أحكام المسئولية العقدية لا تكفي لإعمال الأثر الإيجابي، بل يجب تنفيذ الالتزام تنفيذا عينا أي عين ما التزم به، وهو عرض النزاع على التحكيم، ولا يجدي هنا التعويض عن عدم تنفيذ الالتزام كما تقضي بذلك قواعد المسئولية العقدية، ولذا فإن تدخل القضاء السعودي في تشكيل هيئة التحكيم عند قيام عقبات أو صعوبات، إنما هو تدخل جاء تنفيذا للقوة الملزمة الاتفاق التحكيم، وإعمالا للأثر الإيجابي له؛ ولذا فلا غرو لو كانت عقبات أو نزاع بين أطراف اتفاق التحكيم حول تعيين المحكمين، أن يلجأوا للقضاء وفقا المبدأ القوة الإلزامية لاتفاق التحكيم.
ثالثا : مخالفة الإجراءات والشروط الخاصة بتشكيل أو إجراءات تشكيل الهيئة التحكيمية و كذلك يتدخل القضاء السعودي ليساعد في تشكيل هيئة التحكيم عند عدم الاتفاق بين الأطراف على إجراءات اختيار المحكمين، أو عند مخالفة أحد الأطراف لهذه الإجراءات، هذا من جانب الأطراف من جهة، ومن جهة أخرى يتدخل القضاء السعودي - كذلك - عند عدم اتفاق المحكمين المعينين على أمر يجب اتفاقهما عليه، وكذلك احتاط المنظم السعودي وقرر تدخل القضاء عند تخلف الغير عن أداء ما عهد به إليه في هذا الشأن. ففي الحالات الثلاث التي قد ترجع إلى فعل الأطراف أو المحكمين أو الغير، يتدخل القضاء السعودي لإزالة العقبات وفض المشاكل؛ حتى تتكون الهيئة التحكيمية وتدخل في حوزتها الخصومة محل التحكيم إعمالا للأثر الإيجابي لشرط التحكيم، وفي هذه الحالة مع المنظم السعودي كل الأحوال التي قد تعترض عملية تشكيل هيئة التحكيم او انعقادها، سواء بفعل أطراف التحكيم أو بفعل المحكمين أو بفعل الغير، سواء كان هذا الاخير شخصا أو مؤسسة، وبالتالي تشمل هذه الحالة جميع الفروض التي يخالف فيها أحد الأطراف الإجراءات أو الشروط التي اتفقوا عليها"
ومن تطبيقات القضاء السعودي في هذا الصدد الحكم في الدعوى التجارية رقم ۲۹۲۹/ق لعام 1435ه، الصادر من الدائرة التجارية الأولى بمحكمة الاستئناف الإدارية بالمنطقة الشرقية، والتي تتلخص نزاعا حدث بين طرفي الدعوين، وكان له بالتحكيم، حيث طلب وكيل المدعی في ختام الدعوي تعيين محكم من قبل محكمة الاستئناف عن المدعى عليه، فقيدت قضية وأحيلت إلى هذه الدائرة والتي قامت بدراسة أوراقها وعقدت في سبيل نظرها عدة جلسات: ففي جلسة
۱۶۳۵/۱۲/۲۷ ه حصر له وكيل المدعي بأنهم اختاروا... محكما من طرفهم، كما أفاد المدعى عليه بأنهم أختارو... محكما من طرفهم، وطلبا مهلة لاختيار المحكم المرجح.
وفي جلسة ۱۷/صفر/1436ه حضر من يمثل الطرفين، وبسؤال وكيل المدعى عليه أفاد أن المحكم المعين من طرفهم قد اعتذر على المشاركة في هيئة التحكيم الناظرة في هذه القضية، وأن موكله قد اتفق مع ... وبسؤال وكيل المدعي أفاد بأنهم لا زالوا متفقين مع المحكم... وطلب الطرفان مهلة ليتسنى للمحكمين الاتفاق على محكم مرجح. . وفي جلسة 1436/3/۲ ه حضر وكيل المدعى كما حضر المدعى عليه والمحكم من قبلهم، فقرر طرفا الدعوى أنهما اتفقا على اختيار... رئيسا الهيئة التحكيم مع عضوية المحكم المختار من قبل المدعي... والمحكم المختار من قبل المدعى عليه... وطلب طرفا الدعوى اعتماد هيئة التحكيم المتفق عليها، وبناء عليه قررت المحكمة اعتماد تشكيل هيئة التحكيم.
