الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / اثر اتفاق التحكيم على ولاية المحكم على المسائل المستعجلة وإصدار الأوامر الوقتية / الكتب / شروط اتفاق التحكيم وأثاره / تدخل قضاء الدولة في اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية:

  • الاسم

    د. باسمة لطفي دباس
  • تاريخ النشر

    2005-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    602
  • رقم الصفحة

    387

التفاصيل طباعة نسخ

 

تدخل قضاء الدولة في اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية:

  بينا فيما سبق أنه يترتب على اتفاق التحكيم منع قضاء الدولة من نظر المنازعات المتفق بشأنها على التحكيم وهنا يمكن طرح التساؤل التالي:

  هل يشمل الأثر المانع لقضاء الدولة فضلاً عن المنازعات الموضوعية التدابير الوقتية والتحفظية المرتبطة بهذه المنازعات، بحيث يصبح المحكم هو صاحب الاختصاص باتخاذ هذه التدابير أم على العكس من ذلك يظل قضاء الدولة وبالرغم من وجود اتفاق تحكيم هـو صــاحب الاختصاص بإسباغ الحماية الوقتية؟.

   وفيما يلي سنعرض تفصيلاً لموقف الفقه والأنظمة القانونية الوضعية واتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ من تحديد الجهة المختصة بإسباغ الحماية  الوقتية عند وجود اتفاق تحكيم.

أ - موقف الفقه:

  اختلف الفقهاء بشأن تحديد الجهة المختصة باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية عند وجود اتفاق  تحكيم وذلك على عدة اتجاهات :

- الاتجاه الأول : اختصاص قضاء الدولة باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية:

*عرض الاتجاه

    يذهب جانب من الفقه  إلى أن قضاء الدولة باعتباره صاحب الولاية العامة، فإنه يظل صاحب الاختصاص بإسباغ الحماية الوقتية على الرغم من وجود اتفاق تحكيم. فإذا كان قاضي الأمور المستعجلة هو المختص باتخاذ التدابير الوقتية في حال نظر النزاع الموضوعي أمام محكمة الموضوع، فمن باب أولى أن يظل هذا القضاء مختصاً عند وجود اتفاق على عرض النزاع على هيئة تحكيم.

   يظل إسباغ الحماية الوقتية من اختصاص قضاء الدولة صاحب الولاية العامة في نظر النزاع

الموضوعي والتدابير الوقتية والتحفظية. 

   كذلك إن اتفاق التحكيم شأنه شأن أي عقد آخر تحكمه قاعدة النسبية، بمعنى أنه لا يرتب آثاره إلا على عاتق أطرافه. ويؤدي هذا الأثر النسبي لاتفاق التحكيم، بالإضافة إلى افتقاد المحكمين لسلطة الإجبار التي يتمتع بها قضاء الدولة، إلى أن بعض الإجراءات لا يمكن اتخاذها على نحو يتسم  بالفعالية إلا من قبل قضاء الدولة، فالحجوز مثلاً حتى وإن كانت تحفظية، فلا يمكن اتخاذ الأمر بإصدارها إلا من قبل قضاء الدولة، بوصفه المحتكر لسلطة التنفيذ الجبري دون غيره.

   وافتقاد المحكم إلى سلطة الإجبار التي يتمتع بها قضاء الدولة، مسألة يشير إليها قضاء التحكيم ذاته. "قف القضية رقم ٦٦٥٣ لسنة ١٩٩٣ الصادرة من غرفة التجارة الدولية بباريس، بين إحدى الشركات السورية وشركة ألمانية، وردا على الطلب المقدم من الشركة الطالبة الشركة السورية إلى محكمة التحكيم بأن تقوم هذه الأخيرة بتأكيد الحجز الوقتي الصادر عن القضاء السوري، بجعله حجزا تنفيذياً، والذي رأت الشركة المدعى عليها الشركة الألمانية أن هذا الطلب لا يدخل في سلطة محكمة التحكيم، ذهبت محكمة التحكيم إلى أنه ليس في مقدورها سوى رفض هذا الطلب غير المألوف .

إذ ليس أمام الأطراف في هذه الحالة إلا اللجوء إلى قضاء الدولة لمواجهة حالة الاستعجال ..

*تقدير الاتجاه :

  على الرغم من المزايا العديدة لهذا الاتجاه والتي تتجلى بما يلي:

* إن قضاء الدولة أقدر من غيره على تحقيق فعالية الإجراءات الوقتية والتحفظية، بما يتمتع به من سلطة الإجبار والقدرة على التنفيذ الجبري لهذه الإجراءات، وذلك عند رفض التنفيذ من قبل أحد الأطراف، ومن ثم فإن هذا الاتجاه يتماشى مع طبيعة الإجراءات الوقتية والتحفظية وما تتطلبه من ضرورة تحقيق حماية مؤقتة سريعة وفعالة خشية ضياع معالم الإثبات.

