الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / مسئولية المحكم / الكتب / التنظيم القانوني للمحكم / مسئولية المحكم:

  • الاسم

    دكتور طارق فهمي الغنام
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    281

التفاصيل طباعة نسخ

مسئولية المحكم:

   المحكم يجب أن يُسأل في مواجهة الأطراف عن الأضرار التي يمكن أن بهم من جراء أخطائه، لأن غياب قواعد المسئولية قد يؤدي إلي تقوية النزعة البشرية داخله، مما يؤدي إلي تحيز المحكم أو استبداده، فتقرير دعوى المسئولية تحقق الانضباط في مسلك المحكمين، ولا شك أن المحكم الكفء لن يخشى المسئولية. 

   و لقد اختلف الفقه حول أساس مسئولية المحكم، إلا أننا نرى - تأسيساً على ما سبق أن رجحناه - من أن المحكم يشغل مركزاً خاصاً مابين الفرد العادي و القاضي، وتأسيساً علي أن العلاقة التي تربطه أطراف مع النزاع علاقة عقدية، و لكونه فردا محادياً، فإن خطأه تترتب عليه مسئولية عقدية في مواجهة الأطراف، وإن كان المحكم يمارس مهمة ذات طبيعة قضائية إلا أنه لا يتمتع بالضمانات التي يتمتع بها القاضي، فهو لا يخضع لإجراءات المخاصمة في حالة المطالبة بالتعويض، بسبب أخطاء ارتكبها أثناء مباشرته لمهمته.

   ومن ناحية أخري فنظراً لأن المحكم يمارس مهمة ذات طبيعة قضائية، فهو لا يسأل عن أي خطأ سَبَّبَ لأي من الطرفين ضرراً، ذلك أن طبيعة مهمته تقتضي سلطة تقديرية كبيرة كما في تحديده للوقائع وتكييفها؛ لذلك فبمجرد صدور الحكم منطوياً علي خطأ، لا يعني ترتيب المسئولية التي تستوجب تعويض الضرر الذي أصاب أحد الطرفين من إبطال الحكم ما لم يتوافر غش أو خطأ جسیم أو تدليس. 

    وعلي ذلك فإذا كان البطلان راجعاً لإهمال المحكم لإمتناعه عن إصدار الحكم بدون عذر مقبول، فهو يختلف عن البطلان الذي لا دخل للمحكم فيه، ففي الأولي يُعد المحكم مرتكباً خطأ يستوجب مسئوليته ويُسأل عن التعويض، وفي الثانية لا يسأل و لو كان البطلان راجعاً لخطأ في التقدير أو تطبيق القانون أو في تأويله، فلا يُسأل عن تلك الأخطاء في حكمه، وبالتالي لا يكون مهدداً بدعوى المسئولية التي تشعره بعدم الطمأنينة في الأولي، و لقد اختلفت النظم القانونية في تناولها لمسألة المسئولية، فعلي سبيل المثال قامت ولاية كاليفورنيا بتعديل قانونها عام 1985 بإضافة نص يقرر إعفاء المحكم من أية مسئولية عدا الأخطاء التي يرتكبها، لتمتعه بذات الحصانة التي يتمتع بها القاضي

   و سارت علي نفس النهج، قواعد نقابة المحامين الدوليين، التي تقرر حصانة المحكم من المقاضاة، باستثناء حالات التحيز أو إغفال التزامات قانونية، إلا أنها اكتفت بتقرير الجزاء علي ذلك بإعفائه من مهمته وفقده لحصته في الأتعاب

    كذلك نجد أن المادة 31 من نظام تحكيم محكمة لندن للتحكيم الدولي تقضي بإعفاء المحكمة ( وتشمل هذه العبارة الرئيس ونائب الرئيس والأعضاء والكاتب ونائب الكاتب والمحكمين والخبير الذي تعينه المحكمة) من أية مسئولية تنشأ أثناء مباشرة المهمة الموكولة إليهم، إلا إذا كان هناك سوء نية منهم، وهذا أيضا ما أكدته المادة 36 من نظام هيئة التحكيم الأمريكية.

