يذهب الرأي الغالب في الفقه المصري إلى أن الدفع باتفاق التحكيم هو دفع بعدم القبول.
فاتفاق التحكيم ليس من شأنه نزع الاختصاص بنظر النزاع عن قضاء الدولة، وإنما منع هذا القضاء مؤقتا من سماع الدعوى ما دام اتفـاق التحكيم موجودا.
فاتفاق التحكيم يُنشئ عائقاً مؤقتاً يمنع قضاء الدولة من سماع الدعوى.
-الانتقادات الموجهة لهذا الاتجاه:
تتلخص هذه الانتقادات بما يلي:
* يتعين التمييز بين حق التقاضي باعتباره حقا من الحقوق العامة المكفولة للكافة، والتي لا تقبل التقييد أو التنازل من جانب الأفراد لاتصالها بالنظام العام، فهو ليس حقاً فردياً ذاتياً وبين حق الدعوى الذي يعتبر حقاً فردي بالمعنى الدقيق، على اعتبار أن الدعوى هي وسيلة لحماية الحق الموضوعي الذي تم الاعتداء عليه.
والقانون لا يعترف بحق الدعوى إلا لصاحب الحق فيها ، لكن اتفاق التحكيم لا يمس الحق في ذاته، ذلك أن حق الدعوى هو حق الشخص في الحصول على حكم في الموضوع لمصلحته، وعليه فإن هذا الحق يبقى قائماً على الرغم من وجود اتفاق التحكيم.
ذلك أن الدفع بعدم القبول يجوز إبداؤه في أي حالة كانت عليها الدعوى (المادة ۱۱٥ من قانون المرافعات المصري).
أما الدفع بالتحكيم فكما هو معروف يجب إبداؤه قبل التكلم بالموضوع وإلا سقط الحق به، وهو بذلك يُعامل معاملة الدفوع الشكلية.
ج- الاتجاه الثالث: الدفع بالتحكيم هو دفع إجرائي ببطلان المطالبة القضائية:
- عرض الاتجاه:
فقد توصل هذا الفقه إلى تأصيل الدفع باتفاق التحكيم علـــى النحو الآتي:
*الدفع بالتحكيم دفع إجرائي بحت:
يفرق هذا الاتجاه بين كل من الدفع بعدم القبول والدفع الإجرائي ليتوصل من خلال ذلك إلى أن هناك صلة وثيقة بين أسباب عدم القبول وموضوع الدعوى، في حين أن الدفع بالتحكيم لا صلة له بموضوع الدعوى لأنه يوجه إلى إجراءات الخصومة:
*فالدفع الإجرائي باعتباره دفعاً يوجه إلى إجراءات الخصومة، بهدف الحصول على حكم يؤدي إلى إنهاء الخصومة دون الفصل في موضوعها، أو يؤدي إلى إرجاء سيرها، يختلف عن الدفع بعدم القبول الذي يوجه إلى حق الدعوى بأنه يؤدي إلى إنهاء الخصومة بسبب عيب يتعلق بالإجراءات، وذلك بخلاف الدفع بعدم القبول الذي يؤدي إلى إنهاء الخصومة بسبب عيب يتعلق بالدعوى ذاتها ومدى توافر الشروط اللازمة لقبولها كالصفة والمصلحة.
وإن كان كلا الدفعين يتفقان بأن كل منهما يهدف إلى الحصول على حكم ينهي الخصومة دون الفصل في موضوعها وعليه فإن الدفع بعدم القبول وإن لم يكن دفعا موضوعيا بحتا لتعلقه بحق إجرائي هو حق الدعوى، إلا أنه حق متعلق بالموضوع ومن ثم فإن أسباب عدم القبول مثل انتفاء الصفة تتصل اتصالاً وثيقا بموضوع الدعوى.
فاتفاق التحكيم لا صلة له بموضوع الدعوى، وإنما يوجه إلى إجراءات الخصومة القضائية فهو ينشئ على عائق الأطراف التزاماً بعدم اللجوء إلى قضاء الدولة. فالدفع بالتحكيم هو الوسيلة التي يستطيع بموجبها الخصم منع الطرف الآخر من استعمال حقه في اللجوء إلى القضاء.
* كما أن الدفع بالتحكيم يخضع للقواعد المطبقة على الدفوع الإجرائية.
وأهمها وجوب إبدائه قبل التعرض للموضوع وإلا سقط الحق به. وهذا ما يبعد تأصيله من طائفة الدفوع بعدم الاختصاص، والدفوع بعدم القبول، إذ إن كل من هذين النوعين من الدفوع يجوز إبداؤه في أي حالة كانت عليها الدعوى.
* تذهب محكمة النقض المصرية إلى أن الحكم الصادر في الدفع بالتحكيم لا يستنفذ ولاية محكمة أول درجة بالنسبة للموضوع، وهذا لا ينطبق إلا علـ الدفوع الإجرائية.
* إن بعض التشريعات العربية (المادة ١٥٤) من قانون الإجراءات السوداني، المادة 6 من قانون التحكيم الأردني...) ترتب على الدفع بالتحكيم أثراً إجرائيا بحتا هو وقف الإجراءات لحين صدور قرار التحكيم.
ويترتب على الصفة الإجرائية لاتفاق التحكيم النتائج التالية:
* يجب إبداء الدفع بالتحكيم قبل إبداء أي طلب أو دفع موضوعي أو دفع بعدم القبول، وإلا سقط الحق في إبدائه.
*يجب أن تفصل المحكمة في الدفع بالتحكيم استقلالاً وقبــل الفـصـل فـــي الموضوع، مالم تقرر ضمه للموضوع، وعندئذ يتعين عليها أن تصدر قراراً بالضم لتنبيه الخصوم إلى تقديم دفاعهم الموضوعي.
* إن الحكم الصادر بقبول الدفع بالتحكيم لا يستنفذ ولاية محكمة أول درجة، ومن ثم إذا قررت المحكمة الاستئنافية إلغائه، وجب عليها إعادة القضية إلى محكمة أول درجة لتفصل في الموضوع.
* إن الحكم الصادر في الدفع بالتحكيم يُعد حكماً قطعياً فاصلاً في مسألة إجرائية، ومن ثم فإنه يستنفذ ولاية المحكمة فـى هذه المسألة فقط دون الموضوع.