يعد إعلان حكم التحكيم الإلكتروني للأطراف أمرا ضرورية، إذ أنه يجب على هيئة التحكيم الإلكترونية أن تقوم بإعلان ذلك الحكم للأطراف جميعهم على حد سواء وذلك عقب قيامها بكتابة حكم التحكيم الإلكتروني والتوقيع عليه وتضمينه البيانات اللازمة سواء الشكلية أو الموضوعية ثم إصداره.
وبهذا الإعلان فإن إجراءات نظام التحكيم الإلكتروني تكون قد انتهت ويليه مباشرة تبدأ إجراءات تنفيذ ذلك الحكم وذلك لأن إجراءات نظام التحكيم الإلكتروني لا تنتهي بإصدار حكم التحكيم ولكن بإعلان هذا الحكم للأطراف
وهكذا يتضح مدى أهمية إعلان حكم التحكيم للأطراف لأنه بهذا الإعلان يكون للأطراف الحق في اتخاذ جميع الإجراءات سواء الخاصة بتنفيذه أو الطعن ال عليه، وبالتالي يبدأ الحكم في ترتيب أثاره.
وهذا الإعلان الصادر من قبل هيئة التحكيم الإلكترونية للأطراف يجب أن يكون صحيحا لكونه يكتمل به إجراءات التحكيم، ويتم هذا الإعلان إلكترونيا عن طريق إرساله للأطراف بواسطة البريد الإلكتروني المشفر Engypted E-mail)، وسبب إعلان هذا الحكم للأطراف بواسطة بريدهم الإلكتروني المشفر هو الجفاظ على سرية هذا الحكم و عدم علم الغير به، وذلك لأن هذه السرية لحكم التحكيم شرط أساسي في نظام التحكيم الإلكتروني، ولا يجوز مخالفة ذلك إلا باتفاق الأطراف.
وهذا الإعلان الحكم التحكيم قد أقرته العديد من القوانين سواء الوطنية أو الدولية وكذلك هيئات التحكيم الإلكترونية الدائمة حيث ذهبت جميعها إلى أنه يجب إعلان الأطراف بحكم التحكيم عقب إصداره مباشرة ، فمن القوانين الوطنية نجد أن المشرع المصري أقر هذا الإعلان وذلك من خلال نصه على أنه "تسلم هيئة التحكيم إلى كل من الطرفين صورة من حكم التحكيم موقعة من المحكمين الذين وافقوا عليه خلال ثلاثين يوما من تاريخ إصداره.
وبالنسبة للقوانين الدولية فقد أقر القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الصادر عام ۱۹۸۰ ذلك أيضا حيث نص على "بعد صدور القرار تسلم إلى كل من الطرفين نسخة منه موقعة من المحكمين وفقا للفقرة (1) من هذه المادة"(1).
وقد أقرت هذا الإعلان الحكم التحكيم الإلكتروني أيضا قواعد التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية بباريس الصادرة في يناير ۱۹۹۸ حيث نصت على أنه "تبلغ الأمانة العامة الأطراف بحكم التحكيم موقعة من قبل هيئة التحكيم بمجرد إصداره ....."، كما ذهبت قواعد هذه الغرفة إلي أن هذا الإعلان يمكن أن يتم بكل الوسائل ومن بينها بالطبع الوسائل الإلكترونية حيث قررت في قواعدها الخاصة بشأن الإخطارات والاتصالات المكتوبة أنه يمكن إخطار الأطراف وإعلانهم بكل وسائل الاتصال مادام يتحصل من هذه الوسيلة المستخدمة دليل يفيد الإرسال.
