اتفاق التحكيم / الأثر السلبي - عدم اختصاص محاكم الدولة بالفصل في النزاع الذي تم بشأنه الاتفاق على التحكيم / الكتب / اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية / لقانونية الناشئة عن اتفاق التحكيم متعدد الأطراف
ايثير اتفاق التحكيم الدولي متعدد الأطراف وعلى خلاف اتفاق التحكيم الثنائی صعوبات كثيرة، يكمن أغلبها في مرحلة الإجراءات؛ أي قبل تسوية النزاع الموضوعي. . ومن هذه الصعوبات: تشكيل هيئة التحكيم، وتعدد التحكيمات. وسوف نتناول هاتين المسألتين بشئ من التفصيل. . أولا: تشكيل هيئة التحكيم: (Composation du tribunal arbitral)
۲۸۰- تنشأ الصعوبة في تشكيل هيئة التحكيم في الاتفاق متعدد الأطراف من عدم التناسب بين عدد المحكمين المحددين به وعدد أطراف النزاع. فالغالب أن يأتي شرط التحكيم لتحديد ثلاثة محكمين بما فيهم المحكم الرئيسي أو المحكم المرجح (Préponderant) في حين يصل عدد أطراف النزاع إلى ثلاثة فأكثر، يتمسك كل منهم بتعيين محكم خاص به. ولاتحدث صعوبة إذا أمكننا تقسيم أطراف النزاع إلى فريقين تتحد مصالح كل منهماوقد جاء في حكم التحكيم « أن الاتفاق الوارد بين الأطراف الثلاثة بحوا يخضعون لإجراءات تحكيم موحدة، وإذا كان من حق كل طرف أن يقو بتعيين محكم خاص به، إلا أن ذلك ليس حقا مطلقا وإنما ترد عليه استثناءات مقبولة، كالتنازل الضمني من قبل الأطراف». واستطرد الحكم قائلا : إن لفظ الطرفين الوارد في المادة 24من لائحة غرفة التجارة الدولية بباريس يقصد به كل من المدعي و المدعى عليه وإن تعدد كل منهما، مما يصبح معه تشكيل هيئة التحكيم على هذا النحو صحيحة وفقا للمادة المذكورة. طعن المدعى عليهما في حكم التحكيم أمام محكمة استئناف باريس، من قانون المرافعات الفرنسي، وهي المادة التي تجيز الطعن في أحكام التحكيم لأسباب تتعلق بعدم صحة تشكيل هيئة التحكيم، أو إذا كان القرار مخالفا للنظام العام الدولى.) وقد أوضحت الشركتان المستأنفتان توافر هذين السببين بقولهما: إن تشكيل هيئة التحكيم لم يأخذ في الاعتبار كونهما شركتان لهما مصالح متميزة (Des Intérets Distincts)، وأن التزاماتهما التعاقدية جاءت مختلفة في اتفاق(Consortium)، بما ينفي وجود أية رابطة إتحاد بينهما تبرر هذا التشكيل، وبالتالي فهو قد أغفل مبدأ المساواة بين المترافعين واحترام قوة الدفاع، مما يجعل القرار الصادر في هذا الشأن مخالفا للنظام العام الحولی. رفضت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في 5 من مايو ۱۹۸۹، إلغاء حكم التحكيم مؤيدة صحة تشكيل هيئة التحكيم على نحو ماورات عليه. وقد جاء في حيثيات الحكم « إن اتفاق التحكيم الوارد في العقد، الذي يربط بين الشركات الثلاث يبين منه دون لبس الإرادة المشتركة للأطراف في أن تخضع لمحكمة تحكيم مكونة من ثلاثة محكمين عن كافة المنازعات التي تنشأ بينهم ولما كان تشكيل هيئة التحكيم قد تم على هذا النحو، فإنه يكون قد جاء صحيحا طبقا لاتفاق الأطراف وقواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية وقد أكد الحكم: أن مبدأ المساواة بين الأطراف في تشكيل هيئة التحكيم لم يتم إنكاره، حيث ورد شرط التحكيم بين أطراف لهم مصلحة مشتركة الأمر الذي كان يجب معه أن يلتزم اثنان منهم باختيار محكم واحد، يكون محل ثقتهم المشتركة حتى يتم الربط بينهم بقضاء موحد، وبذلك لايكون الحكم قد أخل بالحقوق الأساسية للأطراف فيما يتعلق بالمساواة بين المترافعين وحقوق الدفاع، وهو ماينفي عنه بالتالى مخالفته لأى مبدأ يتعلق بالنظام العام الدولي وعلى أثر الطعن بالنقض في هذا الحكم، ألغت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في 7 من يناير ۱۹۹۲ حكم استئناف باريس، على أساس مخالفته لمبدأ المساواة بين الأطراف في تعيين المحكمين، وهو مبدأ من النظام العام لايجوز التنازل عنه إلا بعد نشوء النزاع. وبعبارة الحكم:
