اتفاق التحكيم / الأثر السلبي - عدم اختصاص محاكم الدولة بالفصل في النزاع الذي تم بشأنه الاتفاق على التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في منازعات التجارة الدولية لدول الخليج العربي / الأثر السلبي لاتفاق التحكيم
الأصل في ذلك هو عدم قبول الدعوى أمام محاكم الدولة أي بمعنى منع قضاء الدولة من نظر المنازعة محل التحكيم، فقد عبر البعض من الفقهاء على أنه: يترتب على الأطراف الالتزام وعدم اللجوء إلى القضاء
وبناء على ما تقدم يصبح للأثر السلبي جانبان:
1 - الالتزام السلبي على الأطراف:
فلا يجوز لأي من طرفي التحكيم أن يلجأ إلى القضاء لأن ذلك إخلال بما التزم به بموجب اتفاق التحكيم. وهذا ما تؤيده بعض نصوص التشريعات المقارنة، ومنها قانون الإجراءات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (11) لعام 1992م، حيث نصت المادة (5/203) منه على أنه: (إذا اتفق الخصوم على التحكيم في نزاع ما، فلا يجوز رفع الدعوى بـه أمــام القضاء ، ومع ذلك إذا لجأ أحد الطرفين إلى رفع دعوى دون اعتداد بشرط التحكيم ولم يعترض الطرف الآخر في الجلسة الأولى جاز نظر الدعوى واعتبر شرط التحكيم لاغيا ). وهذا ما أكدت عليه محكمة نقض أبوظبي بأنه يجب على الطرف المتمسك بشرط التحكيم أن يتخذ موقفا إيجابيًا بأن يعترض في الجلسة الأولى على التجاء خصمه إلى القضاء للمطالبة بما يدعيه من حق رغم الاتفاق على التحكيم، فإن لم يحصل منه اعتراض في تلك الجلسة جاز نظر الدعوى ).
2- الالتزام السلبي على المحاكم القضائية :
وهو الامتناع عن الفصل في الدعوى التي يوجد بشأنها اتفاق التحكيم، أي أن كانت إجراءات التحكيم قد بدأت قبل رفع النزاع إلى تلك المحاكم أم لم تبدأ بعد وهذا المفهوم الذي قدمناه لمضمون الأثر السلبي لاتفاق التحكيم قد أيدته بعض التشريعات واللوائح والمحاكم المعاصرة .
ومن تلك التشريعات واللوائح: مشروع القانون الاتحادي الإماراتي الجديد في المادة (1/9) حيث نصت على أنه يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى .....)
كما نصت لائحة التحكيم لمركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لعام 1994م في المادة (1/2) منه على أن (الاتفاق على التحكيم وفق أحكام هذه اللائحة أمام المركز يحول دون عرض النزاع أمام أي جهة أخرى …)
وأما من حيث التطبيق القضائي
( يمثل الأثر الإيجابي لاتفاق التحكيم في نقل الاختصاص من قضاء الدولة، إلى قضاء التحكيم، بحيث يضحى الأخير، هو صاحب الولاية في حسم النزاع المبرم بشأنه اتفاق التحكيم، فتثبت له وحده سلطة الفصل في النزاع، دون قضاء الدولة .
تعبر المادة (2/2) من اتفاقية نيويورك بأنه على: (محكمة الدولة المتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق بــين الأطراف أن تحيل الخصوم بناء على طلب احدهم للتحكيم لا يتفق مع طبيعة هذا التشريع باعتباره اتفاقية دولية تخاطب المشرع وليس المحكمة في الدول الموقعة عليها إذا كان يكفي النص على التزام الدول بالتحكيم وفق تشريعاتها الداخلية والاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها .
وكذلك قانون التحكيم التجاري الدولي الأسباني رقم (11) لعام 1988م، نصت المادة (2/11) منه على أنه : (يلزم اتفاق التحكيم الأطراف بالخضوع لما اتفق عليه ويمتنع على القضاء والمحاكم نظر المنازعات الخاضعة للتحكيم ).
وبما أنه يترتب على اتفاق التحكيم سلب ولاية اختصاص القضاء الوطني بنظر النزاع محل اتفاق التحكيم وهذا ما آثار التساؤل حول هذا الأثر هل يمتد ليشمل الإجراءات الوقتية والتحفظية المرتبطة بالنزاع بحيث يختص المحكم بنظر هذا الإجراءات أو ينعقد الاختصاص بها لكل من القاضي الوطني والمحكم وهذا ما سنعرضه لموقف الفقه باتجاهاتـه الثلاثة:
الاتجاه الأول اختصاص قضاء الدولة باتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية.
الاتجاه الثاني : اختصاص المحكم باتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية .
ویرى جانب من الفقه أن المحاكم الوطنية تتمتع بالحق في اتخاذ الإجراءات الوقتيــــة والتحفظية، وكذلك قضاء التحكيم . فمن حق الأطراف اللجوء إلى قضاء الدولة بطلب اتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية على الرغم من وجود اتفاق التحكيم، فمن غير الملائم حرمان الأطراف من الاستفادة من القواعد التي تحكم إجراءات الاستعجال في قضاء الدولة، وفي ذاك الوقت يظل للأطراف الحرية في اختيار اللجوء إلى المحكم وطلب اتخاذ الإجراءات الوقتية التحفظية. وقد نصت على ذلك الإجراء المادة (1/22) من نظام التحكيم السعودي الجديد لعام 1433هـ حيث نصت على أن للمحكمة المختصة أن تأمر باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية على طلب أحد طرفي التحكيم ...... )
ويرى البعض أن من حق الأطراف الاتفاق على استبعاد بعض الإجراءات التحفظية من نطاق اختصاص المحكم، وأيضًا من حق الأطراف الاتفاق على استبعاد عدم اللجوء إلى قضاء الدولة خلال فترة التحكيم . وقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أنه لا يمكن استبعاد محاكم الدولة في اتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية إلا بناء على اتفاق صريح من الأطراف، أو بناء على اتفاق ضمني، بشرط ألا تكون هذه الإجراءات تتعلق بتنفيذ حكم التحكيم، فهذه الإجراءات مقصورة على قضاء الدولة .