اتفاق التحكيم / اثر اتفاق التحكيم على ولاية المحكم على المسائل المستعجلة وإصدار الأوامر الوقتية / الكتب / منصة التحكيم التجارى الدولى - الجزء الرابع / التدبير التحفظي في التحكيم
بحثت شركة إيطالية عن وسائل تسويق منتجاتها في فرنسا فاتفقت مع شركة فرنسية على أن تكون وكيلة عنها في فرنسا وإمارة موناكو وأن تكون هي الوكيل الوحيد فى هذا النطاق. واتفق على أن تخضع هذه الوكالة للقانون الفرنسي كما اتفق على شرط تحكيم. وكانت المنتجات التي توزعها الشركة الإيطالية هي الستائر الشمسية من البلاستيك أو الألمونيوم أو الحديد، مثبتة أو متحركة بآلة يدوية أو بالكهرباء. وأبرم هذا العقد في اول ديسمبر ۱۹۷۹ لیسرى مدة أربع سنوات قابلة للتجديد باتفاق الطرفين. ويقع هذا العقد ضمن سلسلة عقود بين الطرفين كان الأول منها قبل هذا التاريخ بعشرة أعوام.
وتستحق الشركة الفرنسية عمولة على الصفقات التي تتم لحساب الشركة الإيطالية، وقد نص العقد على هذه العمولة في فقرتين من المادة السادسة، الأولى منهما تعطى حقا في عمولة قدرها ١٠% مكافأة للشركة الفرنسية على المبالغ الخاصة بفواتير البضائع المبيعة لحساب الشركة الإيطالية سواء كان طلبها بطريق مباشر أو غير مباشر والموجهة إلــ المناطق المنصوص عليها في العقد. ويستبعد من هذه المبالغ الضرائب وتكاليف التعبئة والمونتاج.
وتعطى الفقرة الثانية من المادة ٦ للشركة الفرنسية أيضا حقا في عمولة قدرها عشرة في المائة تضاف إلى العشرة في المائة الأولى وذلك مقابل البحث عن الزبائن وإبرام العقود.
وحققت الشركة الفرنسية صفقات كثيرة ، ولكنها حصلت على العمولة عن بعضها وتوقفت الشركة الإيطالية عن سداد باقي العمولات ولما طولبت بأدائها اعتذرت بوجود ضائقة مالية تمر بها وطلبت إمهالها. وأثر توقفها عن الدفع على المركز المالي للشركة الفرنسية فاصبحت فــــي حالة مضطربة اضطرت معها إلى أن تدخل في طور التصفية. وبواسطة المصفى قدم طلب التحكيم ضد الشركة الإيطالية في نوفمبر ۱۹۸۳. ولكن كانت الشركة الفرنسية قد بدأت قبل تقديم هذا الطلب بشهر بإجراء تحفظى هو الحصول على أمر من المحكمة الابتدائية في باريس بحجز ما للمدين لدى الغير ضد الشركة الإيطالية تحت يد شركة مرسيليا للائتمان - فرع باريس وهو البنك الذي توجد لديه أموال الشركة الإيطالية ولها فيه حسابان. وشمل الحجز فضلا عن النقود الأسهم والسندات المودعـــــــة من الشركة لدى البنك. وقدرت المحكمة بصفة مؤقتة الدين المحجوز من أجله بمبلغ ٢٥٦ الف فرنك فرنسي مضافا إليه المصاريف والفوائد. وتــــم الحجز وأعقبه تقديم طلب التحكيم.
واتفق المحاميان عن الطرفين على أن يعين محكم فرنسي وحيد لنظر النزاع وعلى أن يجرى فى باريس ولكن الشركة الإيطالية لم تستمر في الدفاع عن نفسها أمام المحكم رغم أنه كان لها محام عنها بباريس. فلم ترد على طلب التحكيم وطلبت اجالا متعددة للرد ومع ذلك لم تقدم شيئا.
وبدأت مرحلة إعداد وثيقة مهمة المحكم وحدد المحكم أجلا جديدا للشركة الإيطالية لتقديم ردها على طلب التحكيم لوضع مضمونه في وثيقة مهمة المحكم. ومد هذا الآجل مرة أخرى دون جدوى، فقام المحكم بإعداد وثيقة مهمته وأرسلها إلى الشركتين وحدد موعد الرد إليه موقعا منهما أو معلقا عليه بملاحظاتهما. وقد وردت وثيقة مهمة المحكم موقعة من الشركة الإيطالية، فأرسلها المحكم لاعتمادها من محكمة التحكيم الدولية ووافقت عليها وقررت منح مهلة جديدة للشركة الإيطالية للتوقيع مدتها ١٥ يوما. ومع ذلك ظلت مصرة على موقفها، فاخطرت سكرتارية المحكمة المحكم بان وثيقة مهمته قد أصبح نافذ المفعول وعليه أن يستمر في نظر الدعوى ويعتبر الحكم الذي يصدر فيها حضوريا في حق الشركة الإيطالية
أخطر المحكم الشركتين بأنه لن يعقد جلسات لنظر الدعوى إلا إذا طلب أحد الطرفين. وأنه ينوى إصدار الحكم بناء على الأوراق الموجودة فـــــــى ملف الدعوى وحدها وطلب من الطرفين تقديم مذكراتهما الختامية وحدد موعدا لاقفال باب المرافعة أخر يناير .۱۹۸۵ . وقدمت الشركة الفرنسية مذكرتها الختامية ولم تقدم الشركة الإيطالية شيئا - ولكن لم بطلب من الطرفين عقد جلسة للمرافعة.
