق لذلك، وكل ما فعلوه هو وضع تعريف للتصرف القانوني، وعرف الفقهاء الغربيين التصرف القانوني، بتعاريف عدة فقد عرقه الفقيه ديكي بأنه: «كل عمل إرادي يحدث بنية أنتاج تعديل في التنظيم القانوني الموجود عند صدور العمل أو الذي سيوجد في لحظة مستقبلة».

 

أما الفقيه جيز فعرفه أنه إظهار الإرادة استعمالاً لسلطة شرعية بقصد إحداث أثر قانوني»، وهذا الأثر يكون على شكل إنشاء مركز جديد أو إدخال شخص في مركز قانوني سابق.

 

أما كولان وكابيتان، فعرفاه أنه: «وقائع قانونية تتكون من إظهار إرادة أشخاص ذوي مصلحة بقصد إحداث أثر قانوني مرغوب»..

 

وعرفه بو نكاز بأنه: «إظهار خارجي للإرادة سواء أكان من جانبين أم من جانب واحد يستند على قاعدة قانونية، ويقصد مباشرة إلى توليد مركز قانوني عام ودائم، أو إلى إنتاج أثر قانوني محدد باقتصاره على تكوين أو تعديل أو أنهاء رابطة قانونية .

 

ونحن نميل إلى أن الرأي الذي يدعو إليه الدكتور فتحي والي، من أن الإجراءات القضائية ليست بتصرفات قانونية بالمعنى الدقيق الذي تنظمه القواعد أما تصدر عن العامة في القانون الخاص جدير بالتأييد، لأن الإجراء القضائي يخضع لقواعد تختلف عن القواعد التي يخضع لها التصرف القانوني، فهي القاضي، أو عن الخصوم، أو عن الغير وصدورها عن أي من هؤلاء لا يجعلها تصرفات قانونية، وذلك لفقدانها المقدمات الاساسية التي يستند إليها التصرف القانوني لدى كل منهم ) . ويتضح ذلك من معرفة طبيعة عمل كل مما ذكر 

 

١- الإجراء الصادر عن القاضي أو المحكم

 

يؤدي القاضي، أو المحكم، أعمالا مختلفة في الخصومة المعروضة أمامه،

 

التي تنتهي بصدور حكم فيها، والحكم الذي يصدره القاضي أو المحكم ما هو إلا تعبير عن حكم القانون أو العقد بعد أن يجهد نفسه في تكييف الواقعة المعروضة

أمامه وصولاً إلى تطبيق القاعدة القانونية التي تحكم ذلك وبالتالي يصدر حكماً،

 

وهذا يتكون من عنصرين :

 

ا -عنصر التقدير، ويقوم على حالة الذكاء والمنطق. ب -عنصر الأمر وبما ينشأ من عنصر التقدير

 

ولدى إمعان النظر في كل من هذين العنصرين، نجد أنه لا إرادة للقاضي أو للمحكم فيهما، فأن عنصر التقدير لا يعتمد على إرادة القاضي أو المحكم، وانما على قدرتهما على استيعاب النص وتفسيره تفسيراً يتفق مع ملكاتهما الذهنية. أما العنصر الثاني الذي أطلق عليه الأمر فأن القاضي أو المحكم لا يعبر فيه عن إرادته وانما عن إرادة القانون أو العقد الذي هو ملزم بتطبيقهما ، وإذا ما حاد عن ذلك، فأن ما يصدره من حكم يكون عرضة للفسخ من محكمة الاستئناف أو النقض من محكمة التمييز، أو البطلان بالنسبة لحكم التحكيم وحسب الأحوال. وهذا يعني أن الحكم الذي يصدره القاضي أو المحكم وإن كان عملاً إرادياً، إلا أن إرادتهما ليست التي تكون سبباً في الحكم، . وينتقد البعض - وهو على حق - ما ذهب إليه الفقيه الايطالي (كي وفندا) ومن تأثر بآرائه من أن التقدير ليس إلا عملاً تحضيرياً للعمل الإرادي وأن الحكم في جوهره عمل مبني على إرادِة القاضي)

 

وما دامت الإرادة تحتل مركزا هامشيا في الإجراء القضائي، أو الإجراء الـ تحكيمي، فهما، إذا ليس بتصرف قانوني. أي أن الإجراء الذي يتخذه القاضي أو المحكم هو مجهود عقلي يستعمل فيه منطقه القضائي، وخزينه الفكري القانونيِ ...