اجراءات خصومة التحكيم / اجراءات خصومة التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / المركز القانوني للمحكم في التحكيم التجاري الدولي / حدود السلطة المخولة للمحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق على إجراءات خصومة التحكيم
حدود السلطة المخولة للمحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق على إجراءات خصومة التحكيم
يرى البعض أن الأساس الذي بني عليه منح المحكم سلطة اختيار القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم هو من قبيل استكمال العقد، هذا وقد ذهب جانب من الفقه إلى القول بأن هذا التكييف - وإن كان يعبر عن الطابع الاحتياطي لسلطة المحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق- فإن سلطة المحكم تعد تكميلية لاتفاق طرفي الخصومة وهي أصلا محل شك وجدل فقهي، ومن ثم فلا يجوز اعتبارها فرضا ثابتا على ضوئه تبني فروض أخرى، إضافة إلى أن اعتبار مسألة تدخل المحكم لاستكمال العقد مشروع بوجود خصومة قد حدثت و يتطلب فيها ندخل محكم ليقوم بالفصل فيها وحسمها.
أما وجهة نظر الباحث الخاصة في شأن هذه المسألة والرد علي هذا الآراء فإن اعتبار سلطة المحكم في اختيار القانون الواجب على إجراءات التحكيم بأنها سلطة تكميلية لاتفاق التحكيم فهذا ما نخالفه، ويمكن الرد عليه بأن صفة التكميل تكون في حالة وجود نقص إما بسبب عدم معالجة تلك المسألة في القوانين أو عدم معالجتها في أصل اتفاق التحكيم، فمن المسلم به في نشأة نظام التحكيم وأساس قيام هذا النظام هو الإرادة الحرة التي يتمتع بها أطراف التحكيم من محتكمين ومحكمين.
لذلك فإن أساس تمتع المحكم بسلطة اختيار القانون واجب التطبيق على إجراءات سير الخصومة التحكيمية هو عقد الاتفاق على التحكيم، لذلك فإن اتفاق التحكيم هو مصدر سلطة المحكم فهي سلطة أساسية متفق عليها في عقد التحكيم وليست تكميلية كما ذهب إليها ذلك الرأي، وكذلك فإن الرأي الذي قال بأن سلطة المحكم في تطبيق القانون الواجب التطبيق نابعة أساسا من اعتبار المحكم كالقاضي الخاص، فترد على ذلك بالقول وحتى وإن كان المحكم كالقاضي الخاص و يمارس مهنة قضائية خاصة، فمن المسلم به في قوانين المرافعات أن القاضي على الدوام ملتزم بنصوص القوانين وليس له الخروج على تلك النصوص في تنظيم سير الخصومات القضائية، بعكس المحكم الذي له الحق في تنظيم سير إجراءات الخصومة التحكيمية حسب رؤيته وتقديره وهذا ما نصت عليه التشريعات الخاصة بالتحكيم ، وتحقيق مبدأ سلطان الإرادة والذي يمتاز به نظام التحكيم عن النظام القضائي.
كما يحق للمحكم إصدار الأحكام التي يراها مناسبة وموافقة المبادئ العدالة والإنصاف، كما يحق له الخروج وعدم تطبيق النصوص القانونية طالما لم تخالف مبادئ النظام العام، فالأصل أن الإرادة الحرة الطرفي خصومة التحكيم هي التي تحدد القانون الواجب التطبيق على إجراءات سير الخصومة، وهذه المسألة ليست محل جدل أو شك ولكن الصعوبة تكمن في حالة عدم وجود اتفاق بين أطراف الخصومة على اختيار القانون الواجب التطبيق، أو أي إشارة إلى قانون يمكن تطبيقه أو خلو هذا الاتفاق من إسناد مهمة اختيار القانون الواجب التطبيق حسب ما ورد في لائحة مركز أو هيئة أو مؤسسة تحكيم، أو عدم كفاية القواعد التي اتفقوا عليها بشأن القانون الواجب التطبيق .
هذا ويحق للمحكم اختيار القانون الواجب التطبيق حيث قد ضمنت له ذلك نصوص التشريعات والأنظمة المتعلقة بالتحكيم، هذا وجاء في قانون التحكيم اليمني ما يؤكد ذلك في نص المادة (۳۲)، والتي تنص على أنه" يحق لطرفي التحكيم أن يتفقا على الإجراءات التي يتعين على لجنة التحكيم إتباعها، فإذا لم يوجد أي اتفاق فإنه يجوز أن تتبع ما تراه ملائمة من الإجراءات مع ضرورة مراعاة أحكام هذا القانون، وعدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات التي تعتبر من النظام العام"، و يعني هذا أن القانون اليمني منح طرفي خصومة التحكيم في المقام الأول اختيار الإجراءات التي يجب على المحكم اتباعها ومن ضمن تلك الإجراءات إجراء اختيار القانون الواجب التطبيق على الخصومة، ففي حالة خلو اتفاق التحكيم من الإشارة إلى ذلك، فإن من حق المحكم أن يستخدم سلطته في اتخاذ أية إجراءات مناسبة من ضمنها اختيار القانون الواجب التطبيق بشرط أن تكون هذه الإجراءات موافقة لقانون التحكيم وألا يوجد فيها ما يؤدي إلى الإخلال بقواعد قانون المرافعات والذي تعد قواعده الأصل في تنظيم التحكيم..
وكذلك فقد نص قانون التحكيم المصري على ذلك في المادة (25) والتي تنص
على أنه" لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أية منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها، فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم مع مراعاة أحكام هذا القانون أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة".
