الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / اجراءات خصومة التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 39-40 / المطالبات التحكيمية في ضوء الأزمة الخليجية:​​​​​​​ الدروس المستفادة من قضية ابكلات ABACLAT

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 39-40
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    55

التفاصيل طباعة نسخ

الملخص:

   ترتّب على إعلان بعض الدول الخليجية الشقيقة في الخامس من يونيو 2017 قرار مقاطعة دولة قطر وإغلاق الحدود البرية والمجال الجوي العديد من الأثار السلبية لعدد ليس بقليل من المستثمرين القطريين، كما كانت لذلك أيضاً تداعيات على صعيد الجوانب الاقتصادية في ما يخصّ التجارة البينية بين دولة قطر ودول الجوار. وبطبيعة الحال قد يؤدي هذ الوضع إلى نشوء العديد من الدعاوى التحكيمية - باعتبار التحكيم من الوسائل المفضّلة لفضّ المنازعات التجارية الوطنية والأجنبية- من أجل المطالبة بالتعويضات المستحقة الناتجة من هذه الازمة غير المسبوقة أو المتوقعة على الصعيد الخليجي.

   ويثور التساؤل في هذا السياق، عما إذا كانت المنظومة القانونية للتحكيم توفِّر وسائل فعّالة وناجعة للتسوية الجماعية للمنازعات التجارية Mass settlement بدلاً من اللجوء إلى دعاوى المستثمرين الفردية، بما يوفِّر الجهد والنفقات ويمنع احتمال تضارب الأحكام التحكيمية. وفي هذا السياق، قامت إحدى هيئات التحكيم التابعة للمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (الإكسيد) في الرابع من أغسطس من عام 2011 بإرساء سابقة تُعدّ الأولى من نوعها في عالم التحكيم الدولي في قضية ابكلات ABACLAT ضد الأرجنتين. وسوف نعرِّج بداية على وقائع القضية، ثم نشير إلى الدروس المستفادة منها في سياق الأزمة الخليجية الراهنة.

تمهيد:

   يُعدّ التقاضي الجماعي ضمن جدول أعمال الإصلاحات للعديد من البلدان ، فلقد تغيّر المشهد التشريعي بشكل لافت في السنوات الأخيرة في جميع أنحاء دول أوروبا، وأيضاً الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كان لها السبق في توفير نموذج فريد للتقاضي الجماعي تحت ما يعرف بالدعاوى الفئوية  Class action. ولقد تركّزت تلك الجهود على أهمية دور التسوية الجماعية في توفير العدالة والإنصاف للمتقاضين، خاصة في القضايا ذات الأطراف المتعدّدة العابرة للحدود. ومن المؤكد أنّ الهدف من تطوير نظام التسوية الجماعية للمنازعات التجارية Mass settlement هو المساعدة في تخفيف العبء عن كاهل محاكم الدولة، بل يمكن القول إنه يعتبر أفضل وسيلة لإرضاء احتياجات التجارة الدولية .

   وفي كثير من الأحيان يفضِّل المدعى عليهم -خاصة من الشركات- التسوية الجماعية للمنازعات بدلاً من إجراءات المحكمة التي قد تطول من حيث الزمن، بالإضافة إلى المزايا المألوفة للتسوية الجماعية، مثل تجنّب تكاليف التقاضي ومنع تضارب الأحكام . ومع ذلك فقد يكون هناك جانب سلبي للتسوية الجماعية يتمثّل في أنّ أعضاء الفئة أو المجموعة لا يمكن أن يكونوا على يقين في أنّ ممثلهم لم يستفد من الموقف. فقد تشتمل التسويات الجماعية على مخاطرة التواطؤ أو ما يمكن أن يقال عنه التسويات السيئة. كما قد يوجد تضارب في المصالح داخل الجماعة الواحدة، ممّا قد يؤدي إلى صعوبة في توحيد الموقف القانوني للإدّعاء.

  وفي الرابع من أغسطس عام 2011، قامت إحدى هيئات التحكيم التابعة للمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (الإكسيد) بإرساء سابقة تُعدّ الأولى من نوعها في عالم التحكيم الدولي. فقد أكدت هيئة التحكيم على اختصاصها بنظر الدعاوى المرفوعة من حوالى 60 ألف مواطن إيطالي ضد جمهورية الأرجنتين عقب تعثّرها في سداد ما عليها من ديون وما استتبع ذلك من إعادة هيكلة ديونها السيادية.

   ويعتبر هذا القرار الصادر في قضية ابكلات  سابقة جديدة من نوعها لسببين: فمن ناحية، يعتبر هذا الحكم أول قرار يُقرّ بأنّ إحدى هيئات التحكيم تملك الصلاحية القانونية لنظر دعاوى تشير إلى أنّ التعثّر في سداد الديون السيادية وإعادة هيكلة تلك الديون من شأنه أن يخالف معاهدة استثمار ثنائية (BIT). ومن ناحية أخرى، يعتبر القرار المتعلّق بقضية ابكلات أول سابقة تحكيمية أمام الأكسيد تُقرّ بإمكانية أن يشترك ستون ألف شخص في تقديم ادعاءات جماعية للتحكيم بموجب القواعد المؤسسية الخاصة بالمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار. وإذا ما تم العمل بذلك القرار في المستقبل فمن المحتمل أنّ ذلك سيكون له تأثير كبير في ما يتعلق بتعويضات المستثمرين القطريين التي قد تُنظر أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.