"Le principe de l'égalité des parties dans la désignation des arbitres est d'ordre public qu'on ne peut y renoncer qu'aprés la naissance du litige)
وهكذا يتبين من الدعوى السابقة أن الخلاف حول تشكيل هيئة التحكيم في الاتفاق متعدد الأطراف لم يكن خلافا بين قضاء الدولة وقضاء التحكيم فحسب، وإنما كان خلافا بين قضاء الدولة نفسه. ولانعتقد أن حكم النقض الفرنسي حينما قضى بإلغاء حكم استئناف باريس قد قدم الناحلا لمشكلة تشكيل هيئة التحكيم في الاتفاق متعدد
الأطراف، بل على العكس ربما يكون قد زاد من صعوبة هذه المشكلة. لذا كان من الضروري أن نبحث عن الحلول التي تيسر السبيل أمام قضاء التحكيم حسما لهذه المشكلة، غير أننا سوف نرجی عرض هذه الحلول ومناقشتها إلى المبحث القادم، حتى يتسنى لنا عرض المشكلة الثانية التي يواجهها اتفاق التحكيم متعدد الأطراف. ثانيا: تعدد التحكيمات:
۲۸۸- المشكلة الثانية التي يثيرها اتفاق التحكيم متعدد الأطراف هي تعدد التحكيمات. ويقصد بذلك أن تختص أكثر من هيئة تحكيم بنظر النزاع الناشئ بين أطراف الاتفاق، سواء حدث ذلك داخل نفس مؤسسة التحكيم (مثل غرفة التجارة الدولية)، أو بين مؤسستين مختلفتين (مثل: جمعية التحكيم الأمريكية ومحكمة لندن للتحكيم الدولى). والمشكلة الناتجة عن هذا التعدد هو احتمال تعارض الأحكام الصادرة من كل من الهيئتين، خذ مثلا: النزاع بين أطراف عقود الإنشاءات الدولية فقد تنظر هيئة التحكيم (أ) النزاع بين رب العمل والمهندس المعماري، وتنظر هيئة التحكيم (ب) النزاع بين المهندس المعماري والمقاول، فإذا صدر حكم التحكيم الأول بإدانة المهندس المعماري لوجود خطأ في تصميم البناء (Defaut de construction)، بينما صدر حكم التحكيم الثاني بإدانة المقاول لوجود خطأ في الصنعة (Malfagon)، فلا شك أن التعارض بين هذين الحكمين يؤدي إلى صعوبة تنفيذ أي منهما. وإذا كان ضم التحكيمات قد يبدو هو الحل المناسب لمنع التعارض في الأحكام، فإن هذا الحل تعترضه صعوبات كثيرة خاصة بالنسبة للتحكيمات التي تجري بين مؤسستين مختلفتين. وسوف نعرض لحالة عملية
حديثة تجسد هذا النوع من التعدد: وهي دعوى شركة (SOFIDIF. دعوى شركة (SOFIDIF) كنموذج لمشكلة تعدد التحكيمات:
۲۸۹- وتتخلص وقائع هذه الدعوى في اتفاق الحكومتين الفرنسية والإيرانية على توقيع بروتوكول للتعاون بينهما في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وذلك في ۲۷ من يونيه 1974. ولتحقيق هذا المشروع، تعددت الأطراف المشاركة في تنفيذه حتى وصل عددها إلى سبعة أطراف رئيسية، بعضها ينتمى لأشخاص القانون العام، والبعض الآخر ينتمى لأشخاص القانون الخاص. . وكانت جملة العقود التي تم إبرامها في هذا الشأن ستة عقود، تتضمن بعضها شرط تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس، والبعض الآخر شرط تحكيم غرفة التجارة الدولية بجنيف. وبيان هذه العقود كالتالي:
. - عقد أول: مؤرخ في ۲۳ فبراير ۱۹۷۰ بين هيئة الطاقة الذرية بفرنسا (CE A) ومثيلتها بإيران (OEAI) ، يهدف إلى إنشاء شركة مشتركة بين الطرفين تحت اسم (SOFIDIF)، تساهم فيها الشركة الفرنسية بنسبة ٪۹۰ والشركة الإيرانية بنسبة . 4٪ بغرض العمل في استغلال اليورانيوم وقد تضمن هذا العقد شرط تحكيم وفقا لقواعد غرفة التجارة الدولية. - عقد ثان : بنفس التاريخ، وموضوعه قرض مقدم من الحكومة الإيرانية إلى هيئة الطاقة الذرية بفرنسا قدره مليار دولار يدفع على ثلاث مراحل وقد تضمن هذا العقد شرط تحكيم غرفة التجارة الدولية بجنيف.
و ثالث: مؤرخ في ۱۳ من نوفمبر 1975 بين الشركة المشتركة SOFIDI) وشركة (EURODIF) الفرنسية، يتضمن تغريد الشركة الأخيرة نحو ۲۰٪ من إنتاجها من اليورانيوم للشركة المشتركة، وقد تضمن هذا العقد شرط تحکیم غرفة التجارة الدولية بجنيف.
