تعريف المسؤولية – أنواع المسؤولية بوجه عام – حالات المسؤولية المدنية
المطلب الثاني:
الفرع الأول: الطبيعة القانونية لعلاقة المحكم بالخصوم في العملية التحكيمية
الفرع الثاني: التزامات المحكم
1. المبادئ العامة
1) التزامات المحكم في مرحلة الترشيح لمهمة التحكيم
2) التزامات المحكم في مرحلة سير الخصومة
3) التزامات المحكم في مرحلة إصدار حكم التحكيم
2. السلوكيات الشخصية للمحكم
المبحث الثاني: مسؤولية المحكم.
المطلب الأول:
الفرع الأول: طبيعة مسؤولية المحكم
1. أساس مسؤولية المحكم
2. أنواع مسؤولية المحكم
الفرع الثاني: تقرير مسؤولية المحكم بين المعارضين والمجيزين
المطلب الثاني:
الفرع الأول: مجال مسؤولية المحكم بين المقيدين والمطلقين
الفرع الثاني: القانون واجب التطبيق على مسؤولية المحكم
الفرع الثالث: الإختصاص القضائي بدعوى المسؤولية ضد المحكم
المطلب الثالث:
الجزاءات القابلة التبطيق على المحكم
عزل المحكم - رد المحكم – إنهاء مهمة المحكم – رفع دعوى التعويض
المقدمة:
إن من طبيعة الحياة حصول المنازعات بين الناس في علاقاتهم وتعـاملاتهم، ولهـذا كـان القضاء الذي يهدف إلى الفصل في الخصومات، ورفع الظلم، ورد الحقوق لأصحابها، وبجانـب القضاء شرع التحكيم الذي زادت الحاجة إليه في هذه الأيام مع كثرة التعاملات وتعقدها، وسعي الخصوم إلى إنهاء خلافاتهم بأسرع وقت، وبشكل يحفظ أسرارهم، فضلاً عـن الإبقـاء علـى العلاقة القائمة بينهم على وضعها لا تمس، ناهيك عن وضع عملية فـض النـزاع فـي يـد مجموعة من المتخصصين الذين يملكون الخبرة بطبيعة النزاعات، واختيار التطبيـق الأمثـل لفض النزاع.
هذا... ولما كان أهم عناصر العملية التحكيمية هو المحكم لاعتباره المحور الـرئيس الـذي تدور حوله خصومة التحكيم، كان لدقة وكفـاءة المحكـم ومهارتـه ودرايتـه بجـوهر مهمتـه ومقتضياتها الأهمية القصوى إذ تكون سلامة إجراءات العملية التحكيمية بالكامـل. فحـسن أداء المحكم لمهمته يظل رهيناً بشخصه وما يحمله من مؤهلات وخبرات، بل إن العمليـة التحكيميـة برمتها تبقى رهناً بشخص المحكم ذاته؛ فهو العضو الأهم في العمليـة التحكيميـة، وهـو بمثابـة القاضي في المحكمة.
إن قيام الأطراف بإختيار التحكيم كأسلوب لحسم النزاع يكون من خلال توقع لمعاملة عادلة وأسلوب فني رائد في إدارة الإجراءات، وتوافر مستوى أخلاقي وتخصص فنـي رفيـع لـدى المحكم، وهذا يلقي عليه عبئاً ليس يسيراً، ويتطلب توافر عـدة شـروط ومـؤهلات شخـصية وموضوعية.
لكنه وعلى الرغم من الأهمية الشديدة لمسؤولية المحكم، والدور الفاعل الـذي يلعبـه فـي العملية التحكيمية، إلا أن ملامح هذا الدور وحدود سلطاته في خصومة التحكيم لم تلق اهتماماً أو تنظيماً واسعاً في التشريعات الوطنية المختلفة.
لذا... ولما كان المحكم في العملية التحكيمية الدور الكبير فإن تحديد أبعاد ونطـاق عملـه ومدى خضوع عمله للمسائلة، لهو أمر جدير بإلقاء الضوء عليه، وقتله بحثاً لندرس بشيء مـن الإيجاز ما يتعلق بالشروط الواجب توافرها في المحكم، وبمركـزه القانوني فـي الخـصومة، والتزاماته، ومسؤوليته المترتبة على إخلاله بالتزاماته.
المبحث الأول: تعريف المسؤولية بوجه عام:
المطلب الأول: تعريف المسؤولية:
أولاً- تعريف المسؤولية:
لقد استقر فقهاء القانون على أن المسؤولية هي تحديد نطاق مدى التزام الشخص الطبيعي أو المعنوي بأي التزامات تفرض عليه سواء بأحكام القانون، أو بالعقود والإتفاقات أو بالعرف، وأن الخروج على تلكم الالتزامات يتولد عنها مسؤولية أو مساءلة ذلك الشخص عن الفعل الصادر منه والمخالف للقانون.
