اتفاق التحكيم / الطبيعة القانونية للدفع بوجود اتفاق التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / الأختصاص بالتحكيم في عقود التجارة الدولية / طبيعة الدفع بعدم الاختصاص أمام هيئة التحكيم
إلا أن محكمة النقض الفرنسية قد قضت بعد ذلك بأن (( بطلان شـــــرط التحكيم الوارد في عمل مختلط لا يمكن إجازته بالتنازل الضمني عن التمسك بهذا البطلان ، الذي يستشف من طلب التحكيم المقدم من الطرف غير التاجر بل يجوز ذلك إذا قام هذا الأخير بتقديم دفوع وطلبات موضوعية ولم يقم بإبداء الدفع بعدم الاختصاص ، وأنه علي ذلك وفي هذه الحالة يمكن إثارة الدفع بعدم الاختصاص في أي حالة كانت عليها إجراءات التحكيم
رأينا في طبيعة الدفع بعدم الاختصاص أمام هيئة التحكيم
بالنظر إلي الحالات التي يجوز فيها الدفع بعدم الاختصاص أمام هيئة التحكيم ، والتي حددهـــا المشرع المصري بالنص في المادة ۱/۲۲ من قانون التحكيم ، والمتمثلة في عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوط هذا الاتفاق أو بطلانه ، أو عدم شموله لموضوع النزاع . فهذه الأسباب التي يبني علي أي منها الدفع بعدم الاختصاص ، نجد أن المشرع المصري في المادة ٥٣ من ذات القانون عندما حدد الحالات التي يجوز فيها الطعن بالبطلان علي حكم التحكيم ، جاء في الفقرة الأولي بالنص ( فقرة أ/١ ) علي أن من بين حالات الطعن بالبطلان )) عدم وجود اتفاق تحكيم أو بطلان هذا الاتفاق أو سقوطه (( كما جاء بالفقرة ( ١ / و ) من ذات المادة بالنص على حالة فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو إذا جاوز حدود هذا الاتفاق …….
وعلي ذلك يتضح أن المشرع المصري قد ربط بين أسباب عدم اختصاص هيئة التحكيم وبين بعض حالات الطعن بالبطلان علي حكم التحكيم ، بأن جعل من ذات الأسباب التي يمكن أن يبني عليها الدفع بعدم الاختصاص ، أسبابا أيضا للطعن بالبطلان علي حكم التحكيم ، وقد يفهم من ذلك أن المشرع يتيح الفرصة للخصوم لإثارة ذات الأسباب الواردة بالمادة ١/٢٢ في صورة أسباب للطعن بالبطلان وذلك في حالة عدم إبداء تلك الأسباب كسند للدفع بعدم الاختصاص أمام هيئــــــة التحكيم ، الأمر الذي يبرر القول بأن الدفع بعدم الاختصاص من الممكن إبداؤه في أي حالة تكـــــون عليها إجراءات التحكيم حتى ولو بعد الكلام في الموضوع ، وبالتالي فلا يتعرض الدفع بعدم الاختصاص للسقوط، وأنه لا مبرر لالزام الخصوم بوجوب إبداء الدفع بعدم الاختصاص في ميعــــــاد معين طبقا لنص المادة ٢/٢٢ أي قبل الكلام في الموضوع . إلا أننا نري أن الدفع بعدم اختصـــــــاص هيئة التحكيم ، يتعرض للسقوط ، وذلك طبقا لما جاء بنص المادة ۲/۲۲ ، في الحالات التي لم يقم فيها الخصم صاحب المصلحة في الدفع بإبدائه في الميعاد المحدد لذلك ، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة المذكورة علي أن (( يجب التمسك بهذه الدفوع في ميعاد لا يجاوز تقديم دفاع المدعي عليه المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة ٣٠ من هذا القانون ... وذلك يتعلق بالدفوع الثلاثة الأولي الواردة بالمادة ١/٢٢ وهي لعدم وجود اتفاق تحكيم أو بطلانه أو سقوطه ، أما الدفع بعدم شمول اتفاق التحكيم لما يثيره الطرف الآخر من مسائل أثناء نظر النزاع فيجب التمسك به فورا وإلا سقط الحق فيه ، ...)). وقد قضي في أحد التحكيمات بمركز القاهرة الأقليمي للتحكيم التجاري الدولي أنــــه (( وفقا لنص المادة ٢/٢٢ من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون ٢٧ لســــنة ١٩٩٤ والمادة ٣/٢١ من قواعد اليونسترال السارية علي مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي بانه يجب التمسك بالدفوع المتعلقة بعدم اختصاص هيئة التحكيم بما في ذلك الدفوع المبنيــــــة علي عدم وجود اتفاق تحكيم في ميعاد لا يجاوز ميعاد تقديم دفاع المدعي عليه ويجوز في جميع الأحوال أن تقبل هيئة التحكيم الدفع متأخر إذا رأت أن التأخير كان لسبب مقبول ، وتري الهيئــة أنـــه إزاء واقعات النزاع وبداية إجراءات التحكيم التي قاربت العام ، فإن التأخير في إثــــــارة الـدفـــع الشكلي ، ببطلان التحكيم لعدم وجود شرط التحكيم لا يوجد له سبب تجده هيئة التحكيم مقبولا . ويستفاد من ذلك أن المشرع افترض أن عدم إبداء الخصم صاحب المصلحة في الدفع ، في الميعاد المشار إليه بالمادة ٢/٣٠ ، يعد تنازلا منه عن هذا الدفع أو البطلان وقبولا بذلك لاختصاص هيئــة التحكيم ، وكذلك بشأن الدفع بعدم الاختصاص لعدم شمول الاتفاق لموضوع النزاع ، افترض المشرع أن مثول الخصم أو الخصوم والمشاركة في إجراءات التحكيم ، أمام هيئة التحكيم ، دون إثارة الدفع بعدم الاختصاص لهذا السبب ، يعد إجازة من الخصوم أو الخصم لعرض الموضوع علي هيئــــة الحكيم والفصل فيه ، والذي يعتبر بذلك منشئا لاتفاق تحكيم جديد في شأن المسألة المطروحة علي هيئة التحكيم .
