الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الدفع بوجود اتفاق التحكيم دفع ببطلان المطالبة القضائية / الكتب / قضاء التحكيم / نظرية الدفع ببطلان المطالبة القضائية

  • الاسم

    م.د محمد ماهر ابو العنين
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    مؤسسة دار الكتب
  • عدد الصفحات

    1156
  • رقم الصفحة

    194

التفاصيل طباعة نسخ

نظرية الدفع ببطلان المطالبة القضائية

القيود الواردة علي قاعدة الأثر المانع

    يترتب علي اتفاق التحكيم امتناع القضاء الوطني عن نظر المنازعات المتفق بشأنها علي التحكيم ، بشرط تمسك أحد الأطراف بسبق الاتفاق علي التحكيم ، وهنا يمكن طرح التساؤل التالي:

     هل تعد قاعدة الأثر المانع قاعدة مطلقة وشاملة ، بحيث يمتنع علي المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع ، نظر جميع المسائل المتصلة بالنزاع المتفق بشأنه علي التحكيم ، أم يظل لهذه المحكمة حتى مع وجود اتفاق التحكيم الاختصاص بنظر بعض المسائل والفصل فيها؟

     في الحقيقة إن قاعدة الأثر المانع ليست قاعدة شاملة يترتب عليها حرمان القضاء الوطني من نظر المسائل المتصلة بالنزاع محل اتفاق التحكيم ، بل جميع علي العكس من ذلك ، وحتى مع وجود اتفاق التحكيم فإن القضاء الوطني يحتفظ ببعض الاختصاص في أحوال عدة سواء عند بدء الخصومة أو أثناء إجراءات التحكيم.

    ويرجع ذلك إلى أن اتفاق التحكيم يجد أساسه في اتفاق الأطراف ، كما أن المحكم بخلاف القاضي الوطني لا يستمد سلطته واختصاصه من القانون ، بل من اتفاق الأطراف، بالإضافة إلى أن المحكم يفتقد إلى سلطة الأمر التي يتمتع بها قضاء الدولة ، لذلك فإنه يكون في حاجة إلى قضاء الدولة عدته فى أداء مهمته.

    الحالات التي يحتفظ فيها قضاء الدولة باختصاصه بنظر بعض المسائل التي تتصل بنزاع اتفق بشأنه علي اللجوء للتحكيم :

١- تدخل قضاء الدولة في تشكيل هيئة التحكيم :

     في حال قيام الأطراف يتعين أعضاء هيئة التحكيم ، أو علي الأقل تحديد طرقه تعيينهم فإنه لا يثور أي صعوبة ، حيث يتم إعمال اتفاق الأطراف ، ومن ثم لا يكون هناك حاجة لتدخل قضاء الدولة.

     ولكن المشكلة تظهر حينما لا يتفق الأطراف علي تعيين أعضاء هيئة التحكيم ، أو علي الأقل تحديد طريقة تعيينهم ، ففي مثل هذه الحالة إن ميع التشريعات الوضعية تكاد تتفق علي أن قضاء الدولة يتدخل للمساعدة في تشكيل هيئة التحكيم ، بناء علي طلب يتقدم به أطراف اتفاق التحكيم أو أحدهم علي الأقل، وعليه لا يجوز لهذا القضاء التدخل من تلقاء نفسه للقيام بهذه المهمة وقد نظـم المشرع المصري هذا الغرض في المادة ١٧ من قانون التحكيم.

٢ - تدخل قضاء الدولة في مجال جمع وتقديم الأدلة:

     لما كان المحكم يستمد سلطته واختصاصه من اتفاق أطراف التحكيم لذلك فإنه لا يتمتع بسلطة الأمر التي يتمتع بها القاضي ، وعليه فإنه يبقى في حاجة إلي مساعدة قضاء الدولة أثناء إجراءات التحكيم وعند البحث عن أدلة الإثبات.

    وبناء عليه وإذا كان المحكم يستطيع أن يطالب من أطراف اتفاق التحكيم تقديم ما بحوزتهم من مستندات ، إلا أنه في الوقت ذاته لا يملك سلطة إجبارهم علي ذلك في حال امتناعهم عن تقديم تلك المستندات.

     وإذا كان المحكم لا يملك إجبار أطراف اتفاق التحكيم على تقديم ما بحوزتهم من مستندات ، فإنه من باب أولى لا يملك إجبار الغير - وهو كل شخص ليس طرفا في اتفاق التحكيم - علي تقديم ما بحوزته من مستندات عند امتناعه عن تقديمها، كما لا يملك إجبار شاهد على الحضور أمام للإدلاء بشهادته ، أو حلف اليمين ، أو غير ذلك.

