الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الدفع بوجود اتفاق التحكيم دفع بعدم الإختصاص / الكتب / التحكيم في القوانين العربية / الدفع بعدم الاختصاص

  • الاسم

    د. أحمد ابو الوفاء
  • تاريخ النشر

  • اسم دار النشر

    منشأة المعارف بالأسكندرية
  • عدد الصفحات

    216
  • رقم الصفحة

    296

التفاصيل طباعة نسخ

الدفع بعدم الاختصاص

قلنا بأن هيئة التحكيم تختص بالنظر في النزاع المقدم لها من أحد طرفي التحكيم، شريطة أن يكون موضوع النزاع مشمولاً باتفاق التحكيم، وأن لا تتجاوز الهيئة حدود هذا الاتفاق، سواء من حيث شروط اللجوء للتحكيم، أو من حيث التقيد بطلبات الخصوم على النحو المبين فيما سبق. وبخلاف ذلك، تكون الهيئة قد تجاوزت اختصاصها، مما يجعل حكمها عرضة للطعـن بـه . وهذه القاعدة ليست من النظام العام، ويجوز بالتالي للأطراف الاتفاق على خلافها. فالهيئة تستمد سلطانها من إرادة الأطراف، الذين يجوز لهم تعديل اتفاقهم بتعديل اختصاص هيئة التحكيم زيادة أو نقصاً والتي عليها ، كقاعدة عامة، التقيد بالاتفاق وتعديلاته. 

والغالب في الحياة العملية أن لا تقرر هيئة التحكيم عدم اختصاصها في موضوع النزاع أو أي جزء منه ، مما هو مطروح أمامها، إلا بناء على دفع الطرف صاحب المصلحة. فإذا لم يثر هذا الدفع، يعتبر ذلك تنازلاً عنه، وبالتالي ينعقد الاختصاص لهيئة التحكيم. ومثال ذلك أن يتضمن العقد :قسمين: أحدهما للبيع والآخر خاص بتقديم البائع كفالة بنكية لحسن التنفيذ، يضمن فيها للمشتري بأنه سيسلم البضاعة حسب المواصفات وفي الموعد المحدد . وينص العقد على شرط تحكيم بشأن كفالة حسن التنفيذ دون أحكام البيع الأخرى. ويقوم المشتري بمصادرة هذه الكفالة، فيحصل خلاف بين الفريقين بشأن الكفالة يحيله البائع للتحكيم حسب العقد. وأثناء التحكيم، يطالب البائع المشتري بدفع الثمن مع الفوائد حسب أحكام البيع بينهما ، وهي مسألة خارجة عن إطار التحكيم وفق شرط التحكيم. ومع ذلك، لا يثير المشتري الدفع بعدم الاختصاص، وإنما يحاول رد هذه المطالبة موضوعاً ، بالادعاء بأنه دفع الثمن، أو أن البائع لا يستحق الفوائد، أو غير ذلك من دفوع موضوعية. في هذا المثال، تصبح هيئة التحكيم مختصة بنظر المسألة الجديدة المثارة أمامها .

ولكن في بعض الظروف، ليس هناك ما يمنع هيئة التحكيم من إثارة الدفع بعدم اختصاصها من تلقاء نفسها، حتى ولو لم يثره أحد الخصوم، إذا وجدت ما يبرر ذلك. كأن تكون المسألة المتنازع عليها مما لا يجوز التحكيم فيها أصلاً لعدم قابليتها للصلح، أو لأنها رشوة أو دين قمار. في هذه الفروض وغيرها مما تقدره هيئة التحكيم حسب الظروف، قد تجد الهيئة أن من مصلحتها، بل وحفاظاً على سمعتها الأدبية، أن تثير الدفع بعدم الاختصاص من تلقاء نفسها، وتقضي برد الدعوى استناداً لذلك. 

والدفع بعدم الاختصاص، غير المتعلق بالنظام العام، يجب إثارته في أول فرصة معقولة حسب الظروف، تسنح لصاحب المصلحة، وإلا سقط حقه بذلك  ، وهذا هو التوجه السائد في التحكيم . فإذا كان الدفع بعدم الاختصاص يتعلق بموضوع لائحة أو صحيفة الادعاء، تكون هذه الفرصة وقت تقديم المحتكم ضده لجوابه على الادعاء. ولكن قد تكون كافة المسائل المعروضة في صحيفة الدعوى تدخل في اختصاص هيئة التحكيم. وأثناء الإجراءات، يعرض أحد الطرفين مسألة خارجة عن اختصاص الهيئة. ومثال ذلك أن يتقدم المحتكم ضده مع لائحته الجوابية، بلائحة دعوى متقابلة، تخرج عن اختصاص الهيئة كلياً أو جزئياً. أو يتقدم المحتكم أو المحتكم ضده أثناء الإجراءات، بلائحة معدلة للدعوى الأصلية أو للدعوى المتقابلة تتضمن عرضاً لمسائل لا تدخل ضمن اختصاص الهيئة، ويطلب الحكم له فيها. في هذه الأحوال، يجب على الطرف المعني أن يثير الدفع بعدم الاختصاص، أيضاً في أول فرصة ممكنة بعد تبلغه اللائحة المتضمنة لمسألة خارج اختصاص هيئة التحكيم. وعلى الأغلب، فإن هذه الفرصة هي المدة التي تمنحها هيئة التحكيم لذلك الطرف، ليقدم رده على ما قدمه خصمه. 