وتفسير ربط المشرع المصري بين أسباب الدفع بعدم الاختصاص ، وبين أسباب الطعن بالبطلان علي حكم التحكيم لذات الأسباب ، نجده في الحالات التي يتم فيها إبداء الدفع بعدم
الاختصاص في الموعد المحدد له ، إلا أن هيئة التحكيم قد التفتت عن الرد علي هذا الدفع ، أو كـــان ردها علي غير سند صحيح من القانون ، يستوجب بطلان الحكم في هذه الحالة لرفض هيئة التحكيم للدفع بعدم الاختصاص وكان. رفضها للدفع غير مؤسس تأسيسا قانونيا سليما . وكذلك نجده أيضا في الحالة التي لم يتمكن فيها الخصم صاحب المصلحة في الدفع ، من إبداء هذا الدفع بعدم الاختصاص لأسباب مردها إلي وجود بطلان في الإجراءات حال دون إتاحة الفرصة لهذا الخصم من إبداء دفوعـه و دفاعه أمام هيئة التحكيم .
هذا علي أن المشرع قد منح المحكم أو هيئة التحكيم سلطة تقديريه لتقرير قبـول الدفع بعدم الاختصاص ، في حالة ابدائه بعد الميعاد المحدد له ، حيث يكون لهيئة التحكيم سلطة تقدير ما إذا كان التأخير في إبداء الدفع من قبل الخصم صاحب المصلحة له ما يبرره أم لا ، وفي الحالة الأولي تقبل الدفع المتأخر بعدم الاختصــــــــاص وتقوم بالتالي ببحثه وصولا لتقرير اختصاصها من عدمه ، أما في الحالة الثانية فلها أن ترفض قبول الدفع لسقوط الحق فيه وتنظر موضوع النزاع للفصل فيه .
إلا أننا نري أن منح المشرع هذه السلطة التقديرية لهيئة التحكيم ، بشأن تقدير قبول أو عدم قبول الدفع بعدم الاختصاص المبدي بعد الميعاد ، بعد تقديرها للمبرر للتأخير ، فإن هذه السلطة لهيئة التحكيم نعتقد أنها قد منحت لها من المشرع بهدف تمكين هيئة التحكيم من التثبت مـــــن جدية أو عدم جدية الدفع المبدي بعدم الاختصاص ، حتى ولو كان قد أبدي بعد الميعاد ، فنري أن لهيئة التحكيم إذا ما قدرت جدية الدفع بعدم الاختصاص حتى ولو كان قد أبدي متأخرا أي بعــــد الميعاد المحدد له ، فإن هيئة التحكيم في هذه الحالة إذا ثبت لها بالفعل بعد بحث الدفع أنه قد جاء علي سند صحيح فمن الأولي أن تقضي بعدم اختصاصها ، بدلا من السير في إجراءات التحكيم وصدور الحكم الذي قد يتعرض للبطلان عند الطعن عليه .
- أما إذا كان الدفع بعدم الاختصاص متعلقا بالنظام العام، كالدفع بعدم الاختصاص المبني علي أن التراع غير قابل للتحكيم ، أي مما لا يجوز فيه التحكيم ، أو كان مبنيا علي سبب مـــــن الأسباب التي تؤدي إلى بطلان اتفاق التحكيم بطلانا مطلقا ، كأن يكون العقد الأصلي مخالفا للنظـام العام لعدم مشروعيته ، التي تنعكس علي اتفاق التحكيم ذاته وتلحقه بالتالي عدم المشروعية التي تنسف العقد الأصلي واتفاق التحكيم أيضا وبالتالي سيكون الاختصاص التحكيمي بلا هوية يستمد منها ، الأمر الذي يجوز فيه إبداء الدفع بعدم الاختصاص أمام هيئة التحكيم في أي مرحلة من مراحل إجراءات التحكيم ، حيث لا يستطيع الخصوم هنا إجازة التصرفات غير المشروعة ، لأنهم لا يملكون جعل ما هو غير مشروع وفقا للنظام العام ، وتحويله أو إصباغ صفة المشروعية عليه ، حيث لا يملك ذلك أيضا المحكم أو هيئة التحكيم ، فلا يمكن للقضاء عموما ، سواء أكان عن طريق محاكم الدول أو بواسطة المحكمين ، أن يحمي التصرفات غير المشروعة وذلك علي حد تعبير المحكم السويدي (L agregren) في حكمــة الصـــــادر في إحدى القضايا ، الذي انتهي فيه إلى عدم اختصاصه لمخالفة العقد الأصلي للنظام العام الدولي، بسبب عدم مشروعيته التي لحقت كذلك اتفاق التحكيم ، ومن الجدير بالذكر أن المحكم في هذا النزاع قد تعرض لهذه المخالفة للنظام العام الدولي ، من تلقاء نفسه ، منتهيا إلي الحكم بعدم اختصاصه .