اجراءات خصومة التحكيم / المبادئ التي تحكم خصومة التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / خصومة التحكيم في منازعات عقود التجارة الدولية / الضوابط التي يجب مراعاتها عند الفصل في موضوع النزاع
الضوابط التي يجب مراعاتها عند الفصل في موضوع النزاع
ويلاحظ وجود تباين في موقف كل من القوانين الوطنية، حيث نص القانون العماني على وجوب مراعاة المحكم عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد والأعراف الجارية، ولم ينص على ضرورة مراعاة المحكم للعادات التجارية، على خلاف موقف القانون البحريني حيث أوجب مراعاة المحكم لشروط العقد والعادات التجارية، ولم يشير إلى مراعاة المحكم للأعراف الجارية، بينما جمع القانونين السعودي والقطري على وجوب المحكم مراعاة شروط العقد والأعراف الجارية والعادات التجارية الجارية عند الفصل في موضوع النزاع.
وتستمد الشروط العقدية شرعيتها من مبدأ سلطان الإرادة، فالعقد هو الذي يحدد حقوق والتزامات الأطراف ومدى صحة أو بطلان العقد، وإمكانية ضمان العيوب الخفية في محل العقد ومكان التسليم والمواصفات، والتعويض عن التأخير والتلف. كما أن التصورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية قد أدت إلى ظهور ما يعرف بالعقود النموذجية كعقود التأمين والتوريد وبعض البيوع، التي تجري على نسق واحد تفرضه طائفة معينة من التجار أو منظمة ما ينتمون إليها كالنقابات والغرف التجارية، مما قد يقال معه أن المتعاقدين يفقدون حريتهم في إبرام هذه العقود حيث لا يملكون سوى الانصياع لشروطها الأمرة المحددة سلفاً فلا تتوافر لهم حرية مناقشتها فتضعف فيها إرادتهم بل وتكاد تنمحي. وعلى ذلك فمتى اتخذ العقد صورة العقد النموذجي أخذت فيه الرضائية شكلاً جديداً بحلول الإرادة الجماعية للجماعة التي ينتمي إليها المتعاقد بما لها من قوة واعتبار محل إرادته الفردية بما قد يعتريها من وهن وضعف فإن الفرصة تكون متاحة للمحكم للتدخل في هذه العلاقة لإصلاح ما قد يكون من إخلال بالمساواة بين المتعاقدين وإعادة التوازن بينهما .
فإن الهيئة التحكيم أن تحكم في النزاع على ضوء شروطه والأعراف الجارية في نوع المعاملة دون أن تعول على أي قانون حتى ولو كان الأكثر اتصالاً بالنزاع، فقد يكون محل النزاع تجارة قطن أو حبوب أو قرى سياحية أو فنادق أو مطارات أو معاملات مصرفية أو نقل جوي أو استصلاح أراضي وغيرها من أنواع التعامل التي تحكمها أعرافاً تجارية دولية، تم تقنين أغلبها في عقود نموذجية حتى لا تترك لمحض تقدير هيئة التحكيم دون ضوابط يمكن أن تحكمها، كما هو الحال بالنسبة لقواعد جمعية تجارة الحبوب والأغذية وعقد الفيدك والاتفاقية الخاصة بالبيع الدولي للمنقولات المادية، واتفاقية وارسو للنقل والاتفاقات الدولية في مجال النقل البحري، وقواعد جنيف الخاصة بالأوراق التجارية، إلى غير ذلك من الاتفاقات والعقود الدولية التي يمكن أن تهتدي بها هيئة التحكيم كي تقف على ما استقر عليه العرف التجاري في معاملة ما. وقد قضت محكمة استئناف باريس بأن قيام المحكمين بتحديد عادات وأعراف التجارة الدولية، لكي تطبق على موضوع النزاع، يعتبر بمثابة تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع .
أما الوضع مختلف في القانون الفرنسي حيث وفقاً للمادة 1496 مرافعات فرنسي أوجب على المحك سواء كان مقيداً بالقانون أو مفوضاً بالصلح مراعاة العادات التجارية. ولم يوجب على المحكم مراعاة الشروط العقدية والأعراف الجارية. ويرى البعض أن موقف المشرع الفرنسي من ضرورة مراعاة المحكم العادات التجارية فإنه قد أوجب على المحكم من باب أولى مراعاة الشروط العقدية والأعراف الجارية لأنها مقدمة على العادات التجارية في المرتبة من حيث القوة القانونية . ومن ثم فإنه طبقاً للقانون الفرنسي تلتزم هيئة التحكيم في مجال التحكيم التجاري الدولي عندما تفصل في النزاع المعروض عليها بتطبيق العادات التجارية المعمول بها في مجال النشاط محل النزاع، سواء في ذلك اتفق الأطراف على تطبيق قواعد قانونية معينة على موضوع النزاع أو لم يتفقوا. وفي هذا الشأن فإن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين والتي تعد من المبادئ العامة للقانون، فإنها كذلك تعد من العادات التجارية التي يتعين مراعاتها، كما أنها في مجال قانون التجارة الدولية تدخل ضمن الأعراف والعادات التجارية التي تسمى Lexmercatoria، وعلى المحكم أن يطبقها بهذه الصفة.
وفي نهاية الأمر، فإنه يجب على هيئة التحكيم الالتزام بهذه الضوابط، وذلك بعدم تجاوز سلطتها التقديرية، وبهذا تتجنب إصدار حكم تحكيم مهددا بعدم التنفيذ في البلاد التي تعرف الطعن على حكم التحكيم بالاستئناف، كما هو الشأن في الكويت وفرنسا، أما بالنسبة للبلاد التي لا تعرف الطعن بالاستئناف على حكم التحكيم كما هو الحال في باقي دول الخليج، حيث أجازت قوانينها طريق واحد أمام المحكوم ضده وهو رفع دعوى بطلان التحكيم، لأسباب محددة على سبيل الحصر.