*إن قضاء الدولة يحقق فعالية التحكيم ذاته، وتنفيذ الحكم المحتمل صدوره عن هيئة التحكيم، والتي تعد الحجوز التحفظية ضمانة فعّالة له. 

-الاتجاه الثاني: اختصاص هيئة التحكيم باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية:

*عرض الاتجاه:

   يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن الاختصاص باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية، ينعقد لهيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع. 

   ويستند اختصاص هيئة التحكيم هذا إلى إرادة الأطراف ذاتها. فإذا كانت إرادة الأطراف قد خولت هيئة التحكيم سلطة الفصل في النزاع الموضوعي، فإن هذه الإرادة يمكنها أيضاً أن تخول هيئة التحكيم الاختصاص في إسباغ الحماية الوقتية، أي في اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية المرتبطة بموضوع النزاع. 

  فوفقاً لهذا الاتجاه فإن الأثر المانع لاتفاق التحكيم لا يقتصر على المنازعات الموضوعية، وإنما يتسع ليشمل أيضاً التدابير الوقتية والتحفظية.

*تقدير الاتجاه :

   إن هذا الاتجاه وعلى الرغم من أنه أبرز الدور الذي يمكن أن تلعبه إرادة الأطراف، وذلك من خلال منح المحكم سلطة إسباغ الحماية الوقتية، إلا أنه في الوقت ذاته أدرك أن هناك من الإجراءات الوقتية ما لا يمكــن مــنح الاختصاص باتخاذه إلى هيئة التحكيم ، ومن ثم لا يمكن الاعتراف للمحكــم بسلطان عام وقاصر في اتخاذ مثل هذه التدابير، وبالتالي حرمان قضاء الدولة صاحب الاختصاص الأصيل من ولايته بهذا الشأن.

  فمن المعلوم أن هناك العديد من التدابير التحفظية التـى لا يمكن إصدار الأمر باتخاذها إلا من قبل قضاء الدولة، إما لتعلقها بالغير، أو لأنهـا تعبر عن سلطة الإجبار التي يتمتع بها قضاء الدولة وحده دون غيره.

  وعليه فإن جانبا من الفقه ذهب إلى أن دور إرادة الأطراف في هذا الشأن، ينحصر في الاتفاق المتبادل بينهم على عدم اللجوء إلى قضاء الدولة لإصدار الأمر باتخاذ مثل هذه التدابير.

   وعلى الرغم من وجاهة هذا النظر إلا أنه محل للانتقاد، إذ إن هذا الاتفاق المتبادل للأطراف على عدم اللجوء إلى قضاء الدولة، قد يُعدُّ اتفاقاً غير مشروع لمخالفته النظام العام في الدولة. 

-الاتجاه الثالث: مبدأ الاختصاص المشترك:

*عرض الاتجاه:

   يرى جانب من الفقه أن العلاقة بين كل من قضاء الدولة وقضاء التحكيم، يحكمها مبدأ الاختصاص المشترك ، والذي مفاده أن كل من قضاء الدولة، وقضاء التحكيم يتمتع بالحق في اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية.

  ولهذا المبدأ - أي مبدأ الاختصاص -المشترك - وفقاً لهذا الجانب من الفقه جوانب ثلاثة هي:

 * الجانب الأول : اختصاص قضاء الدولة باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية:

  يتمثل الجانب الأول لمبدأ الاختصاص المشترك، في الإمكانية المتاحة للأطراف في اللجوء إلى قضاء الدولة، بهدف الحصول على الحماية الوقتية لمواجهة حالة الاستعجال التي قد تطرأ بعد إبرام اتفاق التحكيم.

   حيث يرى هذا الفقه أنه لا يمكن إنكار هذا الاختصاص لقضاء الدولة في منح الحماية المستعجلة على الرغم من وجود اتفاق التحكيم. إذ لا يمكن حرمان أطراف اتفاق التحكيم من الاستفادة من القواعد التي تنظم الإجراءات المستعجلة، والمنصوص عليها في الأنظمة القانونية الوطنية، حيث تبدو أكثر فعالية لما يتمتع به قضاء الدولة من سلطة الإجبار، وبالتالي القدرة على التنفيذ الجبري عند رفض التنفيذ. فضلاً عَمَّا يتمتع به الحكم الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة بوصفه مشمولا بالنفاذ المعجل. 

*الجانب الثاني: إن اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة لا يُعد تنازلاً ولا تناقضا مع اتفاق التحكيم:

  أما الجانب الثاني لمبدأ الاختصاص المشترك فإنه يتمثل في أن لجوء أحد الأطراف في اتفاق التحكيم إلى قضاء الدولة، بهدف الحصول على الحماية المستعجلة باتخاذ تدبير وقتي أو تحفظي، لا يُعد تنازلاً عن اتفاق التحكيم، حيث يظل الاختصاص بنظر النزاع الموضوعي منعقدا لهيئة التحكيم. وهذا ما أكده قضاء التحكيم ذاته في العديد من أحكامه .