   وسوف نُعرِّج بداية على وقائع القضية، ثم نشير إلى الدروس المستفادة منها في سياق الأزمة الخليجية الراهنة.

أولاً- التسويات الجماعية أمام هيئات التحكيم:

   قبل استعراض وقائع قضية ابكلات، نرى من الأجدر التعريف بالمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (الإكسيد)  ICSID International Centre for Settlement of Dispute Resolution والذي يعتبر الجهاز القضائي للبنك الدولي World bank.

1- التعريف بالمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار:

   في 18 مارس 1965، وقّع البنك الدولي للإنشاء والتعمير اتفاقية لتسوية المنازعات الخاصة بالاستثمار التي قد تنشأ بين الدول المتعاقدة، والمستثمرين من رعايا الدول المتعاقدة الأخرى (اتفاقية واشنطن)  بهدف تقديم التحكيم الدولي كإحدى آليات تسوية المنازعات الخاصة بالاستثمار. وقد أصبحت هذه الاتفاقية نافذة المفعول اعتباراً من 14 أكتوبر سنة 1966 بعد ما انضمت إليها عشرون دولة. وتقع هذه الاتفاقية في حوالى 75 مادة.

  وبموجب تلك الاتفاقية أنشئ المركز الدولي لتسوية المنازعات الخاصة بالاستثمار (ومقرّه واشنطن)  والذي يعرف شيوعاً بالإكسيد  ((“ICSID”، وذلك بغرض توفير الوسائل اللازمة للتوفيق والتحكيم لفضّ المنازعات الخاصة بالاستثمار بين الدول المتعاقدة ورعايا الدول المتعاقدة الأخرى طبقاً لأحكام الاتفاقية. ويحمل عدد من الاتفاقيات الثنائية والمتعدِّدة الأطراف والقوانين الوطنية والعقود الاستثمارية إشارات واضحة لهذا المركز، الذي بلغ عدد أعضائه المنضمين للاتفاقية 153 دولة ، كما بلغ عدد الدول الموقّعة 161 دولة.

   ولقد وقّعت دولة قطر الاتفاقية في 21 ديسمبر 2010 ودخلت حيّز النفاذ في 20 يناير 2011. كما دخلت الاتفاقية حيّز النفاذ في كل من مملكة البحرين في 15 مارس 1996، والمملكة العربية السعودية في 7 يونيو 1980، والإمارات العربية المتحدة في 22 يناير 1982. أما على صعيد الادعاء أمام المركز، فلم تسجّل أي قضية باسم دولة قطر سواء كمدعٍ أو مدعى عليها، وذلك على عكس بعض الدول الخليجية، وهو الأمر الذي يشير إلى التزام دولة قطر المعايير الدولية في تنفيذ عقود الاستثمار الأجنبية.

   وعلى صعيد باقي الدول الخليجية، لم تسجّل أي قضية باسم مملكة البحرين. أما المملكة العربية السعودية، فقد تم تسجيل قضية ضدها مقامة من إحدى الشركات الألمانية في 28 يناير 2003، وذلك بموجب معاهدة الاستثمار الثنائية الموقّعة عام 1996 بين المانيا والمملكة ، في نزاع بخصوص عقد انشاءات لبعض المرافق الجامعية University facilities . وقد انتهى هذا النزاع بالتسوية الودية بين الطرفين في 22 يوليو 2003.

   كما سُجِّلت قضيتان ضد دولة الكويت، منها الدعوى التي اقامتها شركة إيطالية في نزاع متعلِّق بقطاع التشييد والبناء – وفقاً لمعاهدة الاستثمار الثنائية بين الكويت وإيطاليا عام 1987 BIT Kuwait - Italy  وما زالت القضية منظورة أمام هيئة التحكيم .

   أمّا دولة الأمارات العربية المتحدة، فقد تم تسجيل قضيتين ضدها: الأولى تم تسجيلها في 15 فبراير 2001 من مستثمر إيطالي- استناداً الى معاهدة الاستثمار الثنائية بين دولة الأمارات وإيطاليا- بخصوص تنفيذ عقد إنشاء مسجد ، وانتهت القضية دون حكم بموجب المادة 44 مكرر من قواعد تحكيم المركز بعدما ترك المدّعي دعوى التحكيم في 7 أغسطس 2001. أما القضية الثانية، فقد تم تسجيلها في 18 يونيو 2002 من مستثمر إيطالي كندي، وذلك بخصوص تنفيذ عقد امتياز لميناء دبي بحري port concession agreement ، وانتهت هيئة التحكيم بإصدار حكم بعدم الاختصاص في 7 يوليو 2004 إلاّ أنّ هذا الحكم كان موضوع دعوى إلغاء أمام المركز  Annulment Proceeding وفقاً للمادة 52 من اتفاقية تأسيس المركز. وقد صدر في 5 يونيو 2007 حكم برفض طلب إلغاء الحكم.