1. هي: حالة الشخص الذي ارتكب أمراً ما يستوجب المؤاخذة.
2. أو هي: خطأ قانوني يتمثل في الإخلال بالتزام قانوني ويتعرض مرتكب هذا الخطأ لجـزاء قانوني”. وعليه يشترط...
1) أن يكون هناك مسلك خارجي يترتب عليه وقوع ضرر.
2) أن يكون هذا المسلك مخالفا لقاعدة قانونية.
ثانياً- أنواع المسؤولية بوجه عام:
تنقسم المسؤولية تبعاً للتعريفات السابقة إلى نوعين رئيسين:
النوع الأول: المسؤولية الأدبية
وهي: الحالة التي يوجد فيها الشخص الذي يخالف قاعدة من قواعد الأخلاق.
النوع الثاني: المسؤولية القانونية
وهي التي يترتب عليها جزاء قانوني جراء مخالفة واجب من الواجبات الإجتماعية، وهـي نوعان؛ مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية.
ثالثاً- أنواع المسؤولية القانونية:
تنقسم المسؤولية القانونية إلى نوعين:
المسؤولية الجنائية: وتعني تحمل الشخص لتبعات أفعاله الجنائية المجرمة بمقتضى في نص في القانون.
المسؤولية المدنية: ويراد بها إلزام المسؤول بأداء تعويض للطرف المضرور في الحـالات التي تتوفر فيها شروط هذه المسؤولية.
رابعاً - حالات المسؤولية المدنية:
• المسؤولية العقدية: فتترتب على عدم تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد على الوجه المتفق عليـه بين أطراف العلاقة القانونية.
• المسؤولية التقصيرية: أو المسؤولية غير العقدية: وهي تقوم على التزام قانوني مصدره نص القانون يقع على عاتق المسؤول بتعويض المضرور دون علاقة عقدية بينهما.
• مسؤولية حارس الأشياء: وهي مسؤولية ناتجة عن الإهمال وعدم الحيطة والحذر.
• مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعي: وهي مسؤولية افترضها القانون عند صدور أي إخـلال من جانب التابع بأي التزام فرضه القانون.
• مسؤولية متولي الرقابة (القيم – الولي – الوصي) وهي أيضاً تتحقق عند الإهمال في الرعاية والتوجيه؛ بما يترتب عليه إخلال في القوامة أو بالوصاية بأي التزام يفرضه القانون.
• المسؤولية المهنية: وهي مسؤولية الشخص عن أدائه للعمل المكلف بـه، والخـروج علـى مقتضى ذلك. وقد اشترط الفقهاء في تلك المسؤولية أن تكون ناتجة عن الخطأ المهني الجسيم، أما الخطأ العادي فهو لا يرتب أي مسؤولية تجاه مرتكبها.
• مسؤولية المحكم: وفق المقرر في جميع تشريعات التحكيم في معظم دول العـالم أن المحكـم معفي من المسؤولية مما يفرض إلقاء الضوء على ذلك بشئ من التفصيل في السطور التالية.
المطلب الثاني
الفرع الأول: الطبيعة القانونية لعلاقة المحكم بالخصوم في العملية التحكيمية:
أولا- طبيعة العلاقة القانونية بين المحكم والخصوم:
فيما سبق تعرضنا للمسؤوليات التي نظمتها التشريعات والقوانين وقد تبين أن أية التزامـات أو مسؤوليات لا تخرج عما سبق الإشارة إليه ولكي نبين ونحدد التزامات ومسؤوليات المحكم في هذا الإطار لا بد من تحديد وتكييف الرابطة القانونية التي تربط أو تنظم العلاقـة بـين المحكـم وأطراف الخصومة.
وقد تعددت وجهات نظر الفقهاء في النظر للعلاقة القانونية التي تربط المحكم والخصوم في العملية التحكيمية كالآتي:
الاتجاه الأول: يقول بأن علاقة المحكم بالخصوم علاقة تعاقدية
الاتجاه الثاني: يقول بإنها علاقة قضائية
الاتجاه الثالث: يقول بإنها علاقة مختلطة
الاتجاه الرابع: يقول بإنها علاقة ذات طابع خاص
وقد لوحظ تباين في وجهات نظر الفقهاء لدروب عدة، ويمكن إرجاع سـبب هـذا التبـاين للأسباب الآتية:
1. أن التحكيم بطبعه عبارة عن عملية مركبة معقدة.
