اجراءات خصومة التحكيم / مراعاة القواعد الاجرائية المتعلقة بالنظام العام / الكتب / أثر النظام العام في الحد من اللجوء إلى التحكيم / طبيعة القواعد الإجرائية التي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها
طبيعة القواعد الإجرائية التي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها
ويتضح مما سبق أن هناك قواعد إجرائية يمكن لأطراف منازعة التحكيم الاتفاق على ما يخالفها، وهناك قواعد أخرى لا يجوز لأولئك الأطراف الاتفاق على ما يخالفها، وهذه القواعد الأخيرة هي القواعد المتعلقة بأسس وضمانات التقاضي التي كفلهما المشرع للمتقاضين وهي قواعد ذات أسس دستورية تتعلق بالنظام العام، ولذلك فإذا أغفلت إجراءات التحكيم تلك القواعد فإن التحكيم يكون باطلاً بطلانا مطلقاً لتعلقه بالنظام العام يجوز لكل ذى مصلحة أن يتمسك به وتقضى به المحكمة من تلقاء نفسها.
ضابط التمييز بين القواعد الإجرائية التي يمكن استبعادها وتلك التي لا يمكن استبعادها:
فما هو المعيار المميز لتلك الإجراءات التي يمكن الاتفاق عليها والإجراءات التي يمكن الاتفاق على استبعادها واستبدالها بقواعد أخرى، وتلك الإجراءات التي لا يمكن الاتفاق على استبعادها ، هذا الضابط أو المعيار المميز يتبدى فى فكرة النظام العام ذاتها.
ومؤداه أن القواعد التي يجوز الاتفاق على مخالفتها هي فقط التي يجوز استبعادها واستبدالها بقواعد أخرى ... فهي قواعد لا تتعلق بالنظام العام .
ومن أمثلتها تلك القواعد المتعلقة بمكان التحكيم وزمانه وسرية الجلسات أو علانيتها، أو اللغة المستخدمة أو شفوية المرافعة أو تبادل المذكرات ....
ولا يعنى ذلك أن عدم مراعاة حكم الإجراء المتفق عليه من الخصوم من قبل هيئة التحكيم لا يترتب عليه بطلان حكم التحكيم ، بل يترتب عليه البطلان إلا أنه بطلان يختلف عن البطلان المطلق الذى يترتب على مخالفة القواعد المتعلقة بالنظام العام سالف الإشارة إليها.
بطلان حكم التحكيم إذا خالف المحكم الإجراءات المتفق عليها :
وقضت محكمة النقض المصرية قبل صدور قانون التحكيم المصرى - بأن مؤدى" نص المادة 506 مرافعات هو التزام الحكم بكل القواعد المقررة فى هذا الصدد، ومؤدى نص المادتين 507 1/512 مرافعات وجوب صدور حكم المحكمين باشتراكهم جميعاً فيه وإن كان لا يلزم إلا اجتماع رأى الأغلبية بحيث لا يجوز أن يصدر من هذه الأغلبية في غيبة الأقلية ما لم يأذن لهم أطراف التحكيم بأنفسهم بذلك، لما ينطوي عليه ذلك من مخالفة صريحة لنص الفقرة الثالثة من المادة 512 من قانون المرافعات فضلاً عن مخالفة القواعد الأساسية في إصدار الأحكام".
نخلص مما سبق أن الإجراءات التي تحكم خصومة التحكيم سواء كانت من اختيار الأطراف أو من اختيار هيئة التحكيم حال ممارستها لسلطتها التقديرية فى اختيار القواعد الإجرائية المناسبة، هذا الاختيار يجب أن يكون هدفه الوصول إلى حكم مضمون التنفيذ وبعبارة أخرى يجب على هيئة التحكيم أن تراعي بخبرتها القضائية - مدى إمكانية الاعتراف بالحكم وتنفيذه، فلا تطبق قاعدة إجرائية يمكن أن تفتح المجال - فيما بعد - للطعن بالبطلان على الحكم، أو تكون مدعاة لرفض الاعتراف بالحكم أو تنفيذه، وهذا يقتضيها تحرى موقف النظم الإجرائية للدولة أو الدول التي يمكن أن يطلب من محاكمها الاعتراف بالحكم أو الأمر بتنفيذه، تلك النظم التي نتناولها بالبحث في المبحث التالي.