   أما سلطنة عُمان، فقد سُجِّلت ضدها ثلاث قضايا أمام المركز، ما زالت اثنتان منهما قيد التداول حيث سجِّلت قضية في خصوص الاستثمار بقطاع النفط والغاز في 21 مارس 2016 ، والأخرى سجِّلت في 20 يوليو 2015 في قطاع التشييد والبناء . أمّا الدعوى الوحيدة التي تم الحكم فيها ضد سلطنة عُمان، فهي دعوى كانت قد سجِّلت في 23 ديسمبر 2011 من شركة أمريكية تسمى Limestone quarry تعمل في مجال النفط والغاز، وذلك استناداً إلى اتفاقية التجارة الحرة الموقعة عام 2006 بين سلطنة عمان والولايات المتحدة الأمريكية FTA Oman – United States of America. ولقد صدر في 3 نوفمبر 2015 حكم برفض جميع طلبات المدّعين، كما ألزمت هيئة التحكيم المدعي بدفع مصاريف التحكيم والتمثيل القانوني التي انفقتها سلطنة عمان في إجراءات التحكيم والتي تبلغ قيمتها حوالى 650 ألف دولار

   وتتفرد سلطنة عمان عن باقي الدول الخليجية بكونها الدولة الوحيدة التي سجّلت قضية إدعاء أمام المركز في 22 أكتوبر 2015 ضد جمهورية بلغاريا ، وذلك استناداً إلى معاهدة الاستثمار الثنائية المبرمة بين البلدين عام 2007BIT Bulgaria - Oman .

  ولا شك في أنّ الزيادة المطّردة في عدد القضايا التي يتم فيها اللجوء الى التحكيم بين المستثمرين والدول جعل لإجراءات تسوية المنازعات بين الدول والمستثمرين أهمية كبرى. ومن الصعب التوصل الى تقدير دقيق لعدد القضايا بين المستثمرين والدول التي تمت فيها الاستعانة بالتحكيم وكيفية التصرف في كل قضية، وذلك نتيجة غياب سجل عام دولي يحوي تلك المعلومات بشكل متكامل.

   وقد تطرق تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية [UNCTAD] ، والصادر عام 2013، الى مسألة ارتفاع عدد الحالات التي تمت فيها تسوية منازعات بين الدول والمستثمرين حول الاتفاقيات الاستثمارية بنهاية عام 2012 حتى وصلت إلى 514 حالة (منها فقط 58 دعوى جديدة عام 2012 بما يمثّل أعلى رقم من الادعاءات يتم تقديمه في السنة حتى ذلك الوقت). وشكّلت الدول النامية حوالى 66% من المدعى عليهم في تلك القضايا الجديدة. كما أنّه تم نظر أكثر من 60% من قضايا الدول والمستثمرين منها (حوالى 314 قضية) أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (الإكسيد)، ممّا يعكس الدور البارز للمركز على صعيد تسوية منازعات الاستثمار الدولي. أما ما تبقى من قضايا، فقد تمت تسوية معظمها طبقاً لقواعد تحكيم الأونسيترال (ما يقرب من 131 قضية). وقد بلغ عدد القضايا التي تمت تسويتها بنهاية عام 2012 حوالى 244 قضية (منها فقط 42 حكماً عام 2012)، تم الحكم في حوالى 42% منها لصالح الدولة، و32% لصالح المستثمر، وأخيراً 27% من المنازعات تمت تسويتها بشكل ودّي .

   ويقدِّم مركز الإكسيد العديد من المزايا للمتقاضين من خلال توفير حل منازعات المستثمرين عن طريق التوفيق أو التحكيم - وإن كان اللجوء الى التحكيم هو الأكثر شيوعاً- وذلك وفقاً لقواعد مرنة وفقاً لأفضل الممارسات الدولية. ويعتبر من أهم مزايا المركز الاعتراف بأحكام التحكيم الصادرة عنه وتنفيذها وفقاً لأحكام اتفاقية واشنطن في جميع الدول المتعاقدة ، دون الحاجة إلى المرور بإجراءات اعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية المنصوص عليها في اتفاقية نيويورك 1958. كما يتيح المركز للأطراف استئناف أحكام التحكيم أمام المركز، وذلك بموجب المادة 52 التي تجيز التقدم بطلب إلى المركز من أجل إلغاء حكم التحكيم الصادر من هيئة التحكيم .

ولقد حدّدت المادة 25 اختصاص المركز بنصّها :

1- يمتدّ الاختصاص القانوني للمركز إلى أية خلافات قانونية تنشأ مباشرة عن استثمار بين دولة متعاقدة (أو أي إقليم فرعي أو أي وكالة تابعة للعضو المتعاقد سبق أن عيّنته الدولة المتعاقدة إلى المركز) وبين مواطن من دولة أخرى متعاقدة، وبشرط أن يوافق طرفا النزاع كتابة على تقديمها الى المركز، وعند إعطاء الطرفين موافقتهما لا يحق لأي منهما أن يسحب هذه الموافقة دون قبول من الطرف الآخر.

