الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / اجراءات خصومة التحكيم / المجلات العلمية / مجلة جنوب الوادي للدراسات القانونية العدد الثالث / التدخل والإدخال في خصومة التحكيم

  • الاسم

    مجلة جنوب الوادي للدراسات القانونية العدد الثالث
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    312

التفاصيل طباعة نسخ

 

 

 ملخص:

تتميز خصومة التحكيم عن الخصومة القضائية فيما يتعلق بالنطاق الشخصي للخصومتين، ففي الخصومة أمام القضاء نجد النطاق الشخصي أعم وأشمل من النطاق الشخصي في خصومة التحكيم، ويرجع ذلك لاعتبارات عديدة تبرر الاختلاف، من أهمها الطبيعة الاتفاقية التي يقوم عليها التحكيم، حيث تظهر إرادة الأطراف بصورة واضحة في اتفاق التحكيم، فالتنظيم القانوني للتحكيم يقوم في الأساس على رضاء الأطراف، فإرادة المتعاقدين هي التي توجد التحكيم وتحدد نطاقه سواء المسائل التي يشملها أومن حيث أطراف الخصومة التحكيمية، كذلك مقتضيات السرية التي تعتبر من أهم مزايا التحكيم، والتي تعتبر بمثابة الدافع الأول في اختيار الأطراف للتحكيم كوسيلة لفض المنازعات التي نشأت بينهم أو من المحتمل أن تنشأ، ولا شك أنه من المتطلبات الرئيسية للحفاظ على سرية النزاع، حصر النطاق الشخصي لخصومة التحكيم في أطرافها فقط.

ولكن كما هو ثابت لا وجود للمطلق، فكما ترد قیود ترد على الالتزام بالسرية، كما توجد قيود تحد من إرادة الأطراف في بعض المسائل، هناك قيود أيضا تواجه النطاق الشخصي الخصومة التحكيم، تجعل من تدخل الغير أو إدخاله أمر واقع لابد منه، لاعتبارات يراها المشرع في مصلحة خصومة التحكيم، وأن الأخذ بها أولى من تركها، ورغم أن التدخل والإدخال في خصومة التحكيم لا يعدم إرادة الأطراف بصورة مطلقة، فهو يتوقف على موافقة الأطراف في الأول والآخر، لكن يعتبر بمثابة حق فرضته ضرورات ذات أهمية في سبيل الوصول لفض النزاع.

Abstrsct: In the litigation before the judiciary, the personal domain is more general and comprehensive than the personal sphere in the dispute of arbitration. This is due to many considerations that justify the difference. The most important of these is the nature of the arbitration agreement. Of the arbitration agreement, The legal organization of arbitration is essentially based on the consent of the parties. It is the will of the contractors that the arbitral tribunal exists and determines its scope whether the matters covered by it or where the parties to the arbitration dispute. as well as the requirements of confidentiality which are considered to be the most important advantages of arbitration, which are the primary motivation in the selection of parties to arbitration as a means of resolving disputes that arose between them or are likely to arise, is undoubtedly a major requirement to maintain the confidentiality of the dispute, The limitation of the personal scope of the arbitration dispute is limited only to its parties. but as is the case for the existence of the absolute, as there are restrictions on the obligation to secrecy and restrictions restricting the will of the parties on certain issues, there are also limitations to the personal scope of the arbitration dispute It is a matter of fact that is necessary for considerations that the legislator sees in the interests of the arbitration dispute and that the introduction of them is the first to leave them. Although intervention and inclusion in the dispute of arbitration does not completely destroy the will of the parties, it depends on the consent of the parties, Are important in reaching a resolution of the conflict.

مقدمة

أصبح التحقق من صفة أطراف خصومة التحكيم من المسائل المعقدة التي تواجهها هيئات التحكيم عند التصدي للفصل في مسألة الاختصاص، خاصة عندما تبدأ إجراءات التحكيم من قبل أطراف من غير الموقعين على العقد الأصلي المتضمن شرط التحكيم، سواء كانوا ضمن مجموعة شركات أو أفرادا في سلسلة عقدية، أو غيرها من صور التصرفات أو الاتفاقات أو الاتفاقات المتعاصرة أو المتعاقبة التي يتعدد أطرافها وتتشابك مصالحهم الاقتصادية.

كما أصبحت أيضا هذه المسائل المطروحة كثيرا على القضاء في مختلف الدول، وخاصة القضاء المصري بالنظر إلى سياسة الخصصة التي أوجدت كيانات مشتركة نتيجة انضمام شركات مصرية لشركات دولية وانتقال شركات تابعة ضمن الشركات المباعة لأطراف

أجنبية وإجراء تصرفات متتالية غالبا ما تؤدي إلى ظهور أطراف غير تلك التي تعاقدت من البداية وقبلت شرط التحكيم..

والتدخل والإدخال في خصومة التحكيم رغم أنه إجراء غير محظور وجائز، إلا أنه أمر غير مرغوب فيه وغير معتاد كما هو الحال في الخصومة القضائية، نظرا للخصوصية التي تتميز بها خصومة التحكيم.

 

حيث يستند التنظيم القانوني للتحكيم على رضاء الأطراف وقبولهم به كوسيلة لحسم كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهم بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية، فإرادة المتعاقدين هي التي توجد التحكيم وتحدد نطاقه سواء من حيث المسائل التي يشملها والقانون الواجب التطبيق وتشكيل هيئة التحكيم وسلطاتها وإجراءات التحكيم أو من حيث أطراف الخصومة التحكيمية .

ويصعب عملا وقانونا الدخول في التنظيم القانوني للتحكيم دون المرور من خلال باب الرضاء والقبول من قبل أطرافه، ولا يجوز القفز على إرادة الأطراف، وتحريك إجراءات التحكيم دون رضاء الأطراف وقبولهم به كوسيلة لحسم كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهم بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية .

ورغم عدم التسليم بقبول عملية التدخل والإدخال في خصومة التحكيم من البعض، إلا أن الغالبية أقرت بقبولها والأخذ بها، مع مراعاة ضوابط وشروط معينة تفرضها طبيعة خصومة التحكيم، ليبقى التدخل والإدخال في خصومة التحكيم، أمر واقع شأنه شأن المعمول به أمام القضاء العادي.

ولكن التسليم بعملية التدخل والإدخال في خصومة التحكيم، يفرض علينا، الوقوف على بعض الإشكاليات التي تترتب من وراء هذه العملية التي تفرض نفسها على خصومة التحكيم، وإن كانت تستند في الأساس على قبول الأطراف لها، إلا أنها تظل طارئ يواجه المتعاقدين بعد ترتيبهم لكل شيء يخص

عملية التحكيم، هذا الطارئ يحتاج إلى استعداد وترتيب أيضا من قبل الأطراف الأصلية لعملية التحكيم، وقد تتطلب عملية التدخل والإدخال الكثير من الاستعداد للمستجدات التي تطرأ على خصومة التحكيم، بعضها يتعلق بموضوع الخصومة ذاتها، والبعض الآخر يتعلق بالإجراءات الواجب مراعاتها جراء التدخل والإدخال.

وأهم المتغيرات التي تفرض نفسها من وراء عملية التدخل والإدخال في خصومة

التحكيم، تتعلق بالغير الذي فرضت عملية تدخله أو إدخاله في خصومة التحكيم، أن يخترق النطاق الشخصي لخصومة التحكيم، فكان لا بد من الوقوف على المركز القانوني لهذا الغير الذي أصبح بين عشية وضحاها ضمن أشخاص خصومة التحكيم، وما هي الواجبات التي أصبحت ملقاة على عاتقه من جراء هذا الوضع القانوني الجديد؟ وكذا ماهي الحقوق التي يمكن أن يتمتع بها من وراء ذلك؟.

كذلك من أهم الاعتبارات التي تواجه خصومة التحكيم، من جراء عملية التدخل والإدخال، تتعلق بالنطاق الشخصي للخصومة، وما يترتب على ذلك من ضرورات واجب الاحتياط لها، أهمها الالتزام بالسرية الواقع على أطراف خصومة التحكيم، والتي يعول عليه المتعاقدين أهمية كبيرة في حل النزاع الدائر بينهم في طي السرية، وأن تكون خصومة التحكيم بعيدة عن أعين الغير.

كل هذا يفرض علينا التعرض لمفهوم التدخل والإدخال في خصومة التحكيم بالنظر إلى الخصومة القضائية ومدى مراعاة الاعتبارات التي تحكم خصومة التحكيم ومدى تأثير مسألة التدخل والإدخال على النطاق الشخصي لخصومة التحكيم، وما يستتبع ذلك من إجراءات.

مشكلة البحث:

تعتبر عملية التدخل والإدخال في خصومة التحكيم، اختراق للنطاق الشخصي لخصومة التحكيم، والتي تتميز بالخصوصية بالمقارنة بالخصومة القضائية ذات الولاية العامة، ورغم أن مسألة التدخل والإدخال تستند أيضا على موافقة طرفي التحكيم، إلا أنها تثار من ورائها بعض الإشكاليات، المتعلقة بهذا الغير المتدخل والذي لم يكن في الحسبان أثناء اتفاق الأطراف على عملية التحكيم، والذي أصبح واقع أثناء سير إجراءات التحكيم، من تلك الإشكاليات المركز القانوني للغير المتدخل وما إذا كان يأخذ حكم الطرف في التحكيم، ومن ثم له ما للأطراف وعليه ما على الأطراف، أم يظل من الغير وغريب على خصومة التحكيم، وبالتالي يتم التعامل معه في حدود هذه الصفة، كذلك من أهم الإشكاليات التي تواجه عملية التدخل

والإدخال في خصومة التحكيم، مدى تحقيق الالتزام بالسرية المنشودة في عملية التحكيم في إطار المستجدات التي طرأت على النطاق الشخصي الخصومة التحكيم من جراء هذا التدخل، لذا تعين علينا استعراض تلك الإشكاليات والوقوف على حدودها وكيفية التعامل معها من خلال البحث.

مناهج البحث:

يدور البحث حول عملية التدخل والإدخال في خصومة التحكيم وما يكتنف ذلك من خلاف حول القبول والرفض وما يترتب على ذلك من إشكاليات متعلقة بوضعية الغير المتدخل بين أطراف التحكيم وأثر ذلك التدخل على النطاق الشخصي لخصومة التحكيم وما يترتب على ذلك من آثار مستندين في ذلك على المنهج التحليلي والتطبيقي المقارن في موضوعات البحث.

نطاق البحث:

يقتصر البحث على تناول مدى تسليم الفقه والقانون والقضاء بعملية التدخل والإدخال في خصومة التحكيم كما هو الحال بشأن الخصومة القضائية، كما يقتصر البحث على الوقوف على وضعية الغير المتدخل للتعرف على مركزه القانوني بالنسبة لأطراف التحكيم، وأثر هذا التدخل على النطاق الشخصي لخصومة التحكيم خصوصا فيما يتعلق بالالتزام بسرية خصومة التحكيم.

خطة البحث:

ينقسم البحث إلى ثلاثة مباحث وخاتمة، يسبقهم مبحث تمهيدي وذلك على النحو التالي:

• مبحث تمهيدي: الإطار المفاهيمي للتدخل والإدخال في خصومة التحكيم.

.المبحث الأول: التدخل والإدخال في خصومة التحكيم بين الرفض والقبول في ضوء الفقه والقوانين المقارنة ولوائح مراكز ومؤسسات التحكيم وقضاء التحكيم.

. المبحث الثاني: المركز القانوني للغير المتدخل في خصومة التحكيم ومدى حجية حكم التحكيم بالنسبة للغير .

. المبحث الثالث: أثر التدخل والإدخال على مبدأ الالتزام بالسرية في خصومة التحكيم.

مبحث تمهيدي

الإطار المفاهيمي للتدخل والإدخال في خصومة التحكيم

المتأمل في نظام التحكيم لابد مدرك أنه يجمع في طبيعته بين الاتفاق والقضاء، فهو يبدأ بالاتفاق بين الأطراف الفرقاء على اتخاذه سبيلا لحسم ما يفرقهم، غير أنه يتخلص، تدريجيا، من أصله الاتفاقي ليتحول إلى قضاء في النهاية، حيث يصدر المحكمون حكما ملزما فاصلا في النزاع كأحكام قضاء الدولة.

وتلك الخصوصية تؤثر مباشرة على طبيعة خصومة التحكيم وإجراءاتها. فتلك الخصومة ليست خصومة قانونية جامدة، بل تتسم بالمرونة التي يفرضها طابع الاتفاق والقضاء لنظام التحكيم ذاته، فهي تأخذ من الاتفاق نصيبا ومن القضاء نصيبا أخر.

كما أن نسبية اتفاق التحكيم، تلقي بظلالها على رسم حدود النطاق الشخصي لاتفاق التحكيم، التحكيم، ومن ثم خصومة التحكيم، فغالبا النطاق الشخصي لخصومة التحكيم يكون أضيق من النطاق الشخصي لاتفاق التحكيم، خصوصا في التحكيمات متعددة الأطراف.

ولكن مسألة التدخل والإدخال في خصومة التحكيم، هل هي من المسلمات المعمول بها، كما هو الحال في الخصومة القضائية، وفقا لمبدأ الولاية العامة للقضاء، أم لا يمكن إعمالها في إطار خصومة التحكيم نظرا للخصوصية التي تتسم بها خصومة التحكيم. 

كل هذا يفرض علينا التعرف على مفهوم التدخل والإدخال في خصومة التحكيم وأهدافه وصوره وشروطه، مع التعرض إلى التدخل والإدخال في الخصومة القضائية للوقوف على الفسلفة التي يبغي المشرع إقرارها من وراء تشريع التدخل والإدخال في كلتا الخصومتين التحكيمية والقضائية، كل هذا نستوضحه من خلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول: مفهوم التدخل والإدخال في خصومة التحكيم وأهدافه وصوره وشروطه.

المطلب الثاني: التدخل والإدخال بين خصومة التحكيم وخصومة القضاء.

المطلب الأول

مفهوم التدخل والإدخال في خصومة التحكيم أهدافه وصوره وشروطه مفهوم التدخل والإدخال في خصومة التحكيم:

التدخل في الخصومة، هو نظام إجرائي بمقتضاه يطلب شخص من الأغيار الدخول في إجراءات خصومة قائمة لم يرفعها، ولم توجه إليه إجراءاتها، وذلك إما للدفاع عن حق أو مركز قانوني يدعيه لنفسه، وأما ليدعم موقف أحد الخصوم لتفادي ضرر قد يتهدده .

والتدخل غير الإدخال، فالإدخال في الخصومة أو اختصام الغير هو تكليف شخصي من الغير خارج عن الخصومة بالدخول فيها، ومن ثم يصبح خصما فيها أو ما فيها على الأقل، وذلك بناء على طلب أحد الخصوم الأصليين أو بناء على أمر يصدر من تلقاء نفس المحكمة دون ما طلب من خصم ..

فهو يعني إقحام شخص غريب عن الخصومة فيها رغما عن إرادته، ولذلك يسمى بالتدخل الجبري، تمييا له عن التدخل الاختياري الذي يتم بناء على إرادة الغير دون أن يكلفه أحد بالدخول في الخصوم، ولكن تسميته بالتدخل الجبري تسمية غير دقيقة، لأن لفظ التدخل يفيد الاختيار ولا يفيد الإجبار، فإصطلاح "التدخل الجبري" ينطوي على شيئ من التناقض .

وهنا يتساءل أستاذنا الدكتور / أحمد مليجي، كيف يكون تدخلا وفي نفس الوقت يكون جبريا؟ ويفضل تسمية إدخال الغير في الخصومة جبرا عنه، باختصام الغير، وهي التسمية التي أطلقها بالفعل قانون المرافعات المصري الحالي .

أهداف التدخل والإدخال في خصومة التحكيم:

قد يتبادر إلى الذهن أنه لا جدوى من تدخل الغير في الخصومة طالما أن الحكم الصادر فيها نسبي الأثر، أي لا يضار به كما لا يستفيد منه إلا من كان طرفا سواء بنفسه فيها أو بمن يمثله في الخصومة التي صدر الحكم في نهايتها، بينما التدخل في الخصومة يحدث من تلقاء نفس الغير أي بإرادته عندما يتبين له أن ثمة تأثيرا للخصومة في مصلحته، ولكن الذي لا شك فيه أن إباحة التدخل تعتبر مظهرا أصيلا من مظاهر حرية الدفاع، ووسيلة مجدية الصيانة الحقوق من أقرب طريق، وقد تكون عونا على حسن أداء العدالة بالنسبة للدعوى الأصلية نفسها ..

