يعطى المحكم عادة سلطات تقديرية واسعة في تضمين حكمه تكاليف التحكيم وتحديد كمياتها، وهذه السلطات تتبع في استخدامها الأسلوب القضائي، فحيث تصدر أحكام بتكاليف غير عادية يجب أن تقترن باعطاء الأسباب ،
ولا يقتصر حكم المحكم على تحديد تكاليف التحكيم بل قد يمتد إلى تحديد الطرف المستفيد والطرف الذي يلتزم بالأداء وأسلوب أداء هذه التكاليف كلياً أو جزئياً .
أولا : تكاليف الاحالة : Costs of the Reference
وهي النفقات التي يتكبدها أطراف الخصومة من جراء نزاعهم المنظور أمام المحكم فهي تغطي نفقات المفاوضات حول شروط التحكيم" الذي يستخدم للمساعدة في تحضير الحكم التحكيمي وأجور الممثلين القانونيين لأطراف التحكيم وأجور الخبراء وأجور الشهود وأي تكاليف أخرى يتحملها أطراف النزاع من تاريخ بدء التحكيم حتى نهاية المرافعة Hearing ويدخل فيها كذلك النفقات التي يتكبدها المحكم بموافقة الأطراف مثل أجور المحاسب الذي يستخدمه المحكم بموافقة الأطراف لفحص دفاتر أحدهم وحضور ممثل الطرف الثاني عمليات المحاسبة .
ثانياً: تكاليف الحكم التحكيمي Costs of the Award
وهي النفقات التي تدفع في سبيل اصدار الحكم التحكيمي كالأجور التي تدفع للمحكم مقابل أتعابه وتعويضه عما يتكبده من نفقات ، والتي يطلبها المحكم مقابل تسليمه الحكم التحكيمي لأطرافه ، ويمكن أن تأمره المحكمة بتسليم الحكم التحكيمي لأي من أطراف التحكيم إذا قام هذا بدفع رسوم المحكم في المحكمة "، كما يدخل في تكاليف الحكم التحكيمي الرسوم التي تدفع لأي فني أو قانوني يستخدم لمساعدة المحكم أو المحكمين ورسوم المحامي الذي يستخدم للمساعدة في تحضير الحكم التحكيمي .
ثالثاً : . مدی سلطة المحكم التقديرية في تقدير التكاليف : Extent of Discretion
مع أن المحكم يتمتع بسلطة واسعة في تقدير النفقات والمصاريف المتعلقة بالتحكيم، إلا أن هذه المسلطة مقيدة بالمدي الذي تصل إليه المحاكم رغم أن مدى سلطة المحكم فيها يتعلق بتكاليف التحكيم تختلف باختلاف اتفاقيات التحكيم وشروطها فيها يتعلق بالتكاليف لكن ذلك مقيد بضرورة ممارسة المحكم لسلطنة بأسلوب قضائي لأن حكمه يخضع لمراجعة محكمة الاستئناف تماماً كما لو كان حكاً قضائياً، فهو يتقيد بالوقائع المتصلة بالنزاع والتي أمكن اثباتها بحضوره، أو التي استخلصها بنفسه من مجريات الأمور المتصلة بالنزاع فليس له أن يخرج عن موضوع الدعوى أو يتحيز بدافع عرقي أو ديني لصالح الطرف الخاسر .
وللمحكم سلطة واسعة في التقدير إذا لم تفيد هذه السلطة باتفاق التحكيم، ولا تتدخل المحكمة في هذه السلطة لمجرد أنها تمارس هذه السلطة بطريقة مختلفة، كما لا يحتاج المحكم لذكر الأسباب في حالة ما إذا كان حكمه في التكاليف يختلف عن القاعدة المعتادة من أن «التكاليف تتبع الحدث > Costs follow the Event ، والتي تعني بأن الطرف الخاسر يدفع جميع التكاليف الناجمة عن الإحالة للتحكيم كما تعني بأن الطرف الرابح يعوض عن جميع التكاليف التي دفعها، فإذا ذكر الأسباب في الحكم أو في تصريح أو إقرار اتبع بدعوى بطلان الحكم التحكيمي، فإن المحكمة لا تتدخل في سلطة المحكم التقديرية"، ولا تثور صعوبات في تطبيق مبدأ التكاليف تتبع الحدث إذا كانت القضية بسيطة حيث أن الدعوى إما أن تنجح كلية أو تفشل كلية، وحيث لا يرتكب الطرف الرابح أي خطأ من جانبه، لكن ما يثير الاشكالات هو نجاح الدعوى جزئياً أو قد يكون هناك دعوى مضادة قد تنجح كليا أو جزئياً أو أن المدعى عليه قد يتقدم بعرض يقبله المدعى وفي كل هذه الحالات يتعرض المحكمون للنقد المحاولتهم تقسيم التكاليف مناصفة بين الأطراف بغض النظر عن نجاح أو فشل الدعاوي المنظورة"، ويمكن بيان الظروف التي تحيط بالأحكام المتعلقة بالتكاليف من النظر إلى ما جاء في أحد القضايا، فقد أصدر المحكمون في هذه القضية حكماً لصالح اصحاب سفينة ضد مستأجرين Charterers ولكنهم حكموا بمسئولية أصحاب السفينة لدفع تكاليفهم الخاصة بالإحالة، ونصف تكاليف حكم التحكيم فحاول أصحاب السفينة أبطال الحكم فيها يتعلق بالنفقات على أساس أن المحكمين أخطأوا في اصدار مثل ذلك الحكم .