2. تحديد مسائل التحكيم الإجرائية والموضوعية.
3. المراحل التي يمر بها التحكيم ابتداءا بالإتفاق عليه وتكوين هيئة التحكيم وســر الخـصومة وتنفيذ الحكم...إلخ.
ثانياً- تكييف العلاقة القانونية بين المحكم والخصوم:
لتحديد المسؤولية التي تلقي بظلالها على المحكم في العملية التحكيمية يتطلب ذلـك معرفـة طبيعة المهمة التي يخولها طرفا التحكيم للمحكم، وتوصيف المشرع القانوني لها.
1. علاقة تعاقدية: وفي ذلك اتجاهين...
1) أن العلاقة تنظيمية على اعتبار أن الاتفاق على التحكيم عبارة عن عقد من عقود القانون الخاص ويخضع لنظرية العقود المنصوص عليها في القانون المدني .
2) ويرى الرأي الثاني أن اتفاق التحكيم لا يخضع لعقود القانون الخاص وإنما هو عقـد ذو طابع إجرائي.
2. علاقة عقد وكالة: وحجة القائلين بهذا القول هو وجود تشابه بين المركز القانوني للمحكـم والوكيل، إذ إن كليهما يؤدي تصرفاً قانونياً يغلب عليه الطابع الشخصي.
3. علاقة عقد عمل: وأساس ذلك أن الطرفين يتفقان مع المحكم على إجارة عمله، وهذا الاتفاق ينشأ حقوقاً والتزامات متبادلة بين الأطراف.
4. علاقة عقد مقاولة: ووجهة نظر القائلين بذلك هو وجـود التقارب بين علاقـة المحكـم بالأطراف وبين عقد المقاولة لوجود عنصر الاستقلال الذي يتمتع به المحكم في ممارســته لمهمته دون الخضوع لرأي الأطراف.
5. عقد ذي طابع خاص: وأصحاب هذا الاتجاه يخرجون العقد عن دائرة العقود المسماة أو غير المسماة، وأنه ذي طابع خاص له طابع مستقل ولا يخضع للقواعد العامة المقررة لـسائر العقود وإنما يخضع للقواعد الخاصة المناسبة لطبيعة التحكيم و المحكم".
ثالثاً- رأينا في العلاقة بين المحكم والخصوم:
أرى أن هذه العلاقة بين المحكم والخصوم علاقة مختلطة، فهي تتفق مع العقود التي ينظمها القانون الخاص والعام، كما إنها تخضع للقواعـد العامـة مـن حيـث الإلتزامـات والحقـوق والمسؤوليات.
الفرع الثاني: التزامات المحكم:
أولاً- التزامات المحكم بوجه عام:
لو نظرنا إلى المحكم كقاض اختاره الأطراف، فإن من شأن ذلك إضـفاء المرونـة علـى مهمته، إلا أن هذه المرونة لا تعني خروجه عن الإطار القضائي للمهمة لتجعل منها شكلاً مختلطاً لا هو بالقضاء ولا هو بالصلح .
ومن الالتزامات التي تفرض على المحكم دون حاجة لنص يقررها الالتزامات الآتية:
1. القيام بمهمة التحكيم حتى نهايتها.
2. ضرورة الحفاظ على المستندات المقدمة إليه في الدعوى.
3. عدم إفشاء مضمون المستندت المقدمة إليه.
4. المحافظة على أسرار الخصوم فضلا عن كل ما يتعلق بالمعلومات والوقائع التي تصل إليه بمناسبة توليه لمهمة التحكيم.
5. الالتزام بدقة الإجراءات وفعاليتها والحرص على إتمامها في الشكل والميعاد المتفق عليه أو المقرر قانوناً.
6. عدم تفويض سلطاته للغير.
7. وعدم التنحي إلا لأسباب جدية، وإخطار الأطراف بذلك في وقت مناسب.
8. وعدم التعامل في المال المتنازع عليه بالشراء، أو التأجير، أو غير ذلك.
9. التعاون مع زملائه المحكمين، والعناية في اختيار المحكم الثالث عند تفويضه في اختيـاره مراعياً توافر كافة الشروط القانونية والإتفاقية الواجب توافرها فيه.
10. عدم الاتصال بأحد الأطراف في غيبة الطرف الآخر أو قبول هدية منه.
11. عدم استخدام أية معلومات نمت إليه من خلال معرفته بالنزاع لئلا يحكم بعلمه
ثانياً- التزامات المحكم في نصوص قانون التحكيم الإماراتي:
1. قيام المحكم بإصدار حكمه وفقاً للإجراءات الخاصة بدعوة الخصوم، وسماع أوجه دفاعهم، وتمكينهم من تقديم مستنداتهم.