ولكن، كما نرى يجوز أن تقبل هيئة التحكيم الدفع المتأخر، إذا رأت أن التأخير كان المعذرة مشروعة، حسب تقدير الهيئة، مثل السفر والمرض والسجن وتغيير مجلس إدارة الشركة، أو إعادة هيكلة الشركة إذا أدى أي من هذه الأمور، وفقاً للظروف، إلى عدم تمكن الطرف المعني، من تقديم الدفع بعدم الاختصاص خلال الوقت المطلوب منه .

 ويجوز للهيئة أن تقرر اختصاصها أو عدم اختصاصها في نظر النزاع جزئياً ، أو اختصاصها بنظره كاملاً كمسألة أولية قبل الفصل النهائي في كل النزاع. كما يجوز لها ضم الدفع للموضوع للفصل فيهما معاً في الحكم النهائي. وإذا قررت اختصاصها أو عدم اختصاصها جزئياً في النزاع المعروض عليها بناءً على الدفع أمامها ، كمسألة أولية فيمكن القول أن قرارها هذا هو حكم تحكيم نهائي بالنسبة للجزئية التي فصلت فيها هيئة التحكيم. ومع ذلك، نرى عدم جواز الطعن بهذا الحكم، إلا مع حكم التحكيم النهائي الذي يفصل بكل النزاع المطروح على الهيئة ) ، وذلك لغايات عملية، وهي اختصار الوقت والإجراءات، وبالتالي الحفاظ على استمرارية التحكيم وحسن السير به، وهي من المميزات الأساسية التي تدفع بالأطراف للجوء إلى التحكيم. وهذا هو التوجه الحديث في التحكيم، وما نصت عليه العديد من قوانين التحكيم الحديثة . 

وإذا قررت الهيئة اختصاصها كلياً أو جزئياً في نظر النزاع كمسألة أولية، فنرى أن هذا لا يمنع الهيئة عند إصدار الحكم النهائي، وبعد الاستماع لكافة أقوال الأطراف ودفوعهم واستعراض مذكراتهم وبيناتهم بصورة متكاملة، من أن تخلص من حيث النتيجة، إلى عدم اختصاصها بنظر النزاع في حكمها النهائي، خلافاً لقرارها السابق. 

وإذا قررت الهيئة عدم اختصاصها كلياً، فهذا يعني عدم ولايتها لنظر النزاع، وتنتهي إجراءات التحكيم على هذا الأساس. وبدون شك يعتبر الحكم نهائياً، خاضعاً للطعن به ، مع الأخذ بالاعتبار أنه لا أحد يجبر الهيئة على هذا الاختصاص، وبالتالي على النظر بالقضية، بل من حق الطرفين أن يرفضا نظر القضية من الهيئة ذاتها، ومن حقهما إعادة تشكيل الهيئة. وبمعنى آخر فإن قرار الهيئة بعدم اختصاصها، ينهي ولايتها بنظر النزاع. فإذا بقي اتفاق التحكيم قائماً بالرغم من قرار الهيئة، لا بد من تشكيل هيئة تحكيم جديدة ما لم يوافق الطرفان على نظر النزاع من الهيئة نفسها. 

ومن المهم هنا ملاحظة أن قرار الهيئة بعدم اختصاصها، قد يرجع لأحد فرضين الأول - أن المسألة المعروضة أمامها غير قابلة للتحكيم أصلاً لأنها، مثلاً، لا يجوز الصلح فيها أو لمخالفتها للنظام العام من وجهة نظر هيئة التحكيم ، أو لأن القانون ينص على اختصاص القضاء حصراً بالنظر فيها، مثل الوكالات التجارية في القانون الإماراتي على النحو الذي سبق ذكره الثاني - أن المسألة بالرغم من كونها خاضعة للتحكيم، إلا أن هيئة التحكيم الحالية غير مختصة بالنظر فيها استناداً لاتفاق التحكيم، لأن تشكيل الهيئة، مثلاً، غير صحيح. كأن ينص شرط التحكيم على مركز لبنان للتحكيم كسلطة تعيين للمحكمين، في حين تم تعيين الهيئة من مركز أبو ظبي للتحكيم. والمحكمة المعروض عليها حكم الهيئة المتضمن عدم الاختصاص، إما أن تبطل الحكم أو تصادق عليه. وأثر ذلك يختلف في الفرض الأول عنه في الفرض الثاني.

ففي حال المصادقة على الحكم، فإن قرار المحكمة ينزع الاختصاص من التحكيم نهائياً بالنسبة للفرض الأول ، ويصبح القضاء هو صاحب الصلاحية بالفصل في النزاع. وعلى العكس من ذلك الفرض الثاني حيث يترتب على المصادقة، أن الاختصاص يبقى للتحكيم وليس للقضاء حيث يتوجب إعادة تشكيل هيئة التحكيم، وفق ما نص عليه اتفاق الأطراف، أي بواسطة مركز لبنان للتحكيم. ولو قررت المحكمة إبطال الحكم، تكون المسألة خاضعة للتحكيم في كلا الفرضين، مع اختصاص هيئة التحكيم ذاتها بنظر النزاع). ولكن، كما تقدم، لا تجبر هيئة التحكيم على النظر في نزاع قررت هي نفسها عدم اختصاصها بنظره، مما يستوجب إعادة تشكيل هيئة التحكيم حسب الاتفاق.