اجراءات خصومة التحكيم / اجراءات خصومة التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 20 / حكم التحكيم بمثابة حكم عادي - صـدوره بإسـم السلطة العليا - نظام عام.
المشرع في باب التحكيم وصف قرار المحكم واعتبره حكماً. فحكم المحكم هو بمثابة حكم عادي يخضع للشكل المقرر له ويصدر من شخص مكلف بتأدية وظيفة القضاء في خصوص النزاع المطروح أمامه على الرغم من أنه في الأصل من غير رجال القضاء. إذا لم يصدر حكم المحكم بإسم السلطة العليا في البلاد، فإنه يفقد شكله كحكم، لأن صدوره بإسمها يؤكد أن القوة العامة وراء من أصدره وتستوجب تنفيذه، وهذه القاعدة من النظام العام.
(محكمة التمييز المدنية- الطعـن رقـم 64 لسنة 2012 - الدائرة الثالثـة - جلسة
3(2012/6/12 1- موجز الوقائع:
في دعوى تحكيمية مقيدة برقم 2009/11 لدى مركز قطر الدولي للتوفيق والتحكيم، قضت هيئة التحكيم بإلزام المحتكم ضدهما بأن يؤديا إلى المحتكم مبلغ (8,843.23) ريـــــــالا قطرياً مقابل حصته في الشركات التي تخارج منها، وبإنتقال هذه الحصة إليهما - أقام المحكوم ضدهما الدعوى رقم 2010/1245 مدني كلي طلبا للقضاء لهما ببطلان حكم التحكيم المذكور. قضت محكمة أول درجة برفض هذه الدعوى، وقد تأيد ذلك بالحكم الصادر من محكمة الاستئناف برقم 2011/1031 بتاريخ 2012/1/29، لم يرتض المحكوم ضدهما بهذا القضاء قطعنا عليه بالتمييز رقم 2012/64 ابتغاء قبول طعنهما شكلا، وتمييز الحكم المطعون فيه والتصدي للموضوع.
2- بتاريخ 2012/6/12 قضت محكمة التمييز القطرية يتمييز (بنقض) الحكم المطعـون فيـه وفي موضوع الاستئناف رقم 2011/1031 بإلغاء الحكم المستأنف، وببطلان حكم التحكيم رقم 2009/11، وذلك على سند من القول أن هذا الحكم لم يشتمل على بيان صدوره باسـم حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر، وأنه بذلك يكون باطلا بطلانا متعلقا بالنظام العـام، وفي بيان ذلك قال الحكم محل التعليق أن مفاد كل من المادة (63) من الدستور، والمـواد 69، 198، 207 من قانون المرافعات .. "أن المشرع في باب التحكيم وصف قرار المحكم واعتبره حكما، فحكم المحكم هو بمثابة حكم عادي يخضع للشكل المقرر له ويصدر مـن شخص مكلف بتأدية وظيفة القضاء في خصوص النزاع المطروح أمامه على الرغم من أنه في الأصل من غير رجال القضاء، وهذه الوظيفة تمنحه احتراما لإرادة المحتكمين، ومـن ناحية أخرى، متى وضحت هذه الإرادة التزم هؤلاء بحسم النزاع بطريق التحكيم ويفرض عليهم المحكم وحكمه، لأن المشرع يفرض التحكيم متى اتفق عليه الخصوم ولم يعدلوا عنه، ولأن المشرع يبتغي حسم النزاع فورا بالتحكيم تحقيقا لحسن سير العدالة وحتى لا يـؤدي التحكيم إلى عرقلة الأمور وتعقيدها فيضر ولا ينفع ويسبب كثرة القضايا بدلا من أن يكـون سببا لتفاديها، وكل هذه الاعتبارات أساسية وتتعلق بذات مرفق القضاء وحسن سير العدالة، وكون التحكيم في الأصل وليد إرادة الخصوم لايؤثر إطلاقا في الصفة الإلزاميـة للحكـم الصادر فيه، وإذ يفرض الحكم على المحتكمين فيلتزمون بتنفيذه ويفرض علـى السلطات الأخرى اتعمل هي على تنفيذه واحترامه، فإنه يجب أن يصدر باسم السلطة العليا في البلاد، فإذا لم يصدر حكم المحكم باسم السلطة العليا في البلاد، فإنه يفقد شكله كحكم، لأن صدوره باسمها يؤكد أن القوة العامة وراء من أصدره، وتستوجب تنفيذه، وهذه القاعدة من النظـام العام، ومن ثم يتعين على القاضي من تلقاء نفسه ألا يعتد بالحكم الذي لم يصدر باسم السلطة
العليا في البلاد ...".