*الجانب الثالث: اختصاص المحكمين باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية:

   يُعدُّ اختصاص المحكمين باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية، الجانب الثالث لمبدأ الاختصاص المشترك، الذي يرى جانب من الفقه أنه يحكم مسألة توزيع الاختصاص بين كل من قضاء الدولة، وقضاء التحكيم بشأن التدابير الوقتية والتحفظية.

   حيث يرى هذا الفقه أن وجود اتفاق التحكيم لا يشكل عائقاً أمام الأطراف للجوء إلى قضاء الدولة، أو إلى هيئة التحكيم، بهدف الحصول على الحماية الوقتية. فإذا كانت بعض التشريعات الوطنية المنظمة للتحكيم، قد جعلت الاختصاص بنظر المسائل الوقتية والتحفظية قاصراً على قضاء الدولة، فإن من التشريعات الحديثة من اتخذت موقفاً مغايراً، وذلك عندما أقرت للمحكم بسلطة اتخاذ مثل هذه التدابير . إلا أن هناك دولا اتخذت موقفا وسطاً، وذلك عندما أكدت من خلال تشريعاتها المنظمة التحكيم على مبدأ الاختصاص المشترك الذي يحكم مسألة توزيع الاختصاص بـيـن كـــل مـــن جهتي القضاء العادي، وقضاء التحكيم بشأن التدابير الوقتية والتحفظية.

وإذا كان للمحكم سلطة اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه: ما مصدر هذه السلطة؟.

    من المتفق عليه أن إرادة الأطراف هي المصدر الرئيس السلطة المحكم، وسواء أكان التعبير عن هذه الإرادة صريحاً، أم ضمنياً بالإحالة إلى لائحة من اللوائح المنظمة للتحكيم.

  وذهب جانب من الفقه إلى أنه إذا عبرت الأطراف صراحة عـــن إرادتها في منح المحكم سلطة اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية، فمن الصعوبة بمكان عدم الانصياع لهذه الإرادة، وهو حل لا يتعارض مع فكرة النظام العام الوطني، ولا مع النظام العام الدولي على وجه الخصوص.

   أما إذا جاء التعبير عن الإرادة ضمنياً بالإحالة إلى لائحة من لوائح التحكيم التي تعترف للمحكم بسلطة اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية، فإن جانبا من الفقه یری أنه من غير المتصور مخالفة هذا الأمر.

  وعند وجود اتفاق صريح أو ضمني من الأطراف على منح المحكم سلطة إسباغ الحماية الوقتية، فلا يوجد أي صعوبة، إذ إن المحكــم هـو المختص باتخاذ مثل هذه التدابير، ويستمد سلطته من اتفاق الأطراف الصريح أو الضمني. ولكن الصعوبة تثور عندما لا يكون هناك اتفاق صريح من الأطراف على منح المحكم سلطة إسباغ الحماية الوقتية، أو عند عدم الإحالة إلى لائحة من لوائح التحكيم التي تقر للمحكم بهذه السلطة، أو الإحالة إلى لائحة من لوائح التحكيم التي لا تتضمن أي نص يتعلق بالتدابير الوقتية، فالتساؤل الذي يطرح نفسه: 

ما القانون الذي يُرجع إليه لتحديد فيما إذا كان للمحكم سلطة إسباغ الحماية الوقتية؟.

   يذهب جانب من الفقه إلى أنه لتحديد ما إذا كان للمحكم سلطة اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية، يتعين النظر إلى القانون الذي يحكم إجراءات التحكيم وهو قانون الدولة التي يعقد على إقليمها جلسات التحكيم، ويتخذ التحكيم فيها مقراً له.

*القيود التي ترد على مبدأ الاختصاص المشترك :

  إن مبدأ الاختصاص المشترك والذي يرى جانب من الفقه أنه يحكم مسألة توزيع الاختصاص بين كل من جهتي القضاء العادي وقضاء التحكيم بشأن التدابير الوقتية والتحفظية، ترد عليه بعض القيود.

   وهذه القيود بعضها يستمد من إرادة الأطراف ذاتها، والبعض الآخر يستمد من طبيعة الإجراء الوقتي المراد اتخاذه وكونه يدخل في الاختصاص الحصري لقضاء الدولة.

