اتفاق التحكيم / اثر اتفاق التحكيم على ولاية المحكم على المسائل المستعجلة وإصدار الأوامر الوقتية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم الالكتروني الدولي في منازعات التجارة الدولية / الإجراءات التحفظية والوقتية
وبالاطلاع على قانون التحكيم المصري نجد أنه قد فتح الطريق أمام الدولة وقضاء التحكيم، للأمر بالتدابير الوقتية أو التحفظية، حسب اختيار الطرف الراغب في الحصول على الحماية المستعجلة عن طريق تلك التدابير.
فهو من ناحية، جعل الاختصاص لقضاء الدولة إذا لجأ إليه أحد المحتكمين. وجاء ذلك بالمادة 14 بنصها أنه "يجوز للمحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون أن تأمر، بناء على طلب أحد طرفي التحكيم، باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها".
ويلاحظ على هذا النص أن اختصاص قضاء الدولة بالأمر بالتدابير الوقتية أو التحفظية لا يتوقف على تشكيل هيئة التحكيم. ذلك أنه حتى ولو تم تشكيل تلك الهيئة فإنه يمكن للطرف المتضرر أن يلجأ إلى قضاء الدولة.
وعلى كل حال، فإن لجوء الأطراف إلى قضاء الدولة هنا لا يعني التنازل عن اتفاق التحكيم وثبوت الاختصاص لهيئة التحكيم بالفصل في أصل الحق أو موضوع النزاع.
من ناحية أخرى، قد جعل الاختصاص أيضاً لهيئة التحكيم، إذا اتفق الأطراف على ذلك. وهذا ما جاء بنص المادة ٢٤ حيث قرر أنه "(1) يجوز لطرفي التحكيم الاتفاق على أن يكون لهيئة التحكيم بناء على طلب أحدهما أن تأمر أياً منهما باتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة أو تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع وإن تطلب تقديم ضمان كاف لتغطية نفقات التدابير الذي تأمر به. (2) وإذا تخلف من صدر إليه الأمر عن تنفيذه جاز لهيئة التحكيم بناء على طلب الطرف الآخر، أن تأذن لهذا الطرف في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، وذلك دون إخلال بحق هذا الطرف في أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون الأمر بالتنفيذ". ولا صعوبة في إدراك أن الفقرة الأولى من النص المشار إليه تعلق ممارسة هيئة التحكيم لاختصاصها في الأمر بالتدابير التحفظية .
وقد عالجت الفقرة ٢ من المادة ٢٤ حالة امتناع الطرف الذي صدر إليه أمر اتخاذ التدابير المؤقتة من هيئة التحكيم عن تنفيذه. بنصها على أنه "إذا تخلف من صدر إليه الأمر عن تنفيذه، جاز لهيئة التحكيم بناء على طلب الطرف الأخر، أن تأذن لهذا الطرف في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، وذلك دون الإخلال بحق هذا الطرف في أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون الأمر بالتنفيذ". وبهذا وضعت هذه الفقرة حلين يتوقف الأخذ بأحدهما على إرادة الطرف الذي طلب اتخاذ التدبير، وهذان الحلان هما:
الأول: أن يطلب هذا الطرف من هيئة التحكيم التصريح له باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ أمرها الموجه للطرف الآخر، وذلك بطبيعة الحال على نفقة هذا الطرف الآخر.
والقضاء في هذا الفرض لا يأمر باتخاذ تدبير مؤقت أو تحفظي ولكنه يأمر فقط بتنفيذ تدبير سبق وأمرت به هيئة التحكيم.
وهذا من ناحية التحكيم التقليدي، أما عن الإجراءات التحفظية والوقتية في التحكيم الإلكتروني، فنجد أن محكمة الفضاء قد نظمت هذه المسألة بالمادة 18 من تنظيمها ونصت على أنه "(1) لهيئة التحكيم أن تتخذ أي إجراء وقتي أنه تری ضروري لصيانة موضوع النزاع. (2) ولا يعد تنازلاً عن اتفاق التحكيم أومخالفاً له تقدم أحد الطرفين إلى المحكمة المختصة للمطالبة باتخاذ إجراء ذي طبيعة وقتية".
ويلاحظ الاختلاف في الصياغة والشروط بين هذا النص والنص الوارد بقانون التحكيم المصري؛ حيث يكاد نص محكمة الفضاء لا يتطلب أية شروط تتعلق باختصاص هيئة التحكيم الإلكتروني بنظر طلبات الأمر باتخاذ التدابير التحفظية والوقتية، بل إنه لم يتطلب حتى مجرد تقديم أحد الطرفين بطلب للأمر باتخاذ هذه التدابير.
