الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / الطبيعة القانونية لهيئة التحكيم / الكتب / مسؤولية المحكم المدنية / نظرية الطبيعة التعاقدية لعمل المحكم

  • الاسم

    المحامي / محمد نظمي محمد صعابنه
  • تاريخ النشر

    2008-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    266
  • رقم الصفحة

    47

التفاصيل طباعة نسخ

 

 ويرى أنصار النظرية العقدية أن التحكيم له طبيعة تعاقدية، إذ أن اتفاق التحكيم وحكم المحكم يكونان كلاً واحداً وتتجمع عملية التحكيم في شكل هرم قاعدته في هذا الاتفاق وقمته هو هذا الحكم الذي يبدو مجرد عنصر تبعي في هذه العملية، ويستند هذا الاتجاه إلى أن اتفاق التحكيم مجرد عقد يتم قبل بدء إجراءات الخصومة ويخضع لما تخضع له عقود القانون الخاص، وإن قرار المحكم يتقيد بإرادة الخصوم ويتأثر بالعيوب التي تشوبها 

ويرون أن التحكيم طالما يقوم على أساس إرادة الأطراف فتكون له الطبيعة العقدية، وأن الأطراف باتفاقهم على التحكيم يتخلون عن بعض الضمانات القانونية والإجرائية التي يحققها النظام القضائي، أن المحكم ليس من قضاة الدولة بل شخصاً عادياً وقد يكون أجنبية، ويملك رفض قبول المهمة دون أن يعد منكرا للعدالة، كما أنه يستمد سلطاته من اتفاق الأطراف الذين يختارونه ويقبلون حكمه. وقد ركز أنصار الطبيعة العقدية.

وقد سحب أنصار هذه النظرية الطبيعة التعاقدية للتحكيم على وظيفة المحكم، إذ يرون أن منبع وظيفة المحكم هو العقد المبرم بين المحكم وأطراف الخصومة التحكيميةكما أن نص المادة 1102 من القانون المدني الفرنسي عرفت العقد بأنه: اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص آخرين، كما إننا نلاحظ أن المشرع الفلسطيني لم يضع تعريفا للعقد وخيراً فعل، لأن الأفضل أن تكون التعاريف عمل من أعمال الفقه، ونرى أن أفضل تعريف للعقد يتمثل في كونه توافق بين إرادتين أو أكثر على أحداث أثر قانوني..

يكون العرض المقدم من الخصوم للمحكم للقيام بالمهمة التحكيمية يعد إيجاباً من الخصوم وإذا صادف هذا الإيجاب قبولا من المحكم لمهمته انعقد العقد. فنجد أن هناك ارتباطا تعاقديا بين المحكم والخصوم، إلا أن هذا العقد يتميز بإن موضوعه ينصب على خدمة يقدمها المحكم إلى الخصوم قوامها الفصل بالنزاع المطروح عليه.

انتقادات النظرية:

التركيز على الجانب الإرادي في خصومة التحكيم. ويضاف إلى ذلك تعذر تكييف نوع العلاقة العقدية التي تربط المحكم بالأطراف، فقد ذهب الفقه في هذا الصدد إلى مناحي شتى. فكيفها البعض على أنها من قبيل الوكالة. فهذا التكييف قد ينطبق على المحامي إلا أنه لا ينطبق على المحكم لأنه ليس وكيلا عن الخصوم، وقد لجأت بعض الأحكام تفادياً لهذه الانتقادات إلى ابتداع معنى جديد لفكرة الوكالة تقوم على المصلحة المشتركة التي تجمع أطراف النزاع، وقد استند هذا الرأي على استقلال المحكم وعدم إمكانية عزله إلا بموافقة جميع الخصوم.

ولم تلق فكرة التكييف الإجرائي رواجاً في الفقه، إذ اعترض عليها استناداً إلى أنها مجرد علاقة عقدية تخضع للقواعد العامة للعقود دون القواعد الإجرائية التي تنظم الأعمال الإجرائية.