3- الواضح من أسباب الحكم محل التعليق أنه اعتبر حكم التحكيم كحكم القضاء سواء بسواء، ولما رأى أن الحكم الأخير يجب أن يصدر بإسم السلطة العليا في البلاد، وإلا كـان بـاطلا بطلانا متعلقا بالنظام العام، فقد أخضع حكم التحكيم لنفس القاعدة وقضى ببطلانـه العـدم صدوره بإسم السلطة العليا المذكورة، وبذلك فإن التعليق الماثل سيدور حول مسألتين أساسيتين، الأولى طبيعة حكم التحكيم بالمقارنة مع حكم القضاء، والثانية مدى إعتبار بيـان صدور حكم التحكيم بإسم السلطة العليا في البلاد من بياناته الجوهرية، وما إذا كان يترتب على إغفاله بطلان ذلك الحكم.
4- يتميز حكم التحكيم بكونه قرارا يصدره شخص أو أشخاص عاديون، يختارهم أطـراف النزاع ولا يتبعون أي سلطة من سلطات الدولة السيادية أو غيرها، ويتضمن الفـصـل فـي خصومة محددة فيحسم النزاع بشأنها بصفة نهائية، ويحوز حجية الأمر المقضي، ولا يكون قابلا للتنفيذ مباشرة إلا بعد صدور الأمر بتنفيذه من المحكمة المختصة بعـد التحقـق مـن استيفائه الشروط التي أوجبها القانون.
5- ومما تقدم يتبين أن حكم التحكيم يشبه حكم القضاء في أن كلا منهما يصدر فصلاً في نزاع
وحسماً له بصفة نهائية ويتمتع بحجية الأمر المقضي، بيد أنهما يختلفان بعد ذلك من حيث
المصدر والطبيعة والأثر، فعلى حين يصدر حكم القضاء من قاض محترف يشغل إحـدى
الوظائف العامة في الدولة ممثلا للسلطة القضائية فيها ويفرض على أطراف النزاع فرضا،نجد أن حكم التحكيم يصدره أشخاص عاديون من إختيار أطراف النزاع ولا يتبعون أي سلطة من سلطات الدولة، كما يختلف القاضي عن المحكم، إذ يملك الأول مسلطة الإجبـار imperium لتنفيذ ما يأمر به، بينما لا يتمتع الثاني بأية سلطة مـن هـذا النوع حيـال المحتكمين، بل تراه يستمد منهم ولايته للحكم في النزاع، وهم الذين يحددون له نطاق هذه الولاية ومدتها، كما أن لهم سحبها بالاتفاق على عزله، والقاضـي سـواء فـي إجـراءات التقاضي أو الحكم الذي يصدره مقيد بقواعد قانون المرافعات فلا يملك عنها حـولا، بينمـا يصدر المحكمون حكمهم غير مقيدين بإجراءات المرافعات عدا مـا نـص القانون عليـه بنصوص أمرة، ذلك أن الأصل في إجراءات التحكيم هو أن تكون من إختيار الأفراد ولا يفرضها القانون، إلا حيث لا يكون هناك اتفاق على ما يخالفها – وفيما يتعلق بسلطة الحكم في الموضوع نرى القاضي مقيدا بإعمال القانون المعمول به في الدولة بينما يطبق المحكـم القانون الذي إختاره أطراف النزاع، بل أنه قد يتحلل من تطبيق قواعد القانون المذكـور - عـذا الأمـرة – إذا اتـفـق هـؤلاء الأطـ راف علـى أن يكـون التحك بالصلـ à L'amiable Composition فيحكم عندئذ في النزاع طبقا لما يراه