الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / مسئولية المحكم / الكتب / موسوعة التحكيم (التعليق على قانون التحكيم) / نطاق مسئولية المحكم في قانون التحكيم

  • الاسم

    د. أحمد مليجي
  • تاريخ النشر

    2011-01-01
  • اسم دار النشر

    النقابة العامة للمحامين لجنة الفكر القانوني
  • عدد الصفحات

    440
  • رقم الصفحة

    45

التفاصيل طباعة نسخ

نطاق مسئولية المحكم في قانون التحكيم:

محاولة بناء نظرية إجرائية تكون نقطة ارتكاز للانطلاق نحو وضع الوسائل الإجرائية الكافية لحماية القواعد الموضوعية وتفعيلها بالقدر الذي يناسب تطورات العصر وما واكتبه من ثورات معرفية هائلة أثرت على شتى المجالات الحياتية .

ويصدق ذات القول في خصوص الجزاء الإجرائي ، إذ إن هذا الجزاء لا يوقع إلا كأثر لتحقق الخطأ الإجرائي وهذا الأخير لا وجود له سوى بوجود التزام إجرائي يتم الانحراف عنه.

وهكذا يعد كل من الالتزام الإجرائي والخطأ الإجرائي مفترضين أساسيين القيام المسئولية الإجرائية وكذلك لتوقيع الجزاء الإجرائي.

ثالثا : من حيث التنظيم نظرا لكون المسئولية الإجرائية والجزاء الإجرائي ذا صبغة إجرائية - وكما ذكرنا آنفا - فإن القواعد المنظمة لهما تندرج ضمن قواعد السياسة الشرعية ، وذلك خلافا للقواعد الموضوعية المنظمة للحقوق والالتزامات و التي تندرج في قواعد الحل والحرمة والتي تولى الشارع الحكيم أمر تنظيمها واستأثر لنفسه بسن أحكامها.

وعلى ذلك فإن النسق التشريعي المتبع في تنظيم أحكام المسئولية الإجرائية هو ذات النسق المقرر في خصوص الإعداد التشريعي لفكرة الجزاءات الإجرائية، ولعل هذا الوجه من التشابه مترتب على اتحاد كل من الم الإجرائية والجزاء الإجرائي في الطبيعة.

مظاهر التمييز بين المسئولية الإجرائية والجزاء الإجرائي:

إن التشابه بين المسئولية الإجرائية والجزاء الإجرائي من حيث الطبيعة وطفترض تحقق كل منهما والتنظيم - على نحو ما ذكرنا - يجب ألا يقودنا إلى الفول بالاختلاط بين الفكرتين إلى حد الخلط أو المزج بينهما، فالتشابه في الطبيعة واتحاد البيئة الإجرائية لا ينفي الذاتية المستقلة لكل فكرة من هاتين الفكرتين ، فهما غير مترادفتين ، بل إنهما فكرتان متميزتان لكل منهما دور واضح ومميز في المنظومة الإجرائية للخصومة القضائية.

ولكي يستبين لنا تمایز فكرة الجزاء الإجرائي عن المسئولية الإجرائية عرض لأهم أوجه هذا التمييز في نقاط ثلاث على النحو التالي :

أولا : من حيث الترتيب الزمني } إن وجود التزام إجرائي وتحقق الخطأ الإجرائي المتمثل في الانحراف عن مقتضى هذا الالتزام و تحقق الضرر الإجرائي و رابطة السببية - حال استلزام ذلك - يستتبع قيام المسئولية الإجرائية في حق المنحرف ، وهو ما يستتبع توقيع أجزاء إجرائي في مواجهته ، وهكذا فإن التتابع المنطقي يقرر تحقق المسئولية الإجرائية قبل توقيع الجزاء الإجرائي ، فلا يتصور نشوء الفكرتين معا في وقت واحد ، كما لا يستساغ - عقلا أو منطقا - توقيع الجزاء الإجرائي قبل تحقق المسئولية الإجرائية.

ومتى وجد تراخ زمني وتتابع منطقي بين الفكرتين فهذا ينفي وحدتهما بالصورة التي تعني الخلط والمزج بينهما ، أو التي تدفع إلى القول بأنهما مترادفتان ، فلكل فكرة مستلزماتها التي يجب أن تتحقق أولا مع اختلاف وقت تحقق هذه المستلزمات في خصوص هاتين الفكرتين.

 من حيث الوظيفة :

لا شك أن لكل فكرة إجرائية دورها المحدد والبارز في المنظومة الإجرائية ها ، ولا شك كذلك في اختلاف الدور الذي تقوم به فكرة المسئولية الإجرائية من ذلك الدور الذي تؤديه فكرة الجزاء الإجرائي ، وهو ما يقطع بتمایز ک لا الفكرتين عن الأخرى.