كما أن هيئات التحكيم الإلكترونية الدائمة قد نصت في قواعدها ولوائحها الداخلية على أنه يجب إعلان الأطراف بحكم التحكيم الإلكتروني الصادر في النزاع القائم بينهم، وأن هذا الإعلان يتم بطريقة إلكترونية عبر شبكة الانترنت. ومن هذه الهيئات نظام القاضي الافتراضي V.M.P حيث ذهب في قواعده المصري بنصه على أنه "ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم خلال التسعين يوما التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه ولا يحول دون قبول دعوی البطلان نزول مدعي البطلان عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم ب والمبدأ السائد هنا والذي قررته هذه المادة أنة لا يجوز الطعن بالبطلان على حكم التحكيم إلا بعد إعلان الحكم للأطراف، وبالتالي لايمكن الاستعاضة عن الأعلان بأي وسيلة أخري حتي ولو كانت هذه الوسيلة هي علم الأطراف بحكم التحكيم وأن أي مخالفة لذلك لا يعتد بها .
۲- إن إجراءات تصحيح ما ورد بحكم التحكيم الإلكتروني من أخطاء لا تبدأ إلا
بعد إعلان الحكم للأطراف وتتم خلال مدة معينة وبدء هذه المدة يتم حسابها من تاريخ هذا الإعلان. وهذا ما أقره القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي بنصه على "في خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسلم قرار التحكيم، ما لم يتفق الطرفان على مدة أخرى يجوز لكل من الطرفين بشرط إخطار الطرف الآخر أن يطلب من هيئة التحكيم أن تصحح ما يكون قد وقع في القرار من
أخطاء حسابية. أو كتابية أو طباعية أو أية أخطاء أخرى مماثلة.....
٣- كما أنه في حالة ما إذا قامت هيئة التحكيم الإلكترونية بإغفال الفصل في
بعض المسائل بين الأطراف في الحكم الصادر عنها فإنه يكون للأطراف آن تطلب من هيئة التحكيم أن تصدر حكم إضافي بالفصل في هذه المسائل ويتم
هذا الطلب من قبل الأطراف خلال مدة معينة تبدأ من تاريخ إعلان الحكم الأطراف. وهذا ما أقره القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الصادرة سنة 1985 حيث نص على أنه "ما لم يتفق الطرفان على خلاف ما يلي يجوزلأي من الطرفين، وبشرط إخطار الطرف الثاني، أن يطلب من هيئة و خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسلمه قرار التحكيم أن تصدر قرار اضافي في الطلبات التي قدمت خلال إجراءات التحكيم ولكن قرار أغفلها. وإذا رأت هيئة التحكيم أن لهذا الطلب ما يبرره وجب عليها لائن تصدر هذا القرار الإضافي خلال ستين يوما.
4- كما تبرز أهمية إعلان حكم التحكيم الإلكتروني حال تنفيذه حيث أنه من تاريخ هذا الإعلان يبدأ حكم التحكيم في ترتيب آثاره بمعنى أن هذا الإعلان شرطة لتنفيذ حكم التحكيم وبالتالي فلا يجوز تنفيذ حكم التحكيم الإلكتروني إلا إذا تم إعلانه للأطراف .
محفوة القول أنه يجب على هيئة التحكيم الإلكترونية - سواء كانت هيئة الكمية إلكترونية خاصة أو هيئة تحكيمية إلكترونية دائمة - عقب إصدار حكمها والتوقيع عليه أن تبادر بإعلان هذا الحكم للأطراف جميعا ويتم ذلك بالطبع بطريقة إلكترونية وذلك عن طريق البريد الإلكتروني المشفر Engypted E-Mail حتى لا يستطيع الغير الإطلاع عليه. والهدف من هذا الإعلان هو التأكد ولا من أن الأطراف قد علموا به واطلعوا عليه، الأمر الذي يؤدي بدوره إلي أن يكون من حقهم عقب ذلك اتخاذ أي إجراء من الإجراءات القانونية التي تتعلق بهذا الحكم مثل مباشرة إجراءات الطعن على هذا الحكم أو تقديم طلب لهيئة التحكيم لتصحيح ما ورد بالحكم من أخطاء أو لإصدار حكم إضافي لما أغفلته في حكمها من الفصل في بعض المسائل الخاصة بالنزاع، كما أنه يتم اتخاذ التدابير تعيد هذا الحكم. وكل هذه الإجراءات السالف ذكرها لا يقوم الأطراف مباشرتها إلا في مواعيد معينة وهذه المواعيد تبدأ من تاريخ إعلان الأطراف ام التحكيم، وبالتالي فإنه إذا لم يتم الإعلان فإن هذه المدة لا تبدأ في السريان.