فالتدخل ينتج عنه تمكين الغير الخارج عن الخصومة من أن يتدخل فيها للمحافظة على حقوقه، والدفاع عنها، ولينهي بقضية واحدة نزاعا له مصلحة فيه بدلا من الالتجاء لرفع دعوى مستقلة أو الطعن بطريق اعتراض الخارج عن الخصومة في الحكم الصادر فيها إذا هو تربص، ولم يتدخل في الخصومة القائمة .

فالتدخل في الخصومة يساعد الغير على توقي ما قد يصيبه من ضرر واقعي جراء صدور حكم فيها، كما أنه يؤدي إلى تفادي ازدواج غير ضروري للخصومة، وتوقي ما يحتمل حدوثه من تناقض بين الأحكام القضائية في حالة اضطرار الغير لرفع دعوى مستقلة قد يصدر فيها   حكم متناقض مع الحكم الصادر في الدعوى المرفوعة أمام القضاء، والتي يصدر فيها حكم متناقض مع الحكم الصادر في الدعوى المرفوعة أمام القضاء، والتي لم يسمح له بالتدخل في إجراءاتها، كما يؤدي التدخل في الخصومة إلى الاقتصاد في الإجراءات .

وفي إطار كل ذلك يقرر البعض، أن كل هذه المزايا النظام التدخل تنعكس بصورة إيجابية على حسن سير العدالة.

ويرى الباحث أن كل ماورد في مبررات التدخل والإدخال في الخصومة القضائية هو ما يهدف إليه المشرع في الخصومة التحكيمية وإن كانت هناك اعتبارات معينة تحكم خصومة التحكيم.

صور التدخل والإدخال في خصومة التحكيم :

 للتدخل في الخصومة صورتان هما الأولى : التدخل الاختصامي أو الهجومي:

وفيه يطلب الراغب في التدخل الحكم لنفسه بحق أو مركز قانوني والدفاع عن مصالحه الخاصة، في مواجهة طرفي الخصومة القائمة.

وللمتدخل الهجومي أن يبدي من الطلبات ما شاء شأنه كأي طرف، لكن ليس له الدفع بعدم الاختصاص المحلي لكونه في حكم المدعي، ويتحمل مصاريف تدخله ومصاريف خصمه إذا خسر دعواه ويتحملها خصمه إذا كسبها، ولا يترتب على الترك أو التنازل أو انتهاء الخصومة الأصلية انقضاء الخصومة في التدخل الهجومي إذا كانت المحكمة مختصة، وينتهي التدخل إذا حكم ببطلان صحيفة الدعوى الأصلية أو باعتبارها كأن لم تكن ما لم يكن التدخل بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى.

ومن تطبيقات التدخل الهجومي، يجوز لوكيل دائني التفليسة التدخل في دعوى صحة التعاقد المرفوعة على المفلس لبيع وقع منه في فترة الريبة.

الثانية: التدخل الانضمامي:

وفيه يطلب الراغب في التدخل الانضمام إلى أحد الخصوم لتأييد طلباته وتدعيم موقفه، دون أن يطالب بحق لنفسه.

ومن تطبيقات التدخل الانضمامي، تدخل الدائن في الخصومة التي يكون المدين طرقا فيها مع شخص آخر، وذلك بهدف الدفاع عن حقوق المدين لأن صدور الحكم لصالح المدين سوف يعود بفائدة على الدائن تتمثل في المحافظة على الضمان المقرر للدائن على أموال مدینه.

ويتضح الفارق بين صورتي التدخل، ففي التدخل الاختصامي أو الهجومي يلاحظ أن طالب التدخل يأخذ مركز المدعي ، ويصبح كلا من المدعي والمدعى عليه في الخصومة الأصلية مدع عليهما بالنسبة لطلب التدخل، ويكون له، بتلك المثابة، ما للمدعي من حقوق إجرائية وعليه ما عليه من واجبات. أما في التدخل الإنضمامي، فإن طالب التدخل، إن أصبح طرقا في الخصومة، إلا أنه يكون في مركز الخصم الذي انضم إليه، مدع أم مدع عليه، ومن ثم، يكون له أو عليه ما للخصم الذي انضم إليه من حقوق أو واجبات إجرائية .

ويذهب بعض الفقه ، إلى أن الراجح فيما يسمى بالتدخل الانضمامي المستقل أنه تطبيق من تطبيقات التدخل الهجومي التي يطلب فيها الغير الحكم لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى، ولا يعتبر تدخلا انضماما، إذ أن شرط التدخل الانضمامي ألا يطلب المتدخل حقا ذاتيا لنفسه. ويلاحظ أن العبرة في وصف التدخل بحقيقة تكييفه القانوني بحسب مرماه، وليس بما يصفه المتدخل .

وفي إطار ذلك يقرر قضاء محكمة النقض ، أن نطاق التدخل الانضمامي على ما يتبين من المادة 136 من قانون المرافعات مقصورة على أن يبدي المتدخل ما يراه من أوجه الدفاع التأييد طلب الخصم الذي تدخل إلى جانبه دون أن يطلب القضاء لنفسه بحق ما، فإن طلب المتدخل لنفسه حقا ذاتيا يدعيه في مواجهة طرفي الخصومة فإن تدخله في هذه الحالة يكون تدخلا هجوما يجري عليه ما يجري على الدعوى من أحكام.

ووفقا لقانون أصول المحاكمات المدنية الأردني يعتبر المتدخل تدخط هجوما هو الشخص الثالث غير الممثل في الخصومة القائمة والذي يكلف بالدخول ليصار إلى مطالبته بالحق موضوع النزاع أو جزء منه أو حق آخر مرتبط به أو لجعل الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه فلا يتمكن من الاعتراض عليه فيما بعد بطریق اعتراض الغير والإدخال قد يكون بناء على طلب أحد الخصوم (مادة ۱/۱۱۳) وقد يكون بناء على طلب المحكمة (

۲/۱۱۶) .

 شروط التدخل والإدخال في خصومة التحكيم :

 التدخل والإدخال في خصومة التحكيم يعتبر طلب عارض يفرض نفسه على خصومة التحكيم، لذا لا بد من توافر شروط معينة لقبول طلبات التدخل والإدخال هي:

الشرط الأول: أن يكون الطالب التدخل مصلحة: وهذا شرط بديهي، فالمصلحة هي شرط أساسي، إن لم تكن الشرط الأهم، لقبول الدعوى عموما، فحيث لا مصلحة لا دعوی.

ويوضح الأستاذ الدكتور أحمد مليجي، شرط المصلحة، بأن تكون هناك منفعة جدية ومشروعة تعود على الطرف الذي يطلب اختصام الغير بحيث تقتنع المحكمة بقبول الطلب في نطاق سلطتها التقديرية. ويضرب سيادته مثلا للحالات التي تتوافر فيها مصلحة من إدخال الغير في الدعوى، إدخاله للحكم عليه بنفس الطلبات الأصلية أو أي طلب آخر، أو إلزامه بتقديم ورقة تحت يده تكون منتجة في الدعوى الأصلية (م ۲۹ إثبات)، أو إدخاله من أجل جعل الحكم الصادر في الدعوى الأصلية حجة عليه حتى لا يجدد النزاع مرة ثانية بحجة أنه لم يكن طرفا في الدعوى، وبديهي أنه غذا لم تكن هناك أية مصلحة من إدخال الغير فلا يقبل طلب اختصامه .

الشرط الثاني: أن يكون هناك ارتباط بين طلب المتدخل والدعوى الأصلية التي يريد التدخل في إجراءاتها: فطلب المتدخل هو، في وصفه القانوني، طلب عارض demnde incdente على الطلب الأصلي.

 وقد فرضت مقتضيات الاقتصاد في الإجراءات وحسن تنظيم الخصومة جمع الطلبين في خصومة واحدة، ويتحقق الإرتباط بين الطلبين بالنظر إلى محلهما أو سببهما.

وفي المقابل يرى بعض الفقه ، أن الارتباط المطلوب يقوم على وجود صلة وثيقة بين الطليين، ولا يستلزم الارتباط اتحاد الموضوع أو السبب أو الخصوم، صحيح أن من أوضح صور الارتباط اتحاد الموضوع أو السبب في الدعويين، ولكن لا يلزم بالضرورة حتى يتحقق الارتباط أن يكون السبب أو الموضوع واحدا فيهما، كما لا يشترط أيضا لتوافر الارتباط وحدة الخصوم في الطلين.

وتحديد مدي توافر الارتباط بين طلب الاختصام والطلب الأصلي يخضع للسلطة التقديرية المطلقة لمحكمة الموضوع دون رقابة محكمة النقض.

فلا تعقب محكمة النقض على تقدير محكمة الموضوع لتوافر الارتباط لأنها مسألة واقع لا تمتد إليها رقابة النقض، ومن ثم فإن لقاضي الموضوع أن يقدر مدى توافر الصلة الوثيقة بين الطلبين، وما إذا كانت هذه الصلة تجعل من المناسب ومن مصلحة العدالة جمعهما معا أمام نفس المحكمة كان يحتمل أن يؤثر الحكم في أحدهما على الحكم في الآخر، وليس المحكمة النقض أن تبسط مراقبتها على هذا التقدير .

الشرط الثالث: أن تكون الخصومة التحكيمية الأصلية ما زالت قائمة: 

فإذا كانت الخصومة قد انقضت أو زالت، بالحكم في موضوعها أو بتركها أو بغيره، فلا محل لطلب التدخل، ففي التدخل الانضمامي مثلا إذا تنازل المحتكم عن حقه أو عن دعواه أو ترك الخصومة، ترتب على ذلك انتهاء الخصومة الأصلية، التي كان طالب التدخل يهدف الانضمام إلى أحد أطرافها، ومن ثم يسقط حقه بالتبعية. 

ويلحق بذلك ويأخذ حكمه، حالة تقديم طلب التدخل بعد إقفال باب المرافعة، حيث يكون الطلب غير مقبول، ذلك أن علة إجازة التدخل في جمع الطلب الأصلي والطلب العارض في خصومة واحدة يفصل فيها بنحو ملائم لا تتعطل فيه مصالح الخصوم باستطالة أمد النزاع، والحقيقة أنه لما كان إقفال باب المرافعة لا يتقرر، عادة، إلا بعد ما ترى الهيئة القضائية اكتمال عقيدتها حول مقطع النزاع ووجه الحق فيه، فإن قبول طلبات التدخل، بعد ذلك، يتنافي مع أداء عدالة منجزة تستقر معها الأوضاع القانونية ومراكز أطراف النزاع. 

الشرط الرابع: أن يقبل أو يرتضي أطراف النزاع الأصلي جميعهم صراحة أو ضمنا تدخل الغير. ذلك أن خصومة التحكيم لم تبدأ إجراءاتها، ولم تتعقد أصلا، إلا بوجود اتفاق تحكيم سبق إبرامه بين الأطراف في النزاع، ولما كان هذا الاتفاق هو عقد، فإنه عملا بمبدأ نسبية أثر العقود عموما، لا يمتد أثره إلا إليهم فقط. ومن حيث إن طالب هو أساسا، شخص من الغير، فإن اتفاق التحكيم لا يمتد إليه، ومن هنا تأتي أهمية اتفاق أطراف التحكيم الأصليين كلهم على دخوله في الخصومة.

الشرط الخامس: أن توافق هيئة التحكيم على تدخل الغير في الخصومة: وهذا الشرط يؤكد أن قبول التدخل من عدمه هو أمر اختياري وتقديري لهيئة التحكيم، حسبما تراه ملائما لصالح الدعوى وحسن أداء العدالة، ولا يرد على سلطتها التقديرية هنا قيد، إلا وجود اتفاق صریح بين الأطراف على قبول التدخل في الدعوى، حيث يجب في جميع الأحوال عدم مخالفة اتفاق الأطراف، الذين لهم دور مميز في تسيير إجراءات التحكيم عموما، وإلا كان الحكم الصادر هدا للطعن عليه بالبطلان.

ومن جانبنا، نرى أن شرط موافقة هيئة التحكيم على تدخل الغير، شرط نظري، فالأمر يرجع إلى موافقة الأطراف في الأساس، فطالما هناك موافقة صريحة من الأطراف، فالأمر يصبح ملزما لهيئة التحكيم بالموافقة على التدخل، فعمل هيئة التحكيم نفسها يقوم على موافقة الأطراف.

الشرط السادس: أن لا يكون طالب التدخل ممثلا في خصومة التحكيم المراد التدخل فيها، ذلك أن المتدخل يبتغي من طلبه، عادة، إما الدفاع عن أحد أطراف الخصومة وتدعيم موقفه حتى لا تتعكس خسارته للدعوى عليه، كما هو الحال في التدخل الانضمامي، وأما طلب حق لنفسه، كما في التدخل الأختصامي، فإن كان يوجد في الخصومة من يقوم بذلك الدفاع أو تلك المطالبة، انعدمت العلة من التدخل، وبالتالي يكون طلبه غير مقبول.

أي يكون طالب التدخل من الغير، والمقصود بالغير في هذا المقام كل من لا يعتبر طرقا في الخصومة سواء بنفسه أو بواسطة من يمثله، ويعتبر طرقا في الخصومة المدعي والمدعی عليه الأصليان، وأيضا من تدخل في الخصومة سواء كان متدخلا اختصاما أو انضماميا أو أدخل في الخصومة بواسطة الخصوم الأصليين أثناء سير الخصومة. وفكرة الغير فكرة سلبية فهو بصفة عامة من ليس طرقا، وللغير في كل موطن من مواطن القانون معنى متميزا، ففي مجال نسبية العقود والأحكام للغير معنى يختلف عن معناه في الصورية وعن معناه في إثبات التاريخ، كما أن للغير في التنفيذ معنى خاصا يختلف عن معناه بالنسبة للخصومة العادية .

المطلب الثاني

التدخل والإدخال بين خصومة التحكيم وخصومة القضاء

تختلف خصومة التحكيم عن الخصومة أمام القضاء والتي تشمل أطراقا غير المدعي والمدعي عليه فيتسع نطاقها فيما بعد أثناء سير الدعوى، عن طريق تدخل شخص من الغير لم يكن طرفا في الدعوى استنادا إلى وجود مصلحة له من وراء تدخله (المادة ۱۲6 مرافعات) ، أو لأحد الخصوم من وراء إدخاله سواء كان التدخل هجوميا (للمطالبة بحق شخص له في مواجهة المدعي والمدعي عليه) أو انضماميا (للدفاع عن أحد الخصوم)، كما يمكن لأي من الخصوم إدخال الغير، من كان يصح اختصامه فيها عند رفعها (المادة 117 مرافعات) ، كما يمكن للمحكمة إدخال الغير لمصلحة العدالة أو لإظهار الحقيقة (المادة ۱۱۸ مرافعات) .

أما في خصومة التحكيم، فإن الأمر يختلف تماما، إذ أن لهذه الخصومة خصوصية تميزها عن الخصومة أمام القضاء، فالأصل أنه لا يجوز أن يتسع نطاقها الشخصي فيشمل غير أطراف الاتفاق على التحكيم حتى ولو امتد أثر هذا الاتفاق والحكم الذي يصدر فيه إلى الغير كنتيجة للرابطة التي تربطه بأحد الخصوم أو كنتيجة لحجية الحكم. لذلك لا يجوز تدخل الغير أو إدخاله في خصومة التحكيم كأصل عام ما لم يتفق جميع الأطراف على غير ذلك، سواء باتفاق مسبق على قيام النزاع أو باتفاق لاحق عليه، كأن يتفقا على إمكانية تدخل الكفيل أو الضامن لأحدهما أو للغير للمطالبة بحق شخصي له يرتبط بخصومة التحكيم أو يتفقا على طلب أحدهما إدخال شركة التأمين.

فلا يجوز قبول تدخل الغير في خصومة التحكيم حتى ولو توافرت له مصلحة من تدخله، إذ أن اتفاق التحكيم لا ينصرف إليه، كما أن تدخله يعني التعبير عن إرادته في الانضمام لاتفاق التحكيم على نحو يعتبر طرقا فيه، ويشترط لذلك موافقة جميع الخصوم على هذا الوضع.