تفصيل ذلك أن الوظيفة الإجرائية التي تقوم بها المسئولية الإجرائية تكمن في تأكيد أن ثمة واجبا إجرائيا قد تمت مخالفته بما يوجب ويحتم ضرورة توقيع جزاء إجرائي ، بينما تتمثل الوظيفة الإجرائية لهذا الأخير في مواجهة الخلل الذي الحق بالمنظومة الإجرائية والتصدي لتعكير صفو السير الطبيعي لإجراءات الخصومة القضائية بإنزال الأثر الإجرائي المترتب على تحقق المسئولية الإجرائية بما يعيد الأمور إلى نصابها ويعيد للمنظومة الإجرائية توازنهاكي يدفعها قدما للأمام نحو تحقيق غايتها المنشودة.

فقبول القاضي رشوة وإصدار حكمه لصالح الراشي يعني قيام المسئولية الإجرائية في حق القاضي ، ذلك أن من المقرر- على سبيل المثال - وجود التزاما إجرائيا سلبيا يقع على كاهل القاضي بالامتناع عن قبول الرشوة بل يمنعه من قبول هدايا الخصوم ، وقد انحرف القاضي عن هذا الالتزام حين قبل الرشوة، وهو ما يعني تحقق الخطأ الإجرائي في مسلكه ، وهذا كله ينقلنا إلى مرحلة أخرى هي العمل على إعادة الأمور إلى نصابها وجبر القصور الذي أصاب . المنظومة الإجرائية فعطلها عن أداء وظيفتها في تقرير الحق لصاحبه ، وهذا يخرج عن وظيفة المسئولية الإجرائية ويندرج في وظيفة الجزاء الإجرائي ويتمثل في إهدار كل قيمة للحكم الذي أصدره القاضي المرتشي.

ففي المثال المذكور يتضح جليا التمايز بين وظيفة المسئولية الإجرائية ووظيفة الجزاء الإجرائي ، إذ لا شك في أن تقرير خطأ القاضي والقول بخروجه على مقتضى قواعد الخصومة القضائية يختلف تماما عن إبطال الحكم الذي أصدره القاضي بالمخالفة لتلك القواعد.

وهكذا تختلف وظيفة الجزاء الإجرائي في مضمونها عن ولا الإجرائية وإن كانتا تلتقيان في كونهما صمام أمان يعملان على د الفعلي والواقعي لإجراءات اقتضاء الحقوق والفصل في المنازعات و النسق الذي تقرره القواعد المنظمة لهذه الإجراءات ، وهو ما يضمن الخروج على مقتضى هذه القواعد وإزالة العراقيل من أمامها كي تمضیق التحقيق أهدافها المنشودة.

هذا، ويجب التمييز بين نوعين من الوظيفة لكل فكرة إجرائية ، ذلك أن كل إجراء أو نظام إجرائي متكامل إنما يهدف لتحقيق هدف حال مباشر وهدف آخر مستقبلي أو نهائي ، فمثلا الضوابط الإجرائية لمبدأ الحيدة تهدف بصورة مباشرة إلى تنزيه القاضي عن كل النقائص التي يتعين على من يتولى القضاء في الخصومات التخلي عنها ، وهذه النقائص تتمثل في كل ميل نفسي لأحد الخصوم أو ضده ، وتهدف - أي الضوابط الإجرائية لمبدأ الحيدة - في ذات الوقت إلى تحقيق هدف مستقبلي أو نهائي يتمثل في تحقيق العدالة.

كذلك فإن فكرة المسئولية تهدف بصورة مباشرة إلى التأكد من انسجام النظام القضائي وإجراءات الخصومة القضائية مع القواعد الإجرائية المنظمة لهذه الإجراءات ولذلك النظام ، فهي المؤشر الذي يكشف عن مدى تحقق هذا الانسجام، ثم إنها تهدف بصورة نهائية إلى تحقيق العدالة الإجرائية ، كما أن الجزاء الإجرائي يهدف بصورة مباشرة إلى تحقيق مواجهة لكل الأخطاء التي ترتكب كي يتحقق السير المنضبط للإجراءات المنظمة لنظر النزاع ، وبصورة نهائية يهدف الجزاء الإجرئي إلى تحقيق ذات الهدف النهائي المتوخى من فكرة المسئولية الإجرائية.

ولذا نستطيع القول بأن نطاق الاختلاف الوظيفي بين الجزاء الإجرائي والمسئولية الإجرائية يكمن وفقط في نطاق الهدف المباشر أو الوظيفة المباشرة لكل منهما، أما في خصوص الوظيفة النهائية لكلتا الفكرتين فهي واحدة ومتحدة ، بل إن الوظيفة النهائية أو غير المباشرة لكل إجراء أو فكرة إجرائية واحدة ولا تختلف ولا تتباين باختلاف النظم الإجرائية أو تباين الإجراءات وتتمثل في تحقيق العدالة الإجرائية.