2- ويقصد بمواطن الدولة المتعاقدة الأخرى ما يأتي  :

    (أ)   أي شخص طبيعي يتمتّع بجنسية دولة متعاقدة بخلاف الدولة طرف النزاع يوم اتفاق الأطراف على القيام بالتوفيق أو التحكيم لأي نزاع، وكذا يوم تسجيل الطلب تطبيقاً للفقرة (3) من المادة 28 أو الفقرة (3) من المادة 36، ولكنه لا يشمل أي شخص يكون قد حصل في أي من التاريخين المذكورين على جنسية الدولة الطرف في النزاع.

    (ب) أي شخص اعتباري حاصل على جنسية دولة متعاقدة غير طرف في النزاع في تاريخ موافقة الأطراف على تقديم طلب التوفيق أو التحكيم للنزاع، وأي شخص اعتباري يتمتّع بجنسية دولة متعاقدة طرف النزاع في هذا التاريخ، والذي نتيجة لسياسة معاملة الأجانب، اتفق الطرفان على معاملته كمواطن لدولة متعاقدة أخرى تحقيقاً لأغراض هذه الاتفاقية.

   3- تستلزم موافقة الإقليم الفرعي أو الوكالة في الدولة المتعاقدة أخذ موافقة تلك الدولة التابع لها هذا الإقليم أو الوكالة، إلاّ إذا أخطرت الدولة المركز أنه لا داعٍ للحصول منها على مثل هذه الموافقة.

    4- يجوز لكل دولة متعاقدة - عند التصديق والقبول أو اعتماد هذه الاتفاقية في أي وقت لاحق لذلك، أن تخطر المركز بنوع أو أنواع النزاع التي ترى عرضها أو عدم عرضها طبقاً لاختصاص المركز، ومن ثم يتعيّن على السكرتير العام عرض هذا الإخطار على كافة الدول المتعاقدة، ولن يشكِّل هذا الإخطار الموافقة المطلوبة في الفقرة (1).

   وممّا سبق يتضح لنا أنّ هناك ثلاثة شروط أساسية لا بد من توافرها حتى ينعقد اختصاص المركز:

- أن يكون هناك تراضٍ بين الأطراف على فضّ النزاع عن طريق التحكيم أمام المركز.

- أن يتعلّق النزاع بالاستثمار.

- أن يكون النزاع بين دولة متعاقدة وبين مواطن من دولة أخرى متعاقدة.

  وإزاء غموض مفهوم الاستثمار الوارد في المادة 25، ذهب اتجاه في أحكام هيئات التحكيم إلى أنّ تعريف الاستثمار مسألة متروكة فقط لاتفاق الأطراف سواء وفقاً لما تقرِّره الدولة المضيفة في تشريعاتها الوطنية أو في العقد المبرم مع المستثمر أو اتفاق التحكيم المبرم بين الأطراف أو الخطاب الموجّه من الدولة المضيفة إلى أمانة البنك الدولي أو في اتفاقية الاستثمار الثنائية للحماية المتبادلة للاستثمار بين الدولة المضيفة للاستثمار ودولة المستثمر . ومن تطبيقات هذا الاتجاه قضية Cemex v. Venezuela والتي استندت فيها هيئة التحكيم إلى المادة 2 من قانون الاستثمار الفنزويلي من أجل إسناد اختصاصها على الرغم من خلو اتفاق الأطراف على تعريف محدّد للاستثمار . ولقد تم أيضاً تطبيق هذا الاتجاه في قضية Fedax v. Republic of Venezuela  والتي اعتبرت فيها هيئة التحكيم أنّ مفهوم الاستثمار يشمل حماية السندات الأذنية التي تنتقل إلى الغير عن طريق التداول في الأسواق المالية.

   ولقد انتقد البعض هذا التفسير الرضائي لمفهوم الاستثمار نظراً لكونه يضفي الطبيعة الدولية على منازعات تندرج من حيث الأصل في اختصاص القضاء الوطني للدولة المضيفة . ولعل ذلك ما دفع البعض إلى محاولة تقييد الطبيعة الرضائية لمفهوم الاستثمار والنداء بضرورة اعتماد معايير أخرى موضوعية بجوار رضاء الأطراف من أجل تقدير مفهوم الاستثمار . ولقد مهّد هذا التوجه إلى ظهور ما يعرف بمعيار Salini والذي أقرّته هيئة التحكيم في قضية مقامة من شركة مقاولات إيطالية ضد الحكومة المغربية بخصوص الدفعات المستحقة لها عن تنفيذ مشروع إنشاء طريق سريع بين مدينتي الخميسات ومكناسSalini Constructtori S.P.A. v. Kingdom of Morocco  .  ووفقاً لهذا الاتجاه، لابد من توافر أربعة عناصر في النشاط الاقتصادي محل المنازعة لكي يصبح استثماراً ينعقد الاختصاص بالفصل فيه لمركز الإكسيد. وتلك العناصر هي: "(أ) تقديم المشروع لإسهامات نقدية أو عينية، (ب) استمرارية أو ديمومة نشاط المشروع لمدة زمنية معينة، (ج) تحمّل المستثمر القائم على المشروع للمخاطرة، (د) ومساهمة النشاط في تنمية اقتصاد الدولة المضيفة للاستثمار" .