وقد اشترط المشرع المصري سرية حكم التحكيم وعدم جواز نشره إلا بموافقة الأطراف حيث نص على "لا يجوز نشر حكم التحكيم أو نشر أجزاء منه ) إلا بموافقة طرفي التحكيم"، ووفقا لهذة المادة فإن الأصل هو عدم نشر الأحكام إعمالا لمبدا السرية ومع ذلك يجوز الأستثناء من هذا الأصل بنشر الأحكام متي اتفق الأطراف علي ذلك.
كما أن بعض هيئات التحكيم الإلكترونية الدائمة قد أقرت هذه السرية لحكم التحكيم مثل المحكمة الفضائية Cyber Tribunal حيث قضت قواعدها ولوائحها الداخلية بأنه عقب قيام هيئة التحكيم الإلكترونية بإصدار حكمها وإعلانه للأطراف فإنها تقوم بنشر هذا الحكم على موقع الويب الخاص بهذه المحكمة، وذلك بعد مرور ستين يوما من إصداره ، ولكن هذا النشر مشروط بأن لا يعترض أحد الأطراف عليه. وفي حالة اعتراض أحد الأطراف على هذا النشر افإن المحكمة الفضائية تقترح على الأطراف إعادة صياغة هذا الحكم وتنقيحه من الخصائص المميزة للأطراف وإعادة نشره أو إعلانه على الموقع الخاص بها). . أيضا نظام القاضي الافتراضي VMP حيث قرر في قواعده الداخلية أن حكم التحكيم الالكتروني يشتمل على معلومات سرية وبالتالي فإنه يجب تشفير هذه
معلومات عن العامة(). كما ذهبت إلى ذلك أيضا محكمة التحكيم الإلكترونية التابعة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية OMPI حيث اشترطت في قواعدها الداخلية نشر حكم التحكيم على الموقع الخاص بالقضية على ش بكة الانترنت خلال ستين يوما من تاريخ وصوله لمحكمة التحكيم، ولكن بشرط أن يكون متاح فقط للأطراف المتنازعة وليس غيرهم وذلك بهدف حماية سرية هذه الأحكام.
وتثير سرية أحكام التحكيم الإلكتروني جدلا واسعا حولها وينحصر هذا الجدل في ثلاثة اتجاهات لكل منهم حججه وأسانيده التي يستند إليها وذلك كما يلي:
الاتجاه الأول: يرى أنه في نشر أحكام التحكيم الإلكترونية فائدة كبيرة جدا النظام التحكيم الإلكتروني حيث أنه عن طريق نشر تلك الأحكام وانتشارها في العالم فإنه يؤدي إلى إنشاء مجموعة كبيرة من السوابق يرجع إليها الأطراف والمحكمون حال مباشرتهم النظام التحكيم، وبالتالي فإنه تكون أمامهم موسوعة كبيرة يستطيعوا الرجوع إليها واقتباس ما يشاعون منها مما يساعد ذلك ويؤدي في النهاية إلى ازدهار هذا النظام وانتشاره خاصة وأنه في أمس الحاجة لمثل هذه السوابق ليهتدي بها لاسيما وهو في بداية الطريق، كما أنه يوجد حالات كثيرة يتم فيها نشر حكم التحكيم دون أن يستطيع أحد أن يحول دون ذلك وذلك في حالة الطعن على هذه الأحكام أمام الجهات المحددة سواء بالقوانين الوطنية أو الدولية أو قواعد هيئات التحكيم، مما يؤدي إلى إطلاع الغير عليها والعلم بمحتواها ومضمونها. وهذه الأهداف هي ماتسعى إليه بعض الهيئات المؤسسات التحكيمية الإلكترونية الدائمة من نشر هذه الأحكام التحكيمة الإلكترونية على شبكة المعلومات سواء كانت بأسماء الأطراف الحقيقية أو أسماء وهمية بدلا منها.
