الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / شروط المحكم فى الشريعة الإسلامية / الكتب / التحكيم في الشريعة الاسلامية / الجمع والفرقة بين الزوجين من قبل الحكمين عند الشقاق الزوجي

  • الاسم

    د. عبدالله بن محمد آل خنين
  • تاريخ النشر

    1420-01-01
  • اسم دار النشر

    مؤسسة فؤاد بعينو للتجليد
  • عدد الصفحات

    447
  • رقم الصفحة

    248

التفاصيل طباعة نسخ

 

 أولاً: أحوال الجمع بين الزوجين:

إذا حصل الشقاق بين الزوجين وبان سببه مما لا يوجب الفرقة بينهما وجب الجمع، ومن ذلك حالان، هما:

 الحال الأولى: إذا كان سبب الشقاق مطالبة الزوجة لزوجها بأمر لا يسوغ شرعاً:

لقد ذكر المالكية أنه إذا كان الشقاق بين الزوجين بسبب منع الزوج لزوجته من الخروج إلى الحمامات ونحوها، أو تأديبها على ترك الصلاة، أو زواجه عليها فلا يكون ذلك ضررا موجبا للتفريق بين الزوجين، بل يجمع بينهما.

الحال الثانية: إذا ظهر أن سبب الشقاق من الزوجة هو تخبيب أهلها أو غيرهم:

 الذي يحدث أحياناً أن يقوم أهل الزوجة من أم ونحوها أو غير أهلها بتخبيبها على زوجها؛ إما بغضاً منهم للزوج، وإما لغير ذلك من الأسباب، فيحملون زوجته على شقاقه والمطالبة بفراقه، وقد تستجيب الزوجة لهم إما مجاملة للأهل، وإما إغراره بها منهم أو من غيرهم، وتكون الزوجة في الحقيقة غير مبغضة للزوج، ولا كارهة له، ولا متمنية فراقه، وقد جربنا القضاء وعرفنا أمثال هذه الحال - بإقرار الزوجة نفسها أحيانا -، ولذا وجب على الحكمين التحقق من هذه الحال وما يماثلها، فإذا حدثت وجب الجمع بين الزوجين إذا أمكن صلاح حالهما بذلك، لكن إذا انقلب ذلك مع المشاقة والمخاصمة إلى بغضاء حقيقية من الزوجة فتعامل في هذه الحال معاملة الكارهة لزوجها.

مسألة: حكم الجمع بين الزوجين على شرط يشترطه الحكمان:

والذي يظهر لي: أنه يؤخذ بالشرط الصحيح الذي لا ينافي النكاح مما لا يحرم حلالاً ولا يحل حراماً، ويلزم الزوجان به إذا غلب على الظن أنه سوف يزيل الشقاق.

 ثانياً: أحوال الفرقة بين الزوجين:

القول الأول: إذا بان ظلم الزوج لزوجته وإساءته لها وإضراره بها، ولم ترض بالمقام معه: فرق بينهما بطلاق.

وهذا مذهب المالكية، وقول ابن تيمية (ت: ۷۲۸ه) من الحنابلة.

القول الثاني: لا يفرق بين الزوجين بدون رضاهما ولو كانت الإساءة والنشوز من الزوج.

وهو مذهب الحنفية، والظاهرية. ولم أقف على ما استدل به الفريقان.

والذي أرجحه: هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول؛ لما يلي:

 ١- قوله - تعالى -: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)

فقد أوجب الله - عز وجل - على الرجل إمساك المرأة بالمعروف أو تسريحها بإحسان، فإذا أضر بها فقد تعذر الإمساك بالمعروف ووجب التسريح بإحسان.

 ۲ - ما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - «لا ضرر ولا ضرار »، فإذا ثبت ضرر الزوج وجب عليه إزالته، فإذا تعين الطلاق سبيلا له وحب، وقرره الحكمان، فإن امتنع منه الزوج استوفاه الحاكم؛ لأن من وجب عليه حق فامتنع عن أدائه استوفاه الحاكم. الحال الثانية: إذا كانت الإساءة من الزوجة فقط، والزوج محسن إليها:

إذا كانت المخالفة والإساءة من قبل الزوجة، ولم يحصل من الزوج ضرر ولا إساءة فهل يفرق بين الزوجين؟

لقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال، هي:

القول الأول: إذا كانت المخالفة والإساءة من الزوجة فقط فلا يفرق بينهما إلا أن تطلب الزوجة ذلك ويرضى به الزوج فتكون مخالعة.