   ولم يسلم اتجاه Salini هو الأخر من النقد، خاصة في ما يتعلق بالمعيار الخاص بضرورة تحقيق المشروع محل الاستثمار تنمية حقيقية لاقتصاد الدولة المضيفة للاستثمار، حيث أنّ هذا المعيار يخضع للسلطة التقديرية لهيئة التحكيم دون أي ضوابط موضوعية واضحة. وعلى سبيل المثال، في قضية Mitchell v. Congo، رفضت هيئة التحكيم اعتبار نشاط المدّعي والمتمثّل في تأسيس مكتب للمحاماة بالكونغو من قبيل النشاط الاستثماري، حيث أنّ المكتب لم يسهم في التنمية الاقتصادية في الدولة المضيفة، استناداً الى كون الغالبية العظمى من عملائه من الأجانب المقيمين في الخارج . ولقد دفع هذا التوجه أيضاً هيئة التحكيم الى رفض ادعاء شركة انجليزية رفعت دعوى أمام المركز ضد الحكومة الماليزية إثر نزاع نشأ بينهما حول توزيع الأرباح الناتجة من عمليات الإنقاذ البحري للسفن الغارقة من القرن السابع عشر والثامن عشر قبالة السواحل الماليزية ، وذلك نظراً لكون نشاط الشركة اقتصر على عملية محدّدة لم تسهم في تنمية الاقتصاد الوطني الماليزي.

   ولقد حاوت هيئة التحكيم أخيراً التخفيف من تفسير معيار المساهمة في الاقتصاد الوطني للدولة المضيفة للاستثمار، معتمدة في ذلك تفسيراً مرناً باعتبار أنّ عنصر المساهمة في التنمية الاقتصادية هو الهدف المنشود من نشاط المستثمر، وليس من الضروري أن يتحقّق فعلياً على أرض الواقع. وهذا التفسير هو ما طبّقته هيئة التحكيم في قضية Fackes v. Republic of Turkey، والتي أقرّت فيها هيئة التحكيم باختصاصها في نظر نزاع بين مستثمر هولندي ضد الحكومة التركية بمناسبة شراء ثلثي أسهم شركة "تلسيم" التركية، وهي تعتبر من ضمن أكبر شركات الاتصالات التركية .

   وتحقّق مفهوم الاستثمار، وفقاً لما سبق عرضه، لا يكفي في حد ذاته من أجل إثبات اختصاص المركز بنظر النزاع، فالتوجه الحالي لهيئات التحكيم يقضي بأن يكون سبب الاستثمار مشروعاً. ففي قضية World Duty Free v. Republic of Kenya، رفضت هيئة التحكيم الحكم باختصاصها في نظر الدعوى بعدما ثبت أنّ المستثمر كان قد تحصّل على عقد امتياز تشغيل السوق الحرة في مطاري مومباسا ونيروبي بدولة كينيا بعد دفع رشوة للرئيس الكيني، في ذلك الوقت . وينصرف هذا الحكم أيضاً عند ثبوت استخدام المستثمر للغش أو التدليس عند التعاقد مع الدولة المضيفة، وهو ما أقرّته هيئة التحكيم في قضية "ماليكورب" حيث فسخت سلطة الطيران المدني المصري عقد بناء وتشغيل مطار رأس سدر الذي أبرم مع شركة ماليكورب Malicorp، وذلك بعدما تكشّف للحكومة المصرية التدليس الذي حوته مستندات رأس مال الشركة عند التعاقد .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

2- وقائع قضية ابكلات:

   قامت دولة الأرجنتين أوائل التسعينات بإعادة هيكلة اقتصادها بغرض تشجيع النمو الاقتصادي والحدّ من الديون العامة وخفض نسبة التضخم. وكجزء من تلك الخطة الشاملة، أبرمت الأرجنتين عدة معاهدات استثمار ثنائية (BIT) متنوعة، ومن بينها معاهدة استثمار ثنائية مع إيطاليا. وفي مايو عام 1990، أبرمت إيطاليا والأرجنتين معاهدة الاستثمار الثنائية "لتنمية وحماية الاستثمارات"، والتي دخلت حيّز التنفيذ في أكتوبر 1993. وبالإضافة إلى ذلك، أصدرت الأرجنتين قانوناً خاصاً لإدارة أنشطة التمويل والأنظمة الرقابية . وقد منح هذا القانون السند القانوني للأرجنتين لإصدار السندات من أجل جمع الأموال اللازمة للتنمية الاقتصادية. وفي المجمل، وضعت الأرجنتين ما يقرب من 186.7 مليار دولار في السندات السيادية عبر الأسواق المحلية والدولية، ومن بينها 179 سنداً، وفّرت حوالى 139.4 مليار دولار من أسواق المال العالمية. ومن ضمن تلك السندات البالغة 179 سنداً، اشترى المدعون 83 سنداً منها بالعملة الأجنبية، والتي تمّ قيدها في البورصات العالمية المختلفة وفقاً لقوانين متعدِّدة في ولايات قضائية مختلفة .