2. يكون حكم المحكم على مقتضى قواعد القانون والنظام العام.
3. أن يقوم بتسبيب حكم التحكيم.
ثالثاً- المبادئ العامة لمراحل التزام المحكم:
1. التزامات المحكم في مرحلة الترشيح لمهمة التحكيم.
1) الإلتزام بالإفصاح عن أية ظروف أو ملابسات من شأنها إثارة شـكوك حـول حيدتـه واستقلاله.
2) لا يجوز له الاتصال بأطراف النزاع سعيا لتعيينه أو اختياره .
3) قبول المحكم لمهمتة التحكيم كتابة.
2. التزامات المحكم في مرحلة سير خصومة التحكيم.
1) التزام المحكم بالحياد.
2) الالتزام بالنطاق الموضوعي للتحكيم .
3) التزام المحكم بمراعاة حقوق الدفاع الأساسية للطرفين. وهي:
أ- مبدأ المساواة بين الخصوم.
ب- مبدأ مراعاة مواجهة الخصوم بعضهم بعضاً بإدعاءاتهم ودفاعهم. فلا يجـوز لـه سماع طرف إلا في مواجهة خصمه.
3. التزامات المحكم في مرحلة إصدار حكم التحكيم.
1) الالتزام بإصدار حكم التحكيم خلال الميعاد المحدد قانوناً أو اتفاقاً.
2) الالتزام بتسبيب حكم التحكيم.
3) الحفاظ على سرية المداولة.
4) الالتزام بتسليم صورة من الحكم لأطراف الخصومة في العملية التحكيمية.
4. التزامات المحكم في ما بعد مرحلة صدور حكم التحكيم.
1) الالتزام بالحفاظ على سرية وقائع الدعوى التحكيمية.
2) التزام المحكم بتفسير الحكم أو تصحيحه إذا طلب منه ذلك.
المبحث الثاني - المطلب الأول
الفرع الأول- مسؤولية المحكم:
أولاً- الطبيعة القانونية لمسؤولية المحكم:
• لقد أخذ القضاء على عاتقه مهمة اختلاق قواعد ونظام للمسؤولية المهنية يتجـاوز القواعـد العامة المتعارف عليها في الأنظمة القانونية المعمول بها.
• لذلك نجد ضرورة تتبع الخطى لوضع نظام لقواعد المسؤولية يكفل التوازن بين حرية المحكم آداء مهامه وحسن ممارستها، وبين حماية المتعاملين والإبقاء على نظــام التحكـيم ذاتـه في بطابعه المتميز.
• فقرار المحكم يؤثر في حقوق الأطراف، بل والدولة أيضاً في أحيان أخرى إذ تعرض علـى المحكم منازعات بمبالغ ضخمة لا يجدي بشأنها الاكتفاء بالجزاءات المعنويـة عنـد تـجـاوز المحكم لسلطاته أو إرتكابه من الأخطاء ما يلحق بالأطراف أقدح الأضرار.
• إذا كان الأصل التبرعي لمهمة المحكم قد أسهم في غياب مسؤولية المحكم لفترة طويلة مضت عن ساحات القضاء، فإن المبالغ الباهظة التي يتقاضاها المحكمون لا بد وأن تفرض علـيهم مسلكاً حريصاً، فلم تعد الجزاءات اليسيرة مقابلاً كافياً للمبالغ الضخمة التي يخسرها الأطراف على الأقل كأتعاب ومصروفات.
ثانياً- مبررات تقرير المسؤولية على المحكم:
1. لا تقبل أحكام التحكيم الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المقررة قانونا إلا في حالات محددة، وغالباً ما ترفض أغلب الطعون.
2. لا يكفل إبطال الحكم التحكيمي غالباً جبر الأضرار الجسيمة التي تلحق بالأطراف، بل يعـد في ذاته ضررا واجب التعويض عنه.
3. إن الدافـع وراء اللجـوء للتحكيـم هو الثقة في المحكم وفي عدالة حكمه، وفـي غيـاب قواعد المسؤولية ليـس هناك ما يضمـن عدالـة المحكـم، أو يحـول دون تحيـزه أو استبداده.
4. نظام الرد والإقالة للمحكم لا يحتج به كجزاء رادع للمحكم، فإتاحة إمكانية الإقالة والـرد لا تحول دون محاسبة المحكم عن أخطائه التي استوجبت رده، وأيضاً محاسبته عمـا تكبـده الأطراف من مشقة وتكاليف في الدعوى.
