اتفاق التحكيم / الأثر السلبي - عدم اختصاص محاكم الدولة بالفصل في النزاع الذي تم بشأنه الاتفاق على التحكيم / الكتب / الموجز فى النظرية العامة للتحكيم التجاري الدولي / الأثر السلبي لاتفاق التحكيم
يقتضي احترام اتفاق التحكيم، أنه إلى جانب الأثر الإيجابي لهذا الاتفاق والذي يفرض على الأطراف احترام تعهداتهم وضرورة العهدة بالمنازعة المتفق بشأنها على التحكيم إلى محكمة التحكيم، ضرورة احترام أيضاً الأثر السلبي لهذا الاتفاق والذي يحرم على الأطراف الالتجاء إلى القضاء الوطني لطلب الفصل في المنازعة محل اتفاق التحكيم.
۱ - مبدأ عدم اختصاص المحاكم الوطنية بالمنازعات المتفق بشأنها على التحكيم
يعد مبدأ عدم اختصاص المحاكم الوطنية بنظر المنازعات المتفق بشأنها على التحكيم سواء اتخذ اتفاق التحكيم صورة شرط تحكيم مدرج في العقد أو صورة مشارطة تحكيم اتفق عليها بعد نشأة النزاع مبدأ كرسته المعاهدات الدولية المتصلة بالتحكيم وأيضاً التشريعات الوطنية بهذا الموضوع.
1- المعاهدات الدولية
كرست المعاهدات الدولية مبدأ عدم اختصاص المحاكم الوطنية بنظر المنازعات المتفق بشأنها على التحكيم، وذلك ابتداء من بروتوكول جنيف ۱۹۲۳، حيث نصت المادة ٤ فقرة واحد منه على هذا المبدأ.
كذلك فإن معاهدة نيويورك الموقعة عام ١٩٥٨ في المادة الثانية فقرة ٣ تبنت المبدأ السابق. إذ نصت في المادة المذكورة على أنه على محكمة الدولة المتعاقدة التي يُطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق من الأطراف بالمعنى الوارد في هذه المادة أن تحيل الخصوم بناءً على طلب أحدهم إلى التحكيم وذلك ما لم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل ولا أثر له أو غير قابل للتطبيق.
كذلك فإن معاهدة جنيف عام ۱۹٦١ تبنت بشكل غير مباشر مبدأ عدم اختصاص القضاء الوطني في حالة وجود اتفاق على التحكيم إذ تنص المعاهدة في المادة ٦ فقرة ٣ على أنه " في حالة الالتجاء السابق إلى أي قضاء وطني، والشروع في اتخاذ إجراءات التحكيم فإن المحاكم القضائية في الدول المتعاقدة، والتي عُهد إليها بالمنازعة المنصبة على ذات الموضوع المعروض على قضاء التحكيم وبين ذات الأطراف، أن تتوقف عن الفصل في الموضوع الخاضع لاختصاص المحاكم، إلا لأسباب خطيرة، وذلك حتى يتم صدور حكم التحكيم".
والواقع أن هذا النص يعيبه أنه لا يواجه إلا الحالة التي تكون فيها إجراءات التحكيم قد شُرع في اتخاذها، بينما أن ذات القاعدة يتعين إعمالها حتى في حالة عدم الشروع في هذه الإجراءات طالما كان هناك اتفاق على التحكيم، وذلك من أجل تحاشي المنافسة بين اختصاص الجهات الوطنية والمحكم.
التشريعات الوطنية بشأن التحكيم
تعترف الغالبية العظمى من التشريعات الحديثة المعنية بتنظيم اتفاق التحكيم بمبدأ عدم اختصاص القضاء التابع للدول بنظر المنازعة محل التحكيم.
وتنص المادة ١٣ من القانون المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية على أنه "يجب على المحكمة التي يُرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى".
ويبدو من النص المتقدم أن حق المدعى عليه في الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود اتفاق على التحكيم بشأن المنازعة المعروضة على القضاء المصري يسقط في حالة إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى، إذ يعد تقديم المدعى عليه لأي طلب أو إبدائه لأي دفاع بمثابة تنازل عن اتفاق التحكيم وقبول الخضوع لاختصاص القضاء الوطني بشأن المنازعة المتفق بشأنها على التحكيم.
والواقع أن الحل الذي أتى به المشرع المصري يستند إلى الطبيعة الاتفاقية للتحكيم. فالتحكيم يستند بطبيعته على إرادة الأطراف، التي تختار هذا الطريق لحل المنازعات الناشئة بينهم. فللأطراف بناء على اتفاقهم إمكانية عدم الالتجاء إلى قضاء الدولة والتنازل عن رفع دعواهم أمامه. وهذا التنازل قد يكون صريحاً أو ضمنياً.