وبذلك قال بعض المالكية، وابن تيمية (ت: ۷۲۸ه) من الحنابلة في أحد قوليه.

ولم أقف على ما عللوا به.

القول الثاني: أن الحكمين إذا رأيا صلاح في التفريق بينهما فرقا على شيء يأخذانه منها للزوج، وإذا لم يريا صلاحاً في ذلك لم يفرقا بينهما وائتمناه على الزوجة.

وبه قال بعض المالكية.

زاد بعض المالكية: أنه إذا استوت مصلحة الفرقة ومصلحة البقاء رجع إلى اجتهاد الحكمين في البقاء والفرقة.

ولم أقف على ما عللوا به.

 القول الثالث: أنه إذا فقد الاتفاق والتآلف وحسن التعاشر بين الزوجين.

والذي أرجحه: هو القول الثالث؛ لما يلي: ١- قوة ما علل به قائله.

۲- قوله - تعالى -: ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )، فقد أوجب الله - عز وجل - على الرجل إمساك زوجته بمعروف أو تسريحها بإحسان، وإذا تعذر الإمساك بالمعروف النشوز المرأة وطلبها الفراق وجب التسريح بإحسان. ٣- ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: «جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله!

بغض الزوجة لزوجها وكراهيتها له وهو محسن إليها:

إذا كانت الزوجة تبغض. زوجها وتكرهه وهو محسن إليها فهل يفرق بينهما؟

اختلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: يفرق بين الزوجين جيرا ولو لم يرض الزوج؛ لبغض المرأة لزوجها وكراهيتها له - ولو لم يحصل منه إساءة لها.

وبذلك قال الشافعية في المعتمد عندهم.

 ولم أقف على ما عللوا به.

القول الثاني: أنه لا يفرق بين الزوجين لبعض المرأة لزوجها وكراهيتها له إلا أن يرضى الزوج بذلك فيخالعها، ما لم يكن هناك ما بيح الفسخ من وجه آخر.

وهو أحد قولي ابن تيمية (ت: ۷۲۸ه).

 ولم أقف على ما علل به. • الترجيح:

والذي أرجحه: هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من الفرقة بين الزوجين جبراً إذا كرهت الزوجة زوجها وطلبت ذلك ولو لم يرض الزوج بذلك بعد بعث الحكمين للوقوف على أسباب الكراهية ومحاولة إزالتها أو الصلح بينهما، ودليل ذلك قصة امرأة ثابت بن قيس بن شماس فقد جاء فيها قول الزوجة: «لكني لا أطيقه») وفي رواية: «لا أطيقه بغضاً»)، وقوله - - للزوج: «خذ الحديقة وطلقها تطليقة». مسألة: كم يملك الحكم من طلقة إذا قيل بأن له ذلك؟

ذكر العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية: أنه لا يجوز للحكم أن يطلق أكثر من واحدة، وما ذكروه ظاهر؛ لأن الزيادة على الواحدة بدعة، وقال التسولي (ت: ۱۲۰۸ه) من المالكية: «وإن أوقعا - يعني الحكمين - أكثر من طلقة واحدة فلا تلزم إلا واحدة».

وذكر بعض الشافعية: أننا إذا قلنا: إن المبعوثين حكمان استقل حكم الزوج بالطلاق إذا رآه.

وقد سبق أن رجحت أن الحكمين شاهدا خبرة، فلا يطلقان، بل يبينان رأيهما للقاضي في الجمع والفرقة، فإذا توجه التفريق فرق القاضي بواحدة، وهي بينونة صغرى ليس للزوج المراجعة، بل له الرجوع برضا الزوجة بعقد جديد مستكمل لأركانه وشروطه الشرعية.

لكن لو وكل الزوج حكمه بالطلاق: جاز وله إيقاع طلقة واحدة.

وقد قرر الحنابلة في الوكالة على الطلاق: بأن من وكل على طلاق امرأته مطلقة لم يملك الوكيل سوی واحدة فقط.