*القيود المستمدة من إرادة الأطراف:

  يرى جانب من الفقه أن مبدأ الاختصاص المشترك الذي يحكم مسألة توزيع الاختصاص بين كل من جهتي القضاء العادي وقضاء التحكيم، غيـر متعلق بالنظام العام، وبالتالي يجوز الاتفاق على مخالفته. ويتحقق ذلك بأن يتفق أطراف اتفاق التحكيم على استبعاد بعض التدابير الوقتية والتحفظية من نطاق اختصاص هيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع. ويعتبر ذلك تطبيقا للمبدأ العام الذي يعطي الأطراف سلطة تحديد نطاق اتفاق التحكيم وفقاً لما تراه مناسباً.

   ويجب أن يكون تحديد نطاق اتفاق التحكيم واضحاً بقدر الإمكان، لتفادي المشكلات التي قد تثور فيما يخص حدود كل من اختصاص قضاء الدولة واختصاص هيئة التحكيم.

وهنا يُطْرَحُ التساؤل التالي:

هل للأطراف الاتفاق على عدم اللجوء إلى قضاء الدولة خلال فترة التحكيم؟.

   يذهب جانب من الفقه إلى أنه يجوز للأطراف الاتفاق على عدم اللجوء إلى قضاء الدولة لإسباغ الحماية الوقتية طوال فترة التحكيم. ويرى هذا الفقه أن ما يؤكد وجهة نظره هذه قضاء محكمة النقض الفرنسية الصادر١٨ نوفمبر ١٩٨٦، والذي ذهبت فيه إلى أنه: "لا يمكن استبعاد اختصاص محاكم الدولة في اتخاذ الإجراءات الوقتية إلا بناءً على اتفاق صريح من الأطراف، أو بناء على اتفاق ضمني يستشف من تبني لائحة تحكيم تفيد ذلك الاستبعاد، وهو ما يتحقق عندما تقوم الأطراف بشرط عدم وجود اتفاق مخالف على قبول التحكيم وفقاً لقواعد المركز الدولي لفـــض المنازعات الناشئة عن الاستثمار".

   ولعل إحساس الفقه المتقدم هو ما دفعه للقول بأن هناك من القيود التي تــــرد على مبدأ الاختصاص المشترك ما يستمد من طبيعة الإجراء وكونه يدخل في الاختصاص الحصري لقضاء الدولة.

*القيود المستمدة من طبيعة الإجراء وكونه يدخل في نطاق الاختصاص الحصري لقضاء الدولة:

 هناك بعض التدابير الوقتية و التحفظية التي تدخل في نطاق الاختصاص الحصري لقضاء الدولة، ومن ثم تخرج عن نطاق قدرة الأطراف على المساس بسلطان قضاء الدولة بشأنها.

   فعلى سبيل المثال إن الإجراءات التي تمهد لتنفيذ حكم التحكيم، تعـــد من الإجراءات التي تدخل في الاختصاص الحصري لقضاء الدولة. وعليه لا يجوز للأطراف الاتفاق على منح هيئة التحكيم سلطة اتخاذ مثل هذه الإجراءات، وبالتالي حرمان قضاء الدولة من اختصاصه الحصري باتخاذ هذه الإجراءات.

*تقدير الاتجاه :

  إن مبدأ الاختصاص المشترك الذي يحكم مسألة توزیع الاختصاص بين كل من جهتي القضاء العادي وقضاء التحكيم إنما يحقق العديد من المزايا:

*حيث يتسم بقدرته على تفسير العديد من حقائق القانون الوضعي، ولاسيما ما تتضمنه بعض النصوص القانونية في بعض الدول، وما ذهبت إليـه المعاهدات الدولية التي تعترف بمبدأ الاختصاص المشترك. 

*ومن ناحية أخرى يؤكد هذا المبدأ على حقيقة مفادها أن وجود اتفاق تحكيم لا يمنع الأطراف من اللجوء إلى قضاء الدولة بهدف الحصول على الحماية الوقتية، وأن هذا اللجوء إلى قضاء الدولة لا يعد تنازلاً عن اتفاق التحكيم، حيث يظل لهيئة التحكيم سلطة الفصل في النزاع الموضوعي المتفق بشأنه على التحكيم.

   وعلى الرغم من هذه المزايا العديدة التي يحققها مبدأ الاختصاص المشترك إلا أنه:

   *يتميز بعجزه عن تفسير فكرة الاختصاص الحصري لقضاء الدولة ببعض التدابير الوقتية والتحفظية بحيث لا يملك المحكم الاختصاص باتخاذ إلا بعض التدابير الوقتية والتحفظية دون البعض الآخر التي تدخل في نطاق الاختصاص الحصري لقضاء الدولة.

 

   إلا أن ذلك لا يعني رفض المبدأ المذكور، ولكن يمكن القول إن وظيفة مبدأ الاختصاص المشترك، إنما هي وظيفة تقريرية تقتصر علـــى ملاحظة ظاهرة توزيع الاختصاص باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية بين كل من جهتي القضاء العادي وقضاء التحكيم.

