ويقصد به قيام أحد أطراف التحكيم برفع دعوى قضائية عن موضوع النزاع بدلاً من اللجوء للتحكيم ومن ثم يكون الطرف الثاني الدفع أمام القضاء وبوجود شرط تحكيم بقصد الزام خصمه باللجوء إلى التحكيم دون القضاء وتفادى قيام المحكمة بالحكم في الدعوى وسبب الدفع بوجود اتفاق تحكيم هو وجود اتفاق على التحكيم بين أطراف النزاع ومن ثم يتعارض تنفيذ هذا الاتفاق مع لجوء أحد طرفيه إلى القضاء.
واتفاق التحكيم هو من الدفوع الشكلية التى يتعين على الخصم التمسك بها قبل إبداء أى طلب أو دفاع فى الدعوى فهو لا يتعلق بالنظام العام ويجوز النزول عنه صراحة أو ضمناً.
هذا ولا يعتبر تقديم الخصم أجلاً للإطلاع قبل إبداء الدفع مسقطاً للدفع، ولا يعتبر تنازلا ضمنيا عن اتفاق التحكيم طلب التأجيل لأكثر من مرة لضم دعوى أو لتقديم مذكرة دفاع، ويكون للمدعى عليه التمسك بالدفع بوجود اتفاق تحكيم سواء كان الخصوم قد بدءوا التحكيم أم لم يبدءوا. لبطلان شرط التحكيم والمضى قدما للحكم في الدعوى.
أن المحكمة لا تحكم تلقائياً بعدم القبول إذا دفع أمامها بوجود شرط التحكيم، إذ يجب عليها أولاً التأكد من وجود هذا الشرط صحيحاً في العقد، أى التأكد من الوجود المادى لشرط التحكيم ثم التأكد من مدى صحة هذا الشرط قانوناً وأنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام فى مصر أو بصدد مسألة لا يجوز التحكيم فيها ومن ثم بعد التأكد من ذلك على المحكمة الحكم بعدم قبول الدعوى.
وعلى هذا نرى أنه إذا دفع أمام المحكمة بوجود شرط التحكيم باطل - مثلاً لكونه بصدد مسألة لا يجوز التحكيم فيها - فإن على المحكمة رفض الدفع لبطلان شرط التحكيم والمضى قدماا للحكم فى الدعوى .
موقف اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۵۸ من طبيعة الدفع بالتحكيم
فإن هذه القاعدة من شأنها القضاء على جميع المحاولات التي تتم بغرض التخلص من نتائج الحصول على حكم تحكيم فاصل في موضوع النزاع ومن ثم تضمن للتحكيم فعاليته كقضاء خاص.
وقد عبرت الفقرة الثالثة من المادة الثانية من اتفاقية نيويورك صراحة عن هذه القاعدة، وذلك عندما نصت على أنه على محكمة الدولة المتعاقدة، عندما يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق الأطراف بالمعنى الوارد فــــي هذه المادة - أن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم إلى التحكيم......
فالنص المذكور أورد قاعدة موضوعية موحدة دولياً، تسمو في المرتبة على التشريعات الداخلية للدول الأعضاء المنضمة إلى الاتفاقية، وتلتزم بها محاكم هذه الدول أياً كانت جنسية أطراف اتفاق التحكيم، أو المكان الذي اتفق على أن يكون مقرأ للتحكيم.
فهذه القاعدة وانطلاقاً من طبيعتها الدولية تفرض على المشرع الوطني التزاماً بعدم مخالفتها تقييداً أو إطلاقاً، إذ لا يجوز له أن ينال من قوتها الإلزامية.
والشرط الوحيد لاستبعاد ولاية القضاء الوطنى، هو تمسك أحد الأطراف أمام هذا القضاء بسبق الاتفاق على التحكيم.
وتكشف الأعمال التحضيرية التي صاحبت وضع هذا النص، عن أن بعض مندوبي الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة، قد اقترحوا حذف هذا الشرط، ومن ثم يتعين على القضاء الوطنى أن يحيل الأطراف إلى التحكيم دون حاجة إلى التمسك أمامه بسبق الاتفاق على التحكيم.
وهكذا يتضح لنا أن اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۵۸ لم تحدد الوقت الذي يتعين فيه التمسك باتفاق التحكيم .
وترتيبا على ما تقدم فإنه يتعين على المحكم التحقق من اختصاصه بأمرين، الأول - وهو المعنى الواسع للاختصاص - وهو التثبت من صحة العقد ومشروعيته ومن وجود وصحة الاتفاق التحكيمي، والثاني - وهو المعنى الضيق - وهو التثبت من قابلية النزاع للتحكيم .
أما فيما يتعلق بالتوقيت الذى يجب أن يبدى فيه الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم، فإن القانون المصرى قد فرق بين الدفع بعدم الاختصاص الذي ينبني على عدم شمول الاتفاق على التحكيم للموضوع المعروض، وهنا يجب إبداء هذا الدفع فوراً، وبعد السكوت نزولاً عن التمسك به وقبول التحكيم في هذا الموضوع.
أما إذا كان مرجع الدفع هو عدم القابلية للتحكيم أو بطلان الاتفاق أو سقوطه فإنه فقد حدد لها القانون حدا أقصى هو - حسبما تقضى المادة ۲/۲۲ . ميعادا لا يجاوز ميعاد تقديم دفاع المدعى عليه. وبذلك يكون القانون المصرى قد تبنى أحكاماً خاصة تختلف عن النظام القانونى للدفع بعدم الاختصاص كما هو معروف فى قانون المرافعات.