    ولما كان المحكم يفتقد إي سلطة الأمر التي تمكنه من إجبار على تقديم المستندات، أو الإجبار على الإدلاء بالشهادة أو حلف اليمين... ، لذلك فلا يكون أمامه من سبيل من أجل ذلك إلا اللجوء إلى قضاء الدولة .

     كذلك إن المشرع المصري وبموجب المادة ۳۷ من قانون التحكيم ، قد أعطى رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (۹) من قانون التحكيم - بناء على طلب هيئة التحكيم الاختصاص بما يأتي:

أ- الحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضور ، أو يمتنع عن الإجابة بالجزاءات المنصوص عليها في المادتين ۷۸ و ۸۰ من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية

ب- الأمر بالإنابة القضائية ، وذلك في الأحوال التي يتطلب فيها الأمر ، إجراء معاينة في مكان يصعب علي هيئة التحكيم الانتقال إليه إلا بمشقة بالغة.فعندئذ يجوز للمحكمة وبناء على طلب هيئة التحكيم إصدار أمر بالإنابة  القضائية للقيام بهذه المهمة.

3- تدخل فضاء الدولة في اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية:

     بينا فيما سبق أنه يترتب على اتفاق التحكيم منع قضاء الدولة من نظر المنازعات المتفق بشأنها على التحكيم ، وهنا يمكن طرح التساؤل التالي:

     هل يشمل الأثر المانع لقضاء الدولة فضلا عن المنازعات الموضوعية، التدابير الوقتية والتحفظية المرتبطة بهذه المنازعات ، بحيث يصبح المحكم هو صاحب الاختصاص باتخاذ هذه التدابير أم علي العكس من ذلك يظل قضاء الدولة هو صاحب الاختصاص بإسباغ الحماية الوقتية.

    تنص المادة ١٤ من قانون التحكيم المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ عي أنه "يجوز للمحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون أن تأمر ، بناء علي طلب أبد طرفي التحكيم ، باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية سواء قبيل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها.

كما نصت المادة ٢٤ من ذات القانون علي أنه:

1-  يجوز لطرفي التحكيم الاتفاق على أن يكون لهيئة التحكيم بناء على طلب أحدهما، أن تأمر أيا منهما باتخاذ ما تراه من تدابير مؤقته أو تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع ، وأن تطلب تقديم ضمان كاف التغطية نفقات التدبير الذي تامر به.

2 - وإذا تخلف من صدر إليه الأمر عن تنفيذه، جاز لهيئة التحكيم ، بناء على طلب الطرف الآخر ، أن تأذن لهذا الطرف في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، وذلك دون إخلال بحق هذا الطرف في أن يطلب من رئيس المحكمة المشار غليها في المادة (۹) من هذا القانون الأمر بالتنفيذ.

من نص المادتين سالفتي الذكر يتضح لنا أن المشرع المصري لا يعتبر وجود اتفاق التحكيم عقبة تحول دون اختصاص قضاء الدولة ، حيث أجاز للأطراف وعلي الرغم من وجود اتفاق تحكيم ، اللجوء إلي قاضي الأمور المستعجلة بهدف الحصول على الحماية الوقتية.

    وعليه لم يعتبر المشرع المصري لجوء أحد الأطراف إلى قضاء الدولة بهدف اتخاذ تدبير وقتي أو تحفظي، تنازلا عن اتفاق التحكيم.

     فالأثر المانع لاتفاق التحكيم يقتصر على المنازعات الموضوعية ، ولا يتسع ليشمل التدابير الوقتية والتحفظية، ومن ثم فإن اختصاص القضاء المصري باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية، يعد علي ما ذهب إليه جانب من الفقه إعمالا للقواعد العامة والمنصوص عليها في قانون المرافعات المصري ، والتي تمنح القضاء المصري الاختصاص بنظر المنازعات المتعلقة بالتدابير الوقتية والتحفظية في العلاقات الدولية الخاصة ، بشرط تحقق عنصر الاستعجال كأصل عام ، ودون حاجة إي النص الصريح، والذي أكده المشرع مع ذلك في النص المذكور.

     وهذا الاتجاه يقلل أهمية التفسير القائل إن اختصاص القضاء المصري باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية عند وود اتفاق تحكيم إنما يعد مجرد استثناء علي الأثر المانع لاتفاق التحكيم وذلك نظرا لطبيعة هذه الإجراءات.