  ويرى جانب من الفقه ونحن نوافقه على رأيه بأنه يمكن تفسير فكرة الاختصاص الحصري لقضاء الدولة باتخاذ بعض التدابير الوقتية والتحفظية، استناداً إلى فكرة الفاعلية والنفاذ التي يتعين أن تتحقق لقضاء التحكيم وما يصدر عنه من أحكام.

   وعليه فإن أساس توزيع الاختصاص باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية بين كل من جهتي القضاء العادي وقضاء التحكيم، هو تقدير أي من هذين القضائين أكثر قدرة على تحقيق فاعلية الإجراء الوقتي أو التحفظي المطلوب اتخاذه، وضمان تنفيذه على وجه السرعة لمواجهة حالة الاستعجال.

وبإعمال المعيار المتقدم يمكن الاعتراف لقضاء الدولة بالاختصاص الحصري، باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية التي تعرض عليه فـى جميع الوقت السابق على تشكيل هيئة التحكيم رغم وجود اتفاق تحكيم.

  كذلك إن إعمال المعيار المتقدم يؤدي إلى الاعتراف لقضاء الدولة بالاختصاص الحصري، باتخاذ جميع التدابير الوقتية والتحفظية التي يطلب اتخاذها على الرغم من تشكيل هيئة التحكيم ونظرها في موضوع النزاع، كلما كان الإجراء المطلوب اتخاذه يتطلب ممارسة نوع من الإجبار والإلزام القانوني الذي تحتكر محاكم الدولة القيام به.

*كما يؤخذ على الرأي المتقدم مبالغته في الدور الذي يعطيه لإرادة الأطراف في عملية إعادة توزيع الاختصاص بين كل مــن قـضاء الدولــة وقضاء التحكيم. 

  فوفقاً لهذا الاتجاه يجوز للأطراف الاتفاق على عدم اللجوء إلــى قضاء الدولة بهدف الحصول على الحماية الوقتية، وذلك طوال فترة التحكيم. ويفترض لصحة هذه المقولة عدم تعلق القواعد المنظمة للتدابير الوقتية والتحفظية بالنظام العام، وإلا فإن ذلك يؤدي إلى هدم المقولة السابقة بكل أركانها.

ب - موقف الأنظمة القانونية الوضعية من مسألة تحديد الجهة المختصة باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية

   بينا فيما سبق أن الأنظمة القانونية الوضعية اختلفت فيما بينها بشأن مسألة تحديد الجهة المختصة باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية عدة اتجاهات:

  فقد ذهبت بعض الأنظمة القانونية الوضعية إلى منح هيئة التحكيم سلطة اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية.

واتجهت بعض التشريعات الحديثة المنظمة للتحكيم إلى الأخذ بمبدأ الاختصاص المشترك، والذي يحكم مسألة توزيع الاختصاص باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية بين كل من جهتي القضاء العادي وقضاء التحكيم. ونذكر على سبيل المثال القانون المصري.

   وسوف نحاول من خلال هذه الدراسة إلقاء الضوء على بعض الأنظمة القانونية الوضعية، وبيان موقفها تفصيلا من مسألة تحديد الجهة المختصة باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية عند وجود اتفاق تحكيم.

- موقف القانون المصري:

   تنص المادة (١٤) من قانون التحكيم المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ على أنه: " يجوز للمحكمة المشار إليها في المادة (۹) من هذا القانون أن تأمر، بناءً على طلب أحد طرفي التحكيم، باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية سواء قبيل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها".

   كما نصت المادة (٢٤) من ذات القانون على أنه: "١- يجوز لطرفي التحكيم الاتفاق على أن يكون لهيئة التحكيم، بناءً على طلب أحدهما، أن تأمر أياً منهما باتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة أو تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع، وأن تطلب تقديم ضمان كاف لتغطية نفقات التدبير الذي تأمر به.

 ۲ - وإذا تخلف من صدر إليه الأمر عن تنفيذه، جاز لهيئة التحكيم، بناء على طلب الطرف الآخر، أن تأذن لهذا الطرف في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، وذلك دون إخلال بحق هذا الطرف في أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (۹) من هذا القانون الأمر بالتنفيذ". 

   وعليه لم يعتبر المشرع المصري لجوء أحد الأطراف إلى قضاء الدولة بهدف اتخاذ تدبير وقتي أو تحفظي، تنازلا عن اتفاق التحكيم.

   فالأثر المانع لاتفاق التحكيم يقتصر على المنازعات الموضوعية، ولا يتسع ليشمل التدابير الوقتية والتحفظية. 

هل يجوز للأطراف الاتفاق على منح هيئة التحكيم سلطة إسباغ الحماية الوقتية، ومن ثم حرمان قضاء الدولة صاحب الاختصاص الأصيل من سلطته هذه؟..

