إجراءات سير المنازعة أمام الهيئات الدائمة للتحكيم التجارى الدولى
ولقد صار هذا النوع من التحكيم هو الغالب في منازعات التجارة الدولية بحكم تطور التجارة والصناعة في العالم وبحكم الحاجة، لأنها تجعل طريق التحكيم أكيداً مأموناً ومضموناً، وليس مغامرة في المجهول، معرضة لتقلبات مزاج أو مصالح الأطراف وغير محتاج إلى تدخل المحاكم الإسعاف التحكيم، إذا بقي مرتبطاً كل منهما، في حين أن إرادة الأطراف ووضعهم هو شيء قبل نشوب النزاع، وهو شيء أخر تماماً عندما يعصف الخلاف بين الطرفين . ذلك أن هيئات ومراكز التحكيم الدائمة لديها قوائم بأسماء المحكمين المتخصصين في مختلف أنواع المنازعات، يستطيع المحتكمون اختيار محكميهم منها، وهذا ما يجنبهم مشقة البحث عن المحكم المناسب، خاصة إذا ما تعلق الأمر بمسائل فنية يحتاج فهمها إلى خبرة لا تتوافر على نطاق أوسع، كما لديها لوائح معدة بالإجراءات التي يجري التحكيم لديها على أساسها، وهي عادة إجراءات بسيطة وغير مكلفة تيسر مسيرة التحكيم، دون أن تخل بأساسيات التقاضي ، وهذا ما يجنب المحتكمين مؤنة الاتفاق على الإجراءات التي تحكم سير المنازعة التحكيمية .
تجدر الإشارة إلى أن التحكيم التجاري الدولي يعتبر تحكيم منظم تسري فيه الأحكام اللائحية على إجراءات التقاضي أمام مراكز وهيئات التحكيم الدائمة بحيث أنه ينبغي أن يذعن أطراف المنازعة للقواعد المقررة في لائحة الهيئة أو المراكز ، وقد اتسع مجال التحكيم التجاري الدولي لدى هيئات ومراكز التحكيم الدائمة بحيث أصبح إجبارياً في الكثير من العقود الدولية ذات الشكل النموذجي، مثل عقود المنشآت الصناعية والتوريدات الدولية وعقود التجميع والتي تتضمن نصوصها ضرورة خضوع المنازعات التي تثور بشأنها التحكيم غرفة التجارة الدولية وطبقاً لإجراءاتها، وكذلك الأمر بالنسبة للعقود التي تبرم وفقاً للشروط العامة الصادرة عن اللجنة الاقتصادية الأوروبية للأمم المتحدة في جنيف 1953 والتي تقضي المادة 13منها بضرورة خضوع المنازعات التي تثور بشأنها لقواعد ولائحة محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية. وفي حالة نصت إحدى المعاهدات على إنشاء محكمة تحكيم تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأطراف بخصوص مسائل معينة فإن هذا الاختصاص يثبت لها ويتم الفصل فيها طبقاً للوائحها .
وتأسيساً على ما سبق تفصيله، فإننا نرجع موقع المراكز التي تعطي الأفضلية والأولوية لإرادة الأطراف في تحديد القواعد الإجرائية التي تحكم سير المنازعة، وتجعل من قواعدها ذات صفة احتياطية في حال تعذر أو قصور هذا الاتفاق من قبل الأطراف. وذلك لأن نظام التحكيم يعتمد في جوهره على إرادة الأطراف، فالتجاء أطراف التحكيم إلى المركز لحل نزاعهم لا يمنع حريتهم في قبول تطبيق إجراءات هذا المركز، هذا إن لم يكونوا قد اتفقوا على المسائل الإجرائية التي تحكم سير المنازعة التحكيمية، والتجائهم لهذا المركز تعبيرا عن ثقتهم في قيام المركز بعمله بشكل احترافي بما لديه من إمكانيات تؤهله لذلك.