وفي نهاية عرضنا للحالات التي يتدخل فيها القضاء السعودي للمساعدة في تشكيل الهيئة التحكيمية عند وجود عقبات أو مشاكل تحول دون إتمام تشكيلها تدخلا منه لإعمال الأثر الإيجابي لشرط التحكيم، نجد أن المنظم السعودي جمع فأوعى كل الأحوال التي قد تثور أو تحول دون إتمام تشكيل الهيئة التحكيمية إقرارا منه بدور القضاء الفعال في التغلب على كل العقبات التي تواجه تشكيل او تمام تشكيل الهيئة التحكيمية أو انعقادها، متماشيا مع ما نص عليه قانون الأونسيترال من جواز تدخل القضاء لتعيين المحكم إذا لم يقوم الغير بأداء المهمة العودة إليه من أجل إتمام انعقاد الهيئة التحكيمية لدخول المنازعة في
أنه مطالبة المدعى بالبدء بإجراءات التحكيم وتسمية المحكمين له ما يقرره من ضرورة البدء بإجراءات التحكيم واعتماد وثيقة التحكيم). .
بينما لو كان النزاع ناشئا عن عدم اتفاق الطرفين على إجراءات اختيار المحكمين والسير في دعوى التحكيم وغير ذلك من الأحوال التي يحيلها نظام التحكيم السعودي للقضاء)، يكون على هذا الأخير التدخل لإدخال الدعوى التحكيمية أمام هيئة التحكيم.
وبعد استعراض أحوال تدخل القضاء في تشكيل الهيئة التحكيمية، علينا أن نعرض أحكام طلب تعيين محكم من القضاء السعودي.
أحكام طلب تعيين محكم من القضاء في النظام السعودي:
بقراءة نص المادة الخامسة عشر من نظام التحكيم السعودي التي حددت احوال تدخل المحكمة التعيين المحكمين، حددت كذلك المادة ذاتها إجراءات العين وسلطة المحكمة حيال ذلك، حيث إنه في حالة لو كانت هيئة التحكيم . مشكلة من ثلاثة محكمين اختار كل طرف محكما عنه ، ثم يتفق المحكمان على اختيار المحكم الثالث ، فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه خلال خمسة عشر يوما التالية لتسليمه طلبا بذلك من الطرف الأخر، أو إذا لم يتفق المحكمان المين . على اختيار المحكم الثالث خلال خمسة عشر يوما التالية لتاريخ تعيين أخرهما ؛ تولت المحكمة المختصة اختياره بناءا على طلب من يهمه طلب من يهمه التعجيل ، وذلك حال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الطلب، ويكون للمحكم الذي اختار المحكمان المعينان، أو الذي اختارته المحكمة المختصة رئاسة هيئة التحكيم ، وتسري هذه الأحكام في حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من ثلاثة محكمين. وتصدر المحكمة قرارها باختيار المحكم خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديم الطلب) ، والمحكمة التي تنظر هذا الطلب في المحكمة المختصة والتي حددتها الفقرة الثالثة من المادة الأولى من نظام التحكيم السعودي، والتي تنص على أن " المحكمة المختصة هي المحكمة صاحبة الولاية نظاما بالفصل في المنازعات التي اتفق على التحكيم فيها"، وهذه المحكمة هي تحدد وفقا لقواعد الاختصاص القضائي المنصوص في نظام المرافعات الشرعي وفقا لضوابط الاختصاص المحلي والقيمي والنوعي، والطلب المقدم بتعيين محكم يكون وفقا الإجراءات تقديم الطلب القضائي في المحكمة السعودية، وتتقيد المحكمة عند اختيار محكم بالشروط والقيود النظامية وما ينص عليه اتفاق التحكيم، ويأتي على أول ذلك الشروط الواجب توافرها في المحكم وهي كما نصت عليها المادة الرابعة عشر من نظام التحكيم السعودي وهذا يقترب مما نض عليه المنظم السعودي في شروط تعيين القضاة، وهو ما يدل على أهمية المحكم ومعاملة المنظم السعودي له معاملة تقترب من معاملة القضاء).