الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الدفع بوجود اتفاق التحكيم دفع بعدم الإختصاص / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / الأختصاص بالتحكيم في عقود التجارة الدولية / حالات الدفع بعدم الاختصاص أمام هيئة التحكيم

  • الاسم

    عاطف بيومي محمد شهاب
  • تاريخ النشر

    2001-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    601
  • رقم الصفحة

    386

التفاصيل طباعة نسخ

حالات الدفع بعدم الاختصاص أمام هيئة التحكيم

    وإذا كان المشرع الفرنسي لم يورد تنظيما دقيقا لنظام الدفع بعدم اختصاص المحكم أو هيئة التحكيم، رغم إقراره لمبدأ الاختصاص بالاختصاص ، كما أوضحنا سلفا ، إلا أننـــــا نعتقد أنه لم يختلف مع المشرع المصري في هذا الشأن ، وبيان ذلك أنه بالرجوع لنص المادة ١٤٨٤ من قانون المرافعات الفرنسي الجديد ، الذي أورد من خلالها المشرع الفرنسي الحالات التي يجوز فيها الطعن بالبطلان علي حكم المحكمين ، فقد أورد من بين هذه الحالات ، حالة ما إذا فصل المحكم بغير اتفاق تحكيم أو بناء علي اتفاق باطل أو منقضى ( م ١/١٤٨٤) ، وحالة ما إذا تجاوز المحكم حدود المهمة المعهود بها إليه ( م ٣/١٤٨٤).

    فإقرار المشرع الفرنسي لهذه الحالات باعتبارها سببا للطعن بالبطلان علي حكـم المحكم ، الهدف منه التأكد من صحة انعقاد الاختصاص للمحكم أو هيئة التحكيم بنظـر النزاع المعروض ، وذلك من خلال مراقبة هذا الاختصاص عن طريق الطعن بالبطلان على حكم المحكم ، إذا ما قام بالفصل في الموضوع المعروض عليه دون وجود اتفاق علي التحكيم ، أو بناء علي اتفاق تحكيم باطل أو انقضت مدته ، أو كان المحكم بالفصل في موضوع النزاع قد خرج عن حدود المهمة المعهود بها إليه . وهذا ما يسمح بالقول بأن تكون ذات الأسباب التي أوردها المشرع الفرنسي للطعن بالبطلان علي حكم التحكيم ، هي أيضا من الممكن اعتبارها سببا للدفع بعدم الاختصاص أمام هيئة التحكيم ، وفقا للتشريع الفرنسي ، الأمر الذي يتفق فيه مع المشرع المصري في قانون التحكيم المصري الجديد.

أولا :- الدفع بعدم الاختصاص المطلق لهيئة التحكيم . 

    ويقصد بالدفع بعدم الاختصاص المطلق ، هو الدفع الذي ينصب سببه علـــي الطعن في أساس منح المحكم أو هيئة التحكيم للاختصاص التحكيمي .

    وذلك لأن الدفع بعدم الاختصاص المطلق ، يتناول حالة من الحالات التي يستند فيها الدفع بعدم الاختصاص، علي عدم وجود اتفاق تحكيم ، أو بطلان اتفاق التحكيم ، أو سقوط

أو انقضاء اتفاق التحكيم ، وكل هذه الأسباب التي يبني عليها الدفع بعدم الاختصاص المطلـق ، تهدف إلي الوصول إلي أن المحكم ليس له اختصاص علي الإطلاق لانعدام الأساس الذي يستمد منه المحكم هذا الاختصاص .

  هذا ونري بالإضافة إلى هذه الحالات ، انه توجد حالة أخري يكون فيها الدفع بعدم الاختصاص ، هدفه أيضا ، انهيار الأساس الذي يستمد منه المحكم اختصاصه ، وهي حالة وجود مخالفة  للنظام العام بسبب عدم المشروعية التي لحقت بالعقد الأصلي وانسحبت بالتالي لاتفاق التحكيم وأدت أيضا لعدم مشروعيته ، الأمر الذي يكون  معه الاختصاص التحكيمي بلا هوية يستمد منها الأمر الذي يجوز فيه إبداء الدفع بعدم الاختصاص أمام هيئة التحكيم في أي مرحلة من مرا. إجراءات التحكيم ، بل أن المخالفة للنظام العام تعد أيضا سببا للطعن بالبطلان علي حكم الحكيم سواء في التشريع المصري أو في التشريع  الفرنسي .

فعدم المشروعية التي تلحق بالتصرف القانوني و تنعكس بالتالي علي اتفاق التحكيم ويضحي هو أيضا غير مشروع ، تؤدي إلي القول بانعدام أو انهيار أساس أو مصدر الاختصاص التحكيمي ، وبالتالي تعد هذه الحالة أيضا من الحالات التي يمكن أن ندرجها تحت عدم الاختصاص المطلق للمحكـــــم أو هيئــة التحكيم ، حيث أن الدفع بعدم الاختصاص في هذه الحالة والمبني علي المخالفة للنظام العام وهي عـدم المشروعية ، فهذا الدفع بلا شك ينال من أساس منح الحكم للاختصاص التحكيمي ، وهذه الحالة كما سبق أن أوضحنا عند بيان طبيعة الدفع بعدم  الاختصاص ، التي يستطيع فيها المحكم أن يقضي ولو من تلقاء نفسه بعدم اختصاصه.

 وعلي ذلك تنحصر حالات الدفع بعدم الاختصاص المطلق لهيئة التحكيم في أربع حالات هي :

1- عدم وجود اتفاق تحكيم .

2- بطلان اتفاق التحكيم.

3- سقوط أو انقضاء اتفاق التحكيم .

4- مخالفة النظام العام .