وهذا هو السبب في أن القاضي المطروح أمامه النزاع المتفق بشأنه على التحكيم لا يمكن أن يثير الدفع بعدم الاختصاص من تلقاء نفسه استناداً إلى وجود هذا الشرط.
فالمدعي عندما يقوم بإعلان المتعاقد معه للمثول أمام قضاء الدولة يتنازل عن الميزة التي يخولها إياه اتفاق التحكيم.
ومثول المدعى عليه أمام قضاء الدولة، دون إثارته للدفع بعدم اختصاص هذا القضاء يعد أيضاً قبول من المدعى عليه لاختصاص هذا القضاء.
وهذا الاتفاق في إرادة كل من المدعي والمدعى عليه يفرض على القاضي كما يفرض أي اتفاق آخر أياً كان شكله.
والحل المتقدم هو الذي كرسته المادة ١٣ فقرة ١ من قانون التحكيم المصري على نحو ما أشرنا إليه سابقاً.
ولقد حرصت الفقرة ٢ من المادة ۱۳ على تأكيد أن رفع الدعوى المشار إليه في الفقرة الأولى من نفس المادة لا يحول دون البدء في إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها وإصدار حكم التحكيم.
كذلك فإن المادة ٨ من قانون التحكيم النموذجي الذي أعدته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي تنص على أن:
(1 - على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى في مسألة أبرم بشأنها اتفاق تحكيم، أن تحيل الطرفين إلى التحكيم، إذا طلب منها ذلك أحد الطرفين في موعد أقصاه تاريخ تقديم بيانه الأول في موضوع النزاع، ما لم يتضح لها أن الاتفاق باطل ولاغ أو عديم الأثر ولا يمكن تنفيذه.
2- إذا رفعت دعوى مما أشير إليه في الفقرة (۱) من هذه المادة، فيجوز ذلك البدء أو الاستمرار في إجراءات التحكيم، ويجوز أن يصدر قرار تحكيم مع والدعوى لا تزال منظورة أمام المحكمة).
الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم اختصاص المحاكم الوطنية بنظر المنازعات المتفق بشأنها على التحكيم
على الرغم من أن القاعدة العامة التي تحكم مسلك القضاء الوطني فيما يتعلق بالمنازعات الخاصة الدولية المتفق بشأنها على التحكيم، تتلخص في عدم اختصاص هذا القضاء بالفصل في هذه المنازعات، إلا أن هذه القاعدة العامة ترد عليها بعض القيود والاستثناءات:
أبرزها انعقاد الاختصاص للمحاكم الوطنية بشأن اتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية المتصلة بالمنازعات المتفق بشأنها على التحكيم تدخل القضاء الوطني من أجل تكوين محكمة التحكيم في حالة تعذر تشكيلها، وأخيراً الرقابة التي تباشر من قبل القضاء الوطني على حكم التحكيم سواء كانت هذه الرقابة من خلال الطعن بالبطلان على حكم التحكيم، أو في إطار دعوى الأمر بالتنفيذ.
ولقد حرص المشرع المصري في القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ على تأكيد اختصاص القضاء المصري على الرغم من وجود اتفاق على التحكيم بشأن العديد من المسائل.
فعلى سبيل المثال، نص في المادة ١٧ على تدخل القضاء المصري بناء على طلب أحد طرفي التحكيم من أجل حل المشاكل المتعلقة بتشكيل هيئة التحكيم"
كذلك، تنص المادة ٢٠ قانون التحكيم على أنه: (إذا تعذر على من المحكم أداء مهمته أو لم يباشرها أو انقطع عن أدائها بما يؤدي إلى تأخير لا مبرر له في إجراءات التحكيم ولم يتنح ولم يتفق الطرفان على عزله، جاز للمحكمة المشار إليها في المادة (۹) من هذا القانون الأمر بإنهاء مهمته بناء على طلب أي من الطرفين).
وإلى جانب هذه الصور التي تشكل نوعاً من المساعدة من قبل القضاء المصري لنظام التحكيم في الفترة السابقة على قيام هيئة التحكيم بأداء وظيفتها فإن القضاء المصري يتدخل أيضاً أثناء قيام هيئة التحكيم بأداء وظيفتها في صور الأمر باتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية على نحو ما نصت عليه المادة ١٤ من قانون التحكيم.
كذلك، فإن القضاء المصري يقوم بنوع من الرقابة اللاحقة على صدور حكم التحكيم في صورتين هامتين عالجهما المشرع المصري، الأولى هي صورة الطعن بالبطلان على حكم التحكيم، والأخرى تتعلق بحالة إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم. وهما الصورتان اللتان سوف نعالجهما في إطار معالجتنا لحكم التحكيم.