فمقارنة علاقة المحكم والأطراف بأطراف عقد المقاولة قد ينطبق في بعض الوجوه إذا ما نظرنا إلى ما يتوافر في هذا العقد من عنصر الاستقلال الذي يتمتع به المحكم في ممارسته لمهمته دون الخضوع لرأي الأطراف

فهناك اختلاف جوهري يتمثل في أن محل العقد هو القيام بمجهود ذهني وليس بدنياً، فضلا عن وجود علاقة تبعية تفرضها علاقة العمل لا تتوافر بالنسبة للمحكم الذي يتمتع باستقلال في مواجهة الأطراف وهذا الاستقلال الفني لا يتعارض مع خضوع المحكم الاتفاق الأطراف أو لأحكام القانون، 

النقد الموجه لهذه النظرية 

وقد ذهب رأي في الفقه إلى أن أنصار النظرية العقدية كانوا يهدفون إلى إنكار الطبيعة القضائية لحكم التحكيم لاستبعاد الرقابة على أحكام التحكيم باعتبارها أحكاما أجنبية.

تقيم النظرية

توثيق هذا الكاتب

أن مثار هذه الانتقادات جميعاً للنظرية أو ما يعيبها هو مبالغتها في التركيز على نطاق سلطان إرادة الخصوم في عملية التحكيم، على الرغم من أن هذه الإرادة لا تكفي في ذاتها لبناء نظام التحكيم. فالمحكم- وإن كان يستمد سلطته من اتفاق الخصوم على التحكيم - يمارس هذه السلطة، والتي ينظمها القانون للمحكم، استقلالاً عن إرادة الخصوم، والتي تتلاشى بدورها بمجرد انعقاد التحكيم وبدء سير الدعوى التحكيمية.

أضف إلى ما سبق أن دور الإرادة ينحصر في تحريك نظام التحكيم، وهو لا يختلف عن دورها في تحريك قضاء الدولة الذي لا يحكم إلا بناء على طلب الخصوم وفي حدود طلباتهم. كما يعيب على هذه النظرية بتقديرنا هو التركيز على الإطار الاتفاقي الذي تنشأ في إطاره مهمة المحكم في مرحلة الاتفاق على التحكيم، فهذا الإطار الاتفاقي يوجد تقاربا على الأقل ظاهرياً، بين مهمة المحكم وغيرها من المهام ذات الطابع العقدي كالوكالة والمقاولة، وقد دفع هذا التقارب إلى الخلط بين مهمة المحكم وغيرها من المهام، وكان لهذا أثره السلبي على تجديد نطاق سلطاته وأسبغ على مهمته كثيرا من الشك والغموض.

فالعقد في ذاته لا يحل النزاع، وإذا كانا لا ننفي وجود اتفاق بين الأطراف على حسم النزاع بالتحكيم فيجب عدم الخلط بين هذا الاتفاق وبين التحكم ككل، فإذا كان التحكيم لا يكون إلا باتفاق بين الأطراف فإن هذا لا يعني أن التحكيم مجرد عقد أو نظام تعاقدي. مما دفع الفقه والقضاء إلى تبني فكرة الطبيعة العقدية هو التركيز على الطابع الرضائي للجوء إلى التحكيم.

وفي تقديرنا، أن مسايرة هذا التكييف يرتب حتما إنكار الطبيعة القضائية الحكم المحكم ويفقده الحجية وقوة الشيء المحكوم فيه، وينحصر في وصف مهمة الموفق التي لا تتجاوز اقتراح حل يرضي جميع الأطراف، ولا يعبر

عن مهمة المحكم الذي يحسم النزاع نهائياً بحكم ملزم يستقل بإصداره من خلال إجراءات مخاصميه في جوهرها تمهد له الطريق لتحقيق ادعاءات الخصوم، وفحص المستندات والأدلة المقدمة إليه.

كما أن غياب فكرة الخصومة هو أمر ينفيه الواقع العملي، فتعارض المصالح الذي يعكسه وجود النزاع يحتم ظهور اعتبارات الخصومة.