تعددت التعريفات الفقهية للجزاء الإجرائي، وإن كانت في مجملها تدور في فلك واحد، فقيل بأنه " الأثر الإجرائي الذي رتبه قانون المرافعات في مواجهة الخصم المسئول عن مخالفة قواعده، وإن كان هذا التعريف يعاب عليه أنه يتصور أن المخالفة التي ترتب الجزاء الإجرائي لا تقع إلا من الخصم ، رغم تصور وقوعها من غير الخصوم كالقاضي أو أحد أعوانه، وقال البعض بأنه "عدم صلاحية العمل الإجرائي لتوليد الآثار التي كان يمكن له توليدها لو كان خاليا من العيب، وهذا التهرب بدوره لا يخلو من القصور ، إذ إنه يصور الجزاء الإجرائي كنظام ينصب دائما على العمل الإجرائي فيحول دون ترتیب آثں ليس متحقق دائما، فقد يرتب العمل الإجرائي آثاره وب ذلك يتم توقيع الجزاء الإجرائي والذي ينصب - وقتئذالذمة المالية للمخالف وليس على العمل الإجرائي ذاته ، . متحققا في شأن الغرامة المالية كجزاء إجرائي تضمنته نصوص قانون المرافعات.
وقد ذهب رأي إلى تعريف الجزاء الإجرائي بأنه " تكييف قانوني للعمل الإجرائي الذي لا يتطابق مع مفترض القاعدة القانونية الإجرائية"، ويصدق على هذا التعريف النقد السابق والمتعلق بالتركيز على العمل الإجرائي كمحل للجزاء الإجرائي ، ويضاف إلى ذلك أنه يقصر الجزاء الإجرائي على العمل الايجابي المخالف لمفترض القاعدة القانونية الإجرائية ، في حين أن الجزاء الإجرائي قد يترتب على الامتناع عن القيام بعمل إجرائي ، مثل عدم القيام بأحد الواجبات الإجرائية عدم التكليف بالحضور خلال الفترة التي حددها القانون والذي يستتبع اعتبار الدعوى كأن لم تكن.
استاد دانشمند ان ایران و ایران را در این ورغم انتقادنا للتعريفات التي قال بها جمهور فقهاء القانون الوضعي الأجلاء إلا إننا نستفيد منها الكثير، إذ إنها تسهم في فهم الجزاء الإجرائي ، خاصة حين تركز في مجملها على مسألة مخالفة مفترض القاعدة القانونية الإجرائية كلازمة ضرورية لتحقق الجزاء الإجرائي.
ويمكننا تعريف الجزاء الإجرائي بأنه " الأثر القانوني ر المترتب على مخالفة مقترض القاعدة القانونية الإجرائية ".
* الجزاء الإجرائي في مجال الحق والعبء الإجرائيين
الأن وجود الجزاء الإجرائي ليس محلا لجدال ولا خلاف في مجال الواجب الإجرائي فلن أتناوله بالإيضاح ، ولكني أقتفي تعليقي على تصور الجزاء الإجرائي في مجال العبء والحة الإجرائيين، إذ إني أرى - خلافا للرأي محل التعليق - تصور تحقق العيب أو المخالفة الإجرائية مما يستتبع القول بتصور وجود الجزاء الإجرائي في هذا المجال.
إن المشرع في تنظيمه للحق الإجرائي وضع تنظيما إجرائيا محكما لاستعماله ، ومنع التعسف في استعماله ، كما أن القواعد العامة في القانون الإجرائي تفترض عدم التعسف في استعمال الحقوق الإجرائية ، فإذا ما انحرف صاحب الحق في استعماله الحقه عن هذا التحديد القانوني الذي رسمته قواعد القانون الإجرائي وصف مسلکه بالمخالفة أو العيب ، وهو ما يعد خطأ إجرائيا وفقا التحديد السابق عرضه حال حديثنا عن الخطأ الإجرائي كركن في المسئولية الإجرائية، بما يعني تصور تطبيق الجزاء الإجرائي في مجال الحقوق الإجرائية.
وفي خصوص العبء الإجرائي نجد المشرع قد حمل صاحب الحق ضرورة القيام بعبء إجرائي معين حتی يجني ثمار حقه ، فإن هو أراد أن يحصل على فوائد حقه وثماره دون أداء العبء الإجرائي فيعد مخلا بمفترض العبء الإجرائي ، حيث خالف النموذج التشريعي الذي رسمه المشرع ، مما يعد مخالفة إجرائية ، تستتبع توقيع جزاء إجرائي يتمثل في الحرمان من جني فوائد ذلك الحق وثماره ، وهذا هو مناط الجزاء الإجرائي. ا وعودة إلى المثال الذي ساقه أنصار الرأي السابق ذكره للتدليل على عدم تصور الجزاء الإجرائي في مجال استعمال الحقوق والتحمل بالأعباء الإجرائية والمتعلق بالحق في الطعن في الحكم يثار التساؤل عن حكم الفرض الذي يستعمل فيه الخصم حقه في الطعن لمجرد الإضرار بخصمه ، أو إذا كانت الفائدة التي سيجنيها حال کسبة الطعن لا تتناسب البتة مع الأضرار التي يمنی بها خصمه ، ألا يعد هذا الخصم متعسفا في استعمال حقه؟ ومخالفا لمبدأ حسن النية في التقاضي؟ بما يعطي للقاضي سلطة الحكم عليه بالغرامة كجزاء إجرائي على مسلكه؟ وإذا قررنا ذلك ألا يعد هذا جزاء إجرائيا على سلوكه المخالف للنموذج التشريعي الذي رسمه المشرع؟!.