عقد رابع: بنفس التاريخ السابق، بين هيئة الطاقة الذرية بإيران مع كل من شركة (SOFIDIF)، وشركة SERU)، وذلك لوضع العقد السابق الموضع التنفيذ، وقد تضمن هذا العقد شرط تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس. . - عقد خامس: مؤرخ في ۲6 من إبريل ۱۹۷۸ كملحق العقد السابق، تم بمقتضاه نقل حقوق الشركة الوليدة (SERU) لشركة (COGEMA)، كما قامت هيئة الطاقة الذرية بإيران بنقل حقوقها الهيئة الاستثمار والمساعدة الاقتصادية والفنية الإيرانية (OTAETI)، ولم يتضمن هذا العقد أي شرط للتحكيم. - عقد سادس: مؤرخ في 7 من يوليه ۱۹۷۷ وموضوعه قرض تكمیلی من الحكومة الإيرانية إلى شركة (EURODIF) بنحو 454 مليون فرنك فرنسي، وقد تضمن هذا العقد شرط تحكيم غرفة التجارة الدولية بجنيف. وعلى أثر اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام ۱۹۷۸، قام الطرف الإيراني بإلغاء كافة العقود المبرمة والمشروع بأكمله في ۲۲ من يوليه ۱۹۷۹، فما كان من الشركات الفرنسية) إلا أن لجأت إلى التحكيم أمام غرفة التجارة الدولية بباريس مطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقتها من جراء إلغاء المشروع.
نارع الطرف الإيراني في اختصاص هيئة التحكيم على أساس أن هناك بعضا من الأطراف المدعية ترتبط معه بشروط تحكيم أخرى، ومن ثم لا يمكن أن تتخذ إجراءات تحکیم موحدة أمام غرفة التجارة الدولية بباريس. صدر حكم التحكيم في ۲۰ من إبريل ۱۹۸۵ مقررا اختصاص هيئة التحكيم وحدها بنظر النزاع، على أساس أن شروط التحكيم التي وردت شرط تحكيم غرفة التجارة الدولية - شرط تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس - شرط تحكيم غرفة التجارة الدولية بجنيف) هي شروط تكمل بعضها البعض، وقضت في الموضوع بإلزام الطرف الإيراني هيئة الاستثمار والمساعدة الاقتصادية والفنية) بتعويض الشركات الفرنسية عن الخسارة التي لحقتها من جراء فسخ العقود من جانب واحد، وقررت ندب خبير لتقدير التعويض.) طعن الطرف الإيراني في حكم التحكيم أمام محكمة استئناف باريس على أساس أن هيئة التحكيم لم تكن مختصة بنظر كافة العقود محل تنفيذ المشروع، حيث إن بعضها. قد تضمن شروط تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس والبعض الآخر قد تضمن غرفة التجارة الدولية بجنيف. وبتاريخ 19 من ديسمبر 1986، أصدرت محكمة استئناف باريس حكما يقضي بقبول الطعن وبإلغاء حكم التحكيم على أساس أن هيئة التحكيم لم تكن مختصة بنظر كافة العقود، وقد جاء في حيثيات الحكم: «إن محكمةالتحكيم كان يجب عليها أن تقضي باختصاصها بالنظر إلى كل عقد على حدة.
"Le tribunal arbitral se devait de juger de sa competence contrat par contrat".
حكم التحكيم مرة أخرى مقررة أن محكمة التحكيم لم تكن مختصية بنظر النزاع في مجمله في ظل وجود شروط تحكيم مختلفة، وأنها لم يكن لها أن تقضي بتحكيم موحد (Arbitrage unique) بدون الإرادة الصريحة أو الضمنية للأطراف، وقد اعتبرت محكمة فرسای أن محكمة التحكيم بذلك قد خالفت المادة 1502 من قانون المرافعات الفرنسي، والتي تقضي ببطلان حكم التحكيم إذا تم الفصل في النزاع بدون اتفاق تحكيم يقول الحكم الصادر من محكمة استئناف
"Considérant que les deux clauses compromissoires retenues par le tribunal arbitral et invoquées par les parties demanderesses, ne sont pas uniformes (...) qu'en conséquence, en l'absence, d'une part, d'une volonté commune des parties contractantes, explicite ou implicite de lier entre elles les clauses compromissoires du protocole et de l'accord et en présence, d'autre part, d'une clause compromissoire du contrat d'enlèvement incompatible avec celle du protocole et manifestant une volonté différente, le tribunal ne pouvait se prononcer pour un arbitrage unique et sa sentence encourt également de ce chef la nullité par l'application combinée des articles 1502/1 et 1504 du nouveau code de procédure civile".
وهكذا يتضح من جديد اختلاف قضاء الدولة وقضاء التحكيم في مسألة أخرى يثيرها اتفاق التحكيم متعدد الأطراف وهی تعدد التحكيمات. فعلى حين ينظر قضاء التحكيم إلى أن إدماجها يكون واجبا، يعارض قضاء الدولة ذلك على أساس عدم وجود إرادة صريحة أو ضمنية من الأطراف على تحقيق هذا .