   أما المادة 39 من قانون التحكيم البرتغالي لعام 1986 تؤكد علي مسئولية المحكم عن الأخطاء الصادرة منه ومثال ذلك إذا رفض - دون مبرر جدي - أداء المهمة بعد قبولها.

ونفس الحكم نجده تقريباً في قانون الإجراءات المدنية اللبناني لعام 1983م ، وكذلك قانون التحكيم الاسباني الصادر في 5 ديسمبر 1988 الذي ينص صراحة علي مسئولية المحكم عن الأضرار الناجمة من جَرَّاء خطأ أو غش صدر منه المادة 16 ،1، ويتميز هذا المعيار بأنه يقرر مسئولية المحكم في جميع الحالات التي يثبت فيها وقوع خطأ منه، دون حاجة إلي التفرقة بين خطأ وآخر.

    وعلى ضوء ماتقدم فإن بلاد القانون الأنجلوسكسوني لا تعرف إلا مبدأ حصانة المحكم، وفي هذا الصدد تقضي المادة 29 من قانون التحكيم الانجليزي بحصانة المحكم وتابعيه من تحمل أية مسئولية، أثناء ممارسة المهمة الموكولة إليهم، إلا إذا ارتكبوا خطأ بسوء نية، وبالرغم من وجود مبدأ حصانة المحكم، إلا أنه يتحمل المسئولية الناشئة عن تنحيه، إذا ترتب عليها ضرر لأي طرف وفقاً للمادة 25 تحكيم انجليزي.

   ويرى البعض أنه إذا عُقدت مقارنة بين مبدأ مسئولية المحكم ومبدأ حصانته، لوجد أن المبدأ الأول يُفضّل على المبدأ الثاني، للأسباب الآتية: 

     1 - يُعد مبدأ مسئولية المحكم وسيلة كافية وملائمة، تدفع المحكم إلي أداء واجبه على أكمل وجه.

   2- يمنع مبدأ مسئولية المحكم - بخلاف مبدأ حصانته - وصول الأشخاص غير المؤهلين للتحكيم من أن يصبحوا محكمين ،فضلاً عن أنه يعمل على جلب المتخصصين لخوض تجربة عملهم کمحكمين 

    ونري أنه كما يقع علي عاتق المحكم مسئولية في حالة وقوع خطأ منه يستوجب المسئولية فإن هذه المسئولية تتحمل جزء منها الأطراف الذين قامت باختياره – مالم تتوافر سوء النية في حق المحكم – وذلك لأن الخطأ التي يُوصم به حكم التحكيم نتيجة لعدم تمتع المحكم بالقدر الكافي من الثقافة والعلم والخبرة و السلوك السوي، قطعا يختلف تقديره عن الشخص الذي يتمتع بتلك الكفاءات، و لما كانت مسئولية اختيار المحكم تقع في المقام الأول على عاتق الأطراف المتنازعة، فإن خطأ المحكم في الحالة الأولى يرتب مسئولية تختلف في تقديرنا عن الثانية، ففي الأولى يتحمل جزءاً منها الأطراف الذين أساءوا الاختيار، لأنهم لم يراعوا في إختيارهم المعايير الكافية والكفاءة اللازمة التي تتناسب و نوعية نزاعهم، فتوقع الخطأ وارد، ومن ثم فإنه – في تقديرنا - تختلف الآثار المترتبة علي كل من الخطاءين. 

   لا يعني مخالفة المحكم الالتزامات المفروضة عليه وجوب رفع دعوى المسئولية ضده، ولكن هناك بعض الجزاءات التي يمكن توقيعها عليه دون اللجوء إلى دعوى المسئولية، كرد المحكم عندما يثبت تحيزه عند وجود صلة له بأحد الخصوم، أو عزل المحكم في الحالات التي نص عليها المشرع أو توقيع جزاء مادي لجبر ما قد يتسبب عنه من أضرار الخصوم و سنتناول تلك الموضعات .