ومما قاله القاضي موكانا Mocatta J بأنه لا توجد أسس تبرر الابتعاد عن القاعدة العامة (النفقات تتبع الحدث)، ولذا كان على المستأجرين أن يدفعوا لأصحاب السفينة تكاليف التحكيم ولكن، حيث أن المستأجرين قد دفعوا بالفعل جميع تكاليف الحكم الذي تسلموه فلا حاجة لأي أمر يتعلق بتكاليف الحكم ، وعليه أبطل الحكم بالقدر الذي يتعلق بالتكاليف .
وفي قضية أخرى سار الحكم على منوال الحكم السابق حيث صدر الحكم التحكيمي لصالح أصحاب السفينة ولكن بالمخالفة للقاعدة العامة - النفقات تتبع الحدث - حكم بأن نفقات المرافعة والحكم لصالح المستأجرين وقد فسر المحكم حكمه بأن المستأجرين عرضوا على أصحاب السفينة مبلغاً أكثر مما حكم لهم بالتحكيم، وقد شرح ذلك القاضي دونالدسون Donaldson J بقوله : إذا لم يحصل المدعى على أكثر مما عرضه عليه المدعى عليه فإن استمرار التحكيم يعتبر مضيعة للوقت والنقود، ولذا فمن الطبيعي أن يسترجع المدعى تكاليفه حتى تاريخ تقديم عرض التسوية من المدعى عليه، وعلى المدعى أن يدفع التكاليف الناجمة عن التحكيم بعد ذلك التاريخ الى المدعى عليه فإذا حصل المدعى على أكثر مما عرض عليه، فإن المدعى عليه يلتزم بدفع جميع التكاليف حتى صدور الحكم .
كما أن الطرف الرابح يسأل عن التكاليف الزائدة التي نجمت بخطئه مثل تغيبه عن جلسة، أو جلسات التحكيم أو تأخيره في تقديم الطلبات المتعلقة بتعديل المذكرات، فكل هذه التكاليف الزائدة يتحملها الطرف الذي كان سبباً في نشوئها بأمر من المحكم وقت ارتكاب الخطأ دون نظر إلى نتيجة التحكيم، على أن تكون سلطة المحكم في تقديرها متناسبة مع ما أضاعه ذلك الطرف من وقت ونقود .
ـ اغفال الحكم التحكيمي للتكاليف :
إذا صدر الحكم التحكيمي دون ذكر لتكاليف الاحالة، فإن أي شخص طرف في الاحالة يستطيع، خلال أربعة عشر يوماً من تاريخ نشر الحكم أو الوقت الذي تأمر به المحكمة، أن يقدم طلب للمحكم ليأمر بدفع التكاليف . تحديد مع الطرف الملتزم بدفعها، والطرف المستفيد منها، وعليه، فإن المحكم بعد سماع الطرف الذي يرغب في المرافعة أمامه بهذا الشأن، تعديل حكمه لمعالجة التكاليف ، فإذا لم يعالج الحكم تكاليف التحكيم أو تكاليف الحكم فإنه يكون ناقصاً، وتقوم المحكمة باحالته ثانية للمحكم للفصل فيها أو لبيان الأسباب التي قامت عليها بعض أوامره أو لإعادة النظر في هذه الأوامر .
ويكفي أحياناً أن يصدر المحكم حكمه الخاص بالتكاليف بشكل جزافي Lump sum لصالح الطرف الرابح مع أن هذا المبلغ قد يكون أقل من المبلغ الذي قد يحكم به .
وأخيراً فإن على المحكم أن يفصل حكمه بالتكاليف عن الرسوم المستحقة له كمقابل لأتعابه في التحكيم مع حق أطراف الخصوم بالطعن في تقديره لأتعابه .
ـ الخلاصة العامة : نخلص من كل ما سبق أن هناك شروطاً يجب توافرها في الحكم التحكيمي حتى ينفذ بحق أطرافه وهذه الشروط قد تتعلق بالنواحي الشكلية أو الموضوعية وكذا الشروط المتعلقة بالأوامر التي يتضمنها الحكم التحكيمي والشروط المتعلقة بالتكاليف والنفقات الملازمة لعملية التحكيم ومدى مطابقة أحكام التحكيم لاتفاقيات التحكيم التي يبرمها الأطراف فيها بينهم على أن لاتخالف النصوص القانونية، وبغير ذلك تتعرض أحكام التحكيم المراجعة المحاكم التي قد تبطل الحكم التحكيمي أو تعيده ثانية للمحكم أو المحكمين لتعديله أو إعادة النظر فيه وعلى هذا يكون الحكم التحكيمي سلياً إذا توافرت فيه جميع الشروط السابقة بحيث لا يتعرض لأي طعن من أي طرف وينفذ في مواجهة أطرافه لسلامته وخلوه من مكامن الطعن.