يقصد بإجراءات التحكيم بمعناها الواسع، السير بالعملية التحكيمية من بدايتها وحتى نهايتها بصدور حكم التحكيم وبالتالي انتهاء مهمة المحكم. وبهذا المعنى، تبدأ الإجراءات بأول خطوة يقوم بها المدعي للسير بالتحكيم سواء كان التحكيم مؤسسياً أو طليقاً. فإذا كان التحكيم مؤسسياً ، تكون هذه الخطوة عادة تقديم طلب تحكيم من المحتكم لمؤسسة التحكيم، متضمناً البيانات التي تنص عليها قواعد التحكيم في المؤسسة، ومنها اسم طالب التحكيم والمحتكم ضده وعنوانهما، واسم المحكم الذي يعينه أو يرشحه للتعيين إذا كانت هيئة التحكيم ستتشكل من ثلاثة محكمين ولم يكن هناك اتفاق على تعيينهم، وموجز عن النزاع، وملخص الطلبات. وإذا كان التحكيم حراً أو طليقاً (غير مؤسسي)، تبدأ الخطوة الأولى بطلب يقدمه المحتكم للمحتكم ضده بإخطار أو غير ذلك، أو للمحكمة أو لسلطة تعيين المحكمين، حسب ما ينص عليه اتفاق الطرفين. وعادة ما يتضمن هذا الطلب، ملخصاً عن العلاقة القانونية والنزاع، واسم المحكم الذي يعينه المحتكم في التحكيم المكون من ثلاثة محكمين، طالباً من المحتكم ضده، أو أي جهة ذات اختصاص، تعيين المحكم الثاني خلال مدة معينة.
وتبدو أهمية إجراءات التحكيم بالمعنى المذكور، أن غالبية القوانين العربية إن لم يكن كلها، تنص على انقطاع التقادم برفع دعوى قضائية من الدائن ضد المدين، حتى لو كانت المحكمة المرفوع أمامها النزاع غير مختصة. وفي التحكيم نرى أن التقادم ينقطع بأول خطوة عملية جدية يقوم بها الدائن لبدء السير في التحكيم على النحو المذكور، مثل تقديم طلب بذلك لمؤسسة التحكيم في التحكيم المؤسسي، أو التقدم لسلطة التعيين أو المحكمة المختصة لتعيين محكم، أو حتى قيام الدائن بتوجيه إخطار عدلي للمدين يتضمن اسم المحكم الذي اختاره الدائن مع الطلب من المدين تعيين محكم عنه خلال فترة معينة حسب الاتفاق
وبالمعنى الضيق يقصد بإجراءات التحكيم تلك القواعد الإجرائية الواجب إتباعها بعد تشكيل هيئة التحكيم، من قبل الهيئة نفسها وأطراف النزاع، مثل تحديد مكان ولغة التحكيم، وتقديم اللوائح والبينات والجلسات والحضور والغياب. وتنتهي هذه الإجراءات، بوجه عام ، بصدور حكم التحكيم النهائي. وعادة ما تبدأ الإجراءات بهذا المعنى، بكتاب توجهه الهيئة للأطراف يتضمن قبولها للمهمة الموكلة إليها من جانب، مع تحديد موعد جلسة أولية للتحكيم من جانب آخر. وبعض هذه الإجراءات مماثلة للإجراءات المتبعة من قبل المحاكم، وأحياناً مطابقة لها، مثل واجب المحكم مراعاة حقوق الأطراف في الدفاع والمساواة والمواجهة وغير ذلك من مبادئ أساسية في التقاضي، وصلاحية المحكم الطلب من الأطراف أو الغير تقديم مستندات تحت يدهم، ودعوة الشهود واللجوء للخبرة الفنية. وهذه المسائل وغيرها مما لا يوجد بشأنها أحكام خاصة في التحكيم، تخضع عموماً للقواعد العامة في إجراءات التقاضي ولا جديد بشأنها. ولكن خضوعها للقواعد العامة، كما نرى، يكون في الحدود المنسجمة مع أصول التحكيم وأعرافه وما جرى عليه العمل فيه، كما يتبين لنا في هذه الدراسة.
