اتفاق التحكيم / اثر اتفاق التحكيم على ولاية المحكم على المسائل المستعجلة وإصدار الأوامر الوقتية / الكتب / منصة التحكيم التجارى الدولى - الجزء الثالث / جوانب من التدابير التحفظية في التحكيم الدولي(2)
موضوع التدابير التحفظية في التحكيم أصبح في تزايد مستمر، وقد رأينا أنه يحتاج إلى الفصل بدقة بين الطلبات الموضوعية وبين طلب التدبير حتى لا يتعرض المحكمون إلى الحكم في الموضوع مسبقا وقت سماع الخصوم في شأنه.
ونعرض هنا قضية تتعلق بإنشاء معلومات سرية في عقد من عقود نقل التكنولوجيا.
هذه القضية كانت فيها شركة نقل التكنولوجيا تعطى معلومات سرية إلى الشركة المتعاقدة معها، فقامت هذه الأخيرة بتقديم هذه المعلومات إلى آخرين دون إذن أو موافقة من الشركة صاحبة المعلومات ودون أن تبرم مع من أفضت إليهم بالمعلومات اتفاقا يلزمهم بالاحتفاظ بهذه المعلومات سرية، وهذا من شأنه أن يزيل صفة السرية عن المعلومات وأن يساعد على تناقلها وأن يفيد المنافسين في استخدام هذه المعلومات فى منتجاتهم، ونشير إلى الشركة ناقلة التكنولوجيا بأنها الشركة (أ) والشركة التى أفشت المعلومات بأنها الشركة (ب).
تقدمت الشركة (ب) بطلب تحكيم، وأدرجت فيه طلبا بإصدار حكم مؤقت يأمر الشركة (أ) بأن تسحب المعلومات السرية الملموسة التي قدمتها لأطراف ثالثين وتردها إلى (ب) وكذا كل الرسومات والتصميمات والمواصفات والمراسلات والمواد الأخرى الملموسة المبنية على هذه المعلومات السرية أو المتصلة بها أو أية صور منها. وكذا إصدار الأمر إلى (أ) بأن تقدم أسماء وعناوين من تـــــم الإفشاء إليهم وتواريخ هذا الإفشاء وماهية المعلومات التى تم الإفضاء بها إليهم انتهاكا لاتفاق الترخيص المبرم بين الشركتين.
وبالإضافة إلى ذلك إلزام (أ) بعدم إفشاء ما لديها من معلومات أخرى خاصة بالشركة (ب) إلى اطراف ثالثين بعد ذلك.
كان هذا التحكيم يجرى فى سويسرا حيث القانون الفيدرالي المتضمن القانون الدولى الخاص السويسرى الصادر في ۱۹۸۷/۱۲/۱۸ وبدأ العمل به فى أول يناير ۱۹۸۹ يعطى للمحكمين سلطة إصدار أوامر وأحكام في شأن التدابير التحفظية والوقتية.
ولاحظ المحكمون أيضا أن المادة ۱۱ من قواعد التحكيم بغرفة التجارة الدولية تعطى للمحكمين سلطة اتخاذ الخطوات التي يرونها مناسبة وكذلك المادة ٥/٨ من نفس القواع د تخول للمحكمين أن يصدروا أية أوامر بعد إحالة الملف إليهم، وهذا كله يفيد إمكان اتخاذ أية تدابير تحفظية.
وأصدر المحكمون حكما وقتيا قرروا فيه أن الشواهد الموجودة أمامهم تفيد مبدئيا أن الشركة (أ) انتهكت المادة ١/٥ من اتفاق الترخيص في الاستغلال وأن ذلك بدأ بثلاثة أطراف من الغير تم تزويدهم بالرسومات والتصاميم دون موافقة الشركة(ب).