وفي فرض عدم القيام بالعبء الإجرائي ، كالخصم الذي يفوت مواعيد الطعن دون أن يمارس هذا الأخير، ثم يحاول الطعن في الحكم بعد فوات المواعيد المحددة أو بطرق طعن لا يجوز اتباعها للطعن في الحكم ، ماهو الجزاء القانونی واجب التطبيق؟ أو ما هو الأثر القانوني المترتب على ذلك؟ بالطبع الأثر هو عدم القبول ، لرفع الطعن بعد الميعاد القانوني أو بغير الطريق الذي رسمه المشرع ، ونعرض علي أنصار الرأي محل التعليق تساؤلا، هذا التساؤل هو ألا يعدعدم القبول هذا جزاء إجرائيا ترتب على وجود مخالفة للنموذج التشريعي المرسوم للعبء الإجرائي ، والمتمثلة في تفويت ميعاد الطعن - أعني الطعن بعد تفويت الميعاد القانوني - أو الطعن بغير الطريق الذي رسمه المشرع؟.
وهكذا فإن المخالفة الإجرائية تتحقق بالخروج على النظام الإجرائي المنضبط و المرسوم للقيام بالعمل الإجرائي بصورة تنم عن وجود عيب في العمل الإجرائي ، هذا العيب يتمثل في مخالفة العمل الإجرائي - وفقا لما حدث في الواقع العملي - لمفترض هذا العمل الإجرائي - وفقا لما هو وارد في النص التشريعي - وعليه يتلازم تحقق العيب الإجرائي مع تحقق المخالفة الإجرائية كمفترض جوهري لتوقيع الجزاء الإجرائي ولكن هل يلزم تعمد هذه المخالفة لكي يتحقق مفترض تطبيق الجزاء الإجرائي؟ أم أن مجرد مباشرة العمل بصورة تخالف نموذجه التشريعي تتحقق به المخالفة الإجرائية التي تؤدي إلى توقيع الجزاء الإجرائي؟
الحقيقة أن الإجابة على هذا التساؤل - رغم سهولتها - من الأهمية بمكان ، ذلك أن لها دورا كبيرا في تحديد نطاق تحقق المخالفة الإجرائية ، وبالتالي تحديد مجال تطبيق الجزاء الإجرائی، فالإجابة على هذا التساؤل بالإيجاب - أي باستلزام تعمد مخالفة النموذج التشريعي للعمل الإجرائي لتوقيع الجزاء الإجرائي ستؤدي إلى تقليص مجال تطبيق الجزاء الايه وذلك أن هناك فرضين سيتحقق فيهما العيب الإجرائی ورغم ذلك تتحقق فيهما المخالفة الإجرائية، وبالتالي لن يتم توقيع الجزاء الإجرائي.
هذان الفرضان يتمثلان فيما إذا قام الشخص بالعمل الإجرائي بصورة تخالف نموذجه التشريعي لأنه لا يعلم متطلبات القيام بهذا العمل الإجرائي ، خاصة
وأن معظم المخاطبين بأحكام القانون الإجرائي من غير المتخصصين ، وكذلك إذا تعمد الشخص القائم بالعمل الإجرائي مخالفة نموذجه التشريعي وعجز من يتمسك بذلك عن إثبات هذا القصد خاصة وأن الأصل حسن النية وانتفاء نية الغش ونية مخالفة القانون ، كما أن الأمر يتعلق بشيء نفسي من المتعذر - في كثير من الأحوال - التثبت منه.
ولعل خير إجابة على هذا التساؤل أن نشير إلى مبدأ الشكل الإجرائي للعمل القضائي، وما يثيره هذا المبدأ من مسائل لعل أهمها - وما يخصنا في هذا الصدد - هو عدم الاعتداد بالإرادة الذاتية للقائمين بالأعمال الإجرائية - كقاعدة - سواء في خصوص القيام بهذه الأعمال أو ترتیب آثارها، إذ إن المشرع ينظم القيام بالعمل الإجرائي وفقا لنماذج معدة سلفا ، فإذا ما روعيت هذه الأشكال وتلك النماذج حال مباشرة العمل الإجرائي فإن هذا الأخير يعد مطابقا لنموذجه التشريعي ويولد كافة آثاره ، والعكس صحيح، وذلك بغض النظر عن البحث في الكوامن النفسية للقائم بالعمل، فلا مجال للاعتداد بالإرادة ، ومن باب أولى لا مجال للبحث عن عيوب الإرادة في مجال الأعمال الإجرائية.