وسوف نتناول هذه الحالات بشيء من التفصيل فيما يلي :-

1 - الدفع بعدم الاختصاص لعدم وجود اتفاق تحكيم :-

 وحالة الدفع بعدم الاختصاص ( المطلق ) ، المبني علي عدم وجود اتفاق تحكيم أصلا ، يمكن أن تستفاد من انعدام أو عدم توافر الرضا ، علي اللجوء إلى التحكيم ، من قبل الخصم الذي يتمسك بالدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم لهذا السبب ، ويكون ذلك بأن يدعي أحد الأطراف بوجود اتفاق أو شرط تحكيم في حين لم يكن الطرف الآخر قد قام بالتوقيع علي العقـــد الذي أحتوي علي هذا الشرط ، وعلي ذلك فيحق للطرف الذي لم يوقع علي هذا العقد ، أن يدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم لانتقاء الرضا من جانبه علي اللجوء إلى التحكيم ، الأمر الذي يكون معه لا وجود لاتفاق تحكيم . ، يستمد منه الاختصاص التحكيمي ، وبالتالي لا يكون هناك اختـــــــاص تحكيمي للمحكم أو هيئة التحكيم علي الإطلاق ، الأمر الذي يضحي معه الدفع بعدم الاختصاص في هذه الحالة ، قد جاء علي سند صحيح من القانون ، ويتعين معه علي المحكم أو هيئة التحكيم القضاء بعدم الاختصاص المطلق بشأن النزاع المعروض .

    ولكن يثور تساؤل في مثل هذه الحالة ، عندما لم يكن أحد الأطراف قد وقع بالفعل على  العقد الذي تضمن شرط تحكيم ، إلا أنه قد صدر منه تصرف معين أمام المحكم أو هيئة التحكيم ، يمكن أن يعد رضاء ا منه على اللجوء إلى التحكيم بشأن التراع المطروح ، ومن ذلك أن يقوم الطرف الذي لم يوقع علي العقد المتضمن لشرط التحكيم ، أن يقوم بالتوقيع علي وثيقة تحديد مهمة المحكم أو هيئة التحكيم فهل يعتبر توقيع هذا الطرف علي هذه الوثيقة بمثابة اتفاق تحكيم ، ويغني بذلك عن عدم التوقيع علي العقد الأصلي المتضمن شرط التحكيم من جانب أحد الأطراف ، أم أن الأمر علي خلاف ذلك ؟

  وعلي ذلك فوثيقة المهمة الموقعة دون تحفظات ، قد يكون لها دور في تعديل مضمون اتفاق التحكيم المبدئي ، تضييقاً أو توسيعا من نطاقه ، فيجب علي الأطراف الا يرد منــــــهم دون قصد ما يعد من قبيل ، تعديل في نطاق اختصاص المحكم ، سواء بالتصييق أو التوسيع عما هـو وارد بالاتفاق المبرم فيما بينهم .

    ويؤكد هذا الاتجاه علي أن الخصم الذي ينكر اختصاص هيئة التحكيم ، ويقــــــوم بالتوقيع علي وثيقة المهمة مع التحفظ فيها وتمسكه بهذا الإنكار ، فإن توقيعه هذا علي الوثيقة لا يفسر علي أنه تنازل منه عن التمسك بالدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم أمام القضاء الوطني .

 وقد قضت محكمة استئناف باريس بأن التوقيع على وثيقة المهمة من قبل الطرف المنكر لاختصاص محكمة التحكيم لا يعد بمثابة مشارطه تحكيم ، ولا يمنع هذا الطرف من التمسك بعدم اختصاص محكمة التحكيم " " ، وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بتأييد هذا الحكم.

    إلا أن ذات المحكمة في حكم آخر ذهبت إلي أن وثيقة المهمة المعدة من قبل المحكمين طبقا لنص المادة ١٣ من لائحة غرفة التجارة الدولية بباريس والتي تحدد المسائل المتنازع عليها والتي يجب علي المحكمة الفصل فيها والموقعة من أطر أف التراع دون أية تحفظات من قبلهم بشأن اختصاص محكمة التحكيم تعتبر من الناحية القانونية بمثابة مشارطه تحكيم تصلح لأن يعتد بها من قبل المحكمين .

 وعلي ذلك يتوقف دور وثيقة المهمة في اعتبار التوقيع عليها بمثابة اتفاق تحكيم أم لا ، علي تمسك الخصم المنكر لاختصاص هيئة التحكيم ، بعدم توقيعه علي اتفاق التحكيم الأساسي وابدائه التحفظ بإنكاره لاختصاص هيئة التحكيم وذلك عند التوقيع علي وثيقة المهمة ذاتها أو أثناء عرض النزاع أمام هيئة التحكيم . 

   فإذا لم يقم أحد الأطراف بالتوقيع علي اتفاق التحكيم ، ولكنه قام بالتوقيع علي وثيقة المهمة ، دون أن يبدي أي تحفظ بشأن اختصاص المحكم أو هيئة التحكيم ، بسبب عدم توقيعه علي اتفاق التحكيم أي لعدم وجود اتفاق تحكيم ، فإن عدم إنكاره هنا لاختصاص المحكم سواء من خلال وثيقة المهمة ، أو بإبدائه الدفع بذلك أمام هيئة التحكيم ، يعد ذلك منشئا لاتفاق تحكيم أو بمثابة إقرار لاتفاق التحكيم الذي لم يوقع عليه . إما إذا قام هذا الخصم الذي لم يوقع اتفاق التحكيم بالتحفظ بشأن اختصاص المحكم أو هيئة التحكيم ، من خلال وثيقة المهمة ، فإن ذلك لا تعد معه هذه الوثيقة بمثابة شرط تحكيم أو مشارطه تحكيم ، وبالتالي يحق لهذا الخصم التمسك بالدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم أمام القضاء عند الطعن بالبطلان علي حكم التحكيم لعدم وجود اتفـــــــاق تحكيم ، وهو ما حدث بالفعل في قضية هضبة الأهرام ، عندما تمسك الجانب المصري بعــــدم توقيـــــع الحكومة الصرية علي شرط التحكيم الوارد في العقد الأصلي المبرم بين كل من ,Egoth ) ) ((S.P.P ، وأنكر اختصاص - سيئة التحكيم بالتحفظ من خلال وثيقة المهمة ، الأمر الذي أدي إلي عدم اعتبار التوقيع علي الوثيقة بمثابة مشارطه تحكيم ، وهو ما قضت به محكمة استئناف بـــــاريس في حكمها الصادر بتاريخ ١٢ يوليو ١٩٨٤ بإلغاء حكم هيئة التحكيم في هذه القضية ، وقد أيــــــدت محكمة النقض الفرنسية هذا الحكم.