   إلاّ أنه أواخر التسعينات أصبح من الواضح أنّ الأرجنتين كانت على وشك الدخول في حالة شديدة من الكساد الاقتصادي. وفي ديسمبر 2001، تعثّرت الأرجنتين في سداد ديونها، معلنة تأجيل سداد ما يقرب من 100 مليار دولار من ديون السندات الخارجية للدائنين بالداخل والخارج. وفي الوقت الذي أعلنت فيه الأرجنتين عدم التزامها السداد، كان ما يقرب من 600 من المواطنين الإيطالين يملكون سندات أرجنتينية تبلغ قيمتها حوالى 13.5 مليار دولار. ورداً على ذلك شكّلت ثمانية بنوك ايطالية كبرى  فيما بينها مجموعة عمل، تحت مسمّى مجموعة عمل مهمة الأرجنتين (Task Force of Argentine TFA))،  وذلك في سبتمبر 2002، من أجل تمثيل مصالح حاملي السندات الإيطاليين أثناء المفاوضات مع حكومة الأرجنتين.

   وبالرغم من الجهود التي بذلتها مجموعة عمل مهمة الأرجنتين للتفاوض من أجل ايجاد تسوية بديلة ، بموجب النصوص القانونية لمعاهدة الاستثمار الثنائية بين كل من الأرجنتين وإيطاليا المبرمة عام 1990، إلاّ أنّ الأرجنتين أعلنت أنها ستقدِّم الى كل حاملي السندات الأجانب عرضاً أمّا لقبوله أو لرفضه. وأوائل عام 2005، عرضت الأرجنتين استبدال حوالى 100 مليار دولار يتضمّن المبلغ الأصلي للسند مضافة إليه الفائدة. وبناءً على رأي لجنة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، فإنّ الأرجنتين نجحت في إعادة هيكلة ديون تبلغ حوالى 62 مليار دولار .

   ومع ذلك، رفض العديد من المستثمرين قبول عرض الأرجنتين لاستبدال السندات. وعلى ذلك، قام هؤلاء المستثمرون برفع 158 قضية ضد الأرجنتين في العديد من المحاكم الأمريكية . وبالإضافة إلى ذلك، تسلّمت مجموعة عمل الأرجنتين تفويضاً من حوالى 180.000 شخص من حاملي السندات لتقديم ادعاءاتهم على شكل دعوى جماعية أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار. وفي سبتمبر 2006، قدّمت ما يعرف "بمجموعة عمل الأرجنتين" طلباً للتحكيم بموجب معاهدة الاستثمار الثنائية بين الأرجنتين وإيطاليا، وقام أمين عام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بتسجيل هذه الدعوى الجماعية في فبراير 2007 باسم جيوفانا وبيكارا وآخرين ضد دولة الأرجنتينGiovanna A Beccara and others v. The Argentine  والتي سميّت بعد ذلك ابكلات وآخرين ضد دولة الأرجنتين .

   وعقدت أولى جلسات نظر الدعوى في 10 إبريل 2008. وفي تلك الجلسة وافق الأطراف على التقسيم الإجرائي والذي يقسم الإجراءات إلى مرحلتين: مرحلة الاختصاص القضائي، ومرحلة حيثيات القضية. وبعد تقديم الأرجنتين عام 2010 عرضاً آخر لاستبدال السندات، يهدف إلى إعادة هيكلة وإلغاء الالتزامات الخاصة بالتعثر في سداد الدين، تناقص عدد المدّعين الذين كانوا يطالبون بالتحكيم إلى حوالى 60.000 مدعٍ .

 

ثانياً- الدروس المستفادة من قضية ابكلات في ضوء الأزمة الخليجية:

   الموضوع الرئيسي المثير للجدل الذي واجهته هيئة التحكيم في قضية ابكلات هو ما إذا كان يجوز قبول الدعوى الجماعية مثل تلك التي رفعها حوالى 600، وذلك بموجب قواعد المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار. وتثير هذه المسألة أمرين: كيفية اثبات رضا الأطراف في الدعاوى الجماعية، ومدى قبول الدعاوى الجماعية وفقاً لقواعد المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار وقواعد معاهدات الاستثمارات الثنائية.

1- التحقّق من رضاء الأطراف الجماعي للجوء الى التحكيم:

    يعتبر التحكيم، بشكل عام، وسيلة توافقية خالصة لحلّ المنازعات. وفي إطار التحكيم وفقاً لمعاهدات الاستثمارات الثنائية، يعتبر لجوء الأطراف الى التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات بمثابة موافقة على التحكيم بموجب معاهدة الاستثمار الثنائية ذات الصلة. أما في القضايا المتعلّقة بالدعاوى الجماعية، فلا يقوم كل مستثمر منفرداً بتقديم طلب التحكيم، ولذلك يجب أخذ موافقة كل طرف من خلال وسائل أخرى .

   وفي قضية ابكلات، أرسل فريق عمل مهمة الأرجنتين حزمة تفويضات لكلِ مدعٍ محتمل . وكانت تلك الحزمة تحتوي على خطاب بالتعليمات موجّه من مجموعة العمل، وعلى توكيل وتفويض لمجموعة عمل مهمة الأرجنتين، وكذا استبيانات إضافية وتعليمات أخرى بخصوص سير الدعوى. ومن أجل اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت موافقة المدّعين صحيحة، رأت هيئة التحكيم أنّ عليها ايجاد مستند يشتمل على أمرين، وهما: موافقة صحيحة على التحكيم من خلال المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ودليل على أن بيان الموافقة يعكس النية الصادقة للمدعينunambiguous to satisfy the requirement of a written document of consent .

