اتفاق التحكيم / اثر اتفاق التحكيم على ولاية المحكم على المسائل المستعجلة وإصدار الأوامر الوقتية / الكتب / الفعالية الدولية للتحكيم في منازعات عقود الأستثمار الدولية / اثر اتفاق التحكيم على ولاية المحكم على المسائل المستعجلة وإصدار الأوامر الوقتية
وهكذا فقد أضحت قاعدة استئثار هيئة التحكيم بتسوية النزاع المتفق على حله بالتحكيم من القواعد المستقرة واللازمة لضمان فعالية التحكيم التجاري الدولي ، إلا أن التساؤل الذي يثور هنا هو عما إذا كانت هذه القاعدة ستسري بالنسبة لطلب الأمر بالإجراءات الوقتية والتحفظية أن أنها قاصرة على المنازعات الموضوعية ؟
إلى أن الاختصاص الممنوح لهيئة التحكيم للفصل في المسائل المعروضة عليها لا يستبعد إمكانية اللجوء إلى محاكم الدولة لاتخاذ تدابير معنية قبل إجراءات التحكيم .
وهو ما أكده المشرع المصري في قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 حيث قرر للأطراف الحق في الالتجاء إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع إذا كان التحكيم داخلياً ولمحكمة استئناف القاهرة مالم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر إذا كان التحكيم تجارياً دولياً ، سواء جرى في مصر أم في الخراج ،من أجل التماس تدابير مؤقتة أو تحفظية ، حيث تنص المادة 14 من قانون التحكيم المصري على أنه : " يجوز للمحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون أن تأمر بناءً على طلب أحد طرفي التحكيم باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها " ، كما تنص المادة 24 من قانون التحكيم على أنه :
1 - يجوز لطرفي التحكيم الاتفاق على أن يكون لهيئة التحكيم بناءً على طلب أحدهما ، أن تأمر أي منهما باتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة أو تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع ، وأن تطلب تقديم ضمان كاف لتغطية نفقات التدبير الذي تأمر به .
2 - وإذا تخلف من صدر إليه الأمر عن تنفيذه ، جاز لهيئة التحكيم بناءً على طلب الطرف الآخر ، أن تأذن لهذا الطرف في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه ، وذلك دون إخلال بحق هذا الطرف في أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون الأمر بالتنفيذ .
وكذلك الأمر بالنسبة للمشرع السوري في قانون التحكيم الجديد، حيث نص المادة 38 فقرة 6 منه على أنه : " يحق لأي طرفي التحكيم مراجعة قاضي الأمور المستعجلة سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو إثناء سيرها لاتخاذ إجراء تحفظي وفقاً للأحكام المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات " ، وهو ما يفيد أن القانون السوري لا يرى أن وجود اتفاق التحكيم بعد عقبة تحول دون اختصاص المحاكم السورية بالفصل في اتخاذ هذا التدابير المذكورة .
وقد أكدت العديد من لوائح هيئات التحكيم صراحة على أن اللجوء إلى محاكم الدولة لاتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية لا يعتبر تنازلاً عن شرط التحكيم .
حيث أكدت قواعد تحكيم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي على أن الطلب الذي يقدمه أحد الطرفين إلى سلطة قضائية باتخاذ تدابير مؤقتة لا يعتبر مناقضاً لاتفاق التحكيم أو نزولاً عن الحق في التمسك به .
كما اعترف نظام التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية بأنه من الجائز للأطراف عند وجود ظروف مبررة لذلك اللجوء إلى القضاء للحصول على تدابير مؤقتة أو تحفظية دون أن يشكل ذلك انتهاكاً لاتفاق التحكيم أو عدولاً عنه أو نيلاً من اختصاص هيئة التحكيم في هذا الشأن .
ولقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية عندما عرض عليها النزاع بين غينيا وشركة atlantic triton company limited إلى أن للمحاكم الوطنية أن تنظر فيها يعرض عليها بشأن استصدار أم أو حكم بالحجز التحفظي على أموال أحد أطراف النزاع لحساب الطرف الآخر .
خلاصة ما تقدم فإن مبدأ استئثار هيئة التحكيم بتسوية النزاع من شأنه أن يحقق الفاعلية لعملية التحكيم ، إذ أنه يكفل الاستقلال هيئة التحكيم بنظر النزاع دون أن تتدخل معها في ذلك جهات قضائية أو إدارية ، ولا يؤثر في هذه الفاعلية الاعتراف لمحاكم الدولة باتخاذ الإجراءات التحفظية أو الوقتية ، حيث أن مثل هذه الإجراءات تعتبر صورة من صور الاستعجال التي يتولد عنها حاجة ملحة إلى توفير حماية قضائية عاجلة لتفادي وقوع الضرر بالحقوق والمراكز القانونية التي يراد المحافظة عليها .