يذهب جانب من الفقه - ونحن نوافقه على رأيه- إلى أن الإجابة على التساؤل المطروح تتوقف على عاملين اثنين: 

*الأول: هو طبيعة الإجراء الوقتي أو التحفظي المطلوب اتخاذه،ومدى تعلقه بالنظام العام في القانون المصري كما يذهب البعض، أو تعد من المسائل التي تتطلب احترام فكرة الفعالية والنفاذ الاعتراف للقضاء المصري بالاختصاص باتخاذها كما يقرر جانب آخر من الفقه.

  وعليه ينعقد الاختصاص للقضاء المصري على الرغم من وجــود اتفاق تحكيم، إذا كان الإجراء الوقتي أو التحفظي المطلوب اتخاذه من المحكم، يعدُّ من الإجراءات المتعلقة بالنظام العام ، أو كان من الإجراءات التي لا تستطيع هيئة التحكيم كفالة تنفيذها، لأنها تتطلب اتخاذ إجـراء مـن إجراءات التنفيذ الجبري التي تدخل في الاختصاص الحصري لقضاء الدولة. 

*أما العامل الثاني والذي يتم وفقا له الاعتراف للقضاء المصري بالاختصاص باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية على الرغم من اتفاق الأطراف صراحة على منح هيئة التحكيم الاختصاص باتخاذ هذه التدابير، فهو موقف قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤ من هذه المسألة، حيث إن الفقرة الثانية من المادة (٢٤) من ذات القانون أجازت لهيئة التحكيم وذلك عند تخلف من صدر إليه الأمر عن تنفيذه بناء على طلب الطرف الآخر، أن تأذن لهذا الطرف في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، وذلك دون إخلال بحق هذا الطرف في أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المـادة (۹) من هذا القانون، الأمر بالتنفيذ.

   وعليه وعلى الرغم من وجود اتفاق بين الأطراف على منح هيئة التحكيم الاختصاص باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية، فإنه يجوز للطرف عند تخلف الطرف الآخر عن تنفيذ الأمر الصادر إليه، أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (۹) من ذات القانون، أن يصدر الأمر بالتنفيذ.

- موقف القانون السوري

   إن القانون السوري جاء خاليا من أي نص يتعلق بتحديد الجهة المختصة باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية عند وجود اتفاق تحكـيم. لذلك يتعين علينا الرجوع إلى القواعد العامة والمنصوص عليها في المادة (۷۸)(۳) من قانون أصول المحاكمات المدنية السوري، والتي تعطي لقاضي الأمور المستعجلة سلطة البت في الطلبات المستعجلة، ولو كان النزاع على أصل الحق يعود النظر فيه إلى أي محكمة أخرى.

تنص المادة (۷۸) من قانون أصول المحاكمات المدنية السوري على أنه:

 ۱ - يحكم رئيس محكمة البداية في الأمور المستعجلة بدون تعد للموضوع أو لاختصاص رئيس التنفيذ.

٢ - في المراكز التي لا يوجد فيها محاكم بداية يتولى قاضي الصلح الفصل في هذه الأمور.

3- يبقى من اختصاص محكمة الموضوع الحكم بهذه الأمور إذا رفعت لها بطريقة التبعية.

4 - يُقصد بالأمور المستعجلة المسائل التي يُخشى عليها من فوات الوقت. 

5 - لا يجوز أن تمس التدابير المتخذة من قبل قاضي الأمور المستعجلة حقوق السلطة الإدارية.

6- يحق لقاضي الأمور المستعجلة أن يقرر بناء على الطلب المقدم إليه وقبل دعوة الخصوم إجراء معاينة أو خبرة فنية وذلك في حالة العجلة الزائدة".

   وعليه لا يجوز لهيئة التحكيم التصدي لنظر الطلبات المتعلقة بإسباغ الحماية الوقتية، ومن ثم يتعين الرجوع إلى قاضي الأمور المستعجلة بوصفه صاحب الاختصاص الأصيل في البت في مثل هذه الطلبات.

  ويرى البعض أنه لا يجوز للأطراف الاتفاق على منح هيئــة التحكيم سلطة البت في الطلبات المستعجلة المرتبطة بالنزاع الموضوعي، على اعتبار " أن الإرادة التي أقرها المشرع هي اتفاق الطرفين على حل نزاع محتمل أو قائم عن طريق التحكيم، وأوجب تحديد موضوع النزاع المتفق على حله تحكيما تحت طائلة البطلان .

  مما يعني أن المشرع أجاز للمحكمين البت في أساس النزاع وموضوعه، ولم يجز للأفراد الاتفاق على عرض الأمور المستعجلة المتعلقة بالنزاع عن طريق التحكيم ، ولم يمنح المحكمين سلطة الفصل بالأمور المستعجلة المتعلقة بالنزاع، وإنما بموضوع وأساس النزاع فقط..