ويحدد المشرع عادة - ميعاداً للفصل فى الدفع بعدم الاختصاص فيشترط أن تفصل هيئة التحكم فيه قبل البدء فى الفصل في الموضوع وهو أمر لأنه . من الجائز أن يترتب عليه عدم السير في إجراءات التحكيم الذي قد منطقی يحكم ببطلانه.
ولكن المشرع عاد وأجاز لهيئة التحكيم الفصل في الدفع بعدم الاختصاص جنباً إلى جنب مع الفصل في الموضوع لتفصل فيهما معاً، وهنا يكون التقدير للمحكم فهو يستطيع أن يفصل فى الدفع الخاص بعدم اختصاصه أو الخاص ببطلان العقد أو فسخه أو إنهائه قبل أن يعرض لموضوع النزاع أو أن يضمها معا ويؤجل الحكم فيها إلى صدور الحكم النهائي.
ويثور التساؤل عن الفرض المتمثل فيما إذا" قضت هيئة التحكيم بعدم اختصاصها، إذ ما هو طريق الطعن الواجب اتباعه بالنسبة لهذا الحكم؟
ويتقاسم هذه المسألة نظريتان: الأولى يؤيدها أنصار النظرة التعاقدية للتحكيم، ويرون أن المحكم الذى يقرر عدم اختصاصه ليست له سلطة قضائية فهو يتصرف لا كقاضى، وإنما كفرد عادى وحكمة بعدم الاختصاص لا يمكن اعتباره عملا قضائيا، ولهذا السبب فانه لا يوجد أى طريق يمكن اتباعه ضد الحكم بعدم الاختصاص. وأصحاب النظرية الثانية هم أنصار الطبيعة القضائية للتحكيم ويرون أنه يمكن الطعن فى حكم المحكمين الصادر بعدم اختصاصهم،
على أساس رفع دعوى بطلان حكم التحكيم المنهى للخصومة كلها وفقا، غير أن هذه النظرية الأخيرة لم تسلم من النقد، فضلا عن أن الحكم بعدم الاختصاص لا يبطل اتفاق التحكيم.
ويتفق قانون التحكيم المصرى مع القانون النموذجى من حيث أن لهيئة التحكيم أن تفصل بالدفع بعدم اختصاصها ، أما كمسألة أولية قبل الفصل في الموضوع، أو بأن تضم الدفع للموضوع لتفصل فيهما معا (المادة ٢/٢٢ مصرى والمادة ٣/١٦ نموذجى) وكذلك يتفقان من حيث أن مثل هذا الطعن أمام المحكمة المختصة لا يحول دون استمرار إجراء التحكيم أثناء فترة الطعن (المادة ٣/٢٢ المادة ٣/١٦ نموذجي).
بينما يختلفان معا من حيث الأثر المترتب على رفض الدفع في الحالة الأولى، ففى حين أن قانون التحكيم المصرى لا يخضع هذه الأحكام الأولية لرقابة من المحاكم العادية، لأنه لا يجوزا لطعن بالقرار من هذه الناحية إلا عن طريق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم المنهى للخصومة كلها للمادة (٥٣) من هذا القانون، يخضع القانون النموذجى هذه الأحكام الرقابة فورية من المحاكم العادية إذ أعطى الحق لأى من الطرفين أن يطعن بقرار الرفض أمام المحكمة المختصة خلال (۳۰) يوما من تسلمه القرار، ويكون قرار المحكمة قطعيا غير قابل لأى طريق من طرق الطعن.
والحقيقة أن القانون المصرى فيما قرره بنص المادة (۲۲) من هذا القانون من حيث اختصاص هيئة التحكيم بتقرير ولايتها ومدى هذه الولاية يستحق التأييد لأنه يتفق مع المفهوم الحديث لطبيعة عمل المحكم واعتباره قاضيا، والفوائده العملية في دفع نظام التحكيم نحو غايته، ولأن الدفع المثار أمام المحـكم باختصاصه مسألة فرعية وليس أوليه ولأنه لا فرق فى الواقع بين أصل سلطة المحكم ونطاقها .
وأخيرا فإن إعطاء المحكم هذه السلطة لا يخشى منه إطلاقا لأن المحكـ يخضع لرقابة لاحقة وهى الطعن في حكمة بدعوى بطلان حكم التحكيم المنهى للخصومة كلها أن هو قضى بغير اتفاق التحكيم أو بناء على اتفاق تحكيم باطل أو سقط بتجاوز الميعاد أو إذا خرج المحكم عن حدود اتفاق التحكيم.
وإذن يتضح مما سبق أن الحكم بعدم قبول الدعوى أمام القضاء لوجود إتفاق تحكيم مرهون بصحة هذا الاتفاق، وليس أدل على ذلك من موقف المشرع الفرنسي الذي يخول القاضى إمكانية نظر الدعوى والتصدى لها حال كون البطلان الذي يعتور الإتفاق ظاهرا، كحالة الاتفاق على عدد زوجي للمحكمين، أو خلو مشارطة التحكيم من بيان موضوع النزاع، رغم اعتراف المشرع الفرنسي بمبدأ الاختصاص بالاختصاص .
ولقد كان مشروع قانون التحكيم المصرى ۲۷ لسنة ١٩٩٤ يتضمن في نص م /۱۳ فقرة ۳ النص على سلطة القاضي في إصدار حكما ببطلان إتفاق التحكيم أو بسقوطه أو بعدم نفاذه ويلزم هيئة التحكيم بإنهاء ما تم أمامها من إجراءات طالما صدر حكم القضاء قبل صدور الحكم من هيئة التحكيم .