ويلاحظ على نص المادة (25) من قانون التحكيم المصري كانت أكثر تفصيلا من قانون التحكيم اليمني في تناولها لمسألة اختيار الإجراءات التي يجب أن يسير عليها التحكيم وإعطاء المحتكمين حرية أوسع في اختيار الإجراءات مع الأحقية في إخضاعها لأية قواعد إجرائية الأية منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها بشرط مراعاة أحكام قانون التحكيم وأحكام قانون المرافعات، لذلك نأمل من المشرع اليمني أن يحذو حذو المشرع المصري في معالجته لتلك المسألة، . بأن يضيف عبارة "بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركز تحكيم" على أن يتم استبدال عبارة جمهورية مصر العربية بعبارة الجمهورية اليمنية أو خارجها على أنه يكون صياغة المادة (۳۲) من قانون التحكيم اليمني على النحو التالي" يحق لطرفي التحكيم أن يتفقا على الإجراءات التي يتعين على لجنة التحكيم اتباعها، بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد ا النافذة في أية منظمة أو مركز تحكيم في الجمهورية اليمنية أو خارجها، فإذا لم يوجد أي اتفاق فإنه يجوز أن تتبع ما تراه ملائماً من الإجراءات مع ضرورة مراعاة أحكام هذا القانون، وعدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات التي تعتبر من النظام العام.
لما لإضافة مثل هذه الجملة من فائدة في تحقيق الهدف من اللجوء إلى التحكيم، لكون أكثر المسائل المتعلقة بالتحكيم هي مسائل أساسا تتعلق بمجال التجارة الدولية أكثر منها في المجال الداخلي، ففي ذلك تشجيع الأطراف الخصومة التحكيمية على إخضاع خصومتهم لقانون التحكيم اليمني، لكونه يحتوي على نصوص لمعالجة القضايا التي يكون أحد أطرافها دوليا.
وأما بالنسبة لما جاء في الاتفاقيات الدولية وأنظمة ولوائح التحكيم الدولية في شأن السلطة التي حولتها لطرفي خصومة التحكيم ومن ثم للمحكم في اختيار الإجراءات والقواعد الإجرائية التي يتم تطبيقها على خصومة التحكيم، فقد جاء في اتفاقية واشنطن الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدول وبين رعايا الدول الأخرى وتحديدا في الباب الرابع منه والخاص بالتحكيم في المادة (44) والتي تنص على أنه " يتم السير في إجراءات التحكيم طبقا لأحكام هذا القسم وتبعا لقواعد التحكيم السارية في يوم الاتفاق على التحكيم ما لم تتفق الأطراف المعنية على خلاف ذلك وإذا عرضت مسألة تتعلق بإجراءات غير مدرجة في هذا القسم أو في نظام التحكيم أو أية قواعد أخرى يتفق عليها الطرفان فإن المحكمة هي التي تفصل في أمرها" .
وذلك يعني أنه يجب أن تسير إجراءات التحكيم حسب ماهو - متفق عليه في عقد التحكيم ما لم يكن هناك اتفاق للأطراف المحكمة على خلاف ذلك، فإن عرضت مسألة لم تدخل من ضمن الاتفاق تتعلق بالإجراءات أو في أي نظام تحكيم فإن المحكمة هي التي تفصل في أمرها.
كما يعني أيضا أن عقد الاتفاق هو الأساس الذي يجب أن تسير عليه إجراءات التحكيم.
هذا وقد جاء في القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي للجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية في الفصل الخامس منه في المادة (۱۹) في فقرتها الأولي والثانية والتي تنص على أنه:۱- مع مراعاة أحكام هذا القانون يكون للطرفين حرية الاتفاق على الإجراءات التي يتعين على هيئة التحكيم اتباعها لدي السير في التحكيم.
كذلك فقد جاء في لائحة إجراءات التحكيم المركز التحكيم التجاري الدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في المادة (۲،۱/۲۹) والتي تنص على أنه" تفصل الهيئة في النزاع طبقا لما يلي: -
1-العقد المبرم بين الطرفين، وأي اتفاق لاحق بينهما.
2- القانون الذي يختاره الطرفان" .
ويعني هذا أن لائحة المركز قد منحت المحكم الفصل في أي نزاع قد يحدث بين أطراف خصومه التحكيم بشأن العقد المبرم بينهما أو في أي عقد اتفاق لاحق بينهما، وكذلك فقد خولت المحكم الفصل في حالة الاختلاف بين المحتكمين بشأن القانون الواجب التطبيق على إجراءات خصومتهما، ومن ثم فله سلطة أن يختار أي قانون يطبق على التحكيم يراه مناسبة.
ومن خلال تلك التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية التي تناولنها يلاحظ أنها مجمعة على أن سلطة المحكم في تسيير إجراءات التحكيم واختيار القانون الواجب التطبيق على هذه الإجراءات يرجع في المقام الأول إلى عقد التحكيم والاتفاق المبرم بين المحكم والمحتكمين، فالأصل أن تسيير إجراءات التحكيم واختيار القانون الواجب التطبيق من . اختصاص أطراف خصومة التحكيم، ولكن وكما رأينا أن التشريعات قد خولت المحكم سلطة تسيير إجراءات التحكيم واختيار القانون الواجب التطبيق في حالة خلو اتفاق التحكيم من الإشارة إلى قانون دولة ما أو لائحة مركز أو هيئة، أو مؤسسة تحكيم دولية دائمة، فيكون للمحكم سلطة - اختيار القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم وتسيير الإجراءات حسب ما يراه المحكم مناسبا.