فإن الخصومة في التحكيم تنشأ على العكس _ باتخاذ أي إجراء سواء بمجرد حضور الخصوم أنفسهم أمام المحكم.
ويلاحظ أن المادة 834 من قانون المرافعات تنص على أن يتبع المحكمون والخصوم الأصول والمواعيد المتبعة أمام المحاكم إلا إذا حصل إعفاء المحكمين منها صراحة. ومن غير هذا الإعفاء فإن الخصوم لا يلزمون باتباع مارسمه قانون المرافعات لرفع الخصومة أمام القضاء. وهذه القاعدة من المسلمات في القانون المقارن على اعتبار أن المقصود من التحكيم هو التحرر مما يستوجبه قانون المرافعات من إجراءات ومواعيد تؤخر حسم الخلاف مع ضرورة احترام المبادئ الأساسية في التقاضي _ التي أشار إليها المشرع فى المادة 834 بعبارة ((الأصول والمواعيد المتبعة أمام المحاكم)).
وحتى عند إعفاء المحكم من تلك الأصول وتلك المواعيد فإنه لا مفر من إلزامه بمراعاة أسس التقاضي وفقاً لما سوف نراه، ويجب أن يحترم أيضاً نصوص القانون في باب التحكيم.
وإذن يبين من كل ما تقدم أن الخصومة في التحكيم تنشأ باتخاذ أي إجراء يبلغ به الخصوم بطرح النزاع أمام المحكم، وعندئذ يكون لكل منهم الحق في تقديم أى مذكرات أو مستندات، بمراعاة المواعيد التي يحددها المحكم.
إذا كان التحكيم بالقضاء وجب على الخصوم التقيد بلالمواعيد المقررة فى القانون لرفع الدعوى أمام المحكم، وإلا وجب على المحكم الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد. فمثلاً الدعاوى التي ترفع على الناقل يجب أن تراعى بصددها المواعيد المقررة في القانون التجارى والبحرى ولو رفعت أمام هيئة تحكيم.
وإذا اتفق الخصوم على ميعاد لرفع دعواهم أمام المحكم وجب عليه احترام هذا الميعاد من تلقاء نفسه، فمثلاً إذا اتفق الخصوم على وجوب رفع الدعوى فى خلال شهرين مثلاً من تاريخ تسلم البضاعة وجب عليه الاعتداد بهذا الميعاد فإذا رفعت بعدئذ وجب عليه الامتناع عن . الفصل فيها، لأن سلطته في التحكيم المخولة إليه بمقتضى الخصوم مقيدة بالميعاد المتقدم على أن هذا لا يمنع الخصوم من الالتجاء إلى القضاء بعدئذ إذا كان ميعاد رفع الدعوى مازال قائماً، وإلا فلا يلومن صاحب المصلحة إلا نفسه.
ومن ناحية أخرى، إذا اتفق الخصوم مثلاً على رفع النزاع إلى المحكم فى خلال شهرين من تسليم البضاعة، ومع ذلك رفعت الدعوى أمام المحكمة فى المواعيد المقررة فى القانون لرفعها، وقضت هذه بعدم قبولها لسابقة الاتفاق على التحكيم، وكان الميعاد المقرر لرفع النزاع أمام المحكم قد انقضى قبل صدور هذا الحكم، فإن الحق في رفع الدعوى يسقط.
أما إذا كان الميعاد المقرر للفصل في النزاع محددا بين الخصوم في اتفاقيتهم، فلا يملك المحكم الفصل فيه بعد الميعاد ولو كان مفوضاً بالصلح أو غير مقيد بقواعد القانون، وذلك لأن سلطته في التحكيم المخولة إليه بمقتضى الخصوم مقيدة بهذا الميعاد .
ولما كنا قد قدمنا أن الدعوى ترفع إلى المحكم بأى إجراء فإنها تعتبر قد رفعت إليه متى أخبره المدعى بالنزاع ولو بخطاب أو بالحضور أمامه، ويجب على المحكم إثبات ذلك في صلب الحكم. ويحسن أن يوجه المدعى في مثل هذه الأحوال إعلاناً على يد محضر للمدعى عليه يلخص فيه طلباته التي يوجهها إليه أمام المحكم، وبذا يكون الميعاد الذي رفع فيه دعواه ثابت التاريخ .