وتعبيرهم عن الموافقة قد يتخذ نص صريح في الاتفاق على التحكيم، وقد يتم هذا الاتفاق بعد بدء الخصومة، وهنا يجب موافقة هيئة التحكيم لأن تدخل الغير يقتضي جهدا ووقتا إضافيا من هيئة التحكيم وهذا يؤثر في تقدير أتعابها، كما أن تدخل الغير قد يؤثر على الأجل المضروب لها لإصدار حكمها. ومن قبيل موافقة الخصوم ضمنيا على تدخل الغير عدم اعتراضهم على تدخله مما يعني الموافقة على انضمامه إلى الخصومة. وإذا ما تم التدخل والموافقة عليه فإن المتدخل يعتبر بمثابة طرف في اتفاق التحكيم، وإذا لم يقبل أطراف التحكيم تدخل الغير فلا يمكن لهيئة قبول تدخله.

ويؤكد البعض ، الفوارق بين التدخل في الخصومة التحكيمية عنها في القضائية، ففي الخصومة القضائية للغير أن يتدخل أمام قاضي الدولة كما أنه يمكن إدخاله جبرا عنه لتحقيق مصلحة العدالة، أو لإظهار الحقيقة سواء من تلقاء نفس القاضي أو بناء على طلب أحد الخصوم. وذلك وفقا لما جاء بالمادة ۱۱۸ مرافعات.

ولكن هذه المسلمة لا يمكن إعمالها في أطر خصومة التحكيم بسبب نشأتها الاتفاقية فلا يمكن للغير كالكفيل مثلا أن يتدخل تدخلا إراديا في خصومة التحكيم القائمة بين المحتكم والمحتكم ضده إلا باتفاقهما كما أنه لا يمكن إجباره على ذلك لافقتار المحكمين لسلطة الأمر كما أن له دائما أن يرفض الاشتراك في تحكيم لم يشارك في اختيار هيئته.

فما لا شك فيه أن إجازة التدخل يعد وسيلة مجدية لصيانة الحقوق من أقرب الطرق فضلا عن أنها تعد وسيلة لتنوير عقيدة المحكمة بالجوانب المختلفة للمنازعة المطروحة أمامها مما يعد في النهاية عونا على حق أداء العدالة بالإضافة إلى اعتبارها مظهرا من مظاهر حق الدفاع الذي يعد أحد المبادئ الأساسية التي تهيمن على إجراءات الخصومة.

وعدم إدخال الغير يجعل قرار المحكم أو القاضي على حد سواء محلا للشك، ويكون هذا القرار غير كامل لأن الخصوم غير متواجدين في الدعوى ومؤقتا لأن المنازعة التي فصل فيها تكون قابلة لأن ترفع مرة أخرى للقضاء من جانب المتدخل وغير قابل للتطبيق لأنه من الممكن أن يصدر في الحالة قرار آخر من القضاء يفصل في المنازعة على نحو يتعارض مع القرار الأول بمعنى أنه يؤدي إلى احتمال تعارض الأحكام.

من خلال استعراضنا لمسألة التدخل والإدخال في خصومة التحكيم عنها في خصومة القضاء، نجد أن إرادة الأطراف لها اليد العليا في عملية قبول التدخل وهذا يتفق تماما مع الطبيعة الرضائية لاتفاق التحكيم ذاته، فضلا عن أن المتدخل تدخلا انضماميا من الغير في خصومة التحكيم لا يكتسب صفة الطرف كما هو الحال في الخصومة القضائية ، كما تفتقر هيئة التحكيم سلطة إجبار الغير على التدخل وإن كانت لها سلطة تقديرية في قبول تدخل الغير من عدمه.

فليس لهيئة التحكيم قبول تدخل الغير في خصومة التحكيم، وفي حالة قبولها ذلك، فإنه يعتبر تعديا صارتنا على إرادة الأطراف، وجاز لهم الدفع بعدم جواز الغير لعدم وجود اتفاق تحكيم بالنسبة للشخص المتدخل، ويعتبر الحكم الصادر لصالح هذا الغير أو ضده باطل بطلانا مطلقا .

وبالتالي، لا يجوز لهيئة التحكيم أن تأمر من تلقاء نفسها بإدخال أي شخص من غير أطراف اتفاق التحكيم، ولو كان إدخاله لمصلحة العداله أو لإظهار الحقيقة، وإنما يجوز لها ذلك في حالة ما إذا كان الغير المراد طرقا في اتفاق التحكيم أو ممن يمتد إليه أثر هذا الاتفاق".

ويثير إدخال الغير في خصومة التحكيم مشكلة تتعلق بمسألة اختيار المحكمين، فوفقا لمبدأ المساواة بين الخصوم يجب أن يتمكن هذا الطرف المدخل من اختيار محكمه حتى يتساوی مع باقي الأطراف، وهو ما قد يؤدي إلى تعطيل أو التأخير في الفصل في النزاع، ولهذا فإنه من المستحسن أن يتم إدخال الغير في خصومة التحكيم قبل تشكيل المحكمة التحكيمية، حتى يشارك في اختيار أعضائها وتفاديا لتعطيل إجراءات الخصومة التحكيمية . وإن كان هناك حل لهذا التخوف بالسماح للمتدخل تدخلا هجوميا باختيار محكمه، وليس للمتدخل تدخلا انضماميا.

المبحث الأول

التدخل والإدخال في خصومة التحكيم بين الرفض والقبول في ضوء الفقه

والقوانين المقارنة ولوائح مراكز ومؤسسات التحكيم وقضاء التحكيم وفقا لمبدأ نسبية الاتفاقات، فإن اتفاق التحكيم لا تمتد أثارة إلى أشخاص لم يوقعوا على الاتفاق سواء بأنفسهم أو عن طريق ممثل لهم، أي أطراف الاتفاق .

فالتحكيم طريق استثنائي للتقاضي يقوم على رضاء الأطراف به بديلا عن محاكم الدولة، فإرادة الأطراف هي التي توجد التحكيم وهي أيضا التي تحدد نطاقه.. ولهذا من المسلم أنه لا يمكن إلزام الشخص بالتحكيم رغما عن إرادته، فمتی تخلفت هذه الإرادة امتنع وجود الاتفاق على التحكيم بالنسبة له. ومن هنا نسبية اتفاق التحكيم، فهو لا يحتج به ولا يرتب آثاره إلا بالنسبة للشخص الذي اتجهت إرادته إليه، أو بعبارة أخرى للطرف الذي ارتضاه وقبل خصومته . وتطبيقا لهذا قضي بأن شرط التحكيم الوارد في عقد البيع لا يسري في مواجهة ناقل البضاعة ما دام هذا الشرط لم يرد في عقد النقل بينه وبين البائع، فليس للناقل التمسك بهذا الشرط في نزاع بينه وبين المشتري . أي أن محكمة النقض وضعت على المبدأ الذي تبنته هيئات التحكيم الدولية، تحفظا، بأن يتوافر في الغير الذي ينصرف إليه اتفاق التحكيم شروط التدخل والإدخال في مجال التحكيم، حيث لا يجوز لأحد الأشخاص من الغير التدخل في خصومة التحكيم كما لا يجوز إدخاله في خصومة التحكيم بعد انعقاده، ما لم يوافق كل من طرفي التحكيم والغير المراد إدخاله في خصومة التحكيم على الإدخال، أو موافقة طرفي التحكيم على قبول تدخل الغير .

يتضح لنا مما سبق أنه بالرغم من أن الأصل في اتفاق التحكيم لا يمتد إلا إلى أطرافه وفقا المبدأ نسبية الاتفاق، إلا أنه في مجال التحكيم قد يمتد في بعض الحالات إلى غير أطرافه.

ولكن التسليم بإمكانية امتداد اتفاق التحكيم إلى غير أطرافه، لم يكن يسير في طريق ممهد، وخالي من العقبات، ومحل اتفاق من الجميع، ولكن كان مثار شد وجذب على كافة الأصعدة الفقهية منها والقانونية المقارنة ولوائح مراكز ومؤسسات التحكيم وحتى القضائية، لذا يجدر بنا أن نستعرض موقف الفقه والقانون والقضاء من رفض عملية التدخل والإدخال أو قبولها من خلال المطالب التالية:

المطلب الأول: موقف الفقه من التدخل والإدخال في خصومة التحكيم.

المطلب الثاني: موقف الأنظمة القانونية المقارنة ولوائح مراكز ومؤسسات التحكيم من التدخل والإدخال في خصومة التحكيم.

المطلب الثالث: موقف قضاء التحكيم من التدخل والإدخال في خصومة التحكيم.

المطلب الأول

موقف الفقه من التدخل والإدخال في خصومة التحكيم

لقد اعترفت النظم القانونية الإجرائية بفكرة التدخل في الخصومة القضائية عموما وذلك اقتصادا للإجراءات ومنعا لإزدواج غیر ضروي للخصومة، وتفاديا لاحتمال تضارب الأحكام .

إلا أن الأمر في خصومة التحكيم يختلف عنه في الخصومة القضائية، فلم يكن هناك محل اتفاق بين الفقه على مدى التسليم وقبول عملية التدخل والإدخال في خصومة التحكيم، وتأرجح الأمر بين الصمت تارة، والرفض تارة، والقبول تارة أخرى.

فلقد اتخذ بعض الفقه ۲، الصمت طريقا، على أساس أن قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة 1994 قد خلا من نص يجيز التدخل في خصومة التحكيم أو يمنعه. في حين رفض البعض ، مبدأ التدخل والإدخال في خصومة التحكيم، استنادا إلى عدم تعرض القانون لمدى جواز تدخل الغير أو إدخاله أثناء نظر التحكيم من ناحية، وتعارض ذلك مع طبيعة التحكيم الذي يقوم على التقاء إرادة الطرفين على اللجوء إليه وفقا للإجراءات التي نظمها القانون.

فالقاعدة وفقا لهذا الاتجاه، أن أثر اتفاق التحكيم لا يمتد إلى غير أطرافه، فإدخاله الغير ينطوي على اعتداء على مبدأ حرية الشخص في الإلتجاء إلى القضاء وإرغامه على الإشتراك في خصومة لم يختر المثول فيها .

 ويضيف البعض في إطار نفس هذا الاتجاه، أن التدخل والإدخال في خصومة التحكيم يتضمن خروجا على قواعد الاختصاص لأنه يؤدي إلى جلب الغير أمام محكمة غير محكمته الطبيعية، بل وحتى في الحالات التي لا تنطوي على مخالفة لقواعد الاختصاص المحلي، فلا يجوز إدخال الغير إلا بموافقته احتراما لإرادية اللجوء إلى التحكيم .

 ويرى البعض ، أن المحكم لا يملك أن يحكم في النزاع المحدد في اتفاق التحكيم على غير أطرافه، ومن ثم لا يجوز إدخال شخص ثالث في الخصومة، ولا أن يقبل تدخل ثالث إلا بقبول ورضاء هذا الشخص وطرفي التحكيم.

وفي مقابل التجاهل والصمت الذي لاذ به أصحاب الاتجاه الأول، والرفض الصريح الذي تبناه الاتجاه الثاني، هناك اتجاه يقبل فكرة التدخل والإدخال في خصومة التحكيم، داحضا الحجج التي استند إليها أصحاب الاتجاه الرافض للتدخل والإدخال في خصومة التحكيم، كالتالي :

الأول: أن عدم تعرض القانون - قانون التحكيم - لمدى جواز تدخل الغير في خصومة التحكيم، لا ينهض حجة لرفض فكرة التدخل، فالحكمة من وراء تلك الفكرة وقبولها تستدعي إعمال مقتضياتها، حتى ولو خلا القانون من نص. ذلك أن مرمى فكرة التدخل هو الاقتصاد في الإجراءات، وتفادي تعدد غير مبرر للخصومة، وتوقي احتمال تعارض الأحكام، وتلك أمور إن كانت قائمة ومبررة أمام قضاء الدولة، فهي قائمة ومبررة كذلك، ويذات الدرجة، أمام قضاء التحكيم.

الثاني: أن طبيعة التحكيم لا تتعارض معها، قبول التدخل في خصومته، على عكس ما يقول الاتجاه الرافض، فكما أكدنا غير مرة، أن التحكيم قضاء، وتسير خصومته وفق قواعد إجرائية شبيهة، إلى حد كبير، بقواعد إجراءات التقاضي أمام قضاء الدولة، فإذا كان التدخل مقبول أمام هذا الأخير، فلماذا نرفضه أمام قضاء التحكيم.

الثالث: إذا كان التحكيم يقوم، وعلى ما يعترف به الرأي السابق، على التقاء إرادة الطرفين على اللجوء إليه، وكانت إرادة الطرفين تلعب دورا كبيرا ليس فقط في إنشاء قواعد إجراءات التحكيم ابتداء، بل في توجيهها والهيمنة عليها في مختلف مراحل الخصومة، فلماذا نرفض فكرة التدخل إن كان أطراف خصومة التحكيم أنفسهم قد قبلوا أو ارتقوا على إمكانية التدخل، ورأت هيئة التحكيم المصلحة في ذلك؟.

ويسلك بعض الفقه ، طريقا وسطا، رغم تسليمه بعدم قبول تدخل الغير، إلا أنه يرى أن التدخل يكون ممكنا عند موافقة جميع الأطراف، وهذا القيد يحد من حالات التدخل إلى حد كبير، لأن الطرف المطلوب تدخله قد يرفض مفضلا اللجوء إلى القضاء، والمدعي قد يعترض على طلب المدعى عليه إدخال ثالث تجنبا لتعطيل الفصل في النزاع أو مضاعفة المصروفات، أو الإخلال بالسرية المطلوبة في الإجراءات، فضلا عن احتمال تأثر إدعائه بنتيجة الفصل في الادعاء قبل من تم إدخاله في الدعوى.

ويضيف بعض الفقه ، قيد آخر في حالة قبول إدخال طرف ثالث بإضافة شرط آخر غير إتفاق جميع الأطراف هو وجوب تقديم الطلب قبل إفتتاح الإجراءات الشفوية.

فإدخال شخص ثالث يتطلب إجراء تعديل في الخطة الإجرائية وفي وثيقة تحديد مهمة المحكم، والحل البديل لقبول تدخل

طرف ثالث هو إقامة تحكيم مواز مع إحتمال تناقض الإجراءات والنتيجة التي يصل إليها المحكم في كل منهما، أو إحالة جميع الأطراف للقضاء للفصل في كافة الإدعاءات لتعذر إعمال اتفاق التحكيم ؟.

فتعذر إعمال إتفاق التحكيم من الأسباب التي نصت عليها إتفاقية نيويورك لرفض تنفيذ حكم المحكم أيضا ففي كل حالة يتبين للمحكم فيها أن حسن الفصل في النزاع وتحقيق العدالة يقتضي إدخال أطراف الإجراءات جديدة ولا يتسنى له ذلك يلتزم بتقرير تعذر إعمال اتفاق التحكيم وإنهاء.

المطلب الثاني

موقف الأنظمة القانونية المقارنة ولوائح مراكز ومؤسسات التحكيم من التدخل والإدخال في خصومة التحكيم

لقد سكت قانون التحكيم المصري قم ۲۷ لسنة 1994م عن تنظيم مسألة التدخل والإدخال في خصومة التحكيم، ولكن هناك قوانين مقارنة قد نظمتها واعترفت بها بنصوص صريحة.

فنجد القانون اللبناني لعام 1985 حيث نصت المادة 786 من قانون أصول المحاكمات المدنية بشأن التحكيم على "لا يجوز للغير التدخل في النزاع المعروض على المحكمين، ما لم يرتضيه الأطراف".

ويعلق بعض الفقه ، على هذا النص بقوله، رغم أن هذا النص يحظر التدخل في خصومة التحكيم، غير أن الأمر ليس كذلك، ذلك أنه لما كان التحكيم يقوم على اتفاق الأطراف الذين لهم الدور الأكبر في تسيير إجراءات التحكيم، وبالنظر إلى الأثر النسبي لاتفاق التحكيم وقصره عليهم، فإن مبدأ جواز التدخل يقرره النص طالما قبله الأطراف.

كذلك من القوانين التي أجازت التدخل في خصومة التحكيم، قانون التحكيم الهولندي لعام ۱۹۸۹ (م 1045 من قانون الإجراءات المدنية) حيث نصت على "لا يجوز لهيئة التحكيم أن تأذن للغير أن يتدخل تدخلا انضماميا أو اختصاما أو إدخاله كضامن إلا إذا وافق الأطراف على مثل هذا الاتفاق فإن كتابة على انضمام الغير إلى اتفاق التحكيم فإذا لم يوقع الأطراف الغير لا يمكن اعتباره طرقا في إجراءات التحكيم.