5. أوجه الخطأ التي قد تسبب للمحكم عند إخلاله بالقواعد الإجرائية أو الموضوعية، تشكل خطأ مزدوجاً فحواه:
1) انتهاك للقواعد القانونية ومن ثم الإخلال بواجبه القانوني.
2) إخلاله بالتزاماته في مواجهة الأطراف. وبالتالي ما لم يكن المحكم أهلاً لأداء المهمـة وارتكب أخطاء يؤثمها القانون مما يقتضي التعويض عنه استقلالا عن تصحيح هـذه الأخطاء.
6. إن تقرير قواعد واضحة لمسؤولية المحكم يستجيب لنداء العدالة التي تتأذى من وجود خطأ بدون عقاب.
ثالثاً- الأساس القانوني لمسؤولية المحكم:
من المعلوم أن الأنظمة القانونية قد نظمت التزامات المحكـم، وحـدود علاقتـه بـأطراف الخصومة، إلا أنها لم تعالج مسؤولية المحكم.
• وغياب هذه النصوص التي تقرر مسؤولية المحكم ستؤدي إلى عجز المتعاملين عن المطالبة بتحديد مسئوليته نتيجة لعدم وجود نصوص تدعم مطالبهم.
• ففي الدعاوى القليلة التي رفعت كان نصيبها الفشل، ما دفع إلى تجنـب المتعـاملين رفـع دعاوى جديدة غير مضمونة العاقبة، وهم قد فروا إلى التحكيم تجنبا لإضاعة الوقت.
• لكن... لا بد أن ندرك أن غياب النصوص لا يجب أن يكون حائلاً دون مساءلة المحكم، ولو اقتضى الأمر الرجوع للقواعد العامة في هذا الصدد مع مراعاة الخصوصية التي تتسم بهـا مهمة المحكم.
رابعاً- حالات مسؤولية المحكم:
تثبت مسؤولية المحكم سواء مسؤولية عقدية أو تقصيرية إما بسبب سلوكه الشخ بسبب خطأ مؤثر ارتكبه في الحكم وذلك كالتالي:-
1. حالات مسؤولية المحكم لأسباب ترجع إلى اتفاق التحكيم
1) صدور الحكم بغير وثيقة التحكيم
2) صدور الحكم بناءاً على وثيقة باطلة
3) صدور الحكم بعد انتهاء الميعاد
2. حالات مسؤولية المحكم لأسباب تتعلق بالإجراءات
1) التشكيل غير الصحيح لهيئة التحكيم". فإذا تسبب في ابطال الحكم لأمر يرجـع إلـى إهماله أو خطأه الجسيم كأن يتم اختيار وتشكيل المحكمـين بـشكل مخـالف لإتفـاق الأطراف، أو لنص القانون.
2) عدم احترام المبادئ الأساسية في التقاضي كالمساواة بين الأطراف، أو لم يحترم مبـدأ المواجهة مما أدى إلى بطلان الحكم.
3) مخالفة الحكم لقاعدة من قواعد النظام العام إجرائية كانت أو موضـوعية يعتبـر مـن التصرفات التي تبطل الحكم، كأن يحكم المحكم في نزاع يخرج عن نطاق اختصاصه مثل قضايا الجنايات وغيرها مما لا يجوز فيه التحكيم.
3. حالات مسؤولية المحكم لأسباب تتعلق بالحكم.
1) إذا تجاوز اختصاصه المخول له بشكل ظاهر.
2) إذا تجاوز قاعدة أساسية من قواعد الإجراءات مما تسبب في ضياع وقـت الأطـراف وجهدهم دون جدوى.
3) إذا تعمد أغفال الفصل في بعض طلبات الأطراف
4) إذا أصدر الحكم دون مراعاة لإتفاق الأطراف
4. حالات مسؤولية المحكم لأسباب تتعلق بالمسلك الشخصي للمحكم.
1) عدم إفصاحه للأطراف عن العلاقات التي لها تأثير على حيدته واستقلاله، كأن يحجـب عنهم علاقته القوية أو قرابته بأحد الأطراف.
2) إذا ثبت أنه أخذ رشوة تحت مسمى هدية أو هبة.
3) إذا وقع منه إهمال فادح، أو تسبب أو وقع منه خطأ جسيماً فـي تقـدير الوقائع أو الحلـول القانونية التي اعتمد عليها لحل النزاع أو في أدائه في تسيير إجراءات التحكيم بشكل خاطئ.
4) إذا امتنع امتناعاً غير مشروع عن إصدار الحكم.