ضميره عدلاً، وحتى بالنسبة للغة الإجراءات نجد أن القاضي مقيد باللغة الرسمية لدولتـه فتجـري إجراءات المرافعة والحكم طبقا لها، بينما يكون للأطراف إختيار لغة التحكيم واجراءاتـه - وفي النهاية يصدر حكم القاضي في الموعد الذي يحدده طبقا للقانون وظـروف الدعوى، بينما يصدر المحكم حكمه في السيعاد الذي اتفق عليه الأطراف، وإلا كان حكمـه بـاطلا - وأخيرا فعلى حين يكون حكم القاضي واجب التنفيذ بذاته، لا يكون حكم المحكمـيـن قـابلاً للتنفيذ إلا بأمر يصدره قاضي المحكمة المختصة بذلك قانوناً، وقبل صدور هـذا الأمر لا يكون لحكم التحكيم آية قوة تنفيذية تمكن المحكوم له من إقتضاء حقه جبراً، فالأمر بالتنفيـذ الصادر من تلك المحكمة هو الذي يرفع حكم المحكمين إلى مرتبة السندات التنفيذية وأحكام المحاكم." وحتى بالنسبة لقابلية الأحكام للطعن تنص غالبية تشريعات التحكيم الحديثة علـى عدم قابلية أحكام التحكيم للطعن فيها بالطرق المقررة للطعن في أحكام القضاء، وتخـص مراجعة الأحكام الأولى بنظام دعوى البطلان التي تحدد أسبابها على سبيل الحصر.6- وترجع الفروق المذكورة بين أحكام المحاكم وأحكام التحكيم إلى الطبيعة القانونية الخاصـة لنظام التحكيم وإختلافه عن نظام التقاضي أمام المحاكم، فالتحكيم قضاء خاص يستند إلـى إرادة الأفراد الحرة" ويسعى إلى سرعة حسم النزاع بين الأطراف بالتحرر من قيود قانون المرافعات دون التضحية بالضمانات الجوهرية للتقاضي، فلا يلتزم المحكم بتلك القيود على تقدير أن الالتجاء إلى التحكيم قصد به في الأصل تفادي قواعد المرافعات، إعتبـاراً بـأن التحكيم طريق استثنائي لفض النزاع قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية وما تكفلـه من ضمانات.
7- وبناء على ما تقدم من فروق بين حكم القضاء وحكم التحكيم يكون مـذهب الحكـم مـحـل التعليق قد جانبه الصواب عندما أخضع الحكم الثاني للقواعد الخاصة بالحكم الأول، إذ إعتبر حكم التحكيم باطلا بطلانا متعلقا بالنظام العام تطبيقا لقواعد واردة فـي الدستور وقانون المرافعات القطريين بشأن الأحكام التي تصدرها محاكم السلطة القضائية دون غيرها، وذلك في حين أن القواعد المذكورة لم تشترط أصلاً – في تقديرنا - تضمين أحكام القضاء بيـان صدورها باسم السلطة العليا في البلاد من ناحية، فضلا عن أنه حتى على فرض سلامة المذهب الذي اعتنقه الحكم محل التعليق بالنسبة للأحكام التي تصدرها محاكم الدولة، فإنـه بالقطع لاينطبق بالنسبة للأحكام التي يصدرها المحكمون، ومن هنا، فإننا سنعرض في مـا يلي حقيقة بيان صدور الحكم باسم السلطة العليا في البلاد بالنسبة لأحكام القضاء، وفيمـا يتعلق بالأحكام التي يصدرها المحكمون.