ويتضح من النص، جواز التدخل والإدخال للغير في خصومة التحكيم، شريطة موافقة أطراف التحكيم على التدخل أو الإدخال، بل أشترطت المادة الموافقة الكتابية، كما قيدت يد هيئة التحكيم في الأذن للغير بالتدخل أو الإدخال قبل موافقة الأطراف. وقانون التحكيم البلجيكي العام ۱۹۹۸ (م ۱۹۹۹ مکرر من التقنين القضائي) حيث نصت على:

• يجوز لأي طرف ثالث (الغير) أن يطلب من المحكمة التدخل في الإجراءات ويجب أن يقدم هذا الطلب كتابيا إلى هيئة التحكيم التي تبلغه بدورها إلى الطرفين.

• يجوز للخصم طلب إدخال طرف ثالث للتدخل في خصومة التحكيم.

. على أية حال، لابد من قبول طلب التدخل من قبل الأطراف المتنازعة، علاوة على ذلك يكون ذلك رهن على موافقة هيئة التحكيم. كما نصت المادة ۲۸ من الوفاق السويسري على أنه "1- يجوز تدخل واختصام الغير بناء على اتفاق الغير وأطراف النزاع ۲- وأن اتفاق هؤلاء متوقف على موافقة محكمة التحكيم".

ومن لوائح ومراكز ومؤسسات التحكيم التي أجازت مسألة التدخل في خصومة التحكيم، لائحة التحكيم لمحكمة لندن للتحكيم الدولي LCIA لعام 1985، حيث نصت المادة ۱۳/د منها على أن المحكمة التحكيم التصريح بالتدخل الإيجابي أو السلبي لأطراف أخرى إن ارتضوا ذلك صراحة، وتصدر حكما نهائيا واحدا فاصلا في كل المنازعات القائمة بينهم.

 كما أوردت قواعد اليونسترال لسنة ۲۰۱۰ حكما خاصا بالإدخال بموجب المادة ۱۷/ه ينص على أيجوز لهيئة التحكيم، بناء على طلب أي طرف، أن تسمح بضم شخص ثالث واحد أو أكثر كطرف في خصومة التحكيم، شريطة أن يكون ذلك الشخص طرقا في اتفاق التحكيم، مالم ترى هيئة التحكيم، بعد منح جميع الأطراف، بمن فيهم الشخص أو الأشخاص المراد ضمهم، فرصة لسماع أقوالهم، أنه ينبغي عدم السماح بذلك الضم لأنه يلحق ضررا بأي من أولئك الأطراف. ويجوز لهيئة التحكيم أن تصدر قرار تحكيم واحد أو عدة قرارات تحكيم بشأن كل الأطراف المشاركين في عملية التحكيم".

المطلب الثالث

موقف قضاء التحكيم من التدخل والإدخال في خصومة التحكيم

لقد وجدت مسألة التدخل والإدخال في خصومة التحكيم سندها في القضاء العادي وقضاء التحكيم معا، وهذا ما انتهت إليه محكمة النقض ، بأن الأصل في النطاق الشخصي الخصومة التحكيم يتحدد بأطراف الاتفاق على التحكيم إلا أنه يجوز لأي من طرفي التحكيم أن يختصم أمام هيئة التحكيم من ليس طرقا في الاتفاق إذا كان من الغير الذي يمتد إليه هذا الاتفاق ويكون الاختصام - في هذه الحالة - بناء على طلب أحد طرفي التحكيم ويتخذ صورة الإدخال أو التدخل ويشترط موافقة الطرف الآخر في التحكيم على هذا الاختصام كما يشترط - في حالة الإدخال – موافقة الغير الذي لم يكن طرفا في اتفاق التحكيم.

كما يجب على هيئة التحكيم التحقق من توافر شروط الإدخال والتدخل المنصوص عليها في المواد ۱۱۷، ۱۱۹، ۱۲۶ من قانون المرافعات، وذلك بما يتفق منها مع الطبيعة الاستثنائية للخصومة التحكيمية.

ولقد أكد قضاء التحكيم فكرة التدخل في خصومة التحكيم بحكم حديث صدر في إطار مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي بتاريخ 4 فبراير ۲۰۰۳، حيث كرس الحكم للشروط الواجب توافرها في مسألة التدخل والإدخال في خصومة التحكيم.

كما قضت محكمة النقض بأن أكون أحد أطراف خصومة التحكيم شركة ضمن مجموعة شركات تساهم شركة أم في رأسمالها لا يعد دليلا على التزام الأخيرة بالعقود التي تبرمها الأولى المشتملة على شرط التحكيم ما لم يثبت أنها تدخلت في تنفيذها أو تسببت في وقوع خلط بشأن الملتزم به على نحو تختلط فيه ارادتها مع إرادة الشركة الأخرى، وذلك كله مع وجوب التحقق من توافر شروط التدخل أو الإدخال في الخصومة التحكيمية وفقا لطبيعتها الاستثنائية .

وبناء عليه أصدرت محكمة النقض المصرية حكم هام بتأييد الحكم ببطلان حكم التحكيم الصادر في حق الشركة الأم لأنها لم تكن طرقا في الاتفاق، تأسيسا على أن درجة تدخلها في التعاقد غير كافية لإلزامها بالخضوع للتحكيم، ومن ثم لا يجوز إلزامها بشرط التحكيم الوارد فيه أو قبول إدخالها في خصومته، ومن وجهة نظر محكمة النقض أن الوقائع المعروضة لم تشكل ضلوعا في التعاقد، واستندت لفكرة نسبية أثر اتفاق التحكيم عليها، وهو الذي يرعی مصلحة الشركاء ومسئول عن الحفاظ عليها أمام القضاء حتى ينتهي النزاع بينهم رضاء أم قضاء. ومن حيث إنه يشترط لقبول طلب التدخل أن يكون الطالب من الغير الذي ليس له تمثيل في الخصومة التي يرغب التدخل فيها، فإن هذا ما لا يتوفر في طالبي التدخل في القضية الماثلة، ذلك أن طالبي التدخل كلاهما ليسا أجانب عن خصومة التحكيم، فيهما ممثلين فيها عن طريق الحارس القضائي الذي عينته المحكمة بحسبان أن الحراسة القضائية هي نيابة قانونية وقضائية، إذ القانون هو الذي يحدد نطاقها ويبين حالاتها وآثارها، كما أن القضاء هو الذي يضفي على الحارس صفته فلا تؤول إليه صفة النيابة إلا بموجب حكم منه وهو الذي يحاسبه وهو الذي ينهي مأموريته. ومن حيث إن الحارث القضائي في القضية التحكيمية المائلة ما زال ينوب عن جميع الخصوم في الدعوى وعن الشركاء على الشيوع وعن القضاء الذي عينه، حيث تحل إرادته، فيما يجريه من أعمال، محل إرادة هؤلاء، ويصير هو الشخص المسئول الوحيد الذي يحق له إرادة الشركة الموضوعة تحت الحراسة والدفاع عن مصالحها قبل المتخاصمين وقبل الغير والتقاضي في شأنها، ولا يستطيع من يمثلهم غير التوجيه ومباشرة الرقابة عليه عن طريق القضاء. ومن حيث أن التحكيم قضاء اتفاقي خاص تجري أوضاعه دون التقيد بقواعد القانون الإجرائي واجب التطبيق ومن بينها التدخل، وكانت قواعد إجراءات التحكيم المعمول بها أمام المركز وهي قواعد اليونسترال المعدلة وكذلك قواعد قانون التحكيم المصري لعام 1994 الواجب الرجوع إليها باعتبارها قواعد دولة مقر التحكيم عندما تخلو قواعد إجراءات التحكيم لدى المركز من حل للمسألة، لم تتكلم عن نظام التدخل في خصومة التحكيم، فإن الهيئة وإن كانت ترفض الرأي الذي لا يجيز التدخل أمام قضاء التحكيم في حالة إنعدام النص التشريعي أو اللائحي الذي يجيزه، إلا أن لها سلطة تقديرية في قبول التدخل أو رفضه على ضوء النتائج التي قد تترتب عليه، ومنها خطر إطالة أمد النزاع وتعطيل الفصل فيه، وهو وعلى فرض توفر شروط التدخل وهو ما نفته الهيئة وأثبته الحكم فيما قبل، خطر قائم في القضية الماثلة. فلهذه الأسباب حكمت الهيئة في شأن طلبي التدخل أمامها بقبولهما شكلا، وفي الموضوع بعدم قبولهما .

وتطبيقا لذلك، تقدم المحتكم في نزاع بطلب إدخال الشركة الأم، وقبلت هيئة التحكيم وأصدرت أمرا بذلك، وأصدرت حكما نهائيا بمسؤولية الشركة الأم والتابعة مسؤولية مجتمعة وتضامنية عن دفع فرق سعر كما کرست محكمة النقض في حكم آخر لها، في معرض الطعن ببطلان حكمي تحكيم، بضرورة توافر شروط الإدخال والتدخل المنصوص عليها في المواد ۱۱۷، ۱۱۹، ۱۲۹ من قانو المرافعات، وذلك بما يتفق منها مع الطبيعة الاستثنائية للخصومة التحكيمة.

التعاقد للمحتكم والفوائد والتعويضات وأتعاب هيئة التحكيم والمصروفات، وقررت أنها ستطبق ما جرى عليه التحكيم محليا وفي الخارج بأن العبرة بوجود وحدة في الإدارة الاقتصادية تجمع بين الشركتين، والذي استخلصته من وحدة الإدارة ممثلة في رئيس الشركتين ومحكمة الاستئناف رأت أنه بغير وجود دليل على رضاء الشركة بالتحكيم لايمكن إدخالها أو إجبارها على الخضوع للتحكيم، ولم تعول على واقعة إدارتهما عن طريق شخص واحد من خلال المكاتبات ولا اعتماد الشركة الثانية على الأولى. راجع مجموعة أحكام التحكيم الصادرة في إطار مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، ج۳، ص۹.

وتتعلق تلك القضية في الطعن المقدم من الطاعن وآخرون ضد الشركة المطعون ضدها على أن تقوم الأخيرة بشراء أسهم الأولين في الشركة الفرعونية للتأمين وأنطوى العقد على شرط التحكيم، ولقد نشب خلاف بينهم بشأن تنفيذ العقد لجأت الشركة المطعون ضدها إلى التحكيم بطلب الطاعن بالتعويض لوجود تناقضات في حسابات الشركة الشركة التأمين" ولدي نظر الدعوى التحكيمية طلب الطاعن إدخال باقي البائعين خصوما في الدعوى، إلا أن هيئة التحكيم حكمت برفض طلبه، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 1۰۱۳۲ لسنة ۷۸ ق، نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة، وبعد أن عجل الخصوم الدعوى حكمت برفضها، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية، ... وحيث أن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب، إذ لم يتبع الحكم الناقض الصادر في الطعن رقم ۱۰۱۳۲ لسنة ۷۸ ق في المسألة القانونية التي فصل فيها والتي تتصل بأطراف خصومة التحكيم وبأنها تقبل التعدد وإدخال الغير فيها وانتهى إلى أن تلك الخصومة لا تقبل الإدخال، وأن عدم استجابة هيئة التحكيم لطلب الإدخال لا يصم حكمها بالبطلان، ورتب على ذلك قضاءه برفض الدعوى وقد حجبه ذلك عن بحث مدى توافر مقومات قبول هذا الإدخال ولزومه في الدعوى التحكيمية، مما يعيبه ويستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن. ولما تقد - وكان مقررا – أيضا في قضاء هذه المحكمة - أن التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طريق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات، وإذا كان اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في النزاع المعروض عليها يرتكن أساسا إلى حكم القانون الذي أجاز استثناء سلب ولاية جهات القضاء، إلا أن التنظيم القانوني للتحكيم يستند على رضاء الأطراف وقبولهم به كوسيلة لحسم كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهم بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية، فإرادة المتعاقدين هي التي توجد التحكيم وتحدد نطاقه سواء من حيث المسائل التي يشملها والقانون الواجب التطبيق وتشكيل هيئة التحكيم وسلطاتها وإجراءات التحكيم أو من حيث أطراف الخصومة التحكيمية، وإنه وإن كان الأصل أن النطاق الشخصي لخصومة التحكيم يتحدد بأطراف الاتفاق على التحكيم إلا أن يجوز لأي من طرفي التحكيم أن يختصم أمام هيئة التحكيم من ليس طرقا في الاتفاق إذا كان من الغير الذي يمتد إليه هذا الاتفاق ويكون الاختصام في هذه الحالة بناء على طلب أحد طرفي التحكيم ويتخذ صورة الإدخال أو التدخل ويشترط موافقة الطرف الآخر في التحكيم على هذا الاختصام كما يشترط - في حالة الإدخال - موافقة الغير الذي لم يكن طرفا في اتفاق التحكيم، ويجب على هيئة التحكيم التحقق من توافر شروط الإدخال والتدخل المنصوص عليها في المواد ۱۱۷، ۱۱۹، ۱۲۶ من قانون المرافعات، وذلك بما يتفق منها مع الطبيعة الاستثنائية للخصومة التحكيمية. انظر ذلك في : الطعن رقم 7595 لسنة 81 القضائية جلسة 13 من فبراير سنة ۲۰۱4.

وإذا كان الاتفاق على التحكيم متعدد الأطراف، وبدأت خصومة التحكيم بين طرفين، فأنه لا يوجد ما يمنع طرف من أطراف اتفاق التحكيم من أن يتدخل منضما إلى أحد الطرفين في طلباته إذا كانت له مصلحة في هذا وفقا للمادة ۱۲6 مرافعات .. ذلك أن المدخل انضماما لا يطالب بحق له ويقتصر دوره على مساعدة من تدخل إلى جانبه فهو مجرد طرف تابع له.

ومن ناحية أخرى فإن للطرف في اتفاق التحكيم الذي لم يدخل في الخصومة أن يتدخل فيها تدخلا هجوميا أوانضماما مستقلا، وذلك دون الحاجة إلى موافقة طرفي الخصومة . وذلك منعا لصدور أحكام متعارضة، وتجنبا لتقطيع أوصال القضية في نزاع واحد.

ونلاحظ هنا، أن هناك فارق بين موقف المتدخل من الغير، عنه في حالة المتدخل من أطراف التحكيم، ويظهر ذلك جليا في التحكيم متعدد الأطراف، فلطرف التحكيم الذي لم يدخل في الخصومة أن يتدخل فيها تدخلا هجوميا أو انضماميا مستقلا، وذلك دون حاجة إلى موافقة طرفي الخصومة، أما الغير فلا يجوز له التدخل إنضماميا أو مستقلا في خصومة التحكيم،

إلا إذا قبل الأطراف تدخله.

ويلاحظ أن إدخال من يجوز إدخاله في خصومة التحكيم يدخل في السلطة التقديرية لهيئة التحكيم، فهي ليست ملزمة بإجابة طلب أحد طرفي الخصومة إدخاله، ولو توافرت شروط هذا الإدخال، إذا رأت أن هذا الإدخال مما يعطل الفصل في القضية، ما لم يكن هذا الإدخال الازما بسبب التعدد الوجوبي لأطراف الخصومة ".

وتطبيقا لذلك، لا يجوز للمحكمين أن يقوموا بإدخال أطراف في الدعوى التحكيمية ليسوا في الأساس ضمنها "إن الأساس القانوني هو أن المحكم شأنه شأن القاضي عند النظر في الدعوى، يتقيد بأطرافها وسببها وموضوعها ضمن الأصول والمبادئ القانونية المتبعة، ولا يجوز له أن يدخل أطرافا في الدعوى ليسوا في الأساس ضمنها ولم يتم إدخالها في الدعوى لا اختياريا ولا إجباريا. وبالرجوع إلى قرار التحكيم الصادر عن المحكمين ... نجد أن المحكمين قد قاموا بإدخال جميع الورثة ... وقاموا بتوزيع جميع العقارات بين أطراف الدعوى وكامل الورثة وكأنها دعوى قسمة وإزالة شيوع مع أن باقي الورثة ليسوا طرقا في الدعوى. وقد كان على محكمة الدرجة الأولى بعد أن تبين لها ذلك أن تعيد قرار المحكمين لتفادي ذلك ولحصر الدعوى بين أطراف الدعوى فقط ..