5) إذا جاوز الميعاد المحدد لإصدار الحكم، أو انسحب من الإجراءات دون مبرر.
6) إذا أخفى أو أهمل واقعة أو طلباً من الطلبات، أو تصرف بسوء نية وكان من شأن ذلك أن يؤثر في الحكم شريطة أن لا يكون ذلـك راجـع إلـى تقـصير أو إهمـال أحـد الأطراف.
7) إذا كان للمحكم بموجب اتفاق الأطراف اختصاص تعيين محكم أو أكثر، أو كانـت لـه سلطة تحديد عددهم ولم يراع هذا الإتفاق أو لم يحترم القانون الواجب التطبيق في مثل هذا الوضع، أو أنه قد أساء الإختيار للمحكم بما من شأنه الأضرار أو عرقلـة سـير الإجراءات.
8) إذا أخفى أو أهمل واقعة أو طلباً من الطلبات أو تصرف بسوء نية وكان من شأن ذلـك أن يؤثر في الحكم شريطة أن لا يكون ذلك راجـع إلـى تقـصير أو إهمـال أحـد الأطراف.
9) إذا امتنع امتناعاً غير مشروع عن إصدار الحكم، أو جاوز الميعاد المحدد لإصداره، أو انسحب من الإجراءات دور مبرر.
خامساً- أثر ثبوت مسؤولية المحكم:
• خطأ المحكم المثبت لمسؤوليته هو الخطأ الجسيم المقصود بسوء نية، والذي ينتج عنه إحداث ضرر محقق وغير محتمل سواء بأحد الأطراف أو بهم جميعاً أو بالغير، مع ضرورة تـوافر علاقة السببية بين الخطأ الذي ارتكبه والضرر الذي أصاب المضرور.
• وعلى ذلك يكون المحكم مسؤولاً مسؤولية كاملة عن جبر هـذا الـضرر، وعلـى الطـرف المتضرر اللجوء إلى اتباع السبل والإجراءات والقواعد القانونية المقررة لإستيفاء حقه من هذا المحكم.
• ويختلف تقدير الخطأ بحسب شخصية المحكم، ومدى علمه، وثقافته ومستوى خبرته.
• ترفع الدعوى على المحكم بذات الإجراءات المعتادة لرفع الدعاوي وفي المواعيد المقررة أمام المحاكم المختصة طبقا للقواعد العامة.
• لذا تتضح ضرورة قيام الفقهاء وعلماء القانون أن يبادروا إلى تبني قواعـد تـحـد وتـنظم مسؤولية المحكم كما هو الحال مع القاضي وأعضاء السلطة القضائية وغيرهم من أصـحـاب المهن الأخرى.
الفرع الثاني: تقرير مسؤولية المحكم بين المعارضين والمجيزين:
الاتجاه الأول: يرى هذا الاتجاه أن مسؤولية المحكم في العملية التحكيمية مرفوضـة تمامـاً مستندا للمبررات والحجج الآتية:
1. أن تقرير مسؤولية المحكم بالسماح لأحد الخصوم برفع دعوى ضده هو باب خلفي، ووسيلة غير مباشرة للطعن على حكم التحكيم، ومراجعته أمام القضاء.
2. أن طبيعة عمل المحكم القضائية تحول دون طلب مناقشة الحكم، ومراجعتـه لمـا يـضفيه الطابع القضائي من حصانة على عمل المحكم.
3. من أجل توفير مناخ مستقر لممارسة مهمة التحكيم، وتخفيف العبء عن كاهله يعتين عـدم مسؤولية المحكم اكتفاءا بإلغاء الحكم.
4. مراعاة ما يتوفر للمحكم من نزاهة واحترام يحول دون تقرير مسئوليته حمايـة لمركـزه القضائي.
5. مراعاة هيبة نظام التحكيم، وما ينبغي أن يتوافر من احترام وفاعليه كوسيلة سريعة ناجحـة لفض المنازعات.
6. ما يفرضه الواقع العملي من صعوبة إثبات خطأ المحكم بسبب طابع السرية الذي تتسم بـه العملية التحكيمية.
الاتجاه الثاني: يرى هذا الإتجاه أن مسؤولية المحكم في العملية التحكيمية يمكـن تقريرهـا واعتبارها ممكنة مستندا للمبررات والحجج الآتية:
1. إن قبول المحكم مهمة التحكيم رغم وجود ما يمنع رده يمثل مخالفة جسيمة ترتـب عليهـا ضياع وقت وجهد ومال أطراف النزاع، يوجب المسؤولية لإخلاله بواجبات مهنة التحكيم.