- وما يعزز هذا الرأي القائل إن إرادة المشرع لم تنصرف إلى تخويل هيئة التحكيم اتخاذ التدابير المستعجلة هو ما ورد في المادة (٥٢٦) من قانون أصول المحاكمات التي أوجبت على المحكمين الرجوع إلى رئيس المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع للحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضور أو من يمتنع منهم عن الإجابة بالجزاء، واتخاذ القرار بالإنابات القضائية، إذ إن المشرع لو قصد إعطاء هيئات التحكيم جميع صلاحيات المحاكم القضائية فيما يختص بموضوع النزاع لأجاز لها اتخاذ الإجراءات التي تعتبـر مـن إجراءاته... 

  ومع ذلك فإننا لا نتفق مع وجهة النظر هذه، ونعتقد أنه يجوز للأطراف الاتفاق على منح هيئة التحكـ یم المكلفة بالفصل في النزاع الموضوعي، سلطة اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية المرتبطة بهذا النزاع، ومن ثم يتعين احترام هذا الاتفاق. 

  إلا أننا نرى أن منح هيئة التحكيم سلطة إسباغ الحماية الوقتية، يتوقف على عاملين اثنين:

* ألا يكون الإجراء الوقتي المطلوب اتخاذه متعلقاً بالنظام العام في النظام القانوني السوري. 

*طبيعة الإجراء وكونه من الإجراءات التـ تدخل في الاختصاص الحصري لقضاء الدولة، لما يتطلبه احترام فكرة الفعالية والنفاذ والإجبار، من منح الاختصاص باتخاذه إلى قضاء الدولة على نحو حصري. حيث يبدو أن قضاء الدولة أقدر من غيره على اتخاذ هذا الإجراء وضمان فعاليته، بمــا يتمتع به من سلطة إجبار عند رفض الأمر بتنفيذه.

   فإذا كان المشرع قد أجاز للأطراف الاتفاق على عرض منازعاتهم الموضوعية على هيئة التحكيم، فمن باب أولى أنه يجوز لهؤلاء الأطراف الاتفاق على حرمان قاضي الأمور المستعجلة من اختصاصه بنظر الطلبات الوقتية، وإسناد هذه المهمة لهيئة التحكيم.

  ومن ناحية أخرى إن ما يؤيد وجهة نظرنا هذه ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (٥٠٦) من قانون المحاكمات المدنية السوري: ٢- يجوزالاتفاق على التحكيم في نزاع معين وبشروط خاصة". 

  فعبارة "بشروط خاصة يمكن أن تفيد أنه يجوز للأطراف الاتفاق على التحكيم بالشروط التي يرتأونها ، وقد يكون من ضمن هذه الشروط عرض نزاع معين على هيئة التحكيم مع اختصاص هذه الهيئة بنظر الطلبات الوقتية المرتبطة بهذا النزاع. 

  وإذا كان المشرع السوري وبموجب المادة (٥٢٦) من قانون أصول المحاكمات المدنية السوري، قد أجاز للمحكم الرجوع إلى رئيس المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، للحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضور أو من يمتنع عن الإجابة بالجزاء، واتخاذ القرار بالإنابــات القضائية، فإن ذلك ليس إلا لأن المحكم لا يتمتع بسلطة الإجبار التي يتمتع بها قضاء الدولة، بحيث تمكنه هذه السلطة من الأمر بالتنفيذ عند رفض ذلك، وليس لأن المشرع قد قصد حرمان هيئة التحكيم من بعض الصلاحيات المعطاة للمحاكم القضائية فيما يختص بموضوع النزاع، مما يفيد حرمانه من اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية بوصفها من الإجراءات التي يختص بهـا قضاء الدولة، بل نرى على العكس من ذلك أن الأطراف يمكنهم الاتفاق على منح هيئة التحكيم سلطة إسباغ الحماية الوقتية، من خلال نظر الطلبات المستعجلة المرتبطة بالنزاع الموضوعي، مع الاحتفاظ بحق هؤلاء الأطراف في اللجوء إلى قضاء الدولة للحصول على إمكانية التنفيذ في حال تعذر ذلك. 

ويمكن القول إن المشرع المصري قد أحسن صنعا عندما وضع حداً للجدل الفقهي والقضائي حول تحديد الجهة المختصة باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية عند وجود اتفاق على التحكيم ونحن نأمل من المشرع السوري أن يتخذ خطوة جريئة نحو استصدار قانون للتحكيم، يتضمن بين ثناياه نصوصا تقطع الطريق على الجدل الفقهي والقضائي المثار حول الكثير من القضايا، ومنها الجهة المختصة باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية عند و. اتفاق تحكيم.

  • موقف القانون الفرنسي

  لم يتضمن القانون الفرنسي الجديد بشأن التحكيم نصوصاً صريحة تمنح القضاء الفرنسي الاختصاص في إسباغ الحماية الوقتية على الرغم من وجود اتفاق تحكيم.