وينطبق ذلك أيضا على حق الطعن على حكم التحكيم، فمن المقرر قانوئا أن الطعن على حكم المحكمين بالبطلان يشترط فيه أن يكون الطاعن خصما في الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون عليه بنفسه أو بواسطة غيره، كما يشترط في الطاعن أن يكون ذا صفة في الطعن سواء بأن كان طرقا في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه أو لم يتمكن من منازعة خصمه حتى يصدر الحكم ضده وأيضا يشترط أن يكون الشخص خصما حقيقيا في الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون، فلا يكفي أن يكون مجرد طرف في الدعوى، بل يتعين أن يكون فوق ذلك قد نازع خصمه في مزاعمه وطلباته أو نازعه خصمه في مزاعمه أو طلباته وأن يكون أصر على هذه المزاعم حتى صدور الحكم المطعون فيه، لما كان ذلك وكان الثابت للمحكمة من حكم التحكيم أن الطاعنة لم تكن خصما حقيقيا في الحكم ولم تكن طرفا في ذلك الحكم ومن ثم تضحی دعواها غير مقبولة .

المبحث الثاني

المركز القانوني للغير في خصومة التحكيم

ومدى حجية حكم التحكيم بالنسبة للغير

عرفنا أن المتدخل في خصومة التحكيم، سواء كان التدخل هجوما أو انضماما، قد يكون من الغير وقد يكون طرقا في اتفاق التحكيم.

وفكرة الغير فكرة متغيرة ومتنوعة ومتفرعة الأصول ومتشابكة والمطلوب أن نتعامل مع هذه الفكرة بحرص شديد، فمن جانب يجب المحافظة على خصوصية خصومة التحكيم والتي تقوم في الأساس على عدم جواز توسيع نطاقها الشخصي، ومن جانب آخر ضرورة تجنب وصاية القضاء على خصومة التحكيم من خلال مسألة التدخل والإدخال، والتي قد تطيح بثوابت التحكيم التي تقوم على السرية والسرعة في الإجراءات.

فمما لا شك فيه أن خصوصية خصومة التحكيم أصبحت تواجه ضغوط شديدة من عدة جوانب، جميعها يهدد النطاق الشخصي الخصومة التحكيم، أهمها وأخطرها مسألة التدخل والإدخال التي جعلت من خصومة التحكيم، وجها آخر للخصومة القضائية. ومن جهة أخرى، يدق الأمر بالنسبة للمركز القانوني للغير، وما إذا كان يستتبع تدخل الغير في خصومة التحكيم، بأن يأخذ حكم الطرف في اتفاق التحكيم، أم يظل الغير المتدخل غريب على اتفاق التحكيم ومن ثم على خصومة التحكيم، وفي كلتا الحالتين هناك آثار قانونية تترتب على مدى اكتساب الغير صفة الطرف أو الخصم من عدمه، منها مدى حجية حكم التحكيم بالنسبة للغير في ظل مبدأ نسبية الأحكام ، ويجدر بنا أن نتناول ذلك من خلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول: صفة الغير المتدخل في خصومة التحكيم.

المطلب الثاني: مدى حجية حكم التحكيم بالنسبة للغير.

المطلب الأول

صفة الغير المتدخل في خصومة التحكيم

للوقوف على صفة الغير المتدخل في خصومة التحكيم ومركزه القانوني، يجدر بنا أن نتعرض المفهوم كلا من الطرف في اتفاق التحكيم والغير، حتى يتسنى لنا تأصيل المركز القانوني للغير، للوصول إلى تدارك ما يترتب على ذلك من آثار.

اولا: مفهوم الطرف في اتفاق التحكيم:

يبدو أن المشرع في قانون التحكيم في تحديده لمفهوم الطرف أخذ بنظرية الثقة، وهذه النظرية تأخذ بالإرادة التي استطاع من وجه إليه التعبير أن يتعرفها من خلال هذا التعبير مستعينا بجميع الملابسات الموضوعية التي يجب أن يأخذها عملا في اعتباره وتأسيسا على ذلك فإنه للتحقق من أن إرادة الأطراف اتجهت إلى التحكيم اشترط المشرع أن تكون هذه الإرادة مكتوبة فالكتابة تعد شرطا لوجود الاتفاق لا إثباته، وأن يكون موقعا عليه من الأطراف وألا يكون باط" (م ۱۲ من قانون التحكيم). 

وفي نفس الوقت خفف المشرع من حدة هذا المقتضى واكتفي بالكتابة المتمثلة في تبادل المستندات وهذا التبادل يفيد قبولهم التحكيم، وتبادل المستندات مناطه الاطمئنان إلى أن الأطراف كانوا على علم كاف بوجود شرط التحكيم حسب المراسلات والوثائق المتبادلة، وأنهم قد تصرفوا أو كان مفروضا أن يتصرفوا على هذا الأساس، وبالبناء على ما تقدم فقد ينصرف أثر اتفاق التحكيم إلى أشخاص لم يوقعوا عليه وعلى العكس، قد لا ينصرف إلى أشخاص

وقعوا عليه ولكن لم تتجه إرادتهم إلى الارتباط به .

وفي إطار هذا الاتجاه أيدت بعض أحكام هيئات التحكيم في مجال التحكيم التجاري الدولي، وأيضا في مجال التحكيم الداخلي إمتداد شرط التحكيم لغير موقعيه وبررت ذلك بأن الطرف في خصومة التحكيم لا يعني فقط شخص الموقع على الاتفاق، أخا بفكرة تراجع ضرورة التوقيع المادي على شرط التحكيم .

وفي ضوء هاذين الاتجاهين احتدم الخلاف حول تحديد من يعد ومن لا يعد طرقا في العقد بين المضيق والموسع، فالفقه التقليدي، يأخذ بمفهوم ضيق لفكرة الطرف ويقصره على كل من اتجهت إرادته إلى إبرام العقد، ويكتسب هذه الصفة طائفتان من الأشخاص يشبهون الأطراف، هما الأشخاص الممثلون representees والخلف العام، والخلف الخاص وتطلق محكمة النقض المصرية على هذه الطائفة (بالأطراف ذوى الشأن في العقد.

أما الفقه الحديث فأخذ بمفهوم واسع لفكرة الطرف، حيث أن أثر العقد على ضوء هذا الاتجاه لا ينصرف فقط إلى كل من أبرم العقد أو أسهم في إبرامه، وإنما يمتد إلى كل من نفذه أو أسهم في تنفيذه ..

ومع ذلك اتجهت العديد من أحكام التحكيم إلى تحديد مدلول الطرف في اتفاق التحكيم في ضوء مفهوم الخلافة العامة والخاصة ، وقبلت مثول أطراف جديدة في التحكيم من غير الموقعين على شرط التحكيم استنادا لفكرة الخلافة التي يعرفها القانون المدني . 

ثانيا: مفهوم الغير في خصومة التحكيم :

الغير كما عرفه البعض ، بأنه كل شخص لم يكن طرفا في اتفاق التحكيم، ولا خلقا خاصا الأحد طرفيه.

والغير في مجال الخصومة عموما، هو الشخص الذي لم يكن طرفا في الخصومة بشخصه ولم يمثل فيها، وهكذا يتفق أغلب الفقه الإجرائي على هذا المعنى للغير، وبناء على هذا المعنى للغير فإن الخلف العام والخلف الخاص لا يعتبرون من الغير لأنهم يعتبرون قد مثلوا في الخصومة في الخصومة في شخص السلف إذ يفترض فيهم أنهم كانوا حاضرين بأنفسهم في الدعاوى التي كان سلفهم حاضرا فيها، أي أن السلف يمثل الخلف العام، كما أنه يمثل الخلف الخاص، ومن ثم لا يعتبر أيا منهما غيرا بالنسبة للخصومة التي كان سلفهم طرف فيها .

ولقد أشار البعض ، إلى أن المفهوم الموضوعي للغير في التحكيم أضيق من مفهومه الإجرائي، ويرجع ذلك إلى أن المشرع أخذ بمفهوم واسع لفكرة الطرف في اتفاق التحكيم حيث تبني نظرية الثقة التي تجمع بين كل من الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة لأطراف الاتفاق.

ولقد ميز الفقه بين طائفتين من الغير، هما الغير الحقيقي أو الأجنبي penitus extranei وهو الذي ليست له أية علاقة أو مصلحة مباشرة بالعقد، والغير الوهمي أو غير الحقيقي faux tiers وهذه الطائفة الأخيرة ليست من الأطراف وليست من الغير الحقيقي، ويدخل فيها الدائنون العاديون، والخلف الخاص وتطلق محكمة النقض المصرية على هذه الطائفة "الأطراف ذوى الشأن في العقد"، من ذلك المرسل إليه في عقد الشحن وعبر عنهم جانب من الفقه "بالغير دوي المصالح المرتبطة بمصالح أحد الأطراف في اتفاق خصومة التحكيم"، وعدد من بين هؤلاء الكفلاء ومصدر خطاب الضمان .

ثالثا: صفة المتدخل ومركزه القانوني في خصومة التحكيم:

لقد مايز الفقه بين المتدخل هجوما والمتدخل تدخلا انضماميا من حيث مركز كلا منهما القانوني وصفته في خصومة التحكيم كالتالي:

فالمنتدخل هجوما أجمع الفقه على أنه يحمل صفة الخصم بالمعنى الكامل للكلمة - بالاستقلال التام تجاه الخصوم الرئيسيين في الدعوى، فهو طرف جدید رئيسي، ودعواه دعوی حقيقية، فهو مدعي وتدخله الأصلي ليس سوى ممارسة في الدعوى القائمة الدعوى كان يمكنه رفعها بصفة مستقلة وباعتباره كذلك فإن له أن يطلب إجراءات تحقیق جديدة أو تعديل تلك التي اتخذت، كما يمكن للخصوم الأصليين تقديم طلبات مقابلة ضدة والحكم الصادر في الدعوى يكون حجة له أو عليه، ولو حسم النزاع صلتنا ". 

وفي هذه الحالة يكون من حق المتدخل هجوما أن يعين محكما عنه، ويلزم عندئذ إعادة تشكيل الهئية مع مراعاة أن يكون عددها وترا .

أما المتدخل تدخلا انضماما، فلقد تردد الفقه في اعتباره طرقا في الخصومة على أنه إذا كان إدخال الغير قد تقرر باعتباره إجراء يهدف إلى تنوير عقيدة المحكمة في شأن واقعة محددة إلزام الغير بتقديم مستند تحت يده فإنه لا يمكن أن يعد طرفا في الخصومة.

فالمتدخل الانضمامي هو شخص من الغير ليس طرفا في الرابطة الموضوعية موضوع الخصومة، ولكن مصالحه تتأثر بشكل مباشر بما تسفر عنه الخصومة من نتائج ولذلك فإن دوره يقتصر على الانضمام إلى أحد الخصوم فهو لا يطالب بحق أو مركز قانوني إنما يتدخل لتأييد طلبات المدعي أو المدعى عليه أو لمساعدة أيهما لكي يحكم لصالح من ينضم إليه لما في هذا الحكم من مصلحة تعود عليه وهو انضمامه لأحد الخصوم لا يحل محله ولا يمثله كما أنه لا ينضم لمصلحة من ينضم إليه وإنما لمصلحته هو باعتبار أن مصلحة ذلك الخصم تتفق مع مصلحته. وعلى ذلك فالتدخل الانضمامي إما يكون بهدف تحفظي محض الرقابة الخصم في الدعوى منعا لغشه وتدليسه مما قد يسبب للمتدخل ضررا حتى لو بقي خارج الدعوى فهو يتدخل لمراقبة سير الدعوى لمصلحته الخاصة، وإما أن يكون بهدف مساعدة أحد الخصوم على النجاح في الدعوى مما يعود عليه بالفائدة كذلك ومن جهة ثالثة فقد يتدخل الشخص لتحقيق الهدفين السابقين معا ولكن المتدخل هنا ليس طرقا رئيسيا على أي حال من الأحوال فهو لا يمارس دعوى وإنما دوره ثانوي وتبعي وذلك سواء كان تدخله تحفظيا أو انضماميا أو لتحقيق الهدفين معا فهو أيا كانت صورة تدخله لا يطالب بشئ خاص مميز إذا لا يطلب بالحكم لصالحه.

ولأجل ذلك فإن الفقه يتردد في اعتباره طرفا في الخصومة فذهب البعض إلى القول بأنه لا يعد طرقا في الخصومة، لأنه ليس له حقوق الطرف في الخصومة، حيث لا يستطيع أن يتخذ موقفا متعارضا مع موقف الخصم الذي تدخل منضما إليه ولكنه يقبل في الخصومة بالحالة التي هي عليها وإذا كان هذا هو رأي جانب من الفقه الإجرائي على صعيد الخصومة أمام قضاء الدولة، فإن هذا الرأي من الأجدر قبوله في إطار خصومة التحكيم نظرا لطبيعتها الاتفاقية فهو إن تدخل فليس له من دور إلا كونه معاونا كما أن تدخله وقف على إرادة الطرف الآخر وعلى إرادة المحكم أو المحكمين، لأنه ليس بطرف لا في اتفاق التحكيم ولا في عقد التحكيم أي العقد الذي يبرمه المحتكم أو المحتكمون مع المحكم أو المحكمين للفصل في النزاع وتحديد المهمة المعهود بها إليهم وكذلك تحديد أتعابهم .

على أن الفقه الإجرائي في سويسرا يرى أن المادة ۲۸ السابق الإشارة إليها تنطبق على المتدخل الانضمامي حتى ولو كان غير مرتبط باتفاق التحكيم حيث أنه ليس هناك ما يمنع من مساعدة أحد أطراف الخصومة الأصليين بدون أن يكون له الحق في أن يتصرف كما لو كان طرقا أمام المحكمين وبدون الاحتجاج بحكم التحكيم في مواجهته.

ويقسم بعض الفقه ، التدخل الانضمامي إلى صورتين، تدخل انضمامي بسيط، وهي الصورة التقليدية للتدخل الانضمامي، وفيها لا يطالب بأي حق شخصي له، وإنما يتدخل لتأييد أحد الخصمين ومساعدته، وهو لا يمثل الخصم ولا يحل محله، وفي هذه الحالة لا يعتبر المتدخل الانضمامي طرقا في خصومة التحكيم. أما الصورة الثانية فهي التدخل الانضمامي المستقل فعندما يدخل شخص من الغير مطالبا أو مدافعا عن حق له هو نفس الحق الذي يطالب أو يدافع عنه أحد طرفي الخصومة في مواجهة الطرف الآخر فإننا نكون بصدد تدخل انضمامي مستقل لا بسيط وهو يقترب من التدخل الاختصامي في أن المتدخل يطالب أو يدافع عن حق لنفسه ولا يقتصر على الدفاع عن حق أحد طرفي الخصومة ولكنه يختلف عنه في أن المتدخل لا يختصم طرفي الخصومة وإنما يختصم أحدهما فقط وهو يقترب من ناحية أخرى من التدخل الانضمامي البسيط في أنه لا يوجه إلى الخصمين كما أن المتدخل لا يدافع بتدخله عن حق هذا الخصم وإنما حقه هو ومن أمثلته تدخل مدين متضامن في الخصومة بين مدين متضامن والدائن وتدخل الشريك على الشيوع في الخصومة بين شريك آخر والغير على المال الشائع وأن هذا التدخل يقبل في كل حالة يوجد فيها ارتباط مما يجيز رفع الدعوى ابتداء من مدعين متعددين أو مدعى عليهم متعددين وأن المتدخل انضماميا مستقلا يعد طرقا في الخصومة ويدعي أنه طرقا في الرابطة القانونية محل الخصومة ولهذا فإن الآثار التي تترتب على تدخله ليست أثار التدخل الانضمامي البسيط وإنما هي في مجملها أثار التدخل الاختصامي، ومن ثم إذا كان المتدخل الاختصامي يعتبر دائما في مركز المدعي فإن المتدخل الانضمامي المستقل يعتبر مدعيا أو مدعا عليه حسب مركز من ينضم إليه في الدعوى مع ما يترتب على هذا من نتائج.