2. إن مهنة التحكيم تدر على المحكم أرباحاً كبيرة، ومن ثم... يتعين أن يتحمل تبعة أي تقصير أو إهمال في أداء عمله.
3. لا تتاح فرصة إيطال حكم التحكيم إلا في حدود ضيقة، فضلاً عن عدم حصول الطـرف المتضرر على التعويض الجابر له، مما يتوجب معه مسائلة المخطأ والمتسبب في ذلك.
4. نظراً لما يتمتع به المحكم من سلطات أوسع حتى من القاضي العادي لما أولاه الأطراف له من ثقة، فإن عمله في العملية التحكيمية دون تقرير مسؤولية لا يضمن عدالته والحيلولة من استبداده.
5. إن تقرير قواعد واضحة لمسؤولية المحكم يستجيب لنداء العدالة التي تتأذى من وجود خطأ بدون عقاب.
المطلب الثاني- الفرع الأول
مجال مسؤولية المحكم بين المقيدين والمطلقين:
الاتجاه الأول: يرى هذا الاتجاه أن مسؤولية المحكم في العملية التحكيمية يمكن تقريرها عن الأخطاء المتميزة فقط مستندا للمبررات والحجج الآتية:
1. لأن عمل المحكم كالقاضي لابد من توفير الأمن والطمأنينة له حتى يتفرغ لمهمة التحكـيم، ولا يطارد من قبل الخصوم.
2. لمسائلة المحكم عن خطأه حكم ثابت عند غالب الفقه الفرنسي وذلك عـن الخطـأ العمـدي والسلوك التدليسي أو الذي ينطوي على غش .
3. تم تقرير هذه المسؤولية في بعض تشريعات الدول مثـل الـصين ومـا ورد في قانون الإجراءات المدنية الخاص بها وذلك عن الغش والإهمال الجسيم في أداء واجباته.
الاتجاه الثاني: يرى هذا الاتجاه أن مسؤولية المحكم في العملية التحكيميـة يـخـضع لحك القواعد العامة مستندا للمبررات والحجج الآتية:
1. أن المحكم ليس قاضياً، وبالتالي لا يلتزم بإتباع إجراءات مخاصمة القضاة عنـد مطالبتـه بالتعويض بسبب أخطاء ارتكبها.
2. أن المحكم شأنه شأن أي شخص يسأل إذا أخطأ، وترفع عليه دعوى التعويض
3. تم تقرير مثل هذه المسؤولية في بعض تشريعات الدول الأخرى مثل قانون التحكيم البرتغالي الصادر سنة 1986 على مسؤولية المحكم عن الأخطاء الصادرة منه .
4. تقرر مسؤولية المحكم في قانون التحكيم الإسباني عن الأضرار الناجمة عن خطأ أو غـش صدر منه.
5. إن تقرير مسؤولية المحكم في التشريعات السابق ذكرها غير مشترطة بوصف معين عـن جميع الأخطاء الصادرة عنه عمدية كانت أو غير عمدية.
الفرع الثاني: القانون واجب التطبيق على مسؤولية المحكم:
• لم يتصد المشرع في قوانين التحكيم لوضع نص تشريعي صريح يحدد القانون واجب التطبيق على مسؤولية المحكم.
• ويعتبر هذا الأمر في حد ذاته قصوراً تشريعياً، إلا أنه يمكن التغلب عليه بصفة خاصة مـن خلال إمكانية تطبيق القواعد العامة.
• ويختلف الأمـر فـي هـذا الشـأن إذا وقع اتفاق أطراف الخـصومة التحكيميـة علـى القانون واجب التطبيق، إذ يوجد إمكانية تطبيق هذا القانون على مسؤولية المحكـم بوجـه عام.
• تظهر إشكالية القانون واجب التطبيق على مسؤولية المحكم إذا لم يكـن هنــاك اتفـاق بـين الأطراف على القانون واجب التطبيق على النزاع الواقع بينهم.
• وعلى ذلـك يمكـن رجـح جانب من الفقه تطبيق قانون مقر التحكـيم وذلـك للمبـررات الآتية :
1. يعتبر قانون مقر التحكيم هو القانون المحلي أو الإقليمي، والقاعدة التقليدية هي خـضوع الفعل الضار لقانون موقعه.
2. أن قانون مقر وقوع الفعل الضار له الطابع الأمر.
3. ومن زاوية القانون الدولي الخاص يعتبر قانون مقر التحكيم هو الذي حكم الإجراءات. 4. سهولة تحديد ذلك القانون والرجوع إليه.
5. تقريب النظام القانوني للمحكم من النظام القانوني للقاضي يجعل من الصعب تجاهـل قانون مقر التحكيم.