   هذا وقد اتجهت محكمة استئناف باريس إلي مد نطاق شرط التحكيـم علــى الأطراف التي لم تقم بالتوقيع عليه ، في مجال التحكيم الدولي ، فقد ذهبت إلي أنه وفقا للأعــــراف

السائدة في إطار التجارة الدولية ، فإن شرط التحكيم الوارد في عقد دولي له  من الصحة والكفاية الذاتية ، التي تقتضي أن يمتد نطاق تطبيقه إلي الأطراف المتصلة بشكل مباشــــــر في تنفيذ العقد ، والمنازعات الناشئة عنه ، وذلك بمجرد التحقق من أن مراكزهم التعاقدية ، وأنشطتهم والعلاقــــــات التجارية المعتادة ، القائمة بين الأطراف تؤدي إلي الافتراض إلي أنهم قبلوا شرط التحكيم ،الذي يعلمون بوجوده و نطاقه ، على الرغم من عدم قيامهم بالتوقيع علي العقد الأصلي الذي تضمن هذا  الشرط.

    هذا وفي بعض قضايا التحكيم ، نجد أن الدولة ذاتها كطرف في النزاع بشأن العقود المبرمة بينها وبين الأشخاص الخاصة ، تطالب بمد شرط التحكيم الوارد في العقد الأساسي ليشمل التراع الحاصل بشأن عقد مرتبط به ، بالرغم من وجود شرط تحكيم بالعقد المرتبط ولكـن يختلف عن شرط التحكيم الوارد بالعقد الأساسي . 

  ففي أحد العقود التي أبرمتها حكومة الكاميرون مع إحدى الشركات نرمز لها بـ (أ) ، وهـو العقد الأساسي تقوم بموجبة هذه الشركة بإقامة مصنع للسماد ، وقد تم إنشاء مشروع مشترك باسم الشركة ( ب) تشارك فيه (أ) ، وتقوم (ب) باستغلال المصنع ، وتقوم ( أ ) بالإدارة الفنية والتجارية ، وقد أبرم عقد آخر بين كل من ( أ ) ، ( ب ) بشأن الإدارة ، وعلي أثر الخلاف قامت الشركة ( أ) أعمالا لشرط التحكيم الوارد في العقد الأساسي باللجوء إلى C.I.R.D.I لمطالبة حكومة الكاميرون بباقي ثمن المصنع ، وقامت حكومة الكاميرون ردا علي ذلك بالمطالبة بأن تنظر محكمــة التحكيم العملية التعاقدية برمتها لتحديد مسئولية كل طرف ، علي الرغم من أن عقد الإدارة يتضمن شرط تحکیم CCI ، والأمر يحتاج من محكمة التحكيم أن تتعرض لهذا العقد ، وقد كان ذلك من حكومة الكاميرون رغبة منها في توسعة نطاق النزاع .

2- الدفع بعدم الاختصاص لبطلان اتفاق التحكيم :- 

  وبطلان اتفاق التحكيم يعد سبباً من أسباب الدفع بعدم الاختصاص المطلق لهيئة التحكيم ، فهو يتناول الطعن علي اتفاق التحكيم لسبب من الأسباب التي تؤدي إلي الوصول إلي أنه لا وجود للأساس الذي تستمد منه هيئة التحكيم اختصاصها. وبمعني آخر أن اتفاق التحكيم الذي يدعيه أحد الأطراف أو يتمسك به ، لا تتوافر فيه شروط صحته ، التي تؤدي إلي ترتيب آثاره بعقد الاختصاص لهيئة التحكيم ، وبالتالي يقوم الدفع بعدم الاختصاص لهذا السبب وهو بطلان اتفاق التحكيم ، بالاستناد علي عدم توافر الرضا كشرط من الشروط الواجب توافرهــــــا في اتفاق التحكيم ، حيث يشترط توافر الإرادة الصادرة عن أطراف الاتفاق والسليمة الخالية من عيوب الرضا كالغلط أو التدليس أو الإكراه أو الاستغلال، وكذلك قد يستند الدفع بعد الاختصاص المطلق لبطلان اتفاق التحكيم علي عدم قابلية النزاع للتحكيم ، باعتبار أن قابلية النزاع للفصل فيه بطريق التحكيم ، يعد كذلــك مـــن الشروط الواجب توافرها لصحة اتفاق التحكيم ، ولنشأة الاختصاص التحكيمي . 

( أ ) عدم الاختصاص لانتفاء الرضا علي التحكيم :- 

  فوجود إرادة للأطراف علي اللجوء إلى التحكيم ، بتوافر الرضا علي ذلك وأن يكون الرضا خاليا من أي عيب من عيوب الرضا كالغلط أو التدليس أو الإكراه أو الاستغلال ، فبغير ذلك لا تكون هناك إرادة سليمة تصلح لأن تنشئ اتفاق تحكيم قادراً علي ترتيب آثاره ، بجلـب الاختصاص لهيئة التحكيم ، فعدم تحقق الرضا الصحيح لعيب من العيوب المذكورة يؤدي إلى بطلان اتفاق التحكيم أو قابليته للإبطال ، الأمر الذي يستقيم معه عندئذ الدفع بعدم اختصاص هيئــة التحكيم ، كنتيجة لبطلان اتفاق التحكيم ." 

    وإذا كان المشرع المصري في قانون التحكيم قد تعرض لمسألة تحديد القانون الواجب التطبيق علي موضوع التراع ، بأنه القانون الذي يتفق عليه الأطراف ، وفي حالة اتفاقهم علي قانون دولة معينة يقتصر ذلك علي القواعد الموضوعية في هذا القانون ولا يشمل ذلك القواعد الخاصة بتنازع القوانين ، مالم يتفق علي غير ذلك ، وهو ما نصت عليه المادة ١/٣٩ من القانون المصري للتحكيم . وإن لم يتفق الطرفان علي القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع طبقـــــت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي تري أنه الأكثر اتصالا بالنزاع ، ويجب علي هيئــة التحكيم أن تراعي عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية في نوع المعاملة .

   وبذلك يتضح أن المشرع المصري لم يحدد القانون الواجب التطبيق علي اتفاق التحكيم من خلال قانون التحكيم المصري الجديد.

