اتفاق التحكيم / الطبيعة القانونية للدفع بوجود اتفاق التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / خصومة التحكيم في منازعات عقود التجارة الدولية / الدفع بوجود شرط التحكيم
وجوب الأخذ بقاعدة دولية جديدة في المادة ۳/۲ مؤداها فرض التزام على المحاكم الوطنية للدول الموقعة على الاتفاقية بالامتناع عن سماع الدعوى التي تقام أمامها بالمخالفة لاتفاقات التحكيم المبرمة. ولذلك ضعت هذه القاعدة موضع التطبيق حتى لا يترك الأمر للتشريعات الداخلية التي تتفاوت مواقفها، ويعطي تضها للقضاء الوطني سلطة تقديرية تهدد فاعلية نظام التحكيم الخاص الدولى.
كما يرتب الاتفاق على التحكيم آثاره بمجرد إبرامه وقبل اختيار المحكمين أو قبولهم لمهمتهم بل ورغم رفض المحكم لمهمته . كذلك يرتب الاتفاق أثره في عدم قبول الدعوى أمام المحكمة ولو رفعت دعوى أمام القضاء في نزاع لا يوجد بشأنه اتفاق تحكيم، فإن للطرف الآخر أن يدفع بعدم قبول طلب المقاصة إذ هذا الطلب هو دعوی وليس مجرد دفاع في الدعوى الأصلية، فلجوء المدعي في الدعوى الأصلية إلى رفع الدعوى أمام المحكمة لا يمنعه من التمسك بوجود شرط التحكم بالنسبة للطلب المقابل بالمقاصة القضائية، إذا كان هذا الطلب يوجد بشأنه اتفاق تحكيم إذ لا يجوز تقديمه إلا أمام هيئة التحكيم.
و إذا ثار نزاع يتعلق بتنفيذ عقد اشتمل على شرط التحكيم، ورفع أحد طرفيه دعوى أمام المحكمة العادية، كان للطرف الآخر التمسك بالشرط على صورة دفع بوجود هذا الشرط، فهل يتعلق هذا الدفع بالنظام العام؟ لقد اختلف الفقه حول طبيعة الدفع بالتحكيم، فذهب البعض إلى أنه دفع بعدم اختصاص المحكمة التي رفع أمامها النزاع والمختصة أصلاً بنظره استناداً إلى اختصاص جهة أخرى بالفصل فيه هي هيئة التحكيم، وقد شبه هذا الرأي الوضع بالأثر المترتب على اتفاق الخصوم على رفع الدعوى أمام محكمة أخرى غير المختصة بنظره اختصاصا محليا، حيث يترتب على هذا الاتفاق الذي يجيزه القانون جواز الدفع بعدم اختصاص المحكمة ذات الاختصاص الأصلي متى رفع أمامها النزاع بالمخالفة لهذا الاتفاق . هذا في حين ذهب رأي آخر إلى أن الدفع بالتحكيم لا يعدو أن يكون دفعاً بعدم قبول الدعوى، وذلك على أساس من القول بأن اتفاق التحكيم يعني تنازل الطرفين عن حق الدعوى القضائية والمسلم به أن التمسك بانتفاء هذا القول بأن اتفاق التحكيم يعني تنازل الطرفين عن حق الدعوى القضائية والمسلم به أن التمسك بانتفاء هذا الحق يكون دفعا بعدم القبول. كما ذهب رأي ثالث أن الدفع بالتحكيم دفع إجرائي ببطلان المطالبة القضائية بسبب عيب موضوعي، هو عدم قابلية الطلبات التي تتضمنها الصحيفة لأن تكون محلاً للمطالبة القضائية نتيجة الاتفاق على التحكيم فيها، وذلك يؤدي إلى بطلان المطالبة القضائية لكنه بطلان خاص لا يتعلق بالنظام العام . وكان لهذا الخلاف أثره على المستوى التشريعي، إذ بينما تبنى المشرع الكويتي والمشرع الفرنسي فكرة الدفع بعدم الاختصاص، فإن المشرع في بقية القوانين الوطنية الأخرى تبني فكرة الدفع بعدم القبول أو بعدم جواز نظر الدعوى كما فعل المشرع السعودي، أما المشرع البحريني لم يبين طبيعة الدفع مكتفيا بمصطلح الإحالة متأثرا في ذلك بموقف اتفاقية نيويورك والقانون النموذجي.