ولكن محكمة التحكيم ليست في وضع يمكنها ان تقدر مـا إذا كانت الشركة (ب) تملك أو امتلكت معلومات كانت وقت تلقيها بواسطة (أ) قد دخلت في الدومين العام بدون خطأ من الشركتين، أو ما إذا كانت تكنولوجيا (ب) قد أصبحت قديمة، ولكن مع ذلك توجد شـــــــواهد تثبت أن كمية كبيرة من المعلومات الفنية والبيانات لمت إلى (أ) وتستطيع محكمة التحكيم أن تطبق قانون مكان التحكيم أو قانون العقد أو حتى الأحكام العامة فى القانون، ولا شك في أن الحماية المؤقتة للحقوق هي إحدى المبادئ العامة لمختلف الأنظمة القانونية. ومن سلطة المحكمة أن تمنع طرفا من الاستمرار في انتهاك عقد (مثل صرف قيمة خطاب ضمان أو منع طرف من بيع منتجــــــات مخالفة لاتفاق الاستغلال). ومن الضروري في اتخاذ التدبير التحفظي التأكد من أنه سيمنع أو يقلل الضرر. فلا تأمر المحكمة بتدبير لا يمكن تنفيذه أو يكون غير مناسب للموقف، والتدابير التحفظية تنطبق على الطرفين في القضية، ولكن لا تنطبق على من لم يكن طرفا في الدعوى وهـ الذين يعبر عنهم بأنهم الأطراف الثالثون.
ورأى المحكمون أنه في هذه المرحلة من الدعوى من الصعب تقرير ما إذا كان الإفضاء بالمعلومات السرية قد سبب ضررا خطيرا لمانح الترخيص، ومع ذلك فإنه حسب السير العادي للأمــــــور يمكن لمنافسي الشركة (ب) الاستفادة من المعلومات، ويجب اقتناع المحكمة بأن خطر الضرر مهم ولو كان غير قابل للإصلاح إذا لم تتخذ تدابير تحفظية، كما يجب ألا يؤدى التدبير إلى شلل اقتصادي للطرف الآخر، فالأمر يحتاج إلى موازنة بين مصالح الطرفين. وترى المحكمة أن تأمر (أ) بالامتناع عن أي عمل يزيد أو يضاعف الخلاف وباحترام المادة ١/٥ من اتفاق الترخيص، وإذا احتاجت إلى تقديم معلومات للغير كان عليها الحصول مقدما على موافقة الشركة (ب) وأن توقع معها اتفاقا على السرية، وهنا يجب ان تعمل المحكمة بحذر كبير وأن تحترم توازن المصالح، وحتى لو اتضح فى نهاية الإجراءات أن المعلومات المعطاة كانت سرية فهذا لا يبرر من الآن الأمر باستردادها، كما أنه من المستحيل التأكد من أن الأطراف الثالثين لا يحتفظون بصور منها في ملفاتهم، وإذا أتضح في مرحلة لاحقة أن (أ) لم يصدر منها إفشاء لمعلومات سرية فأن التدبير التحفظى يضر علاقاتها مع الغير.
لذلك تأمر المحكمة بالأتي:
1- انتظارا لما تسفر عنه الإجراءات على (أ) الالتزام باتفاق الترخيص وأن تحصل على موافقة (ب) كلما احتاجت إلى الإفضــــــاء بمعلومات سرية وأن توقع اتفاقا على السرية.
2- ان تضطلع (أ) خلال الفترة حتى ٢٦ اغسطس من تلـك السنة بجهود حسنة النية للحصول من الأطراف الثالثين الذين أفضت إليهم بمعلومات سرية على اتفاق سرية موقع منهم.
3- خلال نفس المدة يجب أن تكون (أ) قد وافت محكمة التحكيم والشركة (ب) بأدلة كتابية عن هذه الجهود حسنة النية ورد الأطراف الثالثين عليها.
4- كل طلب أخر يعتبر مرفوضا.
وبعد هذا الإجراء التحفظي يقوم المحكمون بالتحقق من الإفشاء والضرر وذلك للحكم بالتعويض.