اتفاق التحكيم / الدفع بوجود اتفاق التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / فاعلية القضاء المصري في مسائل التحكيم التجاري الدولي / موقف المشرع المصري من طبيعة الدفع بوجود اتفاق التحكيم
موقف المشرع المصري من طبيعة الدفع بوجود اتفاق التحكيم
أنهى المشرع الخلاف بين الفقه حول طبيعة الدفع بوجود اتفاق التحكيم فاعتبره دفعا من الدفوع المتعلقة بعدم القبول حيث نص في المادة (13) من قانون التحكيم المصري على أنه "يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى...".
وتظهر أهمية التفرقة باعتبار الدفع بالتحكيم هو دفع بعدم القبول الإجرائي بأنه يخضع لذات الأحكام التي يخضع لها الدفوع الإجرائية الشكلية وبتلك المثابة يجب إبداؤه مع غيره من الدفوع الإجرائية باستثناء ما يتعلق منها بالنظام العام - قبل التكلم في الموضوع أو دفع بعدم القبول يتعلق بالموضوع. كما أن المحكمة لا تثيره من تلقاء نفسها على خلاف اعتبار الدفع بالتحكيم هو دفع بعدم قبول موضوعي حيث يجوز إبداؤه في أية حال كانت عليها الدعوى طبقا لما قررته المادة (1/115)/ من قانون المرافعات.
وذهبت محكمة النقض في العديد من أحكامها إلى اعتبار أن الدفع بالتحكيم هو دفع بعدم القبول الإجرائي وطبقت عليه أحكام الدفع الإجرائي غير المتعلق بالنظام العام. أنصار الرأي باعتبار الدفع بالتحكيم هو دفع بعدم القبول وليس دفعا بعدم الاختصاص برروا ذلك بأنه لو كان الدفع بالتحكيم من الدفوع المتعلقة بإنكار اختصاص المحكمة وانعدام ولايتها بنظر النزاع لكان معنى ذلك تعلقه بالنظام العام، وجاز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، وهو ما يتنافى مع ضرورة الدفع به من المدعى عليه في الجلسة الأولى وقبل الكلام في موضوع الدعوى)، فضلا عن أن اتفاق التحكيم لا ينزع الاختصاص من محاكم الدولة انما يمنعها فقط من نظر النزاع طالما كان هذا الاتفاق لا يشوبه بطلان، فإذا أبطل اتفاق التحكيم - أصبح القضاء هو المختص بحسبانه صاحب الاختصاص الأصيل وهذا ما ينفي عدم الاختصاص. ومن ناحية أخرى إن اتفاق التحكيم لا ينزع الاختصاص كلا من محاكم الدولة، فيظل لها الاختصاص ببعض المسائل المتعلقة بالتحكيم.
والدفع بعدم القبول في الحالة المنصوص عليها في المادة (13) لا يتعلق تكييفه بأنه دفع موضوعي، كما هو مبين في المادة (115) من قانون المرافعات من أن الدفع بعدم القبول يجوز إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوى بل يمكن أن يقال إنه دفع مستقل بذاته، فلا هو دفع موضوعي ولا هو دفع شكلي. ذلك أن المشرع في المادة (13) من قانون التحكيم نص على إبداء الدفع بعدم القبول قبل إبداء أي طلب أو دفاع.
إلا أن الفقرة الثانية من المادة (13) نصت على أنه لا يحول رفع الدعوى المشار إليها من دون البدء في إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيه أو إصدار حكم التحكيم وهذه الفقرة تعني أحد أمرين:
الأول: أن يكون النزاع برمته قد رفعت عنه دعوى قضائية على الرغم من البدء في إجراءات التحكيم.
الثاني: أن يكون النزاع قائما فعلا وهناك إجراءات في التحكيم والسير فيه وقام أحد الخصوم برفع دعوى أمام القضاء وبشأن نزاع اتفق على فضه بطريق التحكيم.
في كلتا الحالتين لا تقف إجراءات التحكيم، ولا يمنع رفع الدعوى من أن يقوم الطرف الآخر باتخاذ إجراءات التحكيم والسير فيها حتى إصدار الحكم من دون الانتظار لصدور حكم القضاء بعدم القبول، فرفع الدعوى لا يعطل السير في إجراءات التحكيم، وقد جاء الغرض من هذا النص في رأينا أن المشرع أراد أن لا يتخذ من رفع الدعوى حجة أو مبررا لتعطيل العملية التحكيمية لذلك كان نص المادة (13) سالف الذكر باستمرار إجراءات التحكيم حتى صدور حكم فيه.
إذن يمكن القول إن توقيت الدفع بعدم القبول يجب طبقا لنص المادة (13) من قانون التحكيم أن يكون قبل إبداء أي طلب أو دفاع في الدعوى. فإذا أبدى رافع الدعوى طلباته ودفاعه، نظرت المحكمة الدعوى في شأن النزاع المطروح أمامها. على أن ذلك لا يعطل إجراءات التحكيم أيضا فيما بين طرفي الدعوى حسب الفقرة الثانية من المادة (13) من قانون التحكيم.
نستخلص من ذلك أنه إذا نشأ نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم فإن المحكمة في هذه الحالة تكون المختصة بنظر النزاع ما لم يدفع المدعى عليه بعدم قبول الدعوى الوجود اتفاق لتسوية هذا النزاع بطريق التحكيم. فإذا لم يدفع المدعى عليه بهذا الدفع قبل إبداء أي طلب أو دفاع، استمرت الدعوى قائمة تنظرها المحكمة كونها صاحبة الاختصاص الأصيل.
إذا الدفع بوجود اتفاق التحكيم هو الوسيلة الفنية الوحيدة لتفعيل الأثر السلبي وذلك بمنع القضاء من السير في إجراءات الفصل في النزاع موضوع اتفاق التحكيم.
وهنا تثور مشكلة إذا ما عرض نزاع على القضاء يوجد بشأنه اتفاق على تسويته بطريق التحكيم وكان أحد أطراف هذا النزاع المعروض أمام القضاء - ليس طرفا في اتفاق التحكيم، على الرغم من أن هذا الاتفاق تتصرف أثاره إليه.
وبمعنى آخر يتساءل الباحث عن مدى امكانية تمسك طرف غير موقع على اتفاق التحكيم بهذا الدفع أمام القضاء.
رأينا أن اتفاق التحكيم هو عقد من عقود القانون الخاص ومن ثم يخضع القاعدة العامة نسبية أثر العقود ومن ثم لا يمتد إلى غير الأطراف الذين شاركوا في إبرامه بيد أن هذه القاعدة ليس على اطلاقها حيث يرد عليها استثناءات حيث تنصرف آثار اتفاق التحكيم إلى الغير، ومن ثم يحق لهذا الغير التمسك بالدفع، بوجود شرط التحكيم أمام القضاء .