وقد أيَّد القضاء الفرنسي هذه النتيجة التي انتهى إليها الفقه، وســــار دائماً في اتجاه تشجيع إصدار مثل هذه الإجراءات. فقد ذهب في العديد مــــن أحكامه إلى أن مجرد وجود اتفاق تحكيم لا يمنع قاضي الأمور المستعجلة من اختصاصه في إسباغ الحماية الوقتية، لأن هذا القضاء يقتصر دوره على مجرد اتخاذ تدبير وقتي لمواجهة حالة الاستعجال، وهذا ما يختلف تماما عن موضوع النزاع المتفق بشأنه على التحكيم ومن جهة أخرى إن نص المادة (١٤٥٨) من قانون المرافعات لا يعني إلا القاضي الذي ينظر نفس الموضوع المتفق بشأنه على التحكيم، ولا يمتد إلى التدابير الوقتية التي يظل الاختصاص بنظرها داخلا في ولاية قاضي الأمور المستعجلة. 

 وعليه فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في أحد أحكامها إلى اختصاص قاضي الأمور المستعجلة باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية حتى أثناء سير خصومة التحكيم ونظر هيئة التحكيم للنزاع المعروض عليها . 

  ولقد ذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى طرح التساؤل التالي: 

هل اختصاص القضاء الفرنسي بإسباغ الحماية الوقتية على الرغم من وجود اتفاق تحكيم ينطوي على حرمان هيئة التحكيم من سلطة اتخاذ مثل هذه التدابير؟ .

  ذهب هذا الجانب من الفقه إلى القول إن الإجابة على هذا التساؤل تتراوح بين الاعتراف لهيئة التحكيم بالسلطة في إسباغ الحماية الوقتية، وعدم الاعتراف لها بمثل هذه السلطة. 

  ولما كانت هيئة التحكيم غير مكلفة بتنفيذ الأحكام المحتمل صدورها عنها.

 فإن ذلك مفاده اختصاص قضاء الدولة في إسباغ الحماية الوقتية دون قضاء التحكيم هذا من جانب. 

ومن جانب آخر فإن اتخاذ التدبير التحفظي يتطلب تقييماً مسبقاً لحقوق الأفراد، وهو ما يؤثر على الحكم المحتمل صدوره مستقبلاً عن هيئة التحكيم.

   هذا ويلاحظ أن التفرقة بين الحكم الصادر في الموضوع وتنفيذه، إنما هـي تفرقة غير مطلقة على نحو ما هو ظاهر. إذ يجوز للقضاة والمحكمين عند الفصل في موضوع النزاع اتخاذ بعض التدابير الوقتية والتحفظيـة فــي الأحكام الصادرة عنهم ضمانا للتنفيذ، إذ يمكنهم على سبيل المثال فرض غرامة تهديدية على أحد الأطراف.

  يتعين تفسير لائحة التحكيم الصادرة عن غرفة التجارة الدولية بباريس في ضوء الاعتبارات السابقة. فلائحة التحكيم المذكورة تسمح للأطراف بأن يطلبوا إلى الجهات القضائية اتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية دون المساس بالسلطة المقررة للمحكمين في هذا الصدد. 

فكأن سلطة القاضي الوطني في إصدار التدبير التحفظي مرهونة باحترام السلطة المشتركة المقررة للمحكمين.

 ج- موقف اتفاقية نيويورك لعام ۱۹٥٨ من مسألة تحديد الجهة المختصة باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية

  لم تتناول اتفاقية نيويورك مسألة تحديد أثر اتفاق التحكيم بالنسبة للتدابير الوقتية والتحفظية التي يرى الأطراف ضرورة اتخاذها لمواجهة حالة الاستعجال التي قد تطرأ بعد إبرام اتفاق التحكيم، وذلك بهدف حماية حقوقهم إلى أن يتم الفصل في موضوع النزاع من قبل هيئة التحكيم. 

وعليه فقد ذهب الرأي الراجح فقها وقضاء" "إلى أن ذلك الإغفال من جانب اتفاقية نيويورك مفاده استمرار القاعدة المستقرة سابقا، والتي مقتضاها أنه يجوز اللجوء إلى القضاء الوطني بالطلبات الوقتية والتحفظية، بما ذلك الحجز التحفظي، دون أن يعد ذلك مساسا باتفاق التحكيم أو نزولاً عنه .

  مما تقدم يتضح لنا أن الأثر المانع لاتفاق التحكيم يقتــصــر علــى المنازعات الموضوعية المتفق بشأنها على التحكيم، ولا يشمل التدابير الوقتية والتحفظية المرتبطة بهذه المنازعات، ومن ثم فإن الاختصاص بإسباغ الحماية الوقتية  ُيظلّ منعقداً لقضاء الدولة وحده دون غيره.