بدأ المحكم نظر القضية بناء على الأوراق المقدمة من الشركة الفرنسية إذ لا يوجد في ملفها شيء من دفاع الشركة الإيطالية التي لزمت الصمت.
ومن بين أوراق الملف خطاب من الشركة الإيطالية إلى الشركة الفرنسية تقول فيه :
"أن مكافأتكم هي ٢٠% كالعقد السابق.. وستدفع أولا بأول عنــــــد استلام قيمة كل بضاعة وفى رسالة أخرى تقول: سندفع لكم عمولتكـ بواقع ۲۰% طبقا للاتفاق دون خصم مبالغ لأي سبب كان.
ولما تأخرت الشركة الإيطالية طويلا فى سداد عدد من الفواتير بلغ عددها أربع عشرة فاتورة وبلغت قيمتها ۲۹۳ الف فرنك فرنسي أرسلت إليها الشركة الفرنسية فى يوليو إنذارا بسداد هذا المبلغ وحـددت مهلة ثمانية أيام وإلا اعتبرت ذلك إنهاء للعقد. وبعد خمسة عشر يوما اعلنت إلى الشركة الإيطالية إنهاء العقد اعتبارا من نهاية السنة الجارية التي تنتهي في أول ديسمبر (۱۹۸۲) ولعدم منازعة الشركة الإيطالية في هذا المبلغ حكم به المحكم للشركة الفرنسية، وطالبت هذه الأخيرة أيضا بالفوائد بالسعر المقرر في القانون الفرنسى حيث أنه هو القانون واجــــــب التطبيق باتفاق الطرفين. وقد حدد المحكم المبالغ التـ تسرى عليها الفوائد: فمنها جانب تسرى عليه الفوائد القانونية من ٢٧ يونيه ١٩٨٣ وهو ٢٥٦ الف فرنك فرنسى وهو المبلغ الذى قدرته محكمة باريس الابتدائية عندما أصدرت الإذن بتوقيع الحجز التحفظى ضد الشركة الإيطالية. أما الباقي وهو ٣٧ الف فرنك فرنسى فتسرى عليه الفوائد من تاريخ تقديم طلب التحكيم وبالسعر القانوني أيضا.
طالبت الشركة الفرنسية أيضا بمبلغ ثمانين ألف فرنك كتعويض عن الضرر التجارى الذى أصابها بسبب الشركة الإيطالية حيث أن توقفها عن أداء العمولات المستحقة هو السبب الذي أدى إلى تصفية الشركة الفرنسية فقد عجزت عن مواصلة نشاطها بسبب ذلك وهي تطلب تعويضا عن هذه الخسارة.
ولكن المحكم رأى أنه ليس هناك دليل على ما تدعيه الشركة الفرنسية، فلم تستطع أن تقدم دليلا مقنعا للمحكم يثبت وجود ارتباط بيـــــن التصفية وبين عدم أداء هذه العمولات بالذات. ولذلك رفض طلب التعويض.
ورأى المحكم أن الشركة الإيطالية وقد امتنعت عن أداء العمولات دون سبب ولزمت الصمت في كل مراحل الدعوى دون أن تقدم دفاعا أنه من المناسب أن تتحمل مصاريف التحكيم بالكامل. وهذه المصاريف تشمل المصاريف الإدارية لمحكمة التحكيم وأتعاب المحكم، ولكنها لا تشمل اتعاب المحاماة أو نفقات المستشارين القانونيين الذين استعانت بهم الشركة الفرنسية. فالمحكم لم يذكر شيئا عنها ، ويبدو أن الشركة الفرنسية لم تطلب الحكم بها فسكت عنها المحكم. ولم تعترض الشركة الإيطالية على الحجز الموقع ضدها تحت يد البنك، ويعتبر هذا الحكم بمثابة تثبيت للحجز تستطيع الشركة الفرنسية أن تقتضى بموجبه المبالغ المحكوم بها مما قــــــد يكون لدى البنك المحجوز لديه عن طريق الحصول على إذن تنفيذ الحكم من المحكمة المختصة أى أمام القضاء العادى. ورغم أن الحكم صدر في باريس إلا أنه تتبع في شأن تنفيذه الإجراءات الخاصة بتنفيذ الأحكام الأجنبية باعتباره صادرا في تحكيم دولى. ولا يمنع هذا من جواز تنفيذه في إيطاليا ) دولة جنسية الشركة المدعى عليها على أموال تلك الشركة هناك.