ولا يختلف حال القانون الفرنسي عن حال القانون النموذجي والقوانين الوطنية، من حيث هذه الآثار الملزمة بالتحكيم . وذلك وفقا للمادة (1458) من قانون المرافعات الفرنسي الجديد لعام 1981 يجب على المحكمة التي رفع أمامها النزاع أن تقضي بعدم اختصاصها متى دخل هذا النزاع في اختصاص محكمة تحكيم بموجب اتفاق التحكيم . ووفقا للمادة (5/173) من قانون المرافعات الكويتي لا تختص المحاكم بنظر المنازعات التي اتفق على التحكيم في شأنه . وبهذا تقضي المحكمة بعدم الاختصاص سواء كان النزاع قد دخل في حوزة هيئة التحكيم أو لم يدخل بعد، مادام أن الثابت وجود اتفاق التحكيم بشأن هذا النزاع، أما عن سلطة المحكمة في بحث صحة اتفاق التحكيم أو بطلانه قبل أن تقضي بعدم اختصاصها، فإن الأمر يتوقف على ما إذا كان النزاع قد عرض فعلاً على هيئة التحكيم أو لم يعرض بعد، وفي الحالة الأخيرة يجوز للمحكمة أن تقضي باختصاصها متى تبين لها بوضوح أن اتفاق التحكيم باطل
وأياً ما كان الأمر فإن الدفع بالتحكيم سواء كان نظر إليه باعتباره دفعاً بعدم الاختصاص أو دفعاً بعدم القبول لا يتعلق بالنظام العام فلا تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ، وإنما يتعين على المدعى عليه التمسك به قبل التعرض الموضوع الدعوى أو إبدائه لأي طلبات أو دفوع أخرى. ويستفاد ذلك مما نصت عليه المادة (3/1458) مرافعات فرنسي على أنه "لا يجوز للمحكمة التي رفع أمامها النزاع الحكم بعدم اختصاصها من تلقاء ذاتها"، كما يستفاد ذلك مما نصت عليه المادة (5/173) مرافعات كويتي بقولها يجوز النزول عن الدفع بعدم الاختصاص صراحة أو ضمناً"، كذلك نصت القوانين الوطنية الأخرى على ذلك بالقول "دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى". وتستند هذه النصوص على عدم اعتبار الدفع بالتحكيم دفعاً متعلقاً بالنظام العام وذلك بالنظر إلى طابعة العقدي أو الاتفاقي، وهو الطابع الذي يخول طرفيه أو أحدهما الحق في النزول عنه صراحة أو ضمناً، ويكفي لاستخلاص التنازل الضمني عن هذا الدفع قيام أحد الطرفين برفع النزاع أمام المحكمة المختصة أصلاً بنظره و عدم تمسك الطرف الآخر بالدفع قبل إبداء أي طلب أو دفاع، كما يعتبر تنازلاً ضمنياً عن التمسك بالدفع بالتحكيم عند طلب التأجيل للصلح والاتفاق على وقف الدعوى لإتمامه، أما إذا كان طلب التأجيل لتقديم مذكرة دفاعه أو لضم دعوى أخرى فإنه ألا يعد تنازلاً عن التمسك بالدفع لأنه لم يبد أي طلب أو دفاع .
وتجدر الملاحظة، أن اتفاقية نيويورك والقانون النموذجي نصا على أنه ما لم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل أو لا أثر له أو غير قابل للتطبيق، وبهذا أعطى القاضي الوطني حق التصدي لبحث صحة اتفاق التحكيم وسریانه قبل الحكم بعدم قبول الدعوى، فقد يصبح التحكيم غير ذي موضوع لعدول الأطراف عنه أو لأنه صار مستحيلاً قانوناً أو عملاً لسقوطه أو امتناع الأطراف في التعاون مع هيئة التحكيم أو أنه صار غير قابل للتطبيق، وذلك توفيراً للوقت حتى لا يصدر حكم التحكيم ثم يكون من بعد ذلك لدعوى ببطلانه لبطلان الاتفاق على التحكيم. وهو أيضاً ما أخذ به القانون الفرنسي والبحريني والقطري و الإماراتي، وإن كان نرجو من المشرع العماني والسعودي والكويتي أن يسلك درب اتفاقية نيويورك القانون النموذجي وباقي القوانين الوطنية وأن يخول القاضي سلطة البحث في صحة اتفاق التحكيم قبل حكم بعدم قبول الدعوى.