   وعلي ذلك يمكن للمحكم أو هيئة التحكيم مع مراعاة مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي، أن يقوم عند بحثه لمدي توافر الرضا وخلوه من العيوب التي تعتريه ، علي ضوء القواعد القانونية التي تم اختيارها من قبل الأطراف لتحكم العقد الأصلي ، بأن يطبق علي ذلك القانون الواجب التطبيق علي العقد الأصلي طبقا لإرادة الأطراف باختيارهم لهذا القانون وذلك إلا إذا تبين للمحكم أن الأطراف قد اختاروا قانوناً آخر ليطبق علي اتفاق التحكيم يختلـف عن القانون الذي يطبق علي العقد الأصلي .  

    وكذلك يستطيع المحكم أو هيئة التحكيم في حالة غياب قانون الإرادة الواجب تطبيقه علي اتفاق التحكيم ، أن يقوم بتطبيق القانون الذي يري أنه أكثر اتصالا بالاتفاق علــي التحكيم ، لبحث وجود وصحة الرضا.

   وتثور كذلك مسألة توافر الرضا بالتحكيم أو الموافقة علي قبول شرط التحكيم في المنازعات التي تكون مشروعات الدولة طرفاً فيها وتدعي ببطلان شرط أو اتفاق التحكيم لعدم توافر الرضا به أو لعدم صدور الموافقة علي قبول شرط التحكيم من جانـب السلطة  التي تملك ذلك وفقا لقانونها الوطني ، وتستند علي هذا للوصول إلى بطلان اتفاق التحكيم علي ذلك للدفع بعدم اختصاص المحكم أو هيئة التحكيم.

 

   ففي أحد الأحكام الصادرة عن محكمة استئناف باريس ، في نزاع بشأن عقد أبــرم بين أحد المشروعات العامة في تونس وبين أحد الشركات الهولندية ، وبشأن الإدعاء ببطلان شرط التحكيم ، ذهبت المحكمة إلي صحة شرط التحكيم الوارد في العقد المذكور ، حيث كان الإدعاء ببطلان شرط التحكيم تأسيسا علي تجاوز المشروع التونسي لحدود النشاط الذي من أجله تم إنشاء الشركة وكذلك بسبب عدم وجود موافقة علي التحكيم من وزارة الاقتصاد الوطني باعتبارها هيئــة وصائية علي المشروع ، إلا أن محكمة الاستئناف قضت بأن المشروع العام التونسي ( المتعاقد ) مــــع الشركة الهولندية ، ووفقا للقانون الذي أنشأه قد منح الشخصية المعنوية المستقلة وأن له استقلالاً مالياً ويعد بمثابة التاجر في علاقاته مع الغير ، وأن خضوع هذا المشروع العام لوزارة الاقتصاد الوطني كسلطة وصائية فإن هذه الوصاية لا تشمل مسألة قبوله شرط التحكيم " 

  وكذلك في إحدى قضايا التحكيم بم ، وقد كان التراع بين أحد المشروعات العامة في سوريا وبين شركة ألمانية ، وقد دفع المشروع العام ببطلان شرط التحكيم الوارد في العقــــدىالمبرم بينه وبين الشركة ، مستندا في ذلك إلي عدم حصول المشروع علي موافقة مجلس الدولة السوري قبل الاتفاق علي شرط التحكيم، إلا أن محكمة التحكيم انتهت إلي أن المشروع العـــام المذكور ، لا يعد وزارة أو مرفقاً عاماً ، حيث أن قانون مجلس الدولة السوري يلزم فقط الوزارات والمرافق العامة بضرورة الحصول علي موافقة المجلس على قبول أو إبرام أي عقد يتضمن شرط تحكيم ، وإن المشروع العام الطرف في التراع ليس كذلك ، بل انه يخضع لقانون آخر خـــــاص بالمشروعات والشركات العامة والمشروعات ذات الطابع الاقتصادي ، والذي وفقا لنصوصه يعد هذا المشروع كالتاجر في علاقاته مع الغير ، وله إبرام التصرفات المترتبة علي ذلك ، ولا يلتزم بالحصول على موافقة مجلس الدولة في إبرام عقد يتضمن شرط تحكيم ، وانتهت إلى صحة شرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بين هذا المشروع والشركة الألمانية .

   ويستفاد من هذه الأحكام ، أنه لا يجوز الإدعاء ببطلان شرط التحكيم الوارد في العقود التي تبرمها الأشخاص العامة مع الغير ، بحجة أن القانون الوطني للدولة التابع لهـــــا هؤلاء الأشخاص ، يشترط الحصول علي موافقة من جهة معينة علي قبول شرط التحكيم أو إدراجه في العقود التي تبرمها تلك الأشخاص ، توصلا من هذه الأشخاص للدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم .

    بل إن الدولة ذاتها لا يحق لها الاستناد إلي حظر وارد في قانونها الوطني ، توصلا إلي بطلان شرط التحكيم الوارد في العقود التي تبرمها مع الغير في العلاقات التجارية الدولية . وقد سبق أن تناولنا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في حكم ( Galakis ) من عدم جواز تمسك الدولة الفرنسية بالحظر القائم في القانون الفرنسي بشأن منع الدولة من قبو ل شــرط التحكيم في العقود التي تبرمها ، وإن هذا الحظر لا مجال له بشأن العقود الدولية ، المبرمة من أجل حاجات التجارة الدولية .