وأياً ما يكون المقصود من مصطلح إجراءات التحكيم، فقد سبق وبحثنا الأحكام الخاصة بهيئة التحكيم في الباب السابق، ونبحث تحت هذا الباب الأحكام الخاصة بالإجراءات أمام هيئة التحكيم بعد تشكيلها.
تقضي المادة (1/212) من القانون الإماراتي بأنه يصدر المحكم حكمه غير مقيد بإجراءات المرافعات عدا ما نص عليه في هذا الباب والإجراءات الخاصة بدعوة الخصوم وسماع أوجه دفاعهم وتمكينهم من تقديم مستنداتهم. ومع ذلك يجوز للخصوم الاتفاق على إجراءات معينة يسير عليها المحكم...".
والمادة (1/521) من القانون السوري بأنه يتقيد المحكمون بالأصول والمواعيد المتبعة أمام المحاكم إلا إذا أعفوا منها صراحة"، والمادة (522) بأنه "المحكمون المفوضون بالصلح معفون من التقيد بأصول المرافعات وقواعد القانون"؛
والمادة (265) من القانون العراقي بأنه "1" يجب على المحكمين إتباع الأوضاع والإجراءات المقررة في قانون المرافعات، إلا إذا تضمن الإتفاق على التحكيم أو أي اتفاق لاحق عليه، إعفاء المحكمين منها صراحة، أو وضع إجراءات معينة يسير عليها المحكمون. 2- إذا كان المحكمون مفوضين بالصلح يعفون من التقيد بإجراءات المرافعات وقواعد القانون إلا ما تعلق منها بالنظام العام؛
والمادة (1/198) من القانون القطري بأنه يصدر المحكمون حكمهم غير مقيدين بإجراءات المرافعات المنصوص عليها في هذا القانون عدا ما نص عليه في هذا الباب؛
والمادة (182) من القانون الكويتي بأنه " يصدر المحكم حكمه غير مقيد بإجراءات المرافعات عدا ما نص عليه في هذا الباب، ومع ذلك يجوز للخصوم الاتفاق على إجراءات معينة يسير عليها المحكم، ويكون حكم المحكم على مقتضى قواعد القانون إلا إذا كان مفوضاً بالصلح فلا يتقيد بهذه القواعد، عدا ما تعلق منها بالنظام العام وتطبق القواعد الخاصة بالنفاذ المعجل على أحكام المحكمين، ويجب أن يصدر حكم المحكم في الكويت، وإلا اتبعت في شأنه القواعد المقررة لأحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي".
والمادة (3/776) من القانون اللبناني بأنه "يجوز للخصوم إعفاء المحكم أو المحكمين من تطبيق أصول المحاكمات العادية أو بعضها، باستثناء تلك التي تتعلق بالنظام العام وبشرط أن تكون متفقة مع قواعد وأصول التحكيم. ولا يجوز أن يتناول الإعفاء بوجه خاص المبادئ المنصوص عليها في المواد 365 368 و 371 - 374 ، و لا يثبت الإعفاء المشار إليه إلا بنص صريح في اتفاق التحكيم أو في اتفاق مستقل".
والمادة (754) من القانون الليبي بأنه "للخصوم أن يضمنوا عقد التحكيم أو أي مشارطة أخرى للتحكيم أو أي اتفاق لاحق يحررونه قبل أن يبتدئ المحكمون في نظر القضية، قواعد معينة وإجراءات يسير عليها المحكمون. وفي حالة عدم قيامهم بذلك فللمحكمين أن يضعوا القواعد التي يرونها صالحة وإلا وجب مراعاة الأصول والمواعيد أمام المحاكم". كما تقضي المادة (755) من القانون الليبي بأنه "المحكمون مفوضون بالصلح معفون من التقيد بأوضاع المرافعات وقواعد القانون".
أما القانون السعودي، فقد تضمن لائحة تنفيذية تتضمن إجراءات التحكيم، وهي صادرة سنة 1985. ويبدو أن قواعد هذه اللائحة ملزمة للأطراف ولهيئة التحكيم. وسنشير لبعض أحكام هذه اللائحة في الموطن المخصص لها لاحقاً.
ونبحث فيما يلي الإجراءات بوجه عام في فصل أول ومسائل إجرائية معينة في فصل ثان، ومسائل إجرائية أخرى في فصل ثالث، والقانون الموضوعي المطبق على النزاع في فصل رابع.