اتفاق التحكيم / الأثر السلبي - عدم اختصاص محاكم الدولة بالفصل في النزاع الذي تم بشأنه الاتفاق على التحكيم / الكتب / التحكيم التجاري دراسة قانونية مقارنة / اتفاق التحكيم والمحاكم
حيث تقضي المادة (۸ / ۱) من القانون النموذجي للتحكيم بأن "على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى في مسألة أبرم بشأنها اتفاق تحكيم أن تحيل الطرفين إلى التحكيم، إذا طلب منها ذلك أحد الطرفين في موعد أقصاه تاريخ تقديم بيانه الأول في موضوع النزاع، ما لم يتضح لها أن الاتفاق باطل أو لاغ أو عديم الأثر أو لا يمكن تنفيذه."
ويتبين أن المادة (۱/۸) من القانون النموذجي تفرض التزاماً على المحكمة المختصة بأن تحيل الطرفين إلى التحكيم إذا قدم إلى المحكمة طلب بشأن نفس الموضوع، ما لم يتضح لها أن اتفاق التحكيم باطل أو لاغ أو عديم الأثر أو لا يمكن تنفيذه، ويجوز لأي طرف أن يقدم ذلك الطلب في موعد أقصاه تاريخ تقديم بيانه الأول في موضوع النزاع .
وتقضي المادة (۱۳ / ۱ /۲) من قانون التحكيم المصري بالآتي:
1 - "يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى .
2- ولا يحول رفع الدعوى المشار إليها في الفقرة السابقة دون البدء في إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها أو إصدار حكم التحكيم ".
وتقضي المادة ( ۱۲ ) من القانون الأردني للتحكيم بما يلي:
أ- "على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم برد الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل الدخول في أساس الدعوى.
ب- ولا يحول رفع الدعوى المشار إليها في الفقرة (أ) من هذه المادة دون البدء في إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها أو إصدار حكم التحكيم ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك".
والمادة ( ١٠ / ج) من نفس القانون تنص على الآتي: ج- "إذا تم الاتفاق على التحكيم أثناء نظر النزاع من قبل المحكمة، فعل المحكمة أن تقرر إحالة النزاع إلى التحكيم، ويعد هذا القرار بمثابة اتفاق تحكيم مكتوب .
وتقضي المادة الحادية عشرة من نظام التحكيم السعودي بما يلي:
" يجب على المحكمة التي يُرفع إليها نزاع يوجد في شأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم جواز نظر الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل أي طلب أو دفاع في الدعوى.
لا يحول رفع الدعوى المشار إليها في الفقرة السابقة دون البدء في إجراءات التحكيم، أو الاستمرار فيها، أو إصدار حكم التحكيم".
وجاء في المادة الثانية عشرة من نفس النظام "..... إذا تم الاتفاق على التحكيم أثناء نظر النزاع أمام المحكمة المختصة، وجب عليها أن تقرر إحالة النزاع إلى التحكيم ".
وتقضي المادة (۱۹) من القانون اليمني للتحكيم بما يلي" على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى متعلقة بخلاف أو نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحيل الخصوم إلى التحكيم ما عدا الحالات الآتية:
أ - إذا تبين للمحكمة أن اتفاق التحكيم باطل أو لاغ أو لا يشمل النزاع المطروح أمامها.
ب - إذا تابع الطرفان إجراءات التقاضي أمام المحكمة فيعتبر اتفاق التحكيم كأن لم يكن".
وتقضي المادة ( (١٠) من القانون السوري للتحكيم بالأن: ١- يجب على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى في مسألة أبرم بشأنها اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى ما لم يتبين لها أن الاتفاق باطل أو لاغ أو عديم أو لا يمكن تنفيذه. 2. لا يحول رفع الدعوى المشار إليها في الفقرة السابقة دون البدء في إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها أو إصدار حكم التحكيم.
وتقضي المادة (7) من قانون التحكيم العراقي بالأتي أولاً- للمحكمة التي ترفع أمامها دعوى في نزاع أبرم بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى، إذا دفع المدعى عليه بالتمسك بهذا الاتفاق قبل إبدائه أي طلب أو دفع في الدعوى، ما لم يكن الاتفاق باطلاً أو لاغياً أو عديم الأثر أو لا يمكن تنفيذه.
ثانياً: لا يحول رفع الدعوى المنصوص عليها في (أولاً) من هذه المادة دون البدء بإجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها أو إصدار قرار التحكيم.
نلاحظ أن القوانين محل الدراسة تلتقي في الوجوب على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى في نزاع أبرم بشأنه اتفاق تحكيم إحالة النزاع إلى التحكيم شريطة أن يطلب المدعى عليه من المحكمة إحالة النزاع للتحكيم قبل تقديم أي طلب أو دفاع في الدعوى.
ويفهم من ذلك أن هذه القوانين تكرس مبدأ قانونياً هاماً وهو عدم اختصاص المحاكم الوطنية بالمنازعات المتفق بشأنها على التحكيم حتى وإن تم هذا الاتفاق أثناء نظر النزاع أمام القضاء. وهو ما يسمى بالأثر المانع لاتفاق التحكيم.
أما أوجه الاختلاف في هذه القوانين نلاحظه في أن قوانين كل من مصر والسعودية والأردن وسوريا والعراق قد نصت بأنه لا يحول رفع الدعوى المشار إليها في الفقرة السابقة دون البدء في إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها أو إصدار حكم التحكيم، أما القانون النموذجي ومعه القانون اليمني فلم يتضمنا مثل هذا النصر أسرة بالقوانين الأخرى.