    فاختصاص القضاء المصري باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية عند وجود اتفاق تحكيم، وذلك بناء على طلب أحد طرفي التحكيم المادة ١٤ من قانون التحكيم المصري ، يقودنا إلى التساؤل التالي:

   هل يجوز للأطراف الاتفاق علي منح هيئة التحكيم سلطة إسباغ الحماية الوقتية ، ومن ثم حرمان قضاء الدولة صاحب الاختصاص الأصيل من سلطته هذه ؟

    وعلي الرغم من وجود اتفاق بين الأطراف على منح هيئة التحكيم الاختصاص باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية، فإنه يجوز للطرف عند تخلف الطرف الآخر عند تنفيذ الأمر الصادر إليه أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة ٩ من ذات القانون أن يصدر الأمر بالتنفيذ.

     أي أن المشرع المصري وإن كان قد جعل الاختصاص باتخاذ التدابير الوقتية لقضاء الدولة، إلا أنه لم يجعل ذلك حكرا علي هذا القضاء.

     وذلك عندما أجاز للأطراف الاتفاق علي منح هيئة التحكيم سلطة إسباغ الحماية الوقتية.

    أن الاتفاق علي التحكيم يفترض تخويل هيئة سلطة الفصل في النزاع مع قبول حكمها فيه ، وعلي ذلك لا يعد اتفاقا على التحكيم ذلك الذي يتفق فيه الأطراف علي الرجوع إلي القضاء إذا لم يرتضوا حكم المحكم، ويجوز رفع الأمر مباشرة إلى القضاء، ولا يجوز الدفع بوجود اتفاق على التحكيم في مثل هذه الحالة، كذلك يتخلف الاتفاق علي التحكيم بالمعنى الصحيح لو اتفق الطرفان علي الاحتفاظ بحقهم في الالتجاء القضاء إذا لم يقبل قرارا هيئة التحكيم ، إذ يكون دور هيئة التحكيم في هذه الحالة اقرب إلى التوفيق منه للتحكيم ، كما يجب أخيرا أن يكون النزاع محل الاتفاق علي التحكيم ناشئا عن علاقة قانونية محددة .

أولا: الانسحاب من الاتفاق علي التحكيم

     إذا كان اتفاق التحكيم لا يكون صحيحا إلا بالكتابة ، فإنه لضمان جدية اتفاق التحكيم سواء كان في صلب العقد أو جاء في مشارطة مستقلة عن العقد، كان لابد من وضع قيود علي إرادة الأطراف فيما يتعلق بمسألة الانسحاب بالإرادة المنفردة من اتفاق التحكيم ولذلك نصت المادة ٢٥ من اتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار علي عدم جواز الانسحاب بالإرادة المنفردة من اتفاق التحكيم الخاضع للمركز فلا يحق لأي مهن أطراف النزاع أن يتراجع عن قبول اختصاص المركز بنظر النزاع الذي ينشأ سينشأ مستقبلا بينهم بإرادته المنفردة.

    ويحدث أحيانا ألا يعلن أحد أطراف التحكيم أنه سحب رضاءه صراحة ولكنه يعمد إلى اتخاذ موقف سلبي من الإجراءات ويتعمد عدم الحضور ويهدف من ذلك إلى الحد من فاعلية التحكيم وتعطيل الفصل في النزاع فهل يؤثر غياب هذا الطرف على إجراءات نظر التحكيم؟

     وبالنظر إلي قانون التحكيم المصري ۲۷ لسنة ۱۹۹٤ نلاحظ أنه قد نص المادة ٣٥ علي أنه إذا تخلف أحد الطرفين عن حضور إحدى الجلسات أو عن تقديم ما طلب منه من مستندات جاز لهيئة التحكيم الاستمرار في إجراءات التحكيم و إصدار حكم في النزاع استنادا إلى عناصر الإثبات الموجودة أمامها " ونصت علي ذلك أيضا المادة ٤٥ من اتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار حيث أوضحت أنه في حالة عدم حضور أحد الطرفين يجوز للطرف الآخر أن يطلب من المحكمة أن تفصل في المسائل المعروضة عليها بالحكم المناسب ، ولها قبل أن تصدر حكمها أن تعلن الطرف المتغيب ضاربه له ميعادا نهائيا للحضور.

    وقد طبق ذلك مركز ICSID للتحكيم في قضية leteo ضد حكومة ليبريا حيث امتنعت حكومة ليبريا عن تعين محكم لها رغم أعذارها، مما أدى إلى أن قامت هيئة التحكيم بالفصل في النزاع باعتبار أن تخلف أحد الأطراف عن المشاركة في إجراءات التحكيم ليس من شأنه إيقاف الإجراءات ولا يحول دون استمرار نظر النزاع وفقا لما تبين لهيئة التحكيم من الأوراق والمستندات المقدمة إليها .