وإذا كان النص يقضي باختصاص المحكم الإلكتروني باتخاذ التدابير التحفظية والوقتية كالمحكم التقليدي سواء بسواء مؤسساً مذهبه على أن تبادل وثائق التحكيم عبر الإنترنت لا يعد عائقاً في مواجهة هذا الاختصاص، فإنه يوضح كيفية تنفيذ قرار المحكم في حالة عدم تنفيذه رضائيا، أو بصفة عامة في حالة عدم إمكان تنفيذه دون تدخل سلطة الدولة، ولكن سرعان ما يزول هذا التساؤل وذلك بإدراك أن تنفيذ التدبير الإلكتروني المتخذ سيتم في النهاية على إقليم دولة ما، بالتالي فإن هذا التنفيذ سيتقرر في ضوء المبادئ العامة للنظام القانوني لتلك الدولة. فإذا كانت هذه الدولة هي مصر، فإن تنفيذ التدابير المؤقتة في التحكيم الإلكتروني سيتم كتنفيذ التدابير المؤقتة التقليدية؛ كأن يتم مثلاً وفقاً لنظام الأوامر على العرائض، حيث يقدم الخصم "عريضة بطلبه إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة المختصة... وتكون هذه العريضة من نسختين متطابقتين ومشتملة على وقائع الطلب وأسانيده، وتعيين موطن مختار للطالب في البلدة التي بها مقر المحكمة وتشفع بها المستندات المؤيدة لها" ، على أن يلاحظ اختلاف المحكمة المختصة بالتنفيذ باختلاف ما إذا كان التحكيم الإلكتروني يجرى في مصر (أي أن مصر هي مقر التحكيم) أو إذا كان هذا التحكيم يجرى في الخارج بالتطبيق لأحكام قانون التحكيم المصري أم لا. فلو كانت مصر هي مقر التحكيم الإلكتروني أو لو كان هذا المقر في الخارج ولكن اتفق أطرافه على تطبيق القانون المصري، فإن ذلك يعني سريان مختلف أحكام هذا القانون الأخير على ذلك التحكيم. وتأسيساً على ذلك تكون المحكمة المختصة بالتنفيذ هي المحكمة المشار إليها في المادة 9 تحكيم. أما في غير هاتين الحالتين، بأن كان التحكيم يجرى في الخارج دون أن يكون القانون المصري هو واجب التطبيق، فإن تنفيذ التدابير التي تأمر بها هيئة التحكيم الإلكتروني يدخل في الاختصاص العام لإدارة التنفيذ وقاضي التنفيذ حسبما ورد في المادتين ٢٧٤ و٢٧٥ من قانون المرافعات، ونصهما على التوالي:
- "يجرى التنفيذ تحت إشراف إدارة للتنفيذ تنشأ بمقر كل محكمة إبتدائية ويجوز بقرار من وزير العدل إنشاء فروع لها بدائرة محكمة جزئية.
ويرأس إدارة التنفيذ قاض بمحكمة الاستئناف ويعاونه عدد كاف من قضاتها يندبهم وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى وقضاة من المحاكم الابتدائية بدرجة رئيس محكمة على الأقل تختارهم الجمعية العامة للمحكمة.
ويلحق بالإدارة عدد كاف من معاوني التنفيذ والموظفين يحدد وبقرار من وزير العدل قواعد اختيارهم وتنظيم شئونهم.
ولمدير إدارة التنفيذ أو من يعاونه من قضاتها إصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ ويكون التظلم من هذه القرارات والأوامر بعريضة ترفع لمدير إدارة التنفيذ ويعتبر القرار الصادر منه في التظلم نهائيا.
ويصدر بتنظيم ادارة التنفيذ قرار من وزير العدل".
- "يختص قاضي التنفيذ دون غيره بالفصل في جميع منازعات التنفيذ الموضوعية والوقتيه ايا كانت قيمتها.
ومن جانب جمعية التحكيم الأمريكية، فلم يتضمن التنظيم التكميلي بشأن التحكيم الإلكتروني أي نص بشأن الإجراءات التحفظية والوقتية في حين تضمنت قواعد التحكيم للجمعية بشأن التحكيم التقليدي ما يكفي لتنظيم هذه المسألة؛ إذ تنص المادة ٢١ على أنه "(1) بناء على طلب أي طرف، لهيئة التحكيم أن تتخذ أية تدابير مؤقتة تراها ضرورية، بما في ذلك أوامر وتدابير للمحافظة على الأملاك وحمايتها. (2) وقد تتخذ هذه التدابير المؤقتة شكل قرار تحكيمي مؤقت، ولهيئة التحكيم أن تطلب تأمين تكاليف هذه التدابير. (3) ولا يعد طلب التدابير المؤقتة المقدم من أي طرف، أمام سلطة قضائية، غير متوافق مع شرط التحكيم أو تنازلاً عن حق اللجوء إلى التحكيم. (4) ولهيئة التحكيم، وبحسب تقديرها، أن تقسم التكاليف المتعلقة بالطلبات المؤقتة في أي قرار تحكيمي مؤقت أو قرار تحكيمي نهائي".
ويكاد يتطابق النص فيما يقرره مع نص المادة 18 من تنظيم محكمة القضاء وإن زاد عليه حكماً:
1- نظراً لأن المحكم الإلكتروني يملك سلطة الفصل في الموضوع، فمن حاز هذه السلطة حاز من باب أولى سلطة الأمر ببعض التدابير الوقتية التي تعد ضرورية للمحافظة على هذا الموضوع ذاته.
2- يمكن للمحكم اتخاذ هذه التدابير في صورة حكم وقتي، ولا يعد هذا الحكم الوقتي نهائياً ولا فاصلاً في الموضوع، ولا يلتزم به المحكم فيما بعد، وإنما يجوز له العدول عنه؛ لأنه لا يحوز إلا حجية مؤقتة.
3- قد يصب الإجراء الوقتي المتخذ في المصلحة المشتركة للطرفين وقد يصب في مصلحة أحدهما فقط، ولذا يكون طبيعياً أن يحكم المحكم الإلكتروني بضرورة تقديم ضمان مالي لتغطية نفقات التدبير الذي يأمر به.
4 - قرر النص كذلك أن لجوء أحد الطرفين إلى المحاكم الوطنية لدولة ما للمطالبة بالأمر باتخاذ تدابير تحفظية أو وقتية لا يشكل مخالفة لاتفاق التحكيم، ولا يعد تنازلاً عن الحق في التحكيم الإلكتروني.
5 - يجري تنفيذ الإجراء الوقتي الذي أمرت به هيئة التحكيم الإلكتروني وفقاً للأحكام القانونية السارية في الدولة المراد تنفيذه فيها.