الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / شروط المحكم فى الشريعة الإسلامية / الكتب / التحكيم في الشريعة الاسلامية / الأحوال التي يبعث فيها الحكمان، وشروط مختلف فيها لبعثهما عند الشقاق الزوجي

  • الاسم

    د. عبدالله بن محمد آل خنين
  • تاريخ النشر

    1420-01-01
  • اسم دار النشر

    مؤسسة فؤاد بعينو للتجليد
  • عدد الصفحات

    447
  • رقم الصفحة

    221

التفاصيل طباعة نسخ

 

 الذي أرجحه: هو القول الثالث، وذلك بمشروعية بعث الحكمين ولو علم كون الشقاق من أحد الزوجين دون صاحبه.

والدليل قوله - تعالى -: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما)، ونشوز الزوجة، أو جفاء الزوج وإضراره بها، وترك معاشرتها بالمعروف أو تسريحها بإحسان: شقاق - كما مر سابقا-، فتشمله دلالة الآية.

كما أن من أهداف بعث الحكمين التي أشارت إليها الآية الإصلاح بين الزوجين (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) والإصلاح مأمور به ولو مع معرفة الظلم من أحدهما.

وظهور الظلم والشفاف من أحد الزوجين لا ينافي بعث الحكمين أو يعارضه؛ ذلك أن الشقاق وإن ظهر من أحدهما فإن البحث عن أسبابه ودوافعه مما يساعد على علاجه بصلح ونحوه، كما أنه يساعد على كشف القضية ووضوحها للقاضي، وعلى ضوئه يقرر الجمع أو الفرقة، بعوض أو بدونه.

 

وهذا ما عليه العمل الآن. وليس في قوله - تعالى -: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) وما يعارض ما رجحناه، ذلك أن هذه الآية جاءت في إرشاد الزوج لوسائل معالجة نشوز الزوجة، فإن لم يباشر هذا الحق أو لم يثمر استعماله مع الزوجة ورفع دعواه الحاكم أو رفعت هي الدعوى فقد أوجب الله بعث الحكمين.

كما أنه ليس في قوله - تعالى -: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً) ما يعارض ما رجحناه؛ ذلك أن هذه الآية دالة على أن للمرأة أن تضع برضاها شيئا من حقوقها تسترضي بذلك الزوج، وذلك واضح الدلالة من نفي الجناح، ولكن المرأة إذا أبت أن تضع شيئا من ذلك وجب على الزوج إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان، فإن أبى وأصر على جفائها أو الإضرار بها: كان الشقاق، ووجب بعث الحكمين عند الترافع إلى الحاكم.

ومما يدخل في نشوز الزوجة دعواها بغض زوجها وكراهيتها له من غير اعتداء أو تقصير تنقمه عليه، على أنه لا يدخل في ذلك مثل: دعوى العيوب التي يدعيها أحد الزوجين على صاحبه؛ لأن القاضي يطلب الإثبات من مدعیه و يحكم بما يقتضيه الشرع.

الحال الثانية: إذا وقع الشقاق بين الزوجين ولم يعلم الظالم منهما:

متى وقع الشقاق بين الزوجين، ولم يعلم الظالم منهما، بأن غبي خبرهما وعمي واشتبه حالهما ولم يعلم المحق منهما من المبطل: شرع بعث الحكمين. وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، والطبري (ت: ۳۱۰ه).

واستدلوا بعموم قوله - تعالى -: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكم من أهلها)، فذلك يشمل إذا عم الشقاق الزوجين معاً حتى تشتبه فيه حالاهما فلا يعلم الظالم منهما.

. وما ذكروه ظاهر.

الحال الثالثة: إذا وقع الشقاق بين الزوجين وعلم كونه منهما معاً:

إذا ظهر من كل واحد من الزوجين تعد وظلم لصاحبه: شرع بعث الحكمين.

وبذلك قال أبو محمد ابن قدامة (ت: 520)، وأبو الفرج ابن قدامة (ت: 482هـ) من الحنابلة، وقيدا بعث الحكمين بأنه يتم إذا لم يجد المشرف .

واستدلا بقوله - تعالى -: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما.

قلت: بعث الحكمين في هذه الحالة ظاهر، لكن لا يشترط لبعثهما عدم حياد المشرف، بل لا يشرع بعث المشرف على الراجح.

ووجه الدلالة من الآية ما يلي:

  1. أنه إذا علم كون الشقاق من الزوجين معا فقد شرع بعث الحكمين ينص هذه الآية؛ للوقوف على أسبابه وبذل الجهد لإزالته.

  • أن الآية أشارت إلى هدف يطلب من الحكمين تحقيقه ويتم بعثهما وهو الإصلاح بين الزوجين وإن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما وذلك يكون ولو علم الشقاق منهما معاً.

شروط مختلف فيها لبعث الحكمين عند الشقاق الزوجي:

الشرط الأول: أن يتقدم بعث الحكمين إسكان الزوجين بجانب مشرف:

والذي أرجحه: هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، بدليل قوله - تعالى - :( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها)، فالله - عز وجل - أمر ببعث الحكمين ولم يوجب قبل ذلك تعيين مشرف، والقول بلزومه قبل ذلك زيادة لم تثبت بكتاب ولا سنة، وفيه تطويل للفصل في القضية، وللحكمين عند بعثهما أن يحققا مع الخصمين ويكشفا عما علم به الظالم منهما.

والذي أرجحه: أنه لا يشترط رضا الزوجين وتوكيلهما للمبعوثين؟ لأن الله - عز وجل - أطلق الأمر ببعثهما ولم يقيده برضا الزوجين ولا توكيلهما، قال - تعالى -: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها.

ولكن اختيار الزوجين للحكمين ورضاهما ببعثهما أكمل وأولى إن أمكن، ويكفي أن يرضي حكمه ويختاره ولو لم يرض بالحكم الآخر الذي اختاره الزوج المخاصم، وعليه العمل.

الشرط الرابع: اشتداد الشقاق بين الزوجين:

والذي يظهر لي: أنه متى وقع الشقاق وترافع الخصمان للحاكم ولو لم يشتد الشقاق بينهما أو يتكرر فإن الحاكم يبعث الحكمين؛ ذلك لأن قوله - تعالى -: (وإن خفتم شقاق بينهما) جاء عامً يشمل كل شقاق شديداً أو غيره، متكررة أو غيره.

أما إذا لم يترافع الخصمان للحاكم فلا يتدخل لبعث حكم بينهما إلا إذا اشتد الشقاق؛ إذ ربما أراد الزوجان السير على نفسيهما وكل الشقاق من قبلهما.

قال اللخمي (ت: 4۷۸ هـ) - من المالكية -: إذا اختلف الزوجان وخرجا إلى ما لا يحمل من المشائمة والوثوب كان على السلطان أن يبعث حكمين ينظران في أمرهما وإن لم يرافعا ويطلب ذلك منه، ولا يحل له أن يتركهما على ما هما عليه من الإثم وفساد الدين.