   ويمثّل هذا الأمر فائدة هامة، حيث أنّ كثيراً من المدّعين لم يكن بإمكانهم بدء اجراءات التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بدون تفويض مجموعة عمل مهمة الأرجنتين. فالبنوك دفعت تكاليف التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، وفي مقابل ذلك كانت تلك البنوك في ضمانة مؤقتة ضد مخاطر مقاضاة المدّعين المحتملة لهم. بما أنّ السمات والمقايضات الخاصة بحزمة التفويضات لمجموعة عمل مهمة الأرجنتين كانت واضحة وضوحاً شديداً، قرّرت هيئة التحكيم أنه لا يوجد احتيال أو إكراه أو خطأ من شأنه أن يبطل موافقة الأطراف على اللجوء الى التحكيم بشكل جماعي.

   وعلى الجانب الآخر، جادل المدعى عليه في قدرة المدّعين على إعطاء تعليمات واتخاذ قرارات تتعلّق بسير الإجراءات، ممّا من شأنه إبطال الموافقة على التحكيم. ومع ذلك، وجدت هيئة التحكيم أنّ حزمة التفويضات الخاصة بمجموعة عمل مهمة الأرجنتين كانت واضحة بدرجة كافية لإثبات أنّ المدّعين الذين وقّعوا التفويض يتفهمون أنّ توقيعهم من شأنه أن يؤثر في حقوقهم. وكما تشرح هيئة التحكيم "فإنّ المسألة لا تتعلّق بالموافقة في حد ذاتها، بل تتعلّق بما إذا كان المدّعون على دراية بما يفعلون".

   وبناءً على ذلك، وجدت هيئة التحكيم أنّ موافقة المدّعين على الدعوى الجماعية صحيحة، حيث لم يطعن أي من المدعين أنفسهم على تلك الموافقة، فمن خلال حزمة التفويضات الخاصة بمجموعة عمل مهمة الأرجنتين تمكّن المدّعون من فهم نطاق ومعنى التزامهم التحكيم من خلال المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.

   أما في ما يتعلق بموافقة الأرجنتين، رأت هيئة التحكيم أنه من خلال معاهدة الاستثمار الثنائية المبرمة بين الأرجنتين وإيطاليا، وبموجب المادة 8(3) من المعاهدة، يتبيّن أنّ الأرجنتين قد وافقت بشكل عام على التحكيم من خلال المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، وذلك للمنازعات التي تندرج في إطار المعاهدة .

   وبما أنّ المعاهدة لم تُشِر إلى الدعاوى الجماعية، درست هيئة التحكيم إذا كانت هناك ضرورة لتوافر الموافقة الصريحة أو ما إذا كانت الموافقة العامة على التحكيم من خلال المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار كافية.

   وافترضت هيئة الحكيم أنها تملك الاختصاص لكل الدعاوى المقدّمة من الأفراد، حيث أنه من الصعب أن تفقد اختصاصها ببساطة، لأنّ عدد المدّعين كبير على غير المعتاد. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الدعاوى في قضية ابكلات جاءت مجمعة نظراً لنوع وطبيعة الاستثمار محل النزاع. ونظراً لأن معاهدة الاستثمار الثنائية المبرمة بين الأرجنتين وإيطاليا تغطي نوع الاستثمار الذى يتطلّب غالباً تسوية من خلال آليات الانتصاف الجماعية، ونظراً لأن اتفاقية المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار تهدف أيضاً إلى تنمية وحماية الاستثمارات بموجب أنظمة معاهدات الاستثمار الثنائية "فإنّه سيكون مخالفاً للغرض الذي قامت عليه معاهدة الاستثمار الثنائية ومخالفاً أيضاً لطبيعة المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار أن يتم طلب موافقة إضافية صريحة تتعلّق بشكل ذلك التحكيم، في ظل توافر موافقة عامة على التحكيم من خلال المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار" .

   وبناءً على ذلك استقرت هيئة التحكيم على أنّ موافقة الأرجنتين على الدعاوى الجماعية يمكن أن تعتمد على ما إذا كانت تلك الدعاوى مسموح بها من خلال إطار اتفاقية المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار وليس على ما إذا كانت الأرجنتين وافقت صراحة على الإجراءات الجماعية في معاهدة الاستثمار الثنائية بين الأرجنتين وإيطاليا، وهو ما سوف نفصله كما يلي.