8- بيانات حكم القضاء:
- تقضي المادة (126) من قانون المرافعات القطري بأنه: "يجب أن يكون الحكم مشتملاً على الأسباب التي بني عليها، وإلا كان باطلاً، ويجب أن يبين الحكـم المحكمـة التـي أصدرته وتاريخ إصداره ومكانه، وأسماء القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا فـي الحكم وحضروا تلاوته، وأسماء الخصوم وألقابهم وصفاتهم ومواطن كل منهم وحضورهم وغيابهم، كما يجب أن يشتمل الحكم على عرض مجمل وقائع الدعوى، لـم طلبـات الخصوم، وخلاصة موجزة لدفوعهم ودفاعهم الجوهري، ثم تذكر أسباب الحكم ومنطوقه، والقصور في أسباب الحكم الواقعية والنقص أو الخطأ الجسيم فـي اسماء الخصوم وصفاتهم، وكذا عدم بيان أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم يترتب عليه بطلان الحكم". وقد أضافت المادة (127) من القانون ذاته إلى ما تقدم من بيانات، ضرورة اشتمال ورقة الحكم على توقيع كل من رئيس الجلسة وكاتبها – وهكذا تكـون المادنـان (126، 127) المذكورتان قد أوردتا حصرا جميع البيانات الإلزامية أو الجوهرية التي يتعين أن يشتمل عليها أي حكم يصدر من المحاكم القضائية، ولم تشتمل أيهما على بيان "صدور الحكـم باسم سمو أمير البلاد" ضمن البيانات الإلزامية التي يتطلبها القانون في أحكام القضاء. وهو الأمر الذي يقطع - في تقديرنا - بعدم إعتبار بيان "صدور أحكـام القـضاء باسـم السلطة العليا في البلاد" من البيانات الجوهرية التي يجب أن تشتمل عليها، وبالتالي فإن عدم ذكره في ورقة الحكم لا يترتب عليه بطلان الحكم، وذلك لما هو مقرر من أن البطلان لا يترتب على تخلف بيان لم يتطلبه القانون.
9- يبقى بعد ذلك، إستناد الحكم محل التعليق إلى نص المادة (63) من الدستور القطري علـى أن: "السلطة القضائية تتولاها المحاكم على الوجه المبين في هذا الدستور وتصدر الأحكـام باسم الأمير"، وكذا النص في المادة (69) من قانون المرافعات القطري علـى أن تصدر الأحكام وتنفذ باسم حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر"، وأول ما ينبغي ملاحظته علـى هذين النصين أن نطاق كل منهما مقصور على الأحكام التي تصدرها المحاكم التي تتـولي السلطة القضائية في البلاد، ومن ثم لا شأن لهما بالقرارات التي بصدرها المحكمـون أو أحكام التحكيم.
10- أما في ما يتعلق بالبحث فيما إذا كان ذكر صدور الحكم باسم السلطة العليا في البلاد يعتبر من بيانات الحكم القضائي الإلزامية من عدمه، فقد رأينا عرض تطور قضاء محكمة النقض المصرية في هذا الخصوص، وذلك إعتباراً بأن المادة (72) من الدستور المصري 1971 كانت تقضي بأن تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب"، وهذا النص هو المقابل لما قضت بـه كل من المادة (63) من دستور دولة قطر والمادة (69) من قانون المرافعات القطري.11- كانت محكمة النقض المصرية تقضي ببطلان أحكام القضاء التي لا تشتمل علـى بيـان صدروها باسم الأمة أو الشعب، وكانت هذه القاعدة تعتبر من النظام العام، ثم عدلت بعـد ذلك عن هذا المذهب فقضت بهيئتيها المدنية والجنائية مجتمعتين بأن صدور الحكـم بـاسـم السلطة العليا في البلاد أمر مفترض فلا يلزم إيراده ضمن بيانات الحكم، وأن خلو الحكـم مما يفيد صدوره باسم السلطة المذكورة لا ينال من شرعيته أو يمس ذاتيتـه، وقد جاء بأسباب حكمها: لما كان ذلك، وكانت المادتان 178 من قانون المرافعات المدنية والتجارية - في شأن بيانات الحكم – و 310 من قانون الإجراءات الجنائية – في شأن مشتملاته - قد استهلتا أولاهما بعبارة "يجب أن يبين في الحكم..." والأخـرى بعبـارة