 وإذا كان البطلان المدعي به من قبل الدولة كطرف في العقود التي تبرمها ، مرده إلي قانونها الوطني ، فقد قضي بأن البطلان الناشئ عن مخالفة القانون الوطني بشأن شرط التحكيم والإدعاء ببطلان هذا الشرط استنادا لهذه المخالفة ، غير جائز ، حيث لا يجوز التمسك بالبطلان الناشئ عن مخالفة القانون الوطني بشأن شرط التحكيم والإدعاء ببطلان هذا الشرط استنادا لهذه المخالفة ، غير جائز ، حيث لا يجوز التمسك بالبطلان الناشئ عن القانون الوطني للدولة الطرف في اتفاق التحكيم، توصلا لبطلان هذا الاتفاق ، ففي نزاع بين مجموعة من الشركات الفرنسية كطرف والهيئة الإيرانية الوطنية للطاقة الذرية ، ادعي الجانب الإيراني ببطلان شرط التحكيم الوارد بالعقد المبرم بين الهيئة الإيرانية وبين مجموعة الشركات ، واستند الجانب الإيراني في الإدعاء بالبطلان إلي عدم توافر أهلية الهيئة الإيرانية في قبول شرط التحكيم كسبب أول ، وأيضا عدم وجود سلطة رئيس الهيئة في التعهد بقبول شرط التحكيم دون الحصول علي موافقة من مجلس الهيئة ، وعدم قدرة رئيس الهيئة علي التفويض بشأن اختصاصاته إلي أشخاص آخرين. وقد انتهت محكمة التحكيم إلي رفض السبب الأول حيث بالرجوع إلى القانون الإيراني الساري وقت إبرام العقد ، اتضح أن الهيئة الإيرانية تتمتع بالأهلية اللازمة لقبول شرط التحكيم ، أما عن السبب الثاني فإنه وعلي فرض وجود مخالفات اكتشفتها الهيئة الإيرانية في وقت لاحق بعد إبرام العقد ، وإن من شأنها أن تؤدي إلي عدم صحة شرط التحكيم ، إلا أنه كان يجب علي الهيئة الإيرانية ، تنفيذا لمبدأ حسن النية في الالتزامات التعاقدية ، أن تتخذ الإجراءات الضرورية لإزالة هذا البطلان وآثاره ، فضلا عن أن قيام الطــــــرف الإيراني بتنفيذ التمد لمدة شهور دون تحفظ من جانبه ، يعد تصحيحا لسبب البطلان المدعي به ، بفرض وجود حق للهيئة في التمسك به ، وانتهت محكمة التحكيم إلى عدم إمكانية تمسك الهيئة الإيرانية ببطلان شرط التحكيم ، وقضت بصحة شرط التحكيم وبترتيبه لاثاره بجلب الاختصـاص بنظر النزاع ، بشأن العقد المبرم بين الهيئة الإيرانية ومجموعة الشركات الفرنسية ، لمحكمة التحكيم " .

  وعلي ذلك فلا يقبل من الدولة الإدعاء ببطلان شرط التحكيم بحجة أن ذلك مخالفا لقانونها الوطني ، فمبدأ حسن النية في الالتزامات التعاقدية يقتضي ، احترام الدولة لتعهداتها التي أبرمتها وهي تعلم يقينا بما تحويه قوانينها الوطنية من قواعد وأحكام تتعلق بالتصرفات التي تقدم علي إبرامها مع الغير .

   فالدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم أو المحكم ، استنادا من الدولة علي مخالفة شرط التحكيم لقانونها الوطني، مما أدي لبطلان هذا الشرط ، دفعا لا يستند إلي أساس سليم ولا يقبل أمام هيئة التحكيم ، استنادا لما تدعيه الدولة من  مخالفة لقانونها الوطني في هذا الشأن .

(ب) عدم الاختصاص لعدم قابلية النزاع للتحكيم :-

   تعد قابلية موضوع النزاع للتحكيم ، من الشروط الأساسية اللازمة لصحة الاتفاق علي التحكيم ، ولنشأة الاختصاص للمحكم أو هيئة التحكيم للفصل في النزاع ، فإن لم يكن موضوع النزاع المتفق بشأنه علي التحكيم ، من المسائل التي يجوز فيها التحكيم ، أي قابله للحل عن طريق التحكيم، فإنه يترتب علي عدم القابلية هذه عدم اختصاص المحكم أو هيئة التحكيم بنظر النزاع ، لما يترتب علي عدم القابلية للتحكيم من بطلان اتفاق التحكيم بشأن هذا النزاع ، وبالتالي انعدام المصدر الذي يستمد منه المحكم اختصاصه التحكيمي .

   وعلي ذلك ينشأ الحق في الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم بسبب عدم قابلية موضوع النزاع للتحكيم ، حيث يترتب علي عدم القابلية للتحكيم بطلان اتفاق التحكيم المبرم بشأن هذا الموضوع غير القابل للتحكيم بما يؤدي إلي قبول الدفع بعدم الاختصاص أمام هيئة التحكيم لـهـذا السبب .

   وإذا كان الحق في الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم ، ينشأ بسبب عدم قابلية النزاع للتحكيم ، فإن ذلك يتوقف علي معرفة المسائل التي تقبل الحل أو يجوز فيها التحكيم والمسائل التي لا يجوز فيها التحكيم ، وقد سبق وأن أوضحنا المسائل التي يجوز فيها التحكيم ، وانتهينا عندها أن المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم هي المسائل المتعلقة بالنظام العام ، وأنه يجب تفسير فكرة النظام العام علي نحو مضيق والأخذ بمفهوم النظام العام الدولي في هذا المجال.

   يقع عبء إثبات عدم القابلية للتحكيم على عاتق الطرف الذي يريد التمسك بذلك للدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم .

    ومجرد اتصال موضوع النزاع ببعض القواعد القانونية المتصلة بفكرة النظام العام لا يحول دون الاتفاق علي التحكيم ، ولا يؤدي ذلك إلى بطلان الاتفاق على التحكيم ، بمعني أن الموضوع غير قابل للتحكيم ، بل لابد من أن يتصل موضوع النزاع بالمبادئ الأساسية في المجتمع ليبطل الاتفاق علي التحكيم بشأنها ، باعتبارها مما لا يجوز فيه التحكيم، وبالتالي ينهض الحق في الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم لهذا السبب. 