2- دعاوى التحكيم الجماعية أمام الأكسيد:

   لم تتطرق قواعد المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بشكل صريح إلى موضوع الدعاوى الجماعية . وبالتالي كان على هيئة التحكيم في قضية ابكلات أن تفسِّر هذا الصمت: فهل كان ذلك يشير إلى أنّ الدعاوى الجماعية غير مسموح بها أو أنّ ذلك يمنح هيئة التحكيم الصلاحية للبحث في الموضوع وقبوله. ولحل تلك المسألة، توصلت هيئة التحكيم الى عدة استنتاجات بناءً على نتائج بحثها المتعلِّق بغرض ونطاق معاهدة الاستثمار الثنائية بين الأرجنتين وإيطاليا، فوجدت ما يأتي :

(1) معاهدة الاستثمار الثنائية ذات الصلة تشمل الاستثمارات محل الدعوى،

(2) الاستثمارات محل الدعوى من المحتمل أن تتطلب انصافاً جماعياً من أجل تقديم حماية فعّالة للاستثمار،

(3) النزاع يتعلّق بمصطلح "استثمار"، وفقاً للمادة 25 من اتفاقية واشنطن، والتي بموجبها ينعقد اختصاص المركز،

(4) الغرض من المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار هو تنمية وحماية الاستثمارات بالمثل، كما هو متّبع في معاهدات الاستثمارات الثنائية،

(5) سكوت معاهدة الاستثمار الثنائية بين الارجنتين وإيطاليا عن تنظيم الدعاوى الجماعية لا ينال من صلاحية هيئة التحكيم الصلاحية في قبول مثل هذه الدعاوى.

   وبما أنّ المادة 44 من اتفاقية المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار تنصّ على أنه إذا نشأت مسألة تتعلّق بإجراء لا يغطيه هذا القسم أو أية قواعد تتعلّق بالتحكيم أو أي قواعد اتفق عليها الطرفان، فإنّ على هيئة التحكيم بت تلك المسألة . وبالإضافة إلى ذلك فإنّ المادة 19 من قواعد التحكيم الخاصة بالمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار تنص على "أنه يحق لهيئة التحكيم اتخاذ القرارات اللازمة لسير الدعوى" ، فقد قضت هيئة التحكيم بسلطتها في إجراء تعديلات إجرائية تُعدّ ضرورية لنظر الدعاوى الجماعية تتعلّق بطريقة الفحص واسلوب التقديم بدلاً من جوهر أو موضوع الدعوى.

   وخلصت هيئة التحكيم أنها تملك الصلاحية للخروج عن الإجراءات المعتادة للمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار. وبالرغم من أنّ هيئة التحكيم اعترفت أنّ التعديلات الإجرائية من شأنها أن تجعل من الصعب على الأرجنتين الردّ على كل دعوى فردية، وأنّ كل مدّع من المحتمل أن يكون غير قادر على تقديم قضية كاملة، فإنّ تلك القيود تعضد من قبول الدعوى الجماعية بما تحقّقه من عدالة ناجزة وشاملة. فالبديل المتاح هو القيام بنظر دعاوى منفصلة لعدد 60000 مدعٍ، بما سيمثِّل تحدياً أكبر بكثير لهيئة التحكيم بالمركز .

   وأخيراً، أكدت هيئة التحكيم على قبول الدعاوى الجماعية فقط عندما تكون تلك الدعاوى التي يرفعها عدد كبير من المدّعين متطابقة أو على الأقل تكون "متجانسة بدرجة كافية at least sufficiently homogenous" . ففي قضية ابكلات تعلّق حق كل مدع بشراء نفس نوع الأداة المالية، ونتيجة لخطأ الأرجنتين بعد تعثّرها في السداد نشأ الحق في الادعاء الفردي. وبناءً على ذلك رأت هيئة التحكيم أنّ الدعاوى متجانسة بدرجة كافية.  

   وبعد صدور العديد من الأوامر الإجرائية  Procedural ordersفي القضية، صدر حكم تحكيم اتفاقي consent award في 29 ديسمبر  2016، تم بموجبه تسوية النزاع بين الأطراف وحكومة الأرجنتين، ومن ثم استرد المستثمرون جزءاً من قيمة السندات السيادية المملوكة لهم. ولعل الدافع وراء خيار التسوية هو ضعف الثقة الائتمانية للمستثمرين في اقتصاد دولة الأرجنتين، خاصة بعد ما تم شهر إفلاسها عام 2001 على إثر عجزها عن الوفاء بديونها الخارجية.

 

الخاتمة:

   يعتبر القرار المتعلِّق بقضية ابكلات أول قبول للدعاوى الجماعية بموجب قواعد المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار. وفي حالة استمرار العمل بذلك التوجه، فذلك يعني أنّ المستثمرين سيكون في استطاعتهم ضم دعاويهم ورفع قضايا تحكيم جماعية أمام المركز. وهذا التطور من شأنه أن يزيد عدد الدعاوى الجماعية المقدّمة للتحكيم، ممّا قد يشجِّع فعلياً مؤسسات التحكيم الأخرى في التعامل مع موضوع الدعاوى الجماعية بشكل واضح في قواعدها الإجرائية.

   أما على صعيد الأزمة الخليجية، فهذا القرار قد يمهّد الطريق للمستثمرين الذين تضرّروا من الأزمة لرفع دعاوى تحكيم جماعية أمام مركز الأكسيد، بما يوفّر الجهد والنفقات ويزيد فرص الحصول على تعويضات ملائمة. إلاّ أنّ مثل هذا الأمر يتطلّب تكوين فريق عمل على مستوى الدولة من مكاتب المحاماة الوطنية والأجنبية -على غرار فريق عمل قضية ابكلات ضد الأرجنتين- من أجل تحضير ملفات الإدعاء وفقاً لمتطلبات مركز الإكسيد، وبحث فرص التمويل المتاحة من أجل الاستمرار في هذه الدعاوى.