يجب أن يشمل الحكم..." ولم يرد في أيتهما ذكر للسلطة التي تصدر الأحكام باسمها، فإن مؤدى ما تقدم أن الشارع سواء بمقتضى الدستور أو سواء من القوانين، لا يعتبر من بيانات الحكم صـدوره باسم الأمة أو الشعب، وأن قضاء الدستور بصدوره الحكم بهذه المثابة ليس إلا إفصاحا عن أصل دستوري أصيل وأمر مسبق مقضي مقترض بقوة الدستور نفسه، مـن أن الأحكـام تصدر باسم السلطة العليا صاحبة السيادة وحدها ومصدر السلطات جميعا - الأمـة أو الشعب - ليكون ذلك الأصل واحدا من المقومات التي ينهض عليها نظام الدولة، كـشان الأصل الدستوري بأن الإسلام دين الدولة، وبأن الشعب المصري جزء من الأمة العربيـة وذلك الأمر يصاحب الحكم ويسبغ عليه شرعيته منذ بدء إصداره، دون مـا مقتضى لأي التزام بالإعلان عنه من القاضي عند النطق به أو الإفصاح عنه في ورقة الحكـم عنـد تحريره، ومن ثم فإن إيراد ذلك البيان بورقة الحكم عند تحريره، ومن بعد صدوره بالنطق به، ليس إلا عملاً ماديا لاحقا كاشفاً عن ذلك الأمر المفترض، وليس منشئا له، ومن ثم فإن خلو الحكم من صدوره باسم الأمة أو الشعب لا ينال من شرعيته أو ينـس ذاتيتـه ثـم استقر قضاء محكمة النقض المصرية على ذلك وتواترت أحكامها على مقتضاه، بحيث لـم بعد الأمر محلا لخلاف بين المحاكم في هذا الخصوص. 10 12- وكما اختلف القضاء المصري في السابق بشأن بيان صدور الحكم باسم السلطة العليا فـي البلاد، لم يتفق رأي الفقه كذلك في هذا الخصوص، فقد ذهب الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا إلى اعتبار البيان المذكور من بيانات الحكم الأساسية، بحيث يترتب البطلان على تخلفـه وقال في بيان ذلك نفس العبارة التي أوردها الحكم محل التعليق في ص 3 منه، أنه: "إذا لم يصدر الحكم باسم السلطة العليا في البلاد، فإنه يفقد شكله كحكـم، لأن صدوره بإسـمـها يوضح مؤكدا أن القوة العامة من وراء من أصدره وتستوجب تنفيذه". وعلى نقيض ذلـك يري جانب هام من الفقه نؤيده أن عدم اشتمال ورقة الحكم على بيان صدوره باسم السلطة العليا في البلاد لا يعتبر سببا لبطلانه. 12 11
13- خلاصة ماسبق، أن بيان صدور الحكم باسم السلطة العليا في البلاد لا يعتبر - في تقديرنا من البيانات الجوهرية التي يجب ذكرها في أحكام القضاء، ولا يترتب على تخلفه بطـلان هذه الأحكام. وإذا كان الأمر كذلك فما هو الحال بالنسبة لأحكام المحكمين؟
14- بيانات حكم التحكيم: أخذ حكم محكمة التمييز القطرية محل التعليق بمذهب الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا القائل: "(آن) بيان صدور التحكيم باسم الشعب (السلطة العليا في البلاد) هو الذي يسبغ على الحكم الشرعية والرسمية ويوضح أن القوة العامة من ورائه، ومن غير هذه العبارة يفقـد شـكله كحكم، لأن هذه العبارة تنبه المحكم إلى أنه يقوم بخدمة عامة عليه أن يراعي فيهـا ربـه وضميره، وأضاف الحكم المذكور إلى ذلك الاستناد إلى نص المادتين (63) من الدستور و (69) من قانون المرافعات، ليخلص في النهاية إلى القضاء ببطلان حكم التحكيم الطعين بطلانا متعلقا بالنظام العام لعدم اشتماله على بيان صدوره باسم السلطة العليا في دولة قطر. وفي تقديرنا أن هذا القضاء محل نظر للأسباب التالية.15- أن حكم التحكيم قضاء خاص يستند إلى إرادة الأفراد الحرة، ولذلك فإن المشرع لم يوجـب تضمينه كافة البيانات التي نص عليها القانون بالنسبة لأحكام المحاكم، واكتفـي بيانـات آوردها على سبيل الحصر تكفي لكي يحقق حكم التحكيم وظيفته، وليس من بينهـا بيـان صدور هذا الحكم باسم السلطة العليا في البلاد. 14.