   وقد أثير الدفع بعدم اختصاص محكمة التحكيم بنظر النزاع فيما بين الهيئة الإيرانية للطاقة الذرية ومجموعة الشركات الفرنسية ، وقد أشرنا لهذا الحكم من قبل ، وقد تمسك في هذا النزاع الجانب الإيراني بعدم خضوع المسائل المتنازع عليها مستندا في ذلك الجانب الإيراني علي أن الفصل في هذا النزاع يدفع المحكمة إلي المساس بالسيادة الوطنية لدولة إيران ، إلا أن المحكمة رأت أنه إذا كان قرار الحكومة الإيرانية بوقف سياستها النووية يعتبر قرارا لا يقبل الخضوع للتحكيم بوصفه قرارا من قرارات السلطة العليا السياسية ويعبر عن ممارستها لسيادتها الوطنية ، تشمله وهو ما يمنع المحكمة من التعرض له بأي شكل من الأشكال أما بالنسبة للآثار المالية الناشئة علي هذا القرار ، فهي في حد ذاتها قابلة للفصل فيها عن طريق التحكيم ، وقد توصلت محكمة التحكيم لذلك من خلال تفرقتها بين وجود السيادة في حد ذاتها وبين ممارسة تلك السيادة ، فقيام الدولة بإتباع سياسة نووية من عدمه ذلك من المسائل التي تدخل في نطاق السياسة ذاتها ، أما ممارسة السيادة بما ، من التعهدات التي أعلتها الدولة الإيرانية ، في نطاق السياسة النووية ، مجموعه الشركات الفرنسية ، فيعد مجرد تعبير عن سيادة الدولة وليس السيادة ذاتها ، وعلي ذلك فكل ما يتعلق بوجود السيادة ذاتها لا يمكن أن يخضع للتحكيم ، أما ما يتعلق بممارسة هذه السيادة فيكون قابلا للتحكيم . 

    وبعد فالدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم لبطلان اتفاق التحكيم ، باعتباره حالـة من حالات عدم الاختصاص المطلق ، قد يكون البطلان بشأن اتفاق التحكيم ، راجعا إلي عدم توافر الرضا علي التحكيم ، و اما أن يكون ناشئا عن عدم قابلية النزاع للحل عن طريق التحكيم .

(3) الدفع بعدم الاختصاص لسقوط أو انقضاء اتفاق التحكيم :- 

   ويعد الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم لسقوط اتفاق التحكيم أو انقضائه حالة من حالات الدفع بعدم الاختصاص المطلق ، حيث يهدف الدفع في هذه الحالة إلي انعدام أساس منح هيئة التحكيم للاختصاص التحكيمي ، وتختلف هذه الحالة عن الحالتين السابقتين للدفع بعــــــدم الاختصاص التحكيمي، في أن الحالة الماثلة كان هناك اتفاق تحكيم صحيح يمنح هيئة التحكيم اختصاصها بنظر النزاع إلا أن هذا الاتفاق قد تعرض للانقضاء أو السقوط مما يعني أنه أضحي غــــير موجود وبالتالي ينعدم الاختصاص التحكيمي، أما في الحالتين السابقتين للدفع بعدم الاختصاص .  الأولي لعدم وجود اتفاق التحكيم ، والثانية لبطلانه ، فإنه في الحالتين لا وجود لاتفاق تحكيم صحيح من الأصل يستمد منه المحكم أو هيئة التحكيم الاختصاص التحكيمي .

 إلا أن الحالة الماثلة وهي حالة سقوط أو انقضاء اتفاق التحكيم فإن هذه الحالة : مرحلة تحقق السقوط أو الانقضاء لاتفاق التحكيم ، تلتقي هذه الحالة مع الحالتين السابقتين ، وتشترك الحالات الثلاث إذا ، في هذه المرحلة - مرحلة تحقق السقوط - في أن اتفاق التحكيم لا وجود له ، ولذلك تعد الحالات الثلاث من حالات الدفع بعدم الاختصاص المطلق لهيئة التحكيم ، حيث يكون الدفع في أي منهم مستندا إلي انعدام أساس منح هيئة التحكيم الاختصاص التحكيمي .

    وحالة الدفع بعدم الاختصاص لسقوط أو انقضاء اتفاق التحكيم ، تفترض أن اتفاق التحكيم كان موجودا وصحيحا وساريا ، قبل نشوء الحق في الدفع بعدم الاختصاص ، أي قبل تحقق الانقضاء بالنسبة لاتفاق التحكيم ، فإن لم يكن هناك اتفاق تحكيم أصلا فلا نستطيع بيان أو التحقق من حالة الانقضاء المدعي بما في سورة الدفع بعدم الاختصاص ، حيث من خلال هذا الاتفاق تتضح المدة التي يجب أن يكون ساريا فيها اتفاق التحكيم وهي المدة التي اتفق عليها أطراف الاتفاق - الخصوم - ليقوم المحكم أو هيئة التحكيم بنظر النزاع وإصدار حكمه فيه ، بحيث إذا انتهت تلك المدة دون إصدار الحكم من قبل هيئة التحكيم ، استقام الحق لأي من الأطراف في الدفع بعدم الاختصاص لانقضاء اتفاق التحكيم ، حيث بعد انتهاء هذه المدة ، لم يكن لاتفاق التحكيم وجـــــود ليستمد منه المحكم أو هيئة التحكيم الاختصاص التحكيمي.

   هذا وقد تعرض المشرع المصري في قانون التحكيم الجديد ، بنص المادة ٤٥ مـن هذا القانون ، لمسألة انقضاء اتفاق التحكيم ، وقد نص علي أن :- 

   (((1) علي هيئة التحكيم إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها خلال الميعاد الذي اتفق عليه الطرفان . فإن لم يوجد اتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال اثني عشر شهرا من تاريخ بدء إجراءات التحكيم وفي جميع الأحوال يجوز أن تقرر هيئة التحكيم مد الميعاد على ألا تزيد فترة المد علي ستة أشهر ما لم يتفق الطرفان علي مدة تزيد علي ذلك .

(2) وإذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار إليه في الفقرة السابقة جاز لأي من طرفي التحكيم أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون ، أن يصدر أمرا بتحديد ميعاد إضافي أو بإنهاء إجراءات التحكيم ويكون لأي من الطرفين عندئذ رفع دعواه إلى المحكمة المختصة أصلا بنظرها )) .

    والعلة من الدفع بعدم الاختصاص لانقضاء اتفاق التحكيم هي منع استمرار إجراءات للتحكيم سوف تنتهي بحكم سيكون مصيره البطلان ، حيث يقرر المشرع المصري شأنه في ذلك شأن العديد من القوانين الوطنية وكذلك القانون الفرنسي ، الحق في طلب بطلان حكم التحكيم في حالة صدوره بعد انقضاء اتفاق التحكيم ، حيث بعد انقضاء اتفاق التحكيم لم يكن في هذا الوقت للمحكم أو هيئة التحكيم أي اختصاص للنظر أو الفصل في موضوع النزاع.

