توثيق هذا الكاتب:الدفع بالتحكيم دفع بعدم الاختصاص الوظيفي ذو طبيعة خاصة
نرى أن هذا الدفع يميل بشدة، الآن يكون دفعاً إجرائياً بعدم الاختصاص الوظيفي، الذي يتمتع بطبيعة خاصة تجعله يخضع لبعض القواعد التي تميزه عن النفع العادي بعدم الاختصاص الوظيفي، وذلك من حيث مدى تعلقه بالنظام العام من عدمه.
الدفع بالتحكيم دفع بعدم الاختصاص الوظيفي،الدفع بوجود شرط التحكيم لا يمس حق الفرد في اللجوء إلى القضاء، أي لا يؤدي إلى حرمان الأفراد من طرح نزاعهم على القضاء العادي، فهو لا يتضمن نزولاً عن اللجوء إلى القضاء العادي، باعتباره من الحقوق العامة التي لا تقبل التنازل عنها أو التقادم بمضي المدة.
لا صلة للدفع بالتحكيم بالحق في الدعوى، فهذا الأخير يقصد به حق الشخص في طلب الحماية، إذا ما وقع اعتداء على حقه الموضوعي. والحماية المطلوبة قد توصف، بأنها قضائية، إذا كانت عن طريق اللجوء إلى القضاء.
أما إذا كانت عن طريق الاتفاق على التحكيم، فلا توصف بالقضائية، لم يقم أصلاً حتى يمكن الحديث عنه. أما في حالة مشارطة التحكيم.
فالأمر كله يتعلق بمسألة اختصاص يمنح باتفاق التحكيم، لهيئة التحكيم، ويحجب عن القاضي العادي. وحجب الاختصاص هنا عن هذا الأخير - رغم أنه قد يكون مختصاً، كما يذهب المشرع المصري وبعض الفقه، فلا يمكن - على سبيل المثال - الدفع بعدم قبول منازعة تنفيذ موضوعية، رفعت أمام قاضي الموضوع، وليس أمام قاضي التنفيذ، بحجة أنه مختص بنظرها أصيلاً، لولا تعلقها بمسألة تنفيذ.
فالدفع بإقصاء أو استبعاد القاضي العادي عن نظر دعوى استرداد منقولات محجوزة.
عدم وجود شرط التحكيم ليس من العناصر أو البيانات المتعين إثباتها في صحيفة المطالبة القضائية، بحيث يؤدي تخلفه إلى بطلان المطالبة.
القول بأن الدفع بالتحكيم هو دفع بعدم اختصاص القاضي المادي، يدفعنا إلى التعرض الموضوع الاختصاص من حيث تعريفه، ونوعه، الذي يتم الدفع به. فالاختصاص، بصفة عامة، هو سلطة الفصل في نزاع معين، بمعرفة محكمة معينة. هذه السلطة تستمدها المحكمة من نصوص القانون.
والمشرع عند توزيعه للمنازعات بين جهات القضاء المختلفة، وبين الجهات ذات الاختصاص القضائي، يباشر توزيعاً وظيفياً للاختصاص: أي توزيعاً بين جهتين مختلفتين، جهة المحاكم، وجهة التحكيم، فهيئة التحكيم لا تعد - بحق - تابعة لإحدى محاكم جهة قضائية معينة.
فالدفع بالتحكيم يؤدي إلى حجب الاختصاص عن جهة القضاء العادي - ولو مؤقتا - طالما كان اتفاق التحكيم قائماً، وصحيحاً، ومنتجاً لأثاره.. ولا يقدح في ذلك.
ولا يؤثر في هذه الحقيقة، إعطاء المشرع للقاضي العادي الاختصاص بالفصل في بعض المسائل المتصلة بعملية التحكيم، مثل تعيين المحكمين، والحكم على يتخلف من الشهود عن الحضور أو يمتنع عن الإجابة، والأمر بالإنابة القضائية.
كما لا يمس سلامة رأينا، ما ذهب إليه البعض من أن قواعد الاختصاص قواعد عامة مجردة تحدد طوائف معينة من المنازعات، وفقاً لمعايير معينة. والأمر ليس كذلك، بالنسبة الاتفاق التحكيم، الذي يقتصر على نزاع معين بالذات، يمنع المحكمة من نظره رغم دخوله في اختصاصها، في حالة غياب اتفاق التحكيم. والواقع أن المشرع وضع قاعدة عامة مجردة، وتبرير ذلك أن المشرع ذاته هو الذي أقر بسلطان إرادة الأفراد عند اللجوء إلى التحكيم، وعقد الاختصاص لهيئة التحكيم، وسلب الاختصاص عن المحاكم العادية. ويستوي أن يكون سلب اختصاص القضاء العادي بإرادة مباشرة من المشرع، كما في حالة التحكيم الإجباري - أو بإرادة الأفراد التي أقر، واعترف بها المشرع في التحكيم الاختیاري .
الطبيعة الخاصة لاعتبار الدفع بالتحكيم دفعا بعدم الاختصاص الوظيفي
- الأصل أن الدفع بعدم الاختصاص الوظيفي يتعلق بالنظام العام، على أساس أن توزيع ولاية القضاء على الجهات المختلفة.
وإذ اعترف المشرع - كما ذكرنا - بسلطان إرادة الخصوم في مجال الاتفاق على التحكيم، بإحالة منازعات معينة إلى هيئة التحكيم، وحجب القاضي العادي عن نظرها، فإن هذا مراعاة لمصلحة الخصوم الخاصة، مما يضفي عليه طبيعة الدفع الإجرائي غير المتعلق بالنظام العام. فلا يجوز للخصم التمسك باتفاق التحكيم بعد الكلام في الموضوع أو إبداء دفع بعدم القبول.
إذا لم يتمسك الخصوم أو أحدهما باتفاق التحكيم قبل الكلام في الموضوع، لا يستطيع القاضي أن يتنصل من التزامه بالفصل في النزاع، لأنه هو الأصل فلا يجوز له أن يثير - من تلقاء نفسه - وجود اتفاق التحكيم، بل ينظر النزاع ويفصل فيه، كذلك، لا يستطيع القاضي أن يتحلل من التزامه بالفصل في النزاع.
إذا تمسك أحد الخصوم باتفاق التحكيم، تعين على القاضي العادي أن يقضي بعدم اختصاصه بنظر النزاع.
نخلص إلى أن الدفع بوجود اتفاق التحكيم في دعوى رفعت أمام القاضي العادي - رغم وجود هذا الشرط - هو دفع بعدم اختصاص وظيفي، ذو طبيعة خاصة، لتعلقه بمصالح الخصوم أطراف اتفاق التحكيم. لذلك لا يجوز التمسك به بعد الكلام في الموضوع، ولا يستطيع القاضي أن يقضي من تلقاء نفسه بعدم اختصاصه وظيفياً.
وتجدر الإشارة إلى أن الوضع بالنسبة لاتفاق اللجوء إلى التحكيم الاختياري يختلف عن وضع الحالات التي يحيل فيها المشرع صراحة إلى هيئات التحكيم الإجباري، حيث يعد الدفع بعدم الاختصاص الوظيفي هنا متعلقا بالنظام العام، وماساً بسيادة، وسلطة المشرع في توزيع الاختصاص.