الاتجاه الثاني: يرى أنه يجب أن تظل هذه الأحكام في الظل والسرية دون أن يعلم أحدا عنها من الغير ثمة شيء وينحصر العلم بها على أطرافها وهيئة التحكيم التي أصدرته فقط، حتى لا يؤدي ذلك إلى إفشاء أسرارهم وتجارتهم وتعاملاتهم سواء فيما بينهم بعضهم البعض أو فيما بينهم وبين الغير مما يؤدي في النهاية إلى التأثير عليهم تأثيرا شديدا في تلك المجالات .
د الاتجاه الثالث: يتبنى حلا وسط حيث يرى أنه يمكن التوفيق بين هذين الرأيين سالفي الذكر - وذلك بالاستفادة من هذه الأحكام بحيث تكون منارا يهتدي به الباحثين والمتعاملين في مجال التحكيم الإلكتروني دون أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالأطراف ومعاملاتهم التجارية، ودون أن يؤثر عليهم بأي أثر سلبي، ويتم ذلك عن طريق نشر هذه الأحكام للكافة ولكن دون ذكر أسماء الخصوم أو حتى الإشارة إليهم من قريب أو من بعيد بحيث لا يمكن لأحد التعرف على هؤلاء الأطراف من خلال الإطلاع على هذه الأحكام وبالتالي تنتفي مع هذا الأمر الغرض الذي من أجله تم حظر نشر هذه الأحكام والحفاظ على سريتها الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى إنارة الطريق أمام الباحثين من خلال دراسة هذه الأحكام وهو ما يؤدي بدوره إلى تطور وازدهار نظام التحكيم الالكتروني بمعنى أنه يتم نشر هذه الأحكام ولكن بناء على أسس وآليات أيضا بعد تنقيح هذه الأحكام التحكيمية الإلكترونية .
من جانبنا نميل إلى هذا الرأي الأخير فيما توصل إليه من حل وذلك لكونه يقرر نشر الأحكام للكافة وذلك بوضعها على مواقع هیئات كيم الإلكترونية الدائمة التي أصدرتها أو هيئات التحكيم الإلكترونية الخاصة الأخرى الصادرة عنها، مما يؤدي إلى إطلاع المتعاملين في هذا المجال عليها والاهتداء بها سواء حال اتفاقهم على اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني أو حال المباشرة العملية التحكيمية الإلكترونية كما أن هذه الأحكام بنشرها على تلك المواقع تكون نصب أعين هيئات التحكيم بصفة عامة ليهتدوا به کسوابق تحكيمية إلكترونية حال إصدارهم أحكامهم في المنازعات الأخرى. مما يؤدي إلى ازدهار نظام التحكيم الإلكتروني والعمل على تطوره بصفة دائمة ومستمرة، وبالتالي فإن شر أحكام التحكيم الإلكترونية للكافة يجب ألا يؤدي إلى الإضرار بالأطراف وتعاملاتهم التجارية أو يؤثر عليهم بثمة أثر، ولكي يتحقق ذلك فإنه يتعين على هيئة التحكيم الإلكترونية حال نشرها لتلك الأحكام أن تقوم بحذف بيانات الخصوم من حيث اسماءهم وجنسياتهم وكل ما يشير إليهم بحيث لا يمكن لأحد من مطلعين على هذه الأحكام التعرف على أطرفها، وبالتالي فإن هذا يرضي هذه الأحكام لعدم إضرارهم من هذا النشر، ويحقق أيضا الغاية من النشر وفي الاهتداء بها سوابق تحكيمية يمكن الهيئات التحكيم الإلكترونية الأخرى الرجوع إليها.