الفرع الثالث: الاختصاص القضائي بدعوى المسؤولية ضد المحكم:
• لم يتصد المشرع في قوانين التحكيم لإنشاء تنظيم قانوني خاص بتعيين المحكمـة المختـصة بنظر دعوى المسؤولية ضد المحكم. .
• ويمكن القول بإختصاص المحاكم الوطنية عند توافر عدة ضوابط:
1. توافر ضابط اختصاص موضوعي مستمد من اتفاق التحكيم. وعنـدما ورد الـنـص فـي بعض قوانين المرافعات على أن المحاكم الوطنية تختص بنظر الدعوى مـا دام الأمـر متعلق بنشوء التزام أو تم تنفيذه، وذلك لأن اتفاق التحكيم وما ترتب عليه من التزام تجاه طرفيه تم في الدولة ذاتها.
2. إذا كان المحكم وطنياً فتختص المحاكم الوطنية بنظر الدعوى على اعتبار أنه من حاملي جنسية تلك الدولة، حتى إذا لم يكن له موطن أو محل إقامة فيها.
3. إذا كان المحكم أجنبياً وله موطن أو محل إقامة فـي ذات الدولـة. وذلك لأن المحـاكم الوطنية تختص بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة فيها.
4. في حالة تعدد المحكمين وكان أحدهم له موطن أو محل إقامة في تلك الدولة.
5. إذا قبل المحكم ولاية المحاكم الوطنية صراحة.
المطلب الثالث: الجزاءات القابلة التبطيق على المحكم:
أولاً- عزل المحكم:
الأصل أنه لا يجوز عزل المحكم إلا بتراضي الخصوم أطراف النزاع، وذلك لمنع أي د من وقف التحكيم، أو إطالة أمده عن المدة المتفق عليها، إلا أنه...
1. إذا تعذر على المحكم أداء مهمته.
2. إذا لم يباشر المحكم مهمة التحكيم أو انقطع عن أدائها دون سبب بما يؤدي إلـى تـأخير لا مبرر له في إجراءات التحكيم جاز للطرفين عزل بناء على طلب يقدم للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع.
ثانياً- رد المحكم:
لا يجوز رد المحكم إلا في وفق الضوابط الآتية:
1. إذا قامت ظروف تثير شكوكاً حول جديته أو حيدته أو استقلاله.
2. ولا يجوز لأي من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين.
3. يقدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبينا فيه أسباب الرد.
4. يتم تقديم هذا الطلب لهيئة التحكيم خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة، أو بالظروف المبررة للرد.
5. إذا لم يتنح المحكم المطلوب رده فصلت هيئة التحكيم في الطلب.
ثالثاً- إنهاء مهمة المحكم:
• إذا لم يباشر المحكم مهمة التحكيم أو انقطع عن أدائها دون سبب بما يؤدي إلـى تـأخير لا مبرر له في إجراءات التحكيم جاز للطرفين عزل بناء على طلب يقدم للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع ويترتب على ذلك إنهاء مهمة المحكم نهائياً وتنقطع كل صلة له بالدعوى التحكيمية.
رابعاً- دعوى التعويض ضد المحكم:
بالإضافة للجزاءات السابقة يمكن أن يلجأ المضرور إلى القضاء وبصفة خاصة في الحالات الآتية:
• الحالـة التـي يصدر فيها الحكم ثم يكتشـف أحـد الأطـراف وجود عيـب جـوهري فيه. • وأن خطأ المحكم الجسيم هو السبب الرئيس في إبطال الحكم التحكيمي.
خامساً- الفروض والمبادئ التي على أساسها يتم تقدير التعويض:
يوضع في الحسبان عند تقدير التعويض الأمور الآتية:
1. المصاريف الإدارية للعملية التحكيمية
2. الأتعاب التي تقاضاها المحكم، أو الأتعاب التي تستحق له
3. أتعاب المحاماة
الخاتمة:
وفي الختام نخلص لعدة توصيات آملين وضعها في الحسبان ووبذل الجهود لوضعها موضع التطبيق.
أولاً- إن مجرد وضع مبدأ قانوني في تشريعات التحكيم تحت عنوان "مسؤولية المحكـم سوف يعد دافعا حقيقيا لإجتهاد المحكمين، بل وتنقية ساحة المحكمين من غير المؤهلين.
ثانياٍ- إنشاء لائحة جزاءات معلنة في مراكز التحكيم تتضمن عقوبات واضحة توقع علـى المحكمين في الحالات التي يبطل فيها حكم التحكيم، أو تثبت مسؤوليتهم تجاه الأطراف.