16- وتقضي المادة (202) من قانون المرافعات القطري15 بان: يصدر حكم المحكمـيـن بعـد المداولة بأغلبية الآراء، ويجب أن يكون الحكم مكتوبا وأن يشتمل بوجه خاص على صورة من وثيقة التحكيم وعلى ملخص أقوال الخصوم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقه والمكان الذي صدر فيه وتاريخ صدوره وتوقيعات المحكمين، وإذا رفض واحـد أو أكثـر مـن المحكمين توقيع الحكم، ذكر ذلك فيه، ويكون الحكم صحيحاً إذا وقعته أغلبية المحكمين...". وواضح من عبارة هذا النص أن المشرع القطري قد أورد البيانات الإلزامية التي يجب آن يشتمل عليها حكم التحكيم على سبيل الحصر، وأنه لم يعتبر بيان صدور الحكم بإسم حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر من بيانات حكـم التحكيم الإلزامية Les mentions obligatoires، ومن ثم لا يترتب البطلان على عدم تضمينه في الحكم المذكور – وتجدر الإشارة إلى أن القضاء والفقه في مصر والكويت والإمارات العربية ولبنان على أن خلـو حكم التحكيم من بيان صدوره بإسم السلطة العليا في البلاد لا ينال من شرعيته ولا يعتبـر سببا لبطلانه 16 17- أن إستناد حكم محكمة التمييز إلى كل من المادة (63) من الدستور والمادة (69) من قانون المرافعات للقول بضرورة اشتمال حكم التحكيم على بيان صدوره بإسم أمير دولة قطر وإلا كان هذا الحكم باطلا هو إستناد في غير محله، ذلك أن نص المادة الأولى على أن: "السلطة القضائية تتولاها المحاكم على الوجه المبين في هذا الدستور وتصدر الأحكام باسم الأميـر هو في حقيقته مجرد إفصاح عن أصل دستوري مفترض بقوة الدستور نفسه من أن الأحكام تصدر بإسم السلطة العليا في البلاد، كما أنه نص مقصور على الأحكـام التـي تـصدرها محاكم السلطة القضائية ولا يسري بحال على أحكام المحكمين، إعتبارا بأن هؤلاء أشخاص عاديون يستمدون ولايتهم من اتفاق المحتكمين ولا يصدرون أحكامهم بإسم أيـة سلطة أو 17
دولة من الدول. أما المادة (69) من قانون المرافعات القطري التي تقضي بأن تصدر الأحكام وتنفذ بإسـم حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر"، فقد وردت هذه المادة ضمن الباب الرابـع مـن القانون المذكور وهو خاص بإجراءات الجلسة ونظامها في المحاكم التابعة للدولـة والتـي تتولى السلطة القضائية طبقاً للدستور، ولا شأن لها بالجلسات التـي يعقـدها المحكمـون والأحكام التي قد يصدرونها، خاصة أن المادة (198) من القانون نفسه قد جرت علـى أن يصدر المحكمون حكمهم غير مقيدين باجراءات المرافعات المنصوص عليهـا فـي هـذا القانون عدا ما نص عليه في هذا الباب، ..." ولا نزاع في أن البيانات التي يجب أن يشتمل عليها الحكم تعتبر من القواعد الاجرائية التي ينصرف إليها حكم المادة (198) المذكورة، ومن ثم لا يتقيد المحكمون في حكمهم بنص المادة (69) سالفة البيان أيا كان الـرأي فـي مقتضاه ۱۴ 18- أن القول بأن اشتمال حكم التحكيم على بيان صدوره باسم السلطة العليا في البلاد هو الذي يسبغ على الحكم الشرعية والرسمية، لأنه يؤكد أن القوة العامة وراء من أصدره وتستوجب تنفيذه، هو قول محل نظر لمخالفته المنطق والواقع، ذلك أن القوة العامة لا تقف خلف حكم التحكيم لمجرد اشتماله على بيان صدوره بإسم السلطة العليا في البلاد، بل هي لا تقف خلف الحكم المذكور، إلا بناء على صدور أمر المحكمة المختصة بتنفيذه، وهذا الأمر - بالقطع- لاحق لصدور حكم التحكيم، وتأكيدا لذلك جرت المادة (204) من قانون المرافعات القطري على أن: "لا يكون حكم المحكمين قابلاً للتنفيذ، إلا بأمر يصدره قاضي المحكمة التي أودع أصل الحكم قلم كتابها، بناء على طلب أي من ذوي الشأن، ويصدر القاضي الأمر بالتنفيذ بعد الإطلاع على الحكم ووثيقة التحكيم، وبعد التثبت من أنه لا يوجد ما يمنع من تنفيذه...".
19- أن القول بوجوب صدور التحكيم بإسم السلطة العليا في البلاد، يتعارض مع عدم قابلية هذا الحكم للتنفيذ إلا بأسـر يصدره قاضي المحكمة المختصة، ذلك أنه لو صح هذا القول لما كان حكم التحكيم في حاجة لتدخل القضاء للأمر بتنفيذه، ولكان قابلا للتنفيذ بذاته.
19 20- ويرى بعض الفقه -حق- أن النعي على حكم التحكيم بالبطلان بمقولة خلوه مما يفيد صدوره باسم السلطة العليا في البلاد يكشف عن جهل بحقيقة التحكيم بوصفه أضاء خاصا، فضلاً عن إفلاس في البحث عن سبب يبدو معقولا لتبرير طلب البطلان". وأن الإدعاء بأن عدم اشتمال حكم التحكيم على ما يفيد صدوره باسم السلطة العليا في البلاد يخالف النظام العام، يمثل تعسفا في تحديد المقصود بالنظام العام واساءة لإستعمال سبب الطعن المبني على مخالفته، كما ينم عن رفض العدالة التحكيمية دون مبرر قويم." 20 الخلاصة:
أن بيان صدور حكم التحكيم بإسم السلطة العليا في البلاد لا يعتبر من بيانات هذا الحكم الجوهرية أو الإلزامية، ولا يترتب البطلان على خلو الحكم منه، والقول بغير ذلك - فضلا عن مخالفته صحيح القانون - فأنه يناقض الفهم السليم للطبيعة القانونية الخاصة لنظام التحكيم، كالية خاصة لفض المنازعات بعيدا عن محاكم الدولة ودون التقيد بإجراءات المرافعات، ولذلك فإن قضاء محكمة التمييز القطرية محل هذا التعليق يمثل - في تقديرنا- عداء غير مبرر لنظام التحكيم في دولة قطر وقد يدفع إلى عدم إتخاذها مكانا للتحكيم الدولي، تفاديا لسوء استعمال أسباب الطعن المبنية على مخالفة النظام العام، عن طريق دعاوي كيدية من طائفة أن حكماً تحكيمياً لم يصدر بإسم السلطة العليا في البلاد، أو أن المحكمين لم يتداولوا بالقدر الكافي للوصول إلى حكم تحكيمي بالاجماع، ومن هنا، فإننا نرجو أن يكون الحكم محل التعليق مجرد كبوة سرعان ما يتم تخطيها.