   فاستمرار المحكم أو هيئة التحكيم في نظر النزاع بعد انقضاء المدة المحددة من قبل الأطراف في اتفاق التحكيم ، مالم تكن هيئة التحكيم قد مدت الميعاد ولم يكن أي من الأطراف قد رغب في الاستفادة مـــــن الرخصة المقررة بموجب نص المادة ٢/٤٥ من القانون المصري أو المادة ٢/١٤٥٦ من القانون  الفرنسي، والتي يجوز بموجب اي منهما طلب مد وتحديد ميعاد ،إضافي، وذلك عن طريق رئيس المحكمة المختصة طبقا لهذين النصين ، فإن المحكم أو هيئة التحكيم باستمراره رغم ذلك في نظر موضوع النزاع ينشأ معه الحق لأي من الأطراف في الدفع بعدم الاختصاص بسبب انقضاء اتفاق التحكيم، حيث في استمرار هيئة التحكيم في نظر النزاع رغم ذلك سيكون بلا أساس تستمد منه هذه الهيئة اختصاصها التحكيمي وفي هذه الحالة يتعين على هيئة التحكيم الحكم بعدم اختصاصها بنظر التراع، لأن في استمرارها بعد ذلك حتى إصدارها الحكم المنهي للتراع ما يعرض هذا الحكم للبطلان، وذلك وفقا للقانون المصري وكذلك القانون الفرنسي حيث يقرران الحق في الطعن بالبطلان علي حكم التحكيم الصادر بناء علي اتفاق تحكيم انقضي "  .

 وفي حالة عدم  اتفاق أطراف اتفاق التحكيم علي مدة معينة من خلال هذا الاتفاق يجب أن يصدر فيها المحكم حكمه في النزاع ، فإنه يجب علي الحكم أو هيئة التحكيم أن يصدر الحكم المنهي للخصومة في خلال اثني عشر شهرا طبقا للمادة ١/٤٥ من القانون المصري، وفي خلال ستة أشهر طبقا للمادة ١/١٤٥٦ من القانون الفرنسي، وإلا إذا انتهت تلك المدة دون صدور حكم التحكيم، ولم تكن هيئة التحكيم قد مدت ميعاد التحكيم ، نشأ الحق في الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم، باعتبار أن هذا الميعاد الذي حدده المشرع هو الذي حل به محل إرادة الأطراف في حالة عـــــدم تحديدهم لمدة معينة من خلال اتفاق التحكيم ، وبالتالي لا يجوز للمحكم الاستمرار في نظر النزاع بعد انقضاء هذا الميعاد السنة أو الستة أشهر - وذلك الا إذ مدت هيئة التحكيم الميعاد من تلقاء نفسها أو بناء علي طلب أطراف النزاع ، ففي هذه الحالة إذا ما رغب الأطراف في مد الميعاد تستمر هيئة التحكيم في نظر النزاع ، ويكون اختصاصها مازال ساريا لنظــر النزاع إلي أن تنقضي المدة الجديدة ، والتي بانقضائها ينقضي اختصاص الحكم أو هيئة تحكيم وينشأ من جديد الحق في الدفع بعدم الاختصاص إذا لم تكن هيئة التحكيم قد أصدرت حكمها في النزاع .

  وترتيبا علي ذلك فلا يجوز لهيئة التحكيم بعد انتهاء المدة المحددة بموجب اتفاق التحكيم ، أو المدة المحددة بنص القانون، أو المدة التي تقوم بمدها هيئة التحكيم من تلقاء نفسها ، وما لم يرغب الأطراف في المد، فلا يجوز للهيئة أو المحكــم أن يقوم من تلقاء نفسه بمد ميعاد اتفاق التحكم، أو المدة المقررة لصدور الحكم المنهي للخصومة، حيث في إقدامه علي ذلك واستمراره في نظر النزاع وإصدار الحكم بلا شك سيؤدي إلي بطلان الحكم الصادر في هذا النزاع عن طريق دعوى بطلان حكم التحكيم ، وهو ما يؤدي كذلك إلي امتناع القضاء عن إصدار الأمر بتنفيذ هذا الحكم .

   وهو ما ذهبت إليه محكمة استئناف فرساي في حكمها الصادر في ۱۹۹۲/۱/۲٤ بإمتناعها عن إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم لمخالفته للنظام العام الدولي، وهو الحكم الذي أيدته محكمة النقض الفرنسية في ١٩٩٤/٦/١٥ وقـد قررت من خلاله محكمة النقض أن المدة التي يحددها الأطراف هيئة التحكيم لكي تصدر خلافا الحكم المنهي للخصومة، لا يجوز لهيئة التحكيم أن تقوم بتعديلها من تلقاء نفسها، لما في ذلك من مخالفات لمقتضيات النظام العام الداخلي والدولي.

الدفع بعدم الاختصاص المخالفة النظام العام"

    ويكون الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم لوجود مخالفة للنظام العام، وذلك عندما تكون أمام حالة عدم المشروعية التي تلحق بالعقد الأصلي وتنسحب بالتالي عدم المشروعية هذه علي اتفاق التحكيم، الأمر الذي يضحي معه الاختصاص التحكيمي بلا هوية يستمد منها، وحالة الدفع بعدم الاختصاص لمخالفة النظام العام، تعد من حالات عدم الاختصاص المطلق ، باعتبارها تتناول الطعن في أساس من المحكم للاختصاص التحكيمي ، وتوصلا إلي حالة عدم الوجود بشأن هذا الاتفاق.

   وفي حالة عدم المشروعية التي يكون عليها التصرف القانوني، باعتبارها مخالفة للنظام العام لا يملك فيها أو بشقا قيام الخصوم بإجازتها أو إجازة التصرف القانوني الموصوف بعدم المشروعية، حيث لا يستطيع الخصوم في هذه الحالة جعل ما هو مشرع وفقا للنظام العام، وتحويله أو إصباغ صفة المشروعية عليه، بل لا يملك ذلك أيضا المحكم أو هيئة التحكيم، فلا يملك القضاء عموما، سواء أكان محكما أو قضاء الدولة ، أن يحمي التصرفات غير المشروعة ، وقد أشرنا من قبل لأحد أحكام التحكيم، والتي تصدي فيها المحكم من تلقاء نفسه الحالة من حالات عدم المشروعية بشأن العقد الأصلي والتي انسحبت لاتفاق التحكيم وبات غير مشروع أيضا، وانتهي فيها الحكم إلي الحكم بعدم اختصاصه.