ويلاحظ أن التدخل الانضمامي يمكن أن يتحول خلال سير الدعوى إلى تدخل اختصامي فالغير الذي تدخل على سبيل الرقابة تدخ" انضماما يمكن إذا ما أهين أن يطلب التعويض والنقابة التي تدخلت لمساعدة أو معاونة أحد أعضائها يمكن أن تطالب الاعتراف بحق نقابي منظور أو متنازع فيه أو تطالب بالتعويض فالتدخل الانضمامي (التبعي أو التحفظي ينقلب إذا إلى تدخل اختصامي أو أصل هجومي" إذا أبدى المتدخل انضماميا طلبات تتضمن الحكم له بحق ذاتي أي إذا طلب المتدخل أثناء سير الخصومة الحكم له بطلب مرتبط بالخصومة ويشترط لقبول تدخله في هذه الحالة ما يشترط لقبول التدخل الاختصامي.

وهنا يختلف الأمر بالنسبة للخصومة القضائية عنه في خصومة التحكيم، فالغير المتدخل في الخصومة القضائية، سواء كان تدخ" انضماميا أو تدخلا هجوميا، يصبح طرف في الدعوى. فهناك ثمة أثر مشترك يترتب على التدخل بنوعيه وهو أن يصبح المتدخل طرفا في الدعوى ويكون الحكم الصادر فيها حجة له وعليه، ومن ثم يجوز له الطعن فيه بطرق الطعن المختلفة وهذا ما أكدت عليه محكمة النقض في قضائها "، بأنه متى قبل التدخل، فإن المتدخل يعتبر طرقا في الخصومة، ويكون الحكم الصادر فيها حجة له أو عليه، وللمتدخل منظما لأحد الخصوم حق استئناف الحكم ولو لم يستأنفه الخصم الأصلي الذي انضم إليه.

كما قضت أيضا بأن المتدخل تدخلا هجوميا يعتبر طرقا في الخصومة التي تدخل فيها، فيكون الحكم الصادر فيها حجة له أو عليه، ولو حسم النزاع صلتنا بين الخصوم الأصليين .

المطلب الثاني

مدي حجية حكم التحكيم بالنسبة للغير

تتقضي خصومة التحكيم بصدور حكم في موضوعها، ويترتب على صدوره من ناحية استنفاذ المحكم لولايته، فالمحكم بعد الحكم لا يصير محكما ولا يجوز له المساس به، ومن ناحية أخرى فإنه يعتبر حجة في مواجهة من كان طرقا أو ممثلا في الخصومة فحكم التحكيم شأنه شأن أحكام القضاء له حجية نسبية ولكن نظرا لأصله الاتفاقي فإنه يثور التساؤل حول ما إذا كانت نسبية أثر الحكم تعزز نسبية أثر اتفاق التحكيم، وتمتد حجيته إلى كل من يعد طرفا في اتفاق التحكيم، حتى ولو لم يكن طرقا أو ممثلا في خصومة التحكيم؟ 

 يجري القضاء حتى قبل قانون التحكيم الجديد على أن أحكام المحكمين شأنها شأن أحكام القضاء تحوز حجية الشئ المقضي بمجرد صدورها وتبقى هذه الحجية، وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض طالما بقى الحكم قائما ، وهذا القضاء يجد سنده في المادة 55 من قانون التحكيم حيث نصت على أنه "تحوز أحكام المحكمين الصادرة طبقا لهذا القانون حجية الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون" .

وفيما يتعلق بأثر حكم التحكيم تجاه الغير ، فلقد تردد الفقه في التسليم بأثر الحكم بين اتجاهين : 

أولا: الفقه التقليدي :

 يقر الاتجاه التقليدي بنسبية حكم التحكيم، وأنكروا سريانه في مواجهة الغير الذي لم يكن طرفا في الخصومة، واستندوا في دفاعهم على كل من فكرة العقد القضائي حيث قاسوا الأحكام على العقود وكذلك فكرة التمثيل الضمني.

والواقع أن إعمال مبدأ النسبية على حكم التحكيم مؤداه قصر حجيته على أطراف الخصومة التي صدر فيها الحكم شريطة أن يكونوا قد اتصلوا بالخصومة فإذا تعدد أطراف اتفاق التحكيم والتجأ بعضهم إلى التحكيم وتم تشكيل هيئة التحكيم فإن الحكم حجة في مواجهة من أعلن بطلب التحكيم دون سواه ممن لم توجه إليهم الإجراءات ولم يشاركوا في إجراءات التحكيم وبداهة لا تسري في مواجهة ممثلي الخصوم وإنما في مواجهة الخصوم أنفسهم وذهب جانب من الفقه إلى بأنه إذا كان شخص مرتبط بشرط التحكيم فليس بشرط أن يكون ممثلا في خصومة التحكيم، حتى يكون ملتزما بما قضی به حكم التحكيم وإنما يكفي أن يكون كذلك إذا كان على علم بالطلب المقدم في مواجهته وإذا ما احترمت هيئة التحكيم مبدأ حق الدفاع ومبدأ الحضورية أثناء سير الإجراءات التحكيمية التي توجت بهذا الحكم، ويسلم الفقه بامتداد الحجية لكل من الخلف العام والخلف الخاص كما تمتد حجية الأحكام في حالة التضامن إذا كان صادرا لصالح أحدهم ما دام لا يرتبط بسبب خاص به أما إذا كان صادرا ضد أحدهم فلا يحتج به في مواجهة الباقين وذلك إعمالا لأحكام التضامن.

ولكن لم يسلم الاتجاه التقليدي من النقد، على أساس أنه وإن كان هذا الاتجاه يتفق مع النشأة الاتفاقية للتحكيم باعتبار خصومة التحكيم بمثابة عقد قضائي حيث أنها نتاج اتفاق الخصوم على اللجوء إلى التحكيم وليس نتيجة إرادة المحتكم المدعي فقط كما هو الحال في الخصومة القضائية.

إلا أن القول بأن حرية الخصوم في اختيار التحكيم كوسيلة لفض المنازعات أو اختيار محكميهم أصبحت وهما وخاصة على صعيد المنازعات المتعلقة بالتجارة الدولية ذلك لأنه كثيرا ما يفرض التحكيم جبرا على أطراف التجارة الدولية كما هو الحال في العقود الدولية ذات الشكل النموذجي التي تحتوي الغالبية العظمى منها على شرط التحكيم كما أن انتشار مراکز وهيئات التحكيم الدائمة جعل من حرية الأطراف في اختيار محكميهم في غالب الأحيان مجرد وهم.

كما أن فكرة العقد القضائي مع التسليم بعدم صحتها لا تؤدي إلى عدم وجود أي آثار للحكم في مواجهة الغير، حيث هناك فارقا بين بين القوة الملزمة للعقد والاحتجاج بالعقد، فالأولى تعد الأثر المباشر للعقد والذي يترتب عليه أن يصير الشخص دائنا أو مديئا وهذا الأثر قاصر على طرفيه، والثاني هو غير المباشر أو الانعكاسي للعقد ويعني الاستناد إلى العقد بوصفه

واقعة أو كوسيلة للأثبات وهذا الأثر يترتب في مواجهة الكافة فالعقد ينشئ مركا قانونيا موضوعا يمكن الغير الاستناد إليه أو يحتج به في مواجهته کاستناد المضرور إلى عقد التأمين في مواجهة المضرور بعقد التأمين لإثبات أن خطأ المتسبب في الضرر لا يشمله هذا العقد وعلى ذلك يتضح أن العقد من الممكن أن ينتج آثارا في مواجهة الغير بطريق غير مباشر. 

ثانيا : الفقه الحديث : يذهب الفقه الحديث إلى أن الحجية التي تنسب للحكم حجية مطلقة تسري في مواجهة الكافة، ولكن هذا الفريق من الفقهاء اختلفوا بشأن أساس تأثر الغير بالحكم، فهناك من يرى أن القوة المطلقة لحجية الأمر المقضي ترجع إلى أن العمل القضائي يشكل حقيقة موضوعية باعتباره تعبيرا عن القاعدة القانونية بالنسبة لحالة معينة وأن العمل القضائي ذو طبيعة واحدة دائما لا تختلف من حالة إلى أخرى، وهناك من يسند الحجية المطلقة إلى الأثر المنشئ للحكم، والبعض الآخر يؤسس امتداد الحكم للغير على فكرة المركز القانوني التابع.

ولكن حتى الاتجاه الفقهي الحديث، لم يسلم من النقد حيث ذهب البعض إلى أن القول بامتداد آثار الحكم إلى الغير يستوجب فتح الباب أمام الغير للتدخل في خصومة التحكيم، وهو أمر لا يتصور مع قيام التحكيم على اتفاق لا تمتد آثاره إلا إلى أطرافه ولكن لا يبقى سوى تقدم الغير بطلب التدخل على أن يخضع أمر قبوله لموافقة الطرفين، أما إذا لم يتحقق ذلك وصدر الحكم فيجب أن يتاح له أمر الاعتراض وفقا لنظام اعتراض الخارج عن الخصومة، وهو نظام ألغاه المشرع المصري الذي حصن أحكام التحكيم ضد كل طرق الطعن .

ويؤكد هذا الجانب، ضرورة تدخل المشرع لإعادة إمكانية الطعن بطريق الاعتراض الخارج عن الخصومة لمواجهة الحالات العملية التي تضع الغير ذا المصلحة بين شقي الرحى فلا هو طرف يملك ما يملكه الأطراف من الحضور وإبداء أوجه دفاعه ولا هو أجنبي من الغير الذين لا تمتد إليهم آثار حكم التحكيم وفقا لما تتجه إليه بعض الآراء. 

ويذهب البعض، إلى أن الحكم لا ينتج أثرا في مواجهة الغير بطريقة مباشرة فالغير لا يمكن أن يكون محكوما له أو محكوم عليه، فالمحكم لا يعلم إدعاءاته ولم يستنتج منها قراره وقت صدوره، والقول بغير ذلك من شأنه أن يغير وجه الحكم وإمتداد حجية الشئ المقضي به ولكن يتأثر الغير بالحكم بطريق غير مباشر إذ يمكن أن يستند إليه الغير أو يحتج به في مواجهته كأساس لشرعية المركز القانوني الذي يقرره بمعنى أنه يعتبر دليل إثبات لهذا المركز ويحتج به في مواجهة الكافة، وقد يترتب على هذا الاحتجاج فائدة أو ضرر بالغير.

ومن جانبنا، نرى أن النظام العام الإجرائي يمثل أساس لحجية حكم التحكيم تجاه الغير، فهناك حقوق تكون متعلقة بالنظام العام الإجرائي، وتعلو مبدأ نسبية حجية حكم التحكيم، ولا يبقى أمام المشرع سوى التسليم بحجية الحكم في هذه الحالة تجاه الغير.

وهذا ما أيده بعض الفقه الفرنسي ، إن حكم التحكيم يمكن الدفع به ذاته كوسيلة للدفاع، أو كأساس لمطالبة قضائية ضد الغير في التحكيم، وإذا كان مبدأ حجية الأمر المقضي بتطبيقه على حكم التحكيم يجعله لا يرتب آثاره إلا بين أطرافه فقط، إلا أن حكم التحكيم شأنه شأن أي حكم قضائي، يمكن الاحتجاج به في وجه الغير، من حيث كونه ينشىء مركزا قانونيا جديدا يوجب على الغير أخذه في الاعتبار، فعلى سبيل المثال يجوز للدائن الاحتجاج في مواجهة الكفيل بحكم التحكيم الصادر بإلزام المدين الأساسي بالوفاء بالدين. كما أكد القضاء الإنجليزي في قضية "، (Hassneh insurance)، بأن حكم التحكيم مستند عام كاشف لحقوق والتزامات الأطراف، ويجوز بالتالي الكشف عنه متى كان كشفه ضروري الإثبات أو لحماية حقوق خصم في التحكيم حيال الغير، وفي هذه الحالة، لا يتعلق الأمر بمجرد انتهاك للالتزام بالسرية، ومن ثم فلا حاجة للحصول على أي ترخيص بنشر الحكم. وفي قضية " (Insurance co. v. Lioyd's Syndicate أصدرت المحكمة قرارا مؤقتا لصالح المدعى علية في الدعوى الذي كان يطلب الكشف عن قرار التحكيم لخمسة آخرين من المؤمنين من أجل إقناعهم بقبول المسئولية وقد طبق القاضي هنا معيار الضرورة الذي كان قد استند إليه من قبل في قضية ,' (Hassneh) أنه على الرغم من أن الكشف عن قرار التحكيم وأسبابه قد يكون له تأثير على الحقوق النقابية للمؤمنين الآخرين إلا أن هذا الإفصاح لن يكون له تأثير في تأسيس أي دفوع من جانب المدعى عليه في مواجهة المؤمن عليهم الجدد لأنهم غير ملزمين باتفاق التحكيم المبرم بين المدعيين وبين المدعى عليه في الدعوى وبالتالي فإن القاضي أقر بأن قرار التحكيم المؤقت لا يعد عاملا أساسيا من أجل إقرار حقوق المدعى عليه القانونية في مواجهة المؤمن عليهم الجدد .

"وتتعلق هذه القضية بشركة تأمين والمؤمن عليهم، وكذلك وسطاء التأمين، حيث قامت الشركة بإعادة التأمين على السيد S.J.Mew /وقد قام الوسطاء بانجاز عملية التأمين ولكن سرعان ما قام النزاع بين السيد S.J.Mew / والشركة، من وسائل الدفاع، بينما طلب السيد / S.J.Mew تمكينه من تحريك دعوى قضائية ضد الوسطاء حتى خسر دعواه ضد شركة التأمين والثابت أنه لم يكن هناك اتفاق تحكيم بين الوسطاء وبين السيد S.J.Mew /بحيث من اللازم أن ترفع الدعوى بطريق إجراءات منفصلة أمام المحكمة، ومن ثم فقد أبرم السيد S.J.Mew والوسطاء اتفاق التحكيم، وعلى أثر صدور حكم التحكيم الجزئي لصالح السيد/ S.J.Mew فقد بادر هذا الأخير برفع دعوى ضد الوسطاء على إهمال ومخالفة واجب الحيطة والتبصر، وقد سلمهم المستندات الأخرى للإجراءات اللاحقة .

المبحث الثالث

أثر التدخل والإدخال على مبدأ الالتزام بالسرية في خصومة التحكيم

إذا كان القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم هو المختص بتحديد مفهوم مبدأ القوة الملزمة للاتفاق، فإنه يختص

كذلك ببيان النطاق الشخصي لذلك المبدأ، أو ما يسمى بالأثر النسبي effet relative لاتفاق التحكيم. ومن حيث أن المبادئ العامة في نظرية العقد تفيد أن العقد لا يقيد غير أطرافه، ولا ينتج التزامات أو حقوق إلا في مواجهتم، دون أن ينتقل إلى غيرهم، فإن اتفاق التحكيم لا يخرج على ذلك، فإتفاق التحكيم لا يرتب آثاره في غير مواجهة أطرافه، الذين تفاوضوا بشأنه ووقعوه، سواء بأنفسهم أو عن طريق ممثليهم، وهم، فقط، الذين يكون لهم التمسك بآثاره، أو يمكن الاحتجاج به عليهم .

فالنطاق الشخصي في اتفاق التحكيم، أحد أهم الاعتبارات التي تقوم عليها خصومة التحكيم، فالخصوصية التي يتميز بها اتفاق التحكيم، ومن ثم خصومة التحكيم، إحدى العلامات الفارقة بينها وبين الخصومة القضائية، فالسرية التي تحيط بخصومة التحكيم تقوم في الأساس على خصوصية خصومة التحكيم، والتي تعتمد بدورها على النطاق الشخصي لاتفاق التحكيم، كل هذا عكس ما يجري في خصومة القضاء التي تعتبر العلانية من العلامات الفارقة لنظام جلساته.

لذا تعتبر مسألة التدخل والإدخال في خصومة التحكيم رغم التسليم بها على المستويين الفقهي والقضائي نظاما دخيلا عليها، واختراقا لخصوصيتها، وأداة لتغيير معالم النطاق الشخصي الخصومة التحكيم، أحد أهم ضمانات الالتزام بمبدأ السرية في التحكيم.

 لذا تستوجب عملية التدخل والإدخال في خصومة التحكيم، مراعاة الإجراءات التي تحكمها، وضوابط وشروط فرضها على خصومة التحكيم، وإلا أصبحت مسألة التدخل والإدخال رتقا في جدار السرية التي تعتبر أهم مزية يقوم عليها التحكيم. كل هذا يفرض علينا الوقوف على النطاق الشخصي للالتزام بالسرية وأثر التدخل والإدخال على مقتضيات السرية في خصومة

التحكيم وذلك من خلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول: النطاق الشخصي للالتزام بالسرية في خصومة التحكيم.

