والذي يظهر لي: أن العدالة شرط لصحة الولاية، فلا يولي الإمام إلا من كان عدلاً، فإن خالف الإمام وولى فاسقاً صح ما وافق الحق من أحكامه ضرورة.
وقد صرح الحنفية، والمالكية، والحنابلة: بالكلام عن هذا الشرط في الحكم، واختلفوا فيما إذا حكم الخصمان فاسقاً: هل يجوز ذلك؟ على قولين :
القول الأول: لا يحكم الفاسق، ولا يجوز حكمه.
وهذا قول بعض الحنفية، وقول الأكثر من المالكية، وقول الحنابلة.
وعللوا : بأن الفاسق ليس أهلاً للقضاء، فلا يجوز تحكيمه.
القول الثاني: يجوز تحكيم الفاسق، ويصح حكمه.
وهو ظاهر الرواية عند الحنفية، وقول بعض المالكية.
وعللوا: بأن الفاسق من أهل القضاء.
والذي يظهر لي: أنه لا يجوز تحكيم الفاسق، وأنه يشترط في الحكم العدالة، ويكفي فيه الظاهرة دون البحث عن حاله إذا كان التحكيم تاماً لجميع إجراءات القضية ورضي الخصمان باختياره، أما إذا اختاره القاضي فلابد من تحقيق العدالة فيه ظاهراً وباطناً.
وأما إذا كان التحكيم جزئياً ورضي الخصمان بتحكيم رجل فاسق نفذ قوله عليهما؛ ذلك أن التحيكم الجزئي إذا كان في المجال الذي يقرر فيه المحكم قوله بناء على خبرة ونحوها فإنه يعد شهادة، ومبنى قبول الشهادة على من رضي الخصم به شهيداً قوله - تعالى -: (ممن ترضون من الشهداء)، وهذا يقتضي أنه يقبل في الشهادة على حقوق الآدميين من رضوه شهيداً بينهم ولا ينظر إلى عدالته، كما يكون مقبولاً عليهم إذا ائتمنوه فيما ائتمنوه عليه.