   وعلي ذلك فالدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم استنادا لوجود مخالفة للنظام العام ، يجب أن تكون المخالفة سند هذا الدفع للنظام العام الدولي ، حتى يكون الدفع  أمام هيئة التحكيم بعدم الاختصاص لهذا السبب مقبولا الأمر الذي يتعين معه. علي هيئة التحكيم أن تقضي بعدم اختصاصها ، أما استناد الدفع بعدم الاختصاص، في العلاقات الدولية الخاصة ، علي وجود مخالفة للنظام العام الداخلي ، فهذا لا يكفي لقبول هذا الدفع ، بل ولا يستقيم الحق في إبدائه أمام هيئة التحكيم .

الدفع بعدم الاختصاص النسبي لهيئة التحكيم 

    ويقصد بالدفع بعدم الاختصاص النسبي لهيئة التحكيم، هو الدفع الذي ينصـب علي الطعن في نطاق الاختصاص الممنوح للمحكم أو لهيئة التحكيم .

   فيهدف الدفع بعدم الاختصاص النسبي لهيئة التحكيم ، إلى أن الاختصاص التحكيمي الممنوح لهيئة التحكيم لا يشمل بعض المسائل التي أثيرت أثناء عرض التراع لعدم شمول اتفاق التحكيم لها. 

  ولما كان اتفاق التحكيم باعتباره مصدر الاختصاص التحكيمي، وقد يكون في صورة شرط تحكيم ضمن بنود العقد الأصلي، أو في صورة مشارطة تحكيم ، فالاختصاص التحكيمي يتحدد في حالة شـرط التحكيم من خلال الطلبات المتبادلة لأطراف النزاع عند عرضه علي هيئة التحكيم ، أما في حالة مشارطة التحكيم فيكون الاختصاص التحكيمي محددا مسبقا من خلال تحديد موضوع النزاع الوارد في مشارطة التحكيم . 

   فالدفع بعدم الاختصاص النسبي وهو المبني علي عدم شمول اتفاق التحكيم الموضوع النزاع أو للمسائل التي يثيرها أحد الأطراف أمام هيئة التحكيم ، وذلك في حالة مشارطة التحكيم ، يتضح أو يظهر الحق في ابدائه من مقارنة موضوع النزاع الوارد في مشارطة التحكيم مسبقا بما يثار أمام هيئة التحكيم كموضوع النزاع ، فإذا كان ما هو مشار أمام هيئة التحكيم يختلف عما هو وارد في مشارطة التحكيم ، استقام بالـتالى الحق في الدفع  بعدم الاختصاص النسبي بصدد هذا الموضوع المختلف عما هو وارد في المشارطه ، ويتعين بالتالي علي هيئة التحكيم الحكم بعدم اختصاصها بالنسبة للشق الخارج عن نطاق اختصاصها التحكيمي المستمد من مشارطه التحكيم.

 

    أما في حالة شرط التحكيم وحيث يتحدد نطاق الاختصاص التحكيمي مـن خلال الطلبات المتبادلة للخصوم أمام هيئة التحكيم ، فالدفع بعدم الاختصاص في هذه الحالة ، يتوقف علي حدود موضوع النزاع الوارد في بيان الدعوى ، الذي يتعين أن يرد فيه – أي في بيان الدعوى _ تحديد لموضوع النزاع ، حتى يستبين علي وجه التحديد ، حدود الاختصاص التحكيمي لهيئة التحكيم ، الأمر الذي يتكن من بيان ما إذا كان هناك خروج عن حدود الاختصاص التحكيمي أم لا ، حتى يستقيم الحق في الدفع بعدم الاختصاص النسبي لهيئة التحكيم من عدمه ، وهو الأمــر الذي يتوقف علي ما إذا كان الموضوع المثار أمام هيئة التحكيم ، يختلف عمـــا هـو وارد في بيان الدعوى أم لا ، حيث إذا اتضح أن ما أثير من نزاع أمام هيئة التحكيم ، يختلف عما هو وارد في بيان الدعوى ، استقام بالتالي الدفع بعدم الاختصاص النسبي في هذه الحالة، ويتعين بالتالي علي هيئة التحكيم الحكم بعدم اختصاصها بالنسبة للشق الخارج عن حدود موضوع التراع الوارد في بيان الدعوى ، لخروجه عن حدود اختصاصها .

   ويتوقف تحديد موضوع النزاع ، الذي ينبني عليه تحديد الاختصاص التحكيمي ، علي درجة تحديد أطراف اتفاق التحكيم لموضوع النزاع وطبيعته ، المتفق علي عرضــــــه علي هيئة التحكيم . وينشأ الدفع بعدم الاختصاص في حالة تعرض هيئة التحكيم للفصل أو نظر مسائل لم يرد ذكرها في اتفاق التحكيم .

  وعلي ذلك لا ينشأ الدفع بعدم الاختصاص النسبي بشأن المسائل التي تثار أمام هيئة التحكيم ، ولم تكن واردة باتفاق التحكيم، إلا أنها تعد من المسائل المرتبطة ارتباطا وثيقـــــــا بالتزاع المعروض علي هيئة التحكيم ، حيث يمتد الاختصاص التحكيمي ليشمل تلك المسائل ، الأمر الذي لا يستقيم معه الحق في الدفع بعدم الاختصاص بشأن تلك المسائل .

   ولكن إذا نشأ الحق في الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم النسبي ، بشأن مسائل لم يشملها اتفاق التحكيم ، وبالتالي تخرج عن حدود الاختصاص التحكيمي ، فإن تقاعس الطرف صاحب المصلحة في إبداء هذا الدفع بشأن تلك المسائل واشتراكه مع علمه بذلك في إجراءات التحكيم ومناقشته لهذه المسائل ، وامتناعه عن إبداء الدفع بعدم  الاختصاص النسبي بشأن تلك المسائل ، يؤدي ذلك إلى سقوط حقه في هذا الدفع ، حيـث يعتبر ذلك إقرارا منه بمد اختصاص هيئة التحكيم ليشمل هذه المسائل ، الأمر الذي يمتنع معـه  علي هذا الطرف أن يبدي الدفع بعدم الاختصاص بعد ذلك .