اتفاق التحكيم / الأثر السلبي - عدم اختصاص محاكم الدولة بالفصل في النزاع الذي تم بشأنه الاتفاق على التحكيم / الكتب / اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية / عدم اختصاص قضاء الدولة بنظر النزاع الموضوعى
الأثر السلبى لمبدأ الاختصاص بالاختصاص يلزم قضاء الدولة بألا يتدخل في تقرير مسألة اختصاص قضاء التحكيم باختصاصه، فإن هناك أثرا آخر يرتبه اتفاق التحكيم الدولى نفسه وهو: امتناع قضاء الدولة عن الفصل في النزاع الموضوعي
وعلى ذلك، فالنزاع الذي يطرح على قضاء الدولة لا يخلو من أحد فرضين:
الفرض الأول : أن يتعلق النزاع بشأن اتفاق التحكيم الدولى نفسه، وهنا يتعين على قضاء الدولة أن يمتنع عن بحث صحة الاتفاق، تاركا ذلك الأمر لقضاء التحكيم وفقا لمبدأ الاختصاص بالاختصاص.
الفرض الثاني: أن يتعلق النزاع بالعقد الوارد بشأنه اتفاق التحكيم؛ أي النزاع الموضوعي، وهنا يتعين على قضاء الدولة أن يمتنع عن الاختصاص بنظر هذا النزاع أيضا، وفقا للأثر السلبي الملزم لاتفاق التحكيم الدولي.
وقد سبق أن تناولنا الفرض الأول بالمبحث السابق ، لذلك سوف نقتصر هنا على بيان الفرض الأخير بشئ من التفصيل.
أساس عدم اختصاص قضاء الدولة بنظر النزاع الموضوعى
يعد بروتوكول جنيف الصادر في عام ١٩٢٣ أول من نص على عدم اختصاص قضاء الدولة بنظر النزاع الناشئ عن عقد وارد بشأنه شرط تحكيم أو مشارطة ( م ١/٤) ، ثم جاءت اتفاقية نيويورك لتقرر نفس الحكم فى المادة ٣/٢ ، حيث ألزمت محاكم الدول المتعاقدة التي يطرح نزاع أمامها حول موضوع أبرم بشأنه اتفاق تحكيم بأن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم إلى التحكيم، كذلك قررت الاتفاقية الأوربية هذا الحكم (م (٣/٦) كما نص عليه القانون النموذجي (م ۱/۸)، وأغلب التشريعات المقارنة.
وكان القضاء الإنجليزى قبل انضمام إنجلترا لاتفاقية نيويورك عام ١٩٧٥ ، يتمتع بسلطة تقديرية بالنسبة لعدم اختصاصه بنظر النزاع الوارد بشأنه اتفاق التحكيم، إذ كان يستطيع إذا توافرت له أسباب قوية أن يحكم باختصاصه بنظر النزاع، وعدم الالتفات إلى اتفاق التحكيم. ونستطيع أن نتلمس ذلك على سبيل المثال فى دعوى (Fehrman)، وهي شركة إنجليزية كانت قد تعاقدت على شحن بضاعة لها من ميناء بحرى سوفيتي إلى إحدى الموانئ الإنجليزية، ويسبب تلف أصاب البضاعة اثناء الرحلة البحرية قامت الشركة المذكورة باللجوء إلى القضاء الإنجليزي الذي أعلن اختصاصه بنظر النزاع رغم أن سند شحن البضاعة كان يتضمن شرط تحكيم غرفة التجارة البحرية بالاتحاد السوفيتي.
ملاحظات حول شروط التزام قضاء الدولة بالإعلان عن عدم الاختصاص:
وهكذا فقد أصبح واجبا على قضاء الدولة، عندما يطرح نزاع أمامه وارد بشأنه اتفاق التحكيم أن يعلن عدم اختصاصه بنظر هذا النزاع، بل ويحيل الأطراف المتنازعة إلى التحكيم.
غير أن الملاحظ أن اتفاقية نيويورك وبعض التشريعات المقارنة تشترط حتى يعلن قضاء الدولة عدم اختصاصه بنظر النزاع أن يكون اتفاق التحكيم قد ورد في الأصل صحيحا، وأن يتمسك به أحد الأطراف.
ولنا على هذين الشرطين الملاحظات الآتية:
1- إنه وفقا لمبدأ الاختصاص بالاختصاص، يمتنع على قضاء الدولة أن يقرر شيئا يخص اتفاق التحكيم، حتى ولو كان فى ظاهره البطلان ومن ثم يجب إعلان عدم اختصاصه عند تمسك أحد الأطراف ببطلان الاتفاق.
وقد يعترض على ذلك، بأنه لا فائدة من طرح النزاع على التحكيم وقد تبين للمحكمة بطلان الاتفاق مما يضيع معه الوقت في إحالة النزاع إلى التحكيم ثم عودته مرة أخرى إلى قضاء الدولة.
ورغم وجاهة هذا الاعتراض، إلا أنه يحمل مصادرة على المطلوب، فالهدف الذي نرمى إليه من امتناع قضاء الدولة هو عدم التعدى على اختصاص قضاء التحكيم، الذي له وحده تقرير مسألة اختصاصه.
وليس في إعمال ذلك كما يتصور البعض إهدارا للوقت، إذ يستطيع قضاء التحكيم إذا تبين له أن الفصل في النزاع الموضوعي سوف يستغرق وقتا طويلا أن يحسم مسألة اختصاصه في حكم تمهيدي .
2- إنه يكفى أن يدعى أحد الأطراف بطلان اتفاق التحكيم أمام قضاء الدولة حتى يتحلل من التزامه باللجوء إلى التحكيم، لا سيما إذا كانت الدولة التي ينظر قضاؤها هذا النزاع تتخذ من التحكيم التجارى الدولى موقفا عدائيا، إذ سوف يتم تفسير الاتفاق على نحو يؤدى إلى بطلانه ، بينما يختلف الأمر إذا أعلن القضاء عدم اختصاصه، وأحال الأطراف إلى التحكيم، حيث لن يكون لهذا الادعاء من أثر على مواصلة هيئة التحكيم لاختصاصها بنظر النزاع.
3- إن القانون النموذجي للتحكيم وقد أعطى لقضاء الدولة الحق في عدم إحالة الأطراف إلى التحكيم إذا تبين له أن الاتفاق كان باطلا، أو لاغيا أو عديم الأثر، أو لا يمكن تنفيذه (م۱/۸) قد عاد وأكد على أن ذلك لا يمنع البدء أو الاستمرار في إجراءات التحكيم (م ۲/۸)، مما يؤكد على عدم سلب قضاء التحكيم لولايته في تقرير مسألة اختصاصه.
4- إن الرقابة اللاحقة التي يمارسها قضاء الدولة سواء عند تنفيذ حكم التحكيم، أو عند الطعن عليه بالاستئناف، أو عند رفع دعوى لبطلانه، تتطلب منه أن يعلن عدم اختصاصه بنظر النزاع، ذلك أن هذه الرقابة هي التي تحقق له الوقوف الحقيقى على صحة اتفاق التحكيم الدولي، إذ أنه بصدور حكم التحكيم يكون المحكم قد بحث مسألة صحة الاتفاق، وأخذ الوقت الكافي للاستماع إلى إدعاءات الخصوم وحسم هذه المسألة.