تقرير العوض من قبل الحكمين أو نفيه عند توجه الفرقة في الشقاق الزوجي:

للحكمين إذا قررا الفرقة بين الزوجين أن يجعلا ذلك بعوض باسترداد المهر أو بعضه - أو بدون عوض حسب الاقتضاء، فالأحوال ثلاثة:

الحال الأولى: الفرقة من غير عوض على الزوجة للزوج:

الحال الثانية: الفرقة بالمهر كاملاً تسلمه الزوجة للزوج:

ولها صورتان:

القول الأول: إذا كانت الزوجة هي الظالمة بنشوز أو بغض أو غيره، وليس من الزوج ظلم ولا إساءة فإن المهر في حال طلب الزوجة الفرقة يتقرر كاملاً للزوج من غير زيادة.

القول الثاني: إذا كانت الإساءة من الزوجة وفرق بينهما فيكون على عوض يقدره الحكمان حسب اجتهادهما بما يريانه مناسبا للطرفين ولو بأزيد من المهر.

والذي أرجحه: هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أنه إذا كانت الإساءة أو البغض والكراهية إنما هي من الزوجة وليس من الزوج شيء فإن الفرقة تكون بالمهر كاملا وما يتبعه من شو حلي سلمت لهما من الزوج من دون زيادة.

ودليل ذلك ما يلي:

 ١- قوله - تعالى -: (وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فأتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون).

فالله - جل ذكره - جعل لمن فاتت عليه زوجه من المسلمين ففرت إلى الكفار أن يدفع إليه مثل مهره، وفي هذا دلالة على أن المرأة إذا طلبت الفرقة من زوجها وتوجه لها ذلك من غير إساءة من الزوج فله مهره كاملاً، ولا تحير الزوجة على زيادة المهر في هذه الفرقة؛ لأن الله - تعالى - قال: (مثل ما أنفقوا) ولو كانت الزيادة مستحقة للزوج لأشارت إليها الآية.

الصورة الثانية: إذا أشكل أيهما الظالم:

والذي يظهر لي: أنه إذا علم الظلم أو الإساءة من الزوجين معاً فإن الفرقة تكون ببعض المهر، والأصل أنه إذا تساوت الإساءة أو جهل قدرها كانت الفرقة بنصفه، وإذا كان أحدهما أظلم كان بجزء منه حسب حصة إساءته، ثلثا أو ربعا وهكذا، وقد جعل الله للمطلقة قبل الدخول نصف المهر في قوله: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم)، فدل على أصل مشروعية تجزئة المهر عند الفرقة.

اختلاف الحكمين في الشقاق الزوجي، وموقف القاضي منه:

 المراد باختلاف الحكمين عند الشقاق الزوجي:

 هو تنازعهما في الرأي بحيث يصير رأي كل واحد منهما مباينا الأخر، سواء اختلفا في الفرقة والجمع، أم في تقرير العوض.

صور اختلاف الحكمين في الشقاق الزوجي:

 الصورة الأولى والثانية: اختلاف الحكمين في الجمع أو الفرقة وتقرير العوض أو نفيه عندها:

والذي يظهر لي: أن الحكمين إذا اختلفا في الفرقة والجمع لم ينقذ درهما، وإذا اتفقا على الفرقة واختلفا في تقرير العوض بمال أو بدونه، فقال أحدهما: الفرقة على عوض، وقال الآخر: الفرقة بدون عوض فإن قولهما يمضي في التفريق.

وإذا التزمت الزوجة بإعادة المهر وما يتبعه، أو رضي الزوج بإسقاطه، أو اصطلحا على إعادة بعضه وبينا مقداره: جاز ذلك ونفذ ما قرره الحكمان من الفرقة.

وإذا لم تلتزم الزوجة بالعوض المقرر، أو لم يرض الزوج بإسقاطه: عاد الأمر إلى القاضي في تقرير العوض، فيرده إلى حكمين آخرين لتقريره أو نفيه إن أمكن وإلا اجتهد هو في تقريره أو نفيه حسب الأصول السالف ذكرها؟ الصورة الثالثة: اختلاف الحكمين في قدر العوض:

 إذا رأى الحكمان الطلاق على عوض واختلفا في قدره، أو صفته، أو جنسه صح الطلاق وكان حسب خلع المثل ما لم يزد خلع المثل دعواهما جميعاً أو ينقص عن دعوى أقلهما.

وبذلك قال المالكية.