المطلب الثاني: التدخل والإدخال ومقتضيات السرية في خصومة التحكيم.

المطلب الأول

النطاق الشخصي للالتزام بالسرية في خصومة التحكيم

يمثل النطاق الشخصي لخصومة التحكيم أهمية بالغة في الوقوف على الأشخاص المعنيين المشاركين في خصومة التحكيم، وفقا للأثر النسبي لاتفاق التحكيم، وبالتالي تحديد نطاق الأشخاص الملتزمين بسرية خصومة التحكيم.

على هذا الحال، فإن الالتزام بالسرية وبحكم الطبيعة العقدية له لا يرتب سوى أثر نسبي، فالالتزام بالسرية لا يرتب أثره إلا بين الأطراف، فالالتزام الذي يقوم في الأساس على الاتفاق لا يمكن أن يرتب أثره على الغير، كما أن الطبيعة العقدية لمثل هذا الالتزام تحدد الملتزمين به، فالأطراف في الاتفاقية التي أفرخت عن السرية هم وحدهم المعنيون بمثل هذا الالتزام، والمقصود هنا بالأطراف، الخصوم في التحكيم والمحكمين، وكذلك مؤسسة التحكيم، وبالمقابل، لا يمكن الاحتجاج بمثل هذا الالتزام في وجه الغير، الذي ربما يكون شاهد أمام محكمة التحكيم، وقد يشارك في التحكيم بمثل هذا الالتزام، ولكن سرية التحكيم ممكن أن تلزم المترجم، وكذلك سكرتير التحكيم ممن شاركوا فيه، ولكن فقط من منظور سر المهنة .

وعلى افتراض أن هناك حاجة للحفاظ على السرية في التحكيم، فإن السؤال الذي يثار، من الذي يقع عليه واجب الالتزام بالسرية؟ .

هناك ثلاثة مجموعات رئيسية من المشاركين في عملية التحكيم، هذه المجموعات قد يكونوا خاضعين بالالتزام بالسرية هم، المحكمون، والأطراف الثالثة مثل الشهود والخبرة، والأطراف أنفسهم.

والمشاركين في خصومة التحكيم، وفقا للأثر النسبي لإتفاق التحكيم، والذي يمتد بدوره إلى خصومة التحكيم، هم أطراف التحكيم، والمحكمون وأعوانهم.

فنجد المحكمين هم المخاطبين بالدرجة الأولى بالالتزام بسرية خصومة التحكيم، وفقا للأساس التعاقدي بين المحكمين والأطراف، والطبيعة القضائية الخصومة التحكيم التي تتجلى في مبدأ سرية المداولات، بالإضافة إلى الالتزام السلوكي والمهني لطائفة المحكمين .

أما بالنسبة للخصوم أو أطراف النزاع في عملية التحكيم سواء كانوا أفرادا أو شركات فهم أصحاب المصلحة الأولى في تحقيق الالتزام بالسرية، كما أن طرفي النزاع هم من عقدوا العزم ليكون التحكيم وسيلة الفصل في نزاعهم، ولولا اختيارهم للتحكيم، ما كان للتحكيم فرصة للتواجد على ساحة الأنظمة الأخرى للفصل في المنازعات، وما كان التحكيم حديث الساعة كما هو واقع الآن.

إلا أن الأمر يستوجب الوقوف على الأساس الذي يقوم عليه التزام الخصوم بمبدأ السرية في التحكيم والطرق الفعالة لتحقيق ذلك.

يسند البعض، التزام الطرفين بالمحافظة على سرية إجراءات التحكيم وفقا لمبدأ "العقد شريعة المتعاقدين" الذي يقضي بأن يلتزم الطرفين بالاتفاقات التي قاموا بالتوقيع عليها، ومع ذلك ينبغي أن ننظر في مشكلة ظهور معلومات جديدة أثناء إجراءات التحكيم، ولا يشملها العقد أو اتفاق التحكيم، إذ من المرجح أن تكون الاتصالات والعلاقات غير سرية، كما أنه لا يوجد ما يمنع الطرف من الكشف عن مستند إلى شخص ثالث، والقيد الوحيد على نشر هذه المعلومات يكون الضرر الذي يمكن أن يحدث للطرف الآخر، وفي كثير من الأحيان يتوقع الطرفان أن المعلومات التي تم جمعها أثناء إجراءات التحكيم لم تكشف بموجب حظر النشر المقرر على الحكم، فبمجرد صدور الحكم تبقى سرية إجراءات التحكيم بمنأى عن معرفة الجمهور، ولكن المشكلة يمكن أن تظهر في حالة الطعن على الحكم أمام المحكمة. 

وإن كانت التزامات السرية الضمنية في الوساطة والتحكيم تضمن الخصوصية، ولكن ما الحل في حالة عدم موافقة أحد الأطراف على الحكم؟ في هذه الحالة سيتطلب الأمر عرض الموقف على المحكمة الفرض تنفيذ الاتفاق أو قرار التحكيم، ومن سلبيات ذلك أن إجراءات المحكمة ستكون علنية من البداية إلى النهاية، وعدد قليل من الشركات يشعرون بالارتياح عند احتياجهم لكشف علنية المعلومات لاستغلالها في مواجهة منافسيهم. ولقد استعرض بعض الفقهاء ، بعض هذه الخطوات والتي من شأنها حماية الالتزام بالسرية وهي: أولا: لابد أن يحرص الأطراف على أن يتضمن اتفاق التحكيم مواد تنص على هذه السرية حتى إذا كان القضاء يبرر عملية الكشف عن المعلومات لكونها متعلقة بالسياسة العامة أو غيرها من أسباب.

ويذهب البعض ، إلى أنه على الرغم من أن بعض قواعد التحكيم تنص على أن وجود مثل هذه المواد في العقد غير كاف من أجل حماية المعلومات الشخصية، إلا أنه من غير القانوني رفض طلب الأطراف وحماية معلوماتهم الحساسة طالما أنهم يرغبون في الاستمرار في الدعوى بشكل سري على سبيل المثال، المواد الخاصة بالعديد من المؤسسات التحكيمية تؤكد على بقاء الإجراءات سرية وهذا يعتبر كاف للوفاء بتوقعات الأطراف في الحفاظ على السرية وهذا يعد بمثابة إيجاب مقدم من جانب هذه المؤسسات التحكيمية وإذا اختاروا اللجوء إلى التحكيم بدلا من التقاضي فإن هذا الإيجاب يمثل فوائد ومميزات بالنسبة لهم وبالتالي يجب أن يكون هذا الالتزام على كل المشاركين في الأمر.

ثانيا: أن يحرص الأطراف على الاعتبارات المتعلقة بالسرية عند صياغة باقي البنود في اتفاق التحكيم حيث يجب على سبيل المثال مراعاة إلى أي مدى يحمي قانون دولة معينة هذه السرية ولابد أن يراعي الأطراف كيفية الحد من المعلومات التي يمكن الكشف عنها في التحكيم من خلال الحرص في تحديد الموضوعات التي سوف تخضع للتحكيم وكلما كان نطاق التحكيم أضيق كلما كان نطاق الكشف عن المعلومات محدود.

ويطرح البعض , الاعتبارات التي تضمنتها قواعد (ICSID) في إجراءات التحكيم والتي تجلت في ثلاثة اعتبارات رئيسية هي: أنضرورة وجود اتفاق خاص بين أطراف النزاع حتى يتم احترام سرية إجراءات فض النزاع بينهم.

ب: يجب أن يتضمن الاتفاق قواعد حماية سرية بيانات العمل وأسرار التكنولوجيا. ج: منع أي طرف من الغير من معرفة وجود النزاع بينهم ولهذا فإن السرية أمر محبوب ومستحب، ولهذا فإن هذه الاعتبارات ضرورية وهامة في اتفاقات الاستثمارات عبر الدولية، وقد أضيف حاليا أنواع حديثة من الاستثمارات العبر دولية مثل عقود الإنشاءات وعقود التسليم على المفتاح، وغالبية هؤلاء المستخدمين والحكومات الأجنبية يعقدون اتفاقات بينهم تنص على نقل المعلومات وأسرار الصناعة.

ثالثا: يجب أن يراعي الأطراف أيضا نظام الحماية لإجراءات التحكيم ويتم تحقيق نظام الحماية من خلال الاتفاق بين الأطراف ويعده الأطراف ويقدم إلى هيئة التحكيم.

وإذا خالف أحد الأطراف هذا الواجب فإنه يكون مسئولا عن مخالفة العقد وبالتالي يخضع الأمر التنفيذ بأسلوب معين ولابد من تقديم دليل على حدوث هذه المخالفة ويتم تقدير تعويض ضد الطرف المخالف. واستخدام هذا الأسلوب للحماية ضد اختراق واجب السرية يكون وسيلة فعالة في مواجهة الكشف غير المرخص أو المصرح به عن المعلومات السرية.

رابعا: يمكن أن يناقش الأطراف كيفية الأخذ ببعض التدابير حتى بنود الاتفاق من أجل حماية سرية المعلومات ولذلك فإن هذه التدابير مصرح فيها من جانب العديد من القواعد المؤسسية التحكيمية. كذلك فإن القضاء لا يتكاسل من أجل استخدام هذه التدابير من أجل مساعدة التحكيم.

خامسا: يجب أن يراعي الأطراف استخدام تقنية معينة من أجل مساعدة التحكيم تعرف باسم (legend paper) وهي تجعل أوراق التحكيم عند محاولة تصويرها يراعي الأطراف ختم المستندات في التحكيم بخاتم (السرية) حتى يمنع أي تصوير أو توزيع لها في فترة التحقيقات. 

سادسا : الأطراف الحريصون على عدم إفشاء المعلومات السرية يجب أن يطلبوا من الخبراء الشهود أو أي طرف من الغير ضرورة أن يوقع اتفاق بالسرية وهذا سوف يعوق الغير من الكشف عن المعلومات في إمكانية منح أطراف الاتفاق تعويض عن أي مخالفة في إنشاء هذه المعلومات السرية إن حدث . وفي المانيا، لم يكن هناك اتجاه محدد تجاه التزام الأطراف بالسرية، فالمحاكم الألمانية حتى الآن، لم تتناول مسألة ما إذا كان اتفاق التحكيم يتضمن واجب التزام السرية على الأطراف، كما لم يأخذ الفقه الألماني نهج موحد حيال تلك المسألة، فيذهب اتجاه إلى وجود التزام عام بالسرية والتي تعتبر من الفضائل الكبرى للتحكيم الدولي، في حين يعارض البعض الآخر وجود التزام مفترض بالسرية، بحجة أنه لا يوجد مثل هذا المبدأ العام أو هذا التقليد. وفي القانون الألماني يبدو أن هناك ميلا طفيفا نحو عدم التسليم بوجود التزام ضمني بالسرية.

وعند النظر في مسألة الالتزام الضمني بالسرية، فمن الضروري التأكيد على ما إذا كان اتفاق التحكيم يتضمن التزام ضمني بالسرية وفقا لتفسير هذا الاتفاق.

والخلاصة وفقا للمبادئ الألمانية، فإن الاتفاق على التحكيم لا يتضمن أي التزام ضمني بالسرية على الأطراف، كما لا توجد قاعدة عرفية أو دولية بأن السرية سمة أصيلة في التحكيم ومن ناحية أخرى، لابد وأن يستعين المحكم في أدائه لمهمته بمجموعة من الأشخاص مثل الكتبة والعمال والخبراء والشهود والمترجمين .

وهؤلاء ما يطلق عليهم أعوان المحكم ، أو المشاركين في عملية التحكيم بحكم مهنهم، وغالبا تمنحهم طبيعة عملهم مكنة الاطلاع على الوقائع والمعلومات المطلوب على المحكم الالتزام بالمحافظة على سريتها.

ولا شك أن مشاركة عشرات , بل مئات الأشخاص غير الملزمين بأي تفاهم حول مراعاة السرية في التحكيم من مترجمين ومساعدين إداريين فضلا عن تدخل القضاء الرسمي باعتباره قضاء مساندا في مرحلتي تنفيذ القرار التحكيمي أو الطعن فيه يجعل من كل محاولة سابقة أو لاحقة لصون سرية المسار التحكيمي دون فائدة .

وهنا يجدر بنا أن نتساءل هل يمتد الالتزام بالمحافظة على السرية على أعوان المحكم شأنهم شأن المحكم في المحافظة على سرية ما يقع تحت أيديهم وبصرهم من وقائع ومعلومات أم هذا الالتزام قاصر على المحكم فقط على اعتبار أنه الشخص المنوط به المحافظة على السرية؟.

الواقع وفقا لما انتهى إليه غالبية الفقه ، وأكدت عليه قواعد لوائح مراكز ومؤسسات التحكيم الدائمة ، أن أعوان المحكم من سكرتارية وشهود وخبراء ومترجمين، يقع عليهم الالتزام بالسرية في خصومة التحكيم، ويستند هذا الالتزام على الرابطة العقدية بين المحكم وأعوانه، وكذلك من خلال منظور سر المهنة، الذي يفرض على هذه الطائفة ضرورة المحافظة على ما يقع تحت أيدهم من معلومات تخص خصومة التحكيم.

المطلب الثاني

التدخل والإدخال ومقتضيات السرية في خصومة التحكيم

تعتبر الخصوصية في خصومة التحكيم أهم مزية تختص بها، والتي تقوم في الأساس على نسبية اتفاق التحكيم الذي يحصر النطاق الشخصي للإتفاق في أطراف التحكيم وممثليهم فقط، ومن ثم اقتصار خصومة التحكيم على طرفي الخصومة أو من يمثلهم فيها، كل هذا كان سنا للالتزام بالسرية المنشودة في خصومة التحكيم والتي تعتبر وليدة من رحم الخصوصية التي تغلف خصومة التحكيم.

فالخصوصية كما يراها البعض ، تتعلق بحق الأطراف في ألا يحضر جلسات المرافعات سوى المحكمين، وألا يعلم بالتحكيم سواهم وأن ينظر نزاعهم بعيدا عن أعين الغرباء وهذا ملمح هام من ملامح التحكيم باعتبار أن نية الأطراف اتجهت لحسم النزاع الذي نشب بينهم وبينهم فقط، وأن إجراءات التحكيم ليست إجراءات عامة، وما ينطوي عليه هذا التصور بالضرورة من أن يظل الغير بعيدا عن الجلسات، على اعتبار أن فاعلية وجاذبية التحكيم تتأتى - على الأقل جزئيا - من احترام الخصوصية.

وبالتالي تعتبر الخصوصية، من وجهة نظرنا الجهاز المناعي لجسم السرية، فهي حائط الصد في مواجهة الغرباء الذين يبغون مهاجمة جدار السرية، المتعلقة في الأساس بالمعلومات التي لها صلة بمضمون الإجراءات والأدلة والمستندات والنسخ والعناوين والجلسات وحكم التحكيم.

لذا تشكل مسألة التدخل والإدخال في خصومة التحكيم، تهديدا للنطاق الشخصي للخصومة، ومن ثم خصوصيتها التي تعتبر الأم الشرعية للالتزام بالسرية في خصومة التحكيم.

وفي إطار إجماع الفقه وقواعد لوائح ومراكز ومؤسسات التحكيم وقضاء التحكيم، بالتسليم بعملية التدخل والإدخال في خصومة التحكيم شأنها شأن الخصومة القضائية، مستندة على نفس الأهداف التي قامت عليها تشريع عملية التدخل والإدخال في الخصومة القضائية، كان لابد من الوقوف على أثر تدخل وإدخال الغير في خصومة التحكيم على مبدأ الالتزام بالسرية.

من خلال استعراضنا لصور التدخل والإدخال في خصومة التحكيم، من تدخل اختصامي أو هجومي وتدخل انضمامي أو تبعي وتحفظي، عرفنا أن المتدخل تدخلا اختصاما أو هجوميا يعتبر طرفا في خصومة التحكيم شأنه شأن المدعي والمدعى عليه في الخصومة، وبالتالي يسري عليه ما يسري على طرفي الخصومة الأصليين من حقوق والتزامات من أهما الالتزام بالسرية في خصومة التحكيم.

ولكن الإشكالية تبدو واضحة في الغير المتدخل تدخلا انضماما، فهو لا يأخذ صفة الطرف التي يكتسبها المتدخل اختصاما، لأنه لا يطالب بحق أصيل أو مستقل له، بل يتدخل كتابع الصاحب الحق الأصيل في الخصومة داعما لحقوقه التي يبتغي الحصول عليها في النزاع. 