من جانب آخر تلاحظ أن قوانين سوريا والعراق واليمن بالإضافة إلى القانون النموذجي قد منحت المحكمة الحق في التحقق من صحة وفعالية اتفاق التحكيم قبل أن تقرر رفض الدعوى وإحالة الطرفين إلى التحكيم، وفي هذه الحالة إذا اتضح للمحكمة أن الاتفاق " باطل أو لاغ أو عديم الأثر أو لا يمكن تنفيذه " فإن عليها المضي بإجراءاتها وعدم إحالة النزاع للتحكيم. أما قوانين مصر والسعودية والأردن فلم تعطى هذا الاختصاص للمحكمة وأسندته لهيئة التحكيم إعمالا لمبدا الاختصاص بالاختصاص .
بالتالي، ليست المحكمة مختصة للتأكد من صحة وفعالية الشرط التحكيمي، حيث منحت هذه القوانين هيئة التحكيم سلطة الفصل في جميع الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق التحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله الموضوع النزاع، لكن هذا لا يعني بأن المحكمة لن تمارس دورها الرقابي وتحكم من تلقاء نفسها ببطلان اتفاق التحكيم إذا كان موضوعه يخالف النظام العام.
الاجتهاد القضائي وآثار الاتفاق :
وبالمقابل نجد أن الاجتهاد القضائي في الدول العربية قد ساير هذه الأحكام في قوانين التحكيم، ومن ذلك نشير إلى اللآتي:
في تونس: قضي بأن" لمبدأ اختصاص المحكم بيت اختصاصه قبل القضاء العدلي حدود. ويجوز للقاضي النظر في اختصاصه رغماً عن وجود اتفاق تحكيم إذا اتضح له أن الاتفاقية باطلة أو عديمة الأثر أو لا يمكن تنفيذها، وذلك إذا ما رفعت أمامه دعوي في مسألة أبرمت بشأنها اتفاقية تحكيم " .
وفي الأردن قالت محكمة التمييز الأردنية إن من واجبات المحكمة رد الدعوى التي يوجد بشأنها اتفاق تحكيم إذا ثبت لديها أن هناك اتفاق تحكيم بخصوص موضوع هذه الدعوى بمجرد إثارة هذا الدفع قبل الدخول في الأساس، وأن الاتفاق على إحالة النزاع أو الخلاف على التحكيم وفقاً لإرادة الفريقين لا يخالف النظام العام.
وفي حكم آخر قالت هذه المحكمة " إن من واجبات المحكمة وبمجرد إثارة الدفع بالتحكيم قبل الدخول في أساس الدعوى التي يوجد بشأنها اتفاق تحكيم إذا أُثبت لديها أن هناك اتفاق تحكيم بخصوص موضوع هذه الدعوى أن تحكم برد الدعوى ". وقضت هذه المحكمة أيضاً بأن " الاتفاق على التحكيم يعني تنازل طرفي النزاع عن اللجوء إلى القضاء واتفاقهما على اللجوء إلى التحكيم لبت أي نزاع يقوم بينهما وهذا اتفاق جائز غير ممنوع في القانون ولا يخالف النظام العام" .
وفي تونس قضت محكمة التمييز بأن التمسك بالشرط التحكيمي قبل الخوض في الأصل يجعل المحكمة غير مختصة بالنظر حكمياً ومخالفتها لذلك يشكل مساساً بالنظام العام".
وفي قطر قالت محكمة الاستئناف" لا يحتوي اتفاق التحكيم على نزع اختصاص المحاكم القطرية ولكنه يمنعها من سماع الدعوى ما دام شرط التحكيم قائماً وأنه يجوز للمتعاقدين الالتجاء للتحكيم للنظر في ما قد ينشأ بينهم من نزاع كانت تختص به محاکم قطر أصلاً " .
وفي المغرب قضت المحكمة التجارية بأن "الالتزامات المنشأة على وجه صحيح تلزم المتعاقدين ولا يجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا باتفاق الطرفين لجوء الطرفين إلى القضاء يعتبر تنازلا عن شرط التحكيم ".
وفي الكويت قضت محكمة التمييز الكويتية بأن " المحاكم لا تختص بنظر المنازعات التي اتفق على التحكيم بشأنها ".
وفي سوريا قضي بأن " التحكيم عقد رضائي يقوم على سلطان الإرادة. ولا يمتد أثر الشرط التحكيمي إلى الغير ".
وخلاصة القول، أنه يترتب على اتفاق التحكيم - أياً كانت صورته –
أثران هامان: الأول/ أثر إيجابي وهو الحق في لجوء الأطراف إلى التحكيم، والثاني/ أثر سلبي يرتبط بالاختصاص القضائي، متى تم رفع دعوى أمام القضاء في موضوع نزاع يتضمن شرط تحكيم، حيث يحق للطرف الثاني أن يدفع بوجود شرط التحكيم ويتمسك به.
على أنه لابد من التأكيد أن الدفع بعدم اختصاص المحكمة بسبب وجود اتفاق التحكيم، لا يعتبر دفعاً مطلقاً، أي أنه يتعين على من له مصلحة فيه أن يثيره في الجلسة الأولى أو قبل أي دفاع أو طلب في موضوع الدعوى.
وأن عدم إثارة اتفاق التحكيم من قبل الأطراف أمام المحكمة قد يعني تنازلاً منهم عن تنفيذ هذا الاتفاق، وأنه لا يجوز للمحكمة أن تثير اتفاق التحكيم من تلقاء نفسها لأن هذا الاتفاق ليس من النظام العام.