وعلى ذلك فإن زاد عوض خلع المثل على دعوى أكثرهما أخذ بالأكثر دون عوض خلع المثل؛ لأن الزيادة لم يدعها أحد، وإن نقص عوض خلع المثل عن دعوى أقلهما أخذ بالأقل دون عوض خلع المثل؛ لإقراره بالزيادة المقررة على خلع المثل.

ولما ذكره المالكية قوة مع مراعاة أحكام التفريق (على عوض، أو بدونه، أو بتجزئته) - المار ذكرها- ما لم يتجاوز العوض الزيادة على المهر وما يتبعه، وقد سبق أن رجحنا منع الزيادة.

ويكون تقدير عوض المثل عند الاختلاف فيه بين الحكمين من قبل حكمين آخرين إن أمكن، وإلا اجتهد القاضي في تقريره طبق الأصول.

موقف القاضي عند اختلاف الحكمين في الجمع والفرقة:

* رأيي في ذلك: ا الذي يظهر لي: جواز الأخذ بأحد الأمرين: إما إعادة التحكيم من الحكمين آخرين، وإما الاستظهار بحكم ثالث يعاد التحكيم باشتراكه من الحكمين الأولين، وما يتقرر بعد إعادة التحكيم ينفذ سواء اتفق عليه الحكمان أم الأكثر منهما إن كانا ثلاثة.

فإذا لم تجد إحدى الوسيلتين فهذا من صور العجز عن التحكيم، وسيأتي في المبحث القادم.

ووجه الأخذ بأحد الأمرين السابقين ما يلي:

١- قوة أدلتهما وعدم تعارضهما، فيحمل كل منهما على الصورة الملاقية له؛ لأن الاختلاف اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد،

وإعمال الأدلة على وجه يصح أولى من إهمال بعضها.

 ۲- أن الحكمين في الشقاق الزوجي شاهدان - كما سبق بيانه في توصيفهما -، ويمكن إعمال الشهادة هنا بأحد الوجهين السابقين ( إعادة التحكيم، أو الاستظهار بحكم ثالث ).

أما لو اختلف الحكمان بعد استيفاء ما سبق: تعارضت أقوالهما فتهاترت، ويكون ذلك من صور العجز عن التحكيم، وسيأتي بيانه.

العجز عن التحكيم في الشقاق الزوجي، وموقف القاضي منه:

 المراد بالعجز عن التحكيم:

هو تعذر التحكيم بأي وجه، سواء كان لعدم الحكمين، أو لعدم رضا الزوجين بهما، أو لاختلاف الحكمين بعد إعادة التحكيم أو نحو ذلك.

صور العجز عن التحكيم وموقف القاضي منه:

 الصورة الأولى: إذا لم يوجد الحكمان:

رأيي في ذلك:

والذي يظهر لي في ذلك: أنه إذا غيم الحكمان، أو تعسرا، أو عجزا فلم يتوصلا إلى نتيجة عند التحكيم أو بعد إعادته ولم يتمكن الاستظهار بثالث فإن القاضي ينظر القضية، ويقرر ما يظهر له شرعاً مجمع أو فرقة، بمهر أو بدونه أو ببعضه؛ لأن العجز عن التحكيم أو تعسره يكون من قبيل العجز عن البيئة ورجوع القاضي إلى الأصول الشرعية.

كما أن تعارض أقوال الحكمين عند إعادة التحكيم يكون من قبيل تعارض البينات ونهاترها وعودة القاضي إلى الأصول الشرعية.

وأما رضا الزوجين بالتحكيم - كما هو قول بعض العلماء - فلا يشترط؛ لما رجحناه سابقا، ولكن اختيارهما والرضا بهما من قبل الزوجين أفضل وأكمل، وعليه فإن القاضي يبعث حكمين للنظر في الشقاق بين الزوجين من دون رضاهما.

وأما إذا امتنع الزوجان من الحضور لدى الحكمين فإن كان لدي الحكمين معرفة تامة بحالهما أو استكشفا ذلك من أهلها أو جيرانهما أو من له معرفة بهما أغنى ذلك عن حضورهما لدى الحكمين، وقرر الحكمان ما يريانه بشأنهما من جمع أو فرقة، بعوض أو بدونه، فإذا تعذر الك على الحكمين فإن القاضي ينظر القضية ويقرر ما يظهر له شرعا يجمع أو فرقة، مهر أو بدونه.