وقد يكتسب المتدخل انضماميا صفة الطرف في الخصومة، في حالة تدخله كمستقل مطالبا بنفس الحق الذي يدعيه الطرف الأصلي في الخصومة، ويطلق عليه التدخل الانضمامي المستقل، ولكن تبقى الإشكالية عالقة في صفة المتدخل الانضمامي البسيط.

وعلى أية حال يظل المتدخل الانضمامي مصدر ريبة وشك بالنسبة لخصوصية خصومة التحكيم، لذا يستوجب الأمر مراعاة الحيطة والحذر تجاه حالات التدخل والإدخال في خصومة التحكيم، حتى في حالة التدخل الاختصامي أو الهجومي يجب اتخاذ إجراءات إضافية واحتياطية تعزز من إلزام المتدخل بمراعاة مقتضيات السرية في خصومة التحكيم. ولقد ثار جدل حول حق الغير المتدخل في خصومة التحكيم، في حضور جلسات التحكيم، المساندة حق لأحد أطراف الخصومة أو المطالبة بنفس الحق.

فلقد أكد الفقه ، على خصوصية خصومة التحكيم وعدم تدخل الغير فيها، بقوله " تعقد جلسات التحكيم في قاعات مغلقة بحيث لا يستطيع الغير حضورها إلا بموافقة أطراف التحكيم على خلاف الوضع في الجلسات أمام المحاكم العادية التي تكون علنية".

والمستأجرين من الباطن من ناحية أخرى، وقد تم تعيين نفس المحكمين لكلتا قضيتي التحكيم، حيث طلب أحد الأطراف من المحكمين أن تعقد جلسات نظر النزاعين معا في نفس الوقت، بينما قدر المحكمون أنهم يملكون سلطة الأمر في ذلك، ولكن ملاك السفينة رفضوا ذلك ولجئوا إلى القضاء الوطني الذي حكم لصالحهم، وقد رأى القاضي (Potter) بأن "الطابع السري للتحكيم باعتباره إجراءات خاصة ناتج عن الاتفاق المعقود بين الأطراف على جعل التحكيم كطريق لتسوية المنازعات التي تقوم بينهم، وهو ما يقتضي إبعاد الأشخاص من الغير عن جلسات التحكيم، ومسار التحكيم، ولا تملك محكمة التحكيم، ولا أي من الخصوم المطالبة بأن يتم النظر في النزاع والحكم فيه مع نزاع آخر، على الرغم مما يمكن أن يترتب على ذلك من فائدة عملية بالنسبة للخصم الطاعن، ولا أهمية الدرجة التقارب بين النزاعين". 

وقد جرى بعد ذلك تفسير للحكم الصادر في قضية (The Eastern Saga) يقضي بأن الالتزام بالسرية راجع إلى الطابع الخاص للتحكيم، وقد ارتكز في ذلك على الالتزام الضمني باتفاق التحكيم، فيما عدا إذا تم استبعاد مثل هذا الالتزام بموجب الاتفاق الصريح للخصوم، على أن الاتفاق لم يعد يتحقق بين المحاكم الوطنية بصورة تامة متى تعلق الأمر بالفصل في جانب آخر لمثل هذا الطابع الخاص والمتمثل في مشكلة سرية التحكيم.

 وبالرد على هذه الطلبات، دفعت الشركة الكندية (Methanex)، بسرية الإجراءات في التحكيم التجاري الدولي، وبحسب الشركة الكندية، فإن المادة (۲۰) من لائحة لجنة الأمم المتحدة لتوحيد قانون التجارة الدولي تشترط عقد جلسة سرية، فيما عدا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك، وهذه المادة لا تتقيد فقط بالحظر المفروض على الغير بشأن حضور الجلسات، ولكن كذلك يمتد بصورة جزئية إلى الالتزام بحفظ السرية بشأن كافة المستندات المتعلقة بالنزاع، كما أضافت الشركة الكندية (Methanex)، أن مشاركة معاون المحكمة يشكل انتهاگا باتفاق السرية المبرم بين الأطراف، والذي مفاده، إن الجلسة والمستندات المقدمة للتحكيم يجب أن تلتحف بالسرية، في حين رد المعهد الدولي على هذه الحجج، بأن المادة (۲۰) من لجنة الأمم المتحدة لتوحيد قانون التجارة الدولي لا توافق المادة (15) من ذات اللوائح، والتي مفادها أن محكمة التحكيم يمكنها إجراء التحكيم على النحو، الذي تراه ملائما، كما قرر المعهد أن اتفاقية لجنة الأمم المتحدة لا تفرض قيد من حيث سرية الإجراءات، ولكنها تقترح بالأحرى أن يتم حل هذه المسألة من خلال الاتفاق بين الأطراف ومع قبول المحكمة، وأخيرا، أشار المعهد الدولي إلى أن مشاركة الولايات المتحدة في النزاع يجعل المستندات المقدمة من أجل وخلال التحكيم، خاضعة لمقتضيات النشر التي يفرضها (United States freedom of information Act)

أخيرا، وصلت المحكمة إلى النتيجة التي مفادها، إن المادة (15) من لائحة لجنة الأمم المتحدة التوحيد قانون التجارة الدولي تمنحها سلطة قبول المشاركة الكتابية، ولكن ليس المشاركة الشفاهية لمعاوني القضاء، كما أكدت على أن الوقت لا يزال مبكرا للتأكيد على أن هذه المشاركة يمكن أن تكون مفيدة من عدمه. وفي القرار الصادر عن محكمة التحكيم، رفضت الفصل في حدود سرية التحكيم وقدرت أن السرية تعتبر بمثابة المسألة التي يجب أن يتم الفصل فيها بين أطراف النزاع، وفي هذا التصور، نجد أن القيود الخاصة بالقرار التي تتعلق بموضوع السرية، تعتبر من النظام العام، والأمر يتعلق على وجه الخصوص بالاعتبارات الأولى التفضيلية بشأن السرية، والمصلحة العامة في التحكيم الدولي المختلط والاعتبارات التي يمكن أن تؤثر على القرارات الأخرى المماثلة في المستقبل.

وبحسب محكمة التحكيم، إن الالتماس الخاص بمعاوني القضاء بشأن حضورهم الجلسة، وإيداع الملاحظات الشفهية والكتابية، وتلقي صور المستندات والمواد الخاصة بالمنتجات، لا تدخل في إطار سرية الإجراءات، ولكن بالأحرى الطابع الخاص للتحكيم، وعلى هذا الحال، فإن الجلسة تنعقد سرا، فيما عدا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك.

وفي قضية ' (Gouvernement du ). United Parcel Services America)v Canada)، وعلى أثر هذه القضية طالبت نقابة العاملين ببرید كندا ومجلس الكنديين التدخل بالمشاركة في كافة الإجراءات باعتبارهم خصوم في النزاع، بحسبان أن هذا النزاع لا يتعلق فقط باتحاد البريد الكندي، ولكنه يمس العديد من المرافق العامة، ولقد رفضت المحكمة منحهم حق التدخل بصفة معاوني القضاء، وذلك وفقا لمبادئ الإنصاف، والمساواة، والعدالة الأساسية، أو الاطلاع على المستندات الأساسية المتعلقة بالإجراءات، والسماح لهم بإيداع الملاحظات بمكان التحكيم، والترخيص لهم بتقديم الدفوع بشأن اختصاص المحكمة، وملائمة المسائل التي يدفع بها المستثمر في سند التحكيم، ومنحهم الإذن بتعديل الطلبات الصريحة في التماساتهم، متى تحقق لهم العلم بالتفاصيل الإضافية للتحكيم. وبحسب المحكمة الكندية، وفيما يتعلق بسرية المرافعات والمستندات المتعلقة بالإجراءات، فقد أكدت المحكمة على أن اللوائح التنظيمية للجنة الأمم المتحدة لتوحيد قانون التجارة الدولي، ولوائح الباب الحادي عشر من اتفاق التبادل الحر ترخص إفشائها لأطراف التحكيم، والبلاد الأطراف في الاتفاق، وكذلك السكرتارية اتفاق التبادل الحر.

كذلك الحال، فقد أضافت المحكمة بأن اتفاق السرية بين خصوم النزاع يتم بحسب ما إذا كان الأطراف يرون فيه ضرورة وبحسب المحكمة، إن سرية إجراءات التحكيم المختلط في إطار الباب الحادي عشر (11) من اتفاق التبادل الحر لدول أمريكا الشمالية (NAFTA)، تظل من المسائل التي تستعصي على الحل، وعلى أية حال، فقد اتفق الخصوم في التحكيم على أثر صدور الحكم القضائي بإتاحة المجال للاطلاع على العناصر التالية، ولكنه مع مراعاة التحفظ الواجب بشأن بعض البيانات السرية (...، المرافعات والملاحظات المقدمة من كل خصم في النزاع، أو كل عضو في اتفاق التبادل الحر، وكذلك الملحقات والأوراق والمستندات المرفقة، وعلى وجه الخصوص الإعلان عن نية اللجوء إلى التحكيم، والعريضة الخاصة بالشكوى المقدمة، وعريضة الدفاع، والمذكرات، والأقوال التي تم الإدلاء بها عقب أداء اليمين، والبريد المرسل إلى المحكمة، أو بطريق المحكمة، وكافة أحكام التحكيم فضلا عن الأوامر الإجرائية، والقرارات، وأحكام التحكيم التمهيدية والنهائية، بالإضافة إلى ذلك، فقد قبل طرفي النزاع عقد جلسة علنية بمقر البنك العالمي، مع مراعاة التحفظ بشأن حماية المعلومات السرية). 

يتضح من خلال قضايا التحكيم المطروحة توجس القضاء خيفة من تدخل الغير أيا كان نوع التدخل، سواء كان التدخل تدخل اختصامي أو تدخل انضمامي ووفرض الكثير من التدابير الاحترازية تجاه الغير، للإحاطة بخصوصية خصومة التحكيم، ومن ثم المحافظة على سرية ما تحتوية من مستندات ومعلومات.

فنجد قضاء التحكيم لم يسلم بحق الغير، في حضور جلسات التحكيم، والمشاركة العلنية والشفهية في إجراءات التحكيم، ولكن كل ما سمح به هو الحق في المطالبة الكتابية فقط للمتابعة للحق المدعى به من قبل الغير أو مساندة للحق المطلوب لأحد أطراف الخصومة.

وهنا نجد ضرورة التأكيد على عدم انتهاك سرية خصومة التحكيم من قبل الغير المتدخل في خصومة التحكيم، حتى بالنسبة للمتدخل تدخلا اختصاما، يجب أن لا نطمئن كثيرا كونه أصبح طرقا في خصومة التحكيم، ومن ثم أصبح ملتزما بالسرية، وفقا للالتزام الضمني بالسرية المفروض على أطراف خصومة التحكيم، بل نحتاط في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه الغير.

من ذلك، أن يحتاط الأطراف أو تلزم مراكز ومؤسسات التحكيم المحكم أو هيئة التحكيم الغير بتوقيع إقرار، بالحفاظ على السرية، وأن كافة المستندات والأدلة والأوامر والأحكام سواء كانت إلكترونية أو كتابية فيما يتعلق بهذا التحكيم ستظل سرية ومحاطة بالكتمان من قبل الغير .

هناك إقرارت عامة يتم فرضها من قبل مراكز وهيئات التحكيم أو من الأطراف على المحكمين أنفسهم للمحافظة على سرية خصومة التحكيم، المشاركين في التحكيم وتفرض ويمكن الأخذ بها بالنسبة للغير ومن صيغ هذه الإقرارات:

"I shall keep confidential all information coming to my knowledge as a result of my participation in this proceeding, as well as the contents of any award made by the Tribunal .The deliberations of the arbitral tribunal, and the contents of the award itself, remain confidential in perpetuity unless the parties release the arbitrators from this obligation . An arbitrator shoud not participate in, or give any information for the purpose of assistance in, any proceedings to consider the award unless - exceptionally, he considers it his duty to disclose any material misconduct or fraud on the part of his fellow arbitrators". Note: Ileana M.Smeureanu «Confidentiality in international commercial arbitration - ،۲۰۱۱wolters kluwer law & business introduction xvii .p. 96.

الخاتمة

يدور موضوع البحث حول " التدخل والإدخال في خصومة التحكيم في ضوء آراء الفقه والقضاء التحكيمي وقواعد مراكز التحكيم الدائمة وأثره على مبدأ الالتزام بالسرية " وتتجسد أهمية البحث في إلقاء الضوء على مسألة التدخل والإدخال في خصومة التحكيم ومدی قبول الفقه وقضاء التحكيم وقواعد مراكز التحكيم لها كما هو الحال في الخصومة القضائية.

ففي الخصومة القضائية ينظر إلى مسألة التدخل والإدخال باعتبارها مظهر أصيل من مظاهر حرية الدفاع ومصدر أصيل لصيانة الحقوق مما ينعكس أثره بصورة إيجابية على حسن سير العدالة. فهل في خصومة التحكيم كانت هي نفس تلك الاعتبارات طريق قبول التدخل والإدخال فيها؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل راعي المشرع الاعتبارات الخاصة التي تحيط بخصومة التحكيم؟ أهمها اعتبارات النطاق الشخصي التي تحكم خصومة التحكيم وتبقى حائل تجاه مسألة التدخل والإدخال فيها. حيث تعتبر مسألة التدخل والإدخال بمثابة اختراق الجدار هذا النطاق وتغيير لمعالمه المحددة في اتفاق التحكيم.

وما هي الصفة القانونية التي يكتسبها المتدخل من وراء قبوله بالتدخل في خصومة التحكيم؟ وهل يشكل تدخله تهديد لمقتضيات السرية المطلوبة في خصومة التحكيم؟ وماهي الإجراءات التي يمكن اتخاذها حيال تلك المسألة ويكون من شأنها المحافظة على مبدأ الالتزام بالسرية في خصومة التحكيم؟.

أولا: النتائج:

•مسألة التدخل والإدخال في خصومة التحكيم أمر عارض واستثنائي على مبدأ نسبية خصومة التحكيم والتي تقوم في الأساس على مبدأ نسبية اتفاق التحكيم. 

• مسألة التدخل والإدخال في خصومة التحكيم تقوم على نفس الاعتبارات التي تقوم عليها في الخصومة القضائية.

• يوجد اختلاف جوهري بين ضوابط التدخل والإدخال في خصومة التحكيم عنها في خصومة القضاء، فلقد راعي المشرع دور الإرادة في اتفاق التحكيم لذا لا بد من قبول الأطراف والغير المتدخل وهيئة التحكيم حتى يمكن إجازة تدخل الغير في خصومة التحكيم.

• المتدخل الانضمامي في خصومة التحكيم لا يأخذ صفة الطرف في خصومة التحكيم ويقتصر اكتساب الصفة على المتدخل تدخلا اختصاما بخلاف الحال في الخصومة القضائية التي يصير فيها المتدخل الانضمامي والاختصامي طرقا في الخصومة. 

• افتقار هيئة التحكيم لسلطة الأمر بإدخال الغير في خصومة التحكيم بالمقارنة بالسلطة المخولة للمحكمة في خصومة القضاء.

• التدخل والإدخال في خصومة التحكيم يشكل تهديدا لمبدأ الالتزام بالسرية ما لم يراعى اتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة تجاه الغير.

ثانيا: التوصيات:

. ضرورة التأكيد على موافقة الأطراف موافقة حرة وصريحة على تدخل الغير في خصومة التحكيم.

. ضرورة التأكيد على قدسية النطاق الشخصي لخصومة التحكيم وأن التدخل والإدخال فيها أمر عارض لمصلحة تستوجب قبول مسألة التدخل.

. تجنب وصاية القضاء على عملية التحكيم حتى لا يتخذ من مسألة التدخل والإدخال زريعة لفرض وصايته الدائمة على خصومة التحكيم.

• اتخاذ التدابير الاحتياطية اللازمة عند قبول تدخل وإدخال الغير للمحافظة على سرية خصومة التحكيم.

• فرض ضمانات مالية على الغير تضمن جدية تدخله في خصومة التحكيم حتى لا يتخذ أمر التدخل وسيلة لإطالة أمد النزاع أو وسيلة لكشف سريته خاصة إذا كان الغير مدفوعا من